المحتوى الرئيسى

«القط سندباد» يفتح ملفًا ثقافيًا طريفًا

04/08 13:03

لعله القط المصري “سندباد” كما اسماه الانجليز هو صاحب الفضل في فتح هذا الملف الثقافي الطريف حول الحيوان بين الثقافتين العربيه والغربيه بعد ان قطع الاف الاميال مختبئًا في حاويته من الثغر السكندري الي ميناء انجليزي بعيد ليثير عاصفه من التعليقات هنا وهناك ويعيد للاذهان ما قد يتواري في ضجيج الايام !.

والقط البني المخطط الذي اشتهر بعد تداول صوره في انحاء العالم قطع علي ظهر سفينه شحن تسلل لها في الاسكندريه مسافه 3000 ميل واكتشفه افراد من طاقم شركه بريطانيه كانت تنقل منسوجات مستورده من مصر عندما سمعوا مواء ينبعث من داخل احد الصناديق.

وفي رحلته الطويله من الاسكندريه الي ميناء هيرفورد شاير الانجليزي بقي هذا القط علي مدي 17 يومًا دون طعام او شراب فيما اعلنت “دار الرعايه الملكيه” التابعه لجمعيه الرفق بالحيوان في بريطانيا ان “سندباد سيبقي قيد الحجر الصحي لمده اربعه اشهر”.

وكانت قصه القط المصري الذي قدرت تكاليف علاجه بنحو 2000 جنيه استرليني قد اثارت تعليقات شتي سواء علي مستوي الصحف ووسائل الاعلام التقليديه او الالكترونيه ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر وبريطانيا.

وفيما توالت تعليقات مصريه لا تخلو من طرافه تتحدث عن “قطتنا المصريه المحظوظه التي حظت بمعامله ملكيه في بريطانيا” اعتبرت لورا كوين في جمعيه الرفق بالحيوان التي تعتني بالقط المصري المنهك ان حالته “فريده”، مؤكده انه “شييء مذهل ان ينجو سندباد بعد هذه الرحله الطويله بلا زاد يعينه علي الحياه”.

ولعل قصه “القط سندباد” بطرافتها تزيل قدرًا من الاستياء والمراره التي شعر بها كثيرون في مصر حيال قيام بعض الاشخاص بتقييد كلب في عمود اناره وتعذيبه وذبحه فيما قضت محكمه جنح شبرا الخيمه مؤخرًا بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ لثلاثه متهمين حضوريًا وغيابيًا علي متهم رابع بعد ادانتهم في واقعه تعذيب وذبح الكلب.

ولئن كان الجاحظ عملاق الادب في العصر العباسي قد اختار “الحيوان” عنوانًا لعمل ثقافي عربي خالد في تاريخنا الثقافي ناهيك عن الكتاب الخالد “كليله ودمنه” حيث يتعلم الصغار القصص ذات المغزي الاخلاقي علي السنه الحيوانات فان الثقافة الغربية تعالج دومًا قضايا الحيوان وتتوالي الطروحات الجديده بطرافه وعمق معًا.

وفي طرح بالانجليزيه بعنوان :”كلاب دانتي” يتناول الكاتب الارجنتيني الاصل البرتو مانجويل توظيف الشاعر دانتي للكلاب في عمله الاشهر “الكوميديا الالهيه” وتشبيه كائنات جحيميه بالكلاب .

والكوميديا الالهيه لدانتي اليغييري ابن فلورنسا الذي ولد في الاول من يونيو عام 1265 وقضي في الرابع عشر من سبتمبر عام 1321 تتوزع كواحده من اعظم الملاحم الشعريه علي ثلاثه اقسام هي :الجحيم والمطهر والفردوس فيما تضمنت كائنات مخيفه متعدده الرءوس الكلبيه.

ومن حق من يقدرون الخصال الطيبه والوفيه للكلاب ان يغضبوا من دانتي الذي تفنن في ملحمته الشعريه في ابراز شراسه الكلاب واتخذ منها مثالا لشراسه ووحشيه كائناته الشيطانيه في الملحمه وحتي الخونه اختار لهم وجوها بملامح كلبيه.

وفي هذا الطرح الذي جاء ضمن كتاب جديد عن “طرائف مانجويل” ها هو الكاتب البرتو مانجويل يرصد الصفات التي اختارها دانتي للكلاب في ملحمه “الكوميديا الالهيه” فاذا بها: الغضب والطمع والوحشيه والجنون والقسوه وهي صفات خلعها علي الكائنات التي زج بها في الجحيم وجعلها من سكاتن جهنم.

ورغم كل الخصال الطيبه للكلاب فان البرتو مانجويل يعيد للاذهان انه حتي اللحظه الراهنه مازال وصف شخص ما بانه “كلب” يعد من قبيل الاهانه ويدخل في باب الشتائم في كل اللغات تقريبا بما في ذلك اللغه الايطاليه التي كتب بها دانتي “الكوميديا الالهيه”.

ولئن ذهب البعض الي ان دانتي تاثر في هذه الملحمه برساله الغفران للشاعر العربي ابو العلاء المعري ان لم يكن قد سرق الفكره ككل منه لا يجوز تناسي ان الكلب اعدي اعداء اللصوص كما ورد الكلب الضخم الكبير الراس الذي عاده ما يخصص للحراسه والمعروف باسم “درواس” في ملحمه دانتي.

وعند الشاعر الروماني الشهير فيرجيل تدل الكلاب علي الغضب العظيم ولعل الاستثناء الوحيد الذي منح فيه دانتي صفات ايجابيه للكلاب يتمثل في الكلب “فيلترو” الذي ورد ذكره في سياق رحله لفيرجيل.

اما غير ذلك فان دانتي خلع اشنع الصفات علي الكلاب بصوره تدعو للتساؤل عن سر كراهيته لها بينما تحظي بحب وتقدير الكثير من البشر سواء في عصره او في عصرنا هذا؟!..هل يكون السبب ان دانتي عاش حياه غير مستقره وكتب اغلب اعماله في المنفي بعيدا عن بيته في فلورنسا؟!.

الكاتب الارجنتيني البرتو مانجويل ذاته يبدي دهشته من تحامل دانتي علي الكلاب مستعيدا الكثير من الصور التي نعرفها عن وفاء الكلاب بل ونبلها ولعلها اكثر الكائنات بين الحيوانات حبا للبشر كما ذهب برونيتو لاتيني وهو استاذ دانتي ومعلمه.

ويري مانجويل ان دانتي لم يكن بمقدوره ان ينظر لاي منزل سكنه في حياه المنفي باعتباره بيته الذي اضطر للخروج منه في فلورنسا التي عشقها رغم انه لعنها فكانها كانت معشوقه يحبها لجمالها ويكرهها لاخطائها وخطاياها في حقه !..لكن :ما ذنب الكلاب؟!!.

سؤال يبدو انه يثير حيره الكاتب الارجنتيني البرتو مانجويل لحد انه راح ينقب في كل صغيره وكبيره تتصل بعلاقه دانتي وافراد عائلته بالكلاب ومضي يضع افتراضات يفاضل بينها لعله يصل لسبب كراهيه هذا الشاعر العظيم للكلاب التي يبدو ان مانجويل يحبها كثيرا حتي انه يمنح الكلب وصفا بديعا هو :”الخادم الذي يشعر دوما بالامتنان لسيده”.

من هنا يعمد البرتو مانجويل “للتاويل” معتبرا ان الحياه المضطربه التي عاشها دانتي في المنفي لم تتح له رؤيه الاشياء كما هي ومن ثم كانت سببا لتحامله علي كائن وفي ونبيل كالكلب كما انه يؤكد علي ان “الكوميديا الالهيه” ذاتها كصرح ابداعي انما كانت فضاء للتاويل والاستعارات والمرامي البعيده لدانتي التي تتجاوز بكثير هجائه للكلاب ككائنات وقد يكون اطرف ما في الامر ان مانجويل نظر لدانتي في بعض مراحل حياته المضطربه “ككلب شريد في براري الدنيا وسط تقلبات وصروف الدهر” !.

وفي التراث الغربي كما يقول البرتو مانجويل فان الكلاب تشعر بحضور الملائكه قبل ان يشعر بها البشر اما التراث العربي فحافل بالقصص التي تشيد بخصال الوفاء والنبل للكلاب وان كانت بعض الكلاب تصاب بسعار لتثير الفزع كما حدث مؤخرا في مدينه السنبلاوين بمحافظه الدقهليه والتي ذكرت صحف مصرية انها عاشت ساعات عصيبه بعد ان بلغ عدد المصابين بعقر كلب مسعور 23 شخصا .

وفي طرح بعنوان “الادباء والحيوان”قال الكاتب المصري الكبير وديع فلسطين انه مادام الادب نافذه تطل علي الحياه بكل مافيها فقد تعامل الادب مع الحيوان باساليب شتي معيدا للاذهان ان الاديب الراحل توفيق الحكيم مثلا اختار الحمار ليكون فيلسوفه الناطق بلسانه والمعبر عن ارائه والمحاور الذي لايمل من الحوار معه.

ويضيف انه عندما اصدر الكاتب طاهر الطناحي كتابه “حديقه الادباء” اثر ان يصور توفيق الحكيم في صوره عصفور ربما استيحاء من روايته “عصفور من الشرق” لافتا الي ان طاهر الطناحي اقدم علي محاوله غير مسبوقه في هذا الكتاب حيث اختار لكل اديب حيوان او طائر يناسبه.

وهكذا فطه حسين “كروان” وعباس محمود العقاد “عقاب” والعالم الاديب احمد زكي “ديك” وعزيز اباظه “بلبل” والشاعر ابراهيم ناجي “سنجاب” واحمد لطفي السيد “نسر” والشاعر اللبناني ميخائيل نعيمه “طاووس” وفكري اباظه “بولدوج” ومحمود تيمور “هدهد” وامير بقطر “ابو قردان”.

اما احمد رامي ففراشه وامينه السعيد “زرقاء اليمامه” واحمد امين “مالك الحزين” ربما لانه لم يكن يعرف الابتسام كما يقول الكاتب الكبير وديع فلسطين معيدا للاذهان ان العقاد قد ذهب الي شييء من هذا عندما قرر عقد ندوته الاسبوعيه في باديء الامر بجزيره الشاي في حديقه الحيوان بالجيزه.

ومع ان الشاعر الكبير فاروق جويده قد اقر بانه لا يحب الكلاب كثيرا وان كان قد سمع قصصا كثيره عن وفائها حتي ان العرب قديما كانوا اذا مدحوا انسانا ، قالوا انه يشبه الكلب في وفائه فانه يستنكر وصف شخص ما بالكلب من قبيل الاهانه ، معتبرا ان “الكلب لا يستحق هذه الاهانه” لافتا الي ان “الكلاب لا تذبح بعضها” كما يفعل بعض البشر !.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل