المحتوى الرئيسى

حرب العصابات (2/ 2): بين أبو بكر البغدادي وهو تشي منه

04/08 20:09

1- فيتنام.. اغسطس من عام 1964.. اعلن رئيس الولايات المتحدة ليندون جونسون ان مدمرتين امريكيتين قد هوجمتا في خليج تونكن بعيدا عن ساحل فيتنام الشمالية. ارتاب بعض الامريكيين في ان يكون الهجوم قد حدث، ولم يؤكد الهجوم فيما بعد علي الاطلاق. ولكن الرئيس جونسون امر بهجمات جويه امريكيه ضد فيتنام الشماليه.

2- العراق.. مارس من عام 2003م.. وبعد شد وجذب عن حقيقه امتلاك العراق لاسلحه نوويه، اعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش انطلاق حربه لتحرير العراق.

         ||سنقضي علي اله الترهيب وسنساعدكم علي بناء عراق مزدهر وحر. ولن يشهد العراق الحر حروبًا عدوانيه علي جيرانكم، ولا مصانع للسموم، ولا عمليات اعدام للمنشقين، ولا غرف تعذيب، ولا غرف اغتصاب. سيرحل الطاغيه قريبًا. ويوم تحرركم قد اقترب||

         ||الطريق الوحيد لخفض الضرر ومده الحرب هو في استخدام القوه المطلقه لقواتنا وعظمتها، ونحن مستعدون لذلك||

بالطبع لم تكن هذه بدايه الاحداث..

          ||you can kill ten of our men  for every one we kill of yours,But even at those Odds you will lose we will win||

          ||بامكانك ان تقتل عشره من رجالنا مقابل كل واحد نقتله من رجالكم. لكن حتي امام تلك الحسبه، انتم ستخسرون ونحن سننتصر||

بدا التدخل الامريكي الفعلي في فيتنام مباشره بعد هزيمه فرنسا امام الحلف الثوري لاستقلال فيتنام بقياده (هو شي منه)* في ديان بيان فو 1954. عقد بعدها مؤتمر للسلام في جنيف الذي قضي بتقسيم البلاد الي شطرين: الشطر الشمالي شيوعي عاصمته هانوي، والشطر الجنوبي يرتبط بعلاقات وثيقه مع الغرب عاصمته سايغون. كما قضت ايضا هذه المعاهده باقامه انتخابات تجمع شطري البلاد عام 1965 لاعاده توحيدها. هذا السعي الذي عارضته الولايات المتحده؛ فهو يفقدها موطا قدما بجوار بكين وموسكو، ويفقدها خانه علي رقعه الشطرنج في سياق الحرب الباردة بين القطبين.

كانت حكومه الشمال الشيوعيه عازمه علي اعاده توحيد الشطرين. وبينما قوض الجنوب بدعم امريكي هذه المحاوله، ساندت حكومه الشمال الاعمال الثوريه في الجنوب، ودعمت ما سمي بالـ (فيت كونج في) ثورتهم. وفي عام 1960، تم تاسيس جبهه التحرير الوطني، وهي الاطار التنظيمي السياسي والعسكري الذي سيتولي مهمه الحرب ضد حكومه سايغون.

في ابريل من 1960، اعلن الرئيس كينيدي وقوف بلاده التام خلف حكومه الجنوب وتوقيع معاهده صداقه معها. ومن هنا بدا يتوالي الحشد الامريكي لعدته وعتاده. حاولت الولايات المتحده بطرق مختلفه وقف خطوط الامداد بين الشمال والحركات المسلحه في الجنوب. ومع الاضطرابات الداخليه في الجنوب الفيتنامي، وفشل الحكومه في الحفاظ علي استقرار البلاد، توالت الانقلابات العسكريه وتزايدت العمليات العسكريه من الشمال ومن المسلحين في الجنوب؛ الي ان ارتات امريكا ان عليها ان تدير الامر بطريقتها.

اذن.. استهدفت الاستراتيجيه الامريكيه قطع خطوط الامداد بين الشمال والجنوب؛ ومن ثم تاديب الحكومه الشيوعيه في الشمال واجبارها علي التراجع عن مخططاتها في تحقيق الوحده او دعم الثوار الشيوعيين في الجنوب (الفيت كونج).

يمكننا ان نقسم الحرب الامريكيه - الفيتناميه الي عده تفاعلات تختلف في طبيعتها وفي سياقها الزمني والمكاني. ونحاول ان نؤطرها بنظريه (التفاعلات الاستراتيجيه).. (راجع الجزء الاول)

التفاعل الاستراتيجي الاول: حرب بربريه (امريكيه) × دفاع مباشر (الشمال الفيتنامي) (عمليه الرعد):

بدا في مارس 1965 عمليه قصف جوي استراتيجي امريكي علي الشمال الفيتنامي كانت تهدف الي تركيع اراده الفيتناميين وثنيهم عن دعم الثوار في الجنوب الفيتنامي. ولم تصمم هذه العمليه للاطاحه بحكومه الشمال الشيوعيه وانما كانت تهدف الي الضغط عليها وتضييق الخناق واحداث الخسائر الكافيه لثنيها عن دعم الثوره المسلحه في الجنوب. وبينما قررت الاداره زياده وتيره العمليات الجويه، اصبح فشلها امرا واضحا للعيان. فعلي الرغم من كم الدمار الواسع الذي حققته، الا انها لم تنجح في تحقيق اهدافها من الضغط علي الحكومه بما يثنيهم عن دعم الحركات الشيوعيه في الجنوب. بل بالعكس، ادت هذه الهجمات الي زياده الشعور بالوطنيه وروح الانتقام من الهمجيه الامريكيه مع تزايد الرغبه في التضحيه والانتقام، بل وقوت ظهر النظام الشيوعي في فيتنام. وهذا النوع من القصف الذي لا يستهدف فقط الاهداف العسكريه يعد نوعا من جرائم الحرب البربريه. وقد استمرت هذه العمليه الي نوفمبر من عام 1968، وتوقفت قبل اسبوع من بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وهنا نجد فاعلا قويا (امريكا) يشن حربا بربريه امام فاعل ضعيف (الشمال الفيتنامي) الذي مارس الدفاع المباشر. وفشل الفاعل القوي في تحقيق اهدافه.

التفاعل الاستراتيجي الثاني: هجوم مباشر (امريكا)  × دفاع مباشر(الشمال الفيتنامي):

1965 - 1969 شهدت هذه الفتره مجموعه من المعارك بين القوات الأمريكية وحليفها الجيش الفيتنامي الجنوبي، وبين الجيش الفيتنامي الشمالي وحليفه في الجنوب الفيت كونج. وشهدت هذه المعارك انتصارت ساحقه للقوات الامريكيه التي جمعت بين اسلحتها التكتيكيه علي الارض وبين سلاح الجو والمدفعيه الثقيله. وبمرور الوقت بدات، تقل وتيره هذا النوع من المعارك المباشره، ويعكس هذا نوعا من التطور لدي الجيش الفيتنامي الشمالي الذي ادرك انه في هذه المرحله يحارب الامريكيين وفقا لقواعدهم، فبدا في التحول عن استراتيجيته السابقه الي استراتيجيه حرب العصابات عن طريق القتال عن قرب والكر والفر، مما حرم الجيش الامريكي من التمتع بغطاء جوي فعال.

التفاعل الاستراتيجي الثالث: هجوم مباشر (امريكا) × حرب عصابات ( الجنوب الفيتنامي) (1):

شنت العصابات في الجنوب حربا منظمه علي السلطه المتعاونه مع امريكا، مع قدر كبير من الاحترافيه. وقابلتها الولايات المتحده بقوات منظمه قامت بعمليات بحث وتدمير بناء علي معلومات مخابراتيه. وبينما اعتمد الجنوب علي الدعم الجوي والمدفعي القوي من امريكا بدا ميزان القوه يميل لصالح العصابات مع فشل لهذه الاستراتيجيه نتيجه لكثره الاصابات في جانب المدنيين.

وعلي جانب اخر قامت الولايات المتحده في بعض المناطق بتجنيد الفلاحين وتسليحهم مع دعم جوي ومدفعي، ومن قوات المارينز؛ ولاقت هذه الاستراتيجيه نجاحا نسبيا. ولكن في النهايه لاقت القوات الامريكيه فشلا ذريعا في القضاء علي هذه العصابات لان القوات الامريكيه دربت في المقام الاول لخوض حرب امام قوه منظمه ذات قوه ناريه كبيره وليست امام مجموعه من الاشباح.

التفاعل الاستراتيجي الرابع: حرب بربريه (امريكا) × حرب عصابات (الجنوب الفيتنامي) (2):

طورت القوات الامريكيه نوعين من الاستراتيجيه للتعامل مع هذه العصابات:

الاولي شملت تهجير الفلاحين من قراهم في المناطق المستهدفه وجمعهم في معسكرات تشرف عليها الحكومه الجنوبيه. وهدفت هذه الاستراتيجيه الي تدمير البنيه التحتيه للعصابات والدعم الشعبي الذي كانت تحصل عليه من المدنيين.

الاستراتيجيه الثانيه (العنقاء): وهي عباره عن برنامج مخابراتي استهدف القضاء علي قيادات الفيت كونج وتدمير بناها التحتيه مجبره الجنود علي التراجع الي قواعدهم في كمبوديا بعد خلخله صفوفهم. وهذا البرنامج يعد الوحيد الذي حققت فيه امريكا نصرا فعليا. وبين عامي 1968 - 1972 قتلت امريكا ما يزيد عن الـ 26 الفا من قيادات الفيت كونج ومنتسبيها ودوائر دعمها. هذا، غير عشرات الالاف الاخرين الذين تم اسرهم وتعذيبهم بطرق مختلفه.

ولكن هذه الاستراتيجيه (هاملت - العنقاء) اثارت استياء الجنوبيين ودفعت العديد منهم لمسانده العصابات.

لماذا اقحمت الولايات المتحدة الإمريكية نفسها في المعترك الفيتنامي؟! وهل كانت فيتنام تمثل مصلحه حيويه لفيتنام ام لا؟! ثم لماذا انسحبت؟!

لم يتفق المؤرخون ابدا.. هل كانت فيتنام مصلحه حيويه للولايات المتحده ام لا. ولكن ما اتفقوا عليه هو ان امريكا اعتقدت انها سوف تكون كرحله بسيطه، وباستخدام بسيط للقوه، يمكنها ان تعيد الاستقرار للنظام السياسي في جنوب فيتنام ثم تغادر. ولكن في النهايه وبصوره دراميه اصبح مصير الجنوب الفيتنامي مرتبطا بسمعه الولايات المتحده ومكانتها كقائد للعالم الحر.

والحقيقه ان انسحاب الولايات المتحده من فيتنام كان بسبب الضغط الداخلي للراي العام. وذلك لان الجيش الامريكي لم يقاتل بفاعليه كما كان متوقعا منه. ولكن في نفس الوقت اثبت الجيش الامريكي مرونه كبيره في تطوير تكتيكاته الحربيه بسرعه. ورغم ان عام 1969 انتهي بنصر امريكي؛ الا ان الحرب استمرت لاربعه اعوام اخري.. حامله الهزيمه للجيش الأمريكي.

ان الانسحاب المذل للجيش الامريكي من فيتنام كان نتيجه لسببين رئيسين:

الاول اعتقاد اداره الحكومة الأمريكية ان هزيمه الجيش الفيتنامي الشمالي سوف يدفعه الي الاستسلام لمطالب امريكا ووقف الدعم عن الثوار الجنوبيين .. ولكن ذلك لم يحدث ... فقط انسحب الجيش الفيتنامي الي ما خلف خطوط (نزع السلاح) واعاد تنظيم دفاعاته منتظرا خروج الولايات المتحده ليكتسح الجنوب الفيتنامي معيدا توحيد الشطرين.

الثاني ان الهزيمه العسكريه للثوار الجنوبيين والجيش الشمالي اخذ وقتا طويلا لتحقيقه مما اثر علي الرأي العام الامريكي ليس فقط لان امريكا تمتلك جيشا من اقوي الجيوش علي الارض مدعما باحدث التكونولوجيا  ولكن ايضا لان امريكا وفي حروبها السابقه اعتقدت ان قضيتها عادله وتستحق الوقوف من اجلها وهذا ما افتقدته الحرب في فيتنام ولم تسعي الادارات المتلاحقه الي اثارته.

خلاصه: امتلك الشمال الفيتنامي نوعين من الجيوش: جيشا نظاميا مدربا علي مواجهات مباشره ونوعا اخر مدربا ومعدا لحروب العصابات لذا يكون الشمال اكثر مرونه من الجنوب المتحالف مع امريكا في تغيير استراتيجيته بين المواجهه المباشره او حروب العصابات مما قاده في النهايه الي النصر.

يمكننا ان نلحظ التشابه الشديد بين الحرب في العراق و الحرب في فيتنام .. بل يكاد يعد تطابقا .. بدايه من الظروف المحيطه بالحرب ..

1- دوله تعد نفسها قائد العالم الحر تواجه خطر ضياع هيبتها بعد ضربات 11 سبتمبر او امام  الاتحاد السوفيتي .

2- فكره الحرب غير العادله والغير مبنيه علي قضيه حقيقيه خصوصا بعد ان ظهر الكذب الامريكي في ادعائه بوجود الاسلحه النوويه كما لم تظهر امريكا سابقا اي دليل علي قصف مدمراتها قباله سواحل شمال فيتنام.

انتهت الحرب ولكن بعد ان عاني الفيتناميون مثلما عاني الشعب العراقي ..فقد قُتل في الحرب ما يزيد عن المليون و المائه الف .. هذا غير ثلاثه ملايين من الجرحي .. لم تكن الحرب نزهه كما توقعت امريكا ولم تكن كذلك للشعب الفيتنامي ولكنه في النهايه انتصر بعد الفظائع التي مورست بحقه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل