المحتوى الرئيسى

المخطط الوطني المكاني والاستيطان الفلسطيني

04/07 13:57

الجدل القائم.. عن اي مكان نتحدث؟

كغيرها من القوانين والخطط الوطنيه، تطل علينا من ادراج الحكومه الفلسطينيه، ودونما سابق انذار، مخططات مكانيه ترسم ملامح التنظيم المستقبلي لاراضي الدوله الفلسطينيه المرتقبه علي حدود الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما بات يعرف بالمخطط الوطني المكاني.

وحسب وزارة التخطيط والتنمية الإدارية الفلسطينية، فان المخطط ياخذ بعين الاعتبار البعد المكاني في توجيه التنميه، ويحقق الاستغلال الامثل للموارد المتاحه، ويتضمن رسم السياسات والخطوط العريضه الموجهه لتوزيع الاستثمارات مكانياً وقطاعياً، وتحديد اتجاهات النمو الحضري المتوقع.

ويشتمل ايضاً علي مخطط وطني عام متكامل للطرق والمواصلات وباقي مرافق البنيه التحتيه الاساسيه الاخري. 

حسب اتفاقيه اوسلو، فقد تم تقسيم اراضي الضفه الغربيه الي اراضي (ا) و(ب) و(ج)، حيث تخضع اراضي (ا) لولايه السلطة الفلسطينية اداريا وامنيا، وتشكل (17%) من مساحه الضفه الغربيه، وهي مناطق التجمعات السكانيه، اما اراضي (ب)، فتخضع اداريا لولايه السلطه الفلسطينيه، وامنيا للولايه الاسرائيليه، وتشكل (20%) من مساحه الضفه الغربيه. بينما اراضي (ج)، والتي تشكل قرابه (63%) من اراضي الضفه الغربيه، فتخضع اداريا وامنيا للسلطات الاسرائيليه.

ومن اللافت ان (97%) من المستعمرات الاسرائيليه في الضفه الغربيه مقامه علي الاراضي (ج)، (تستحوذ علي (82%) من مجموع العمران علي تلك الارض، ويبقي للعمران الفلسطينيني (18%) منه، و(1.2%) علي الاراضي (ا)، و(1.9%) منها علي الاراضي (ب)، اي ان مجموع الاراضي التي يبتلعها الاستيطان الاسرائيلي في الضفه الغربيه من اراضي السياده الاداريه الفلسطينيه (ا) و(ب) يقدر بحوالي (16.600) دونم، الامر الذي يعني بكل بساطه انه ليست هناك ارض فلسطينيه خارج حسابات الاستيطان.

وفقا للمخطط المكاني المقترح، فانه سيتم تقسيم اراضي الضفه الغربيه الي اراض سكنيه، واخري خضراء، واخري ذات اطلاله طبيعيه، واخري اثريه، واخري زراعيه، حيث سياخذ المخطط بالاعتبار احتياجات الاجيال القادمه من مساحات خضراء ومحميات طبيعيه، ويمنع اي مواطن فلسطيني من البناء في تلك المساحات التي يقع معظمها في الاراضي (ج) كثيفه المستوطنات، وبعضها الاخر في الاراضي (ا) و(ب) بمحاذاه التجمعات السكانيه التي لم تسلم من الاستيطان. 

وهنا لا بد من اثاره بعض التساؤلات المشروعه:

اولا: لماذا لم يتم استشاره المجالس المحليه والبلديه بتفاصيل الجزئيات الواقعه ضمن اراضي تلك القري والبلديات لتقليل الضرر الواقع علي اصحاب الاراضي التي ستفقد نتيجه هذا المخطط الجزء الاكبر من قيمتها السوقيه بسبب استحاله او تعقد اجراءات البناء فيها؟

ثانيا: لماذا لم يتم اشراك خبراء من ذوي الاختصاص في مجال الاستيطان الاسرائيلي لتحييد الاراضي المهدده بالاستيطان من تلك المخططات؟

ثالثا: لماذا يتم وضع استراتيجيه زراعيه بعيده المدي في الوقت الذي نفتقر فيه لاي استراتيجيه قصيره المدي؟

رابعا: ما هي الضمانات التي تسوقها الحكومه لمنع الاستيطان الاسرائيلي علي تلك الارض بعد منع الفلسطينيين من البناء عليها؟ الم يكن لنا في اتفاقيات اوسلو وباريس عبره؟

خامسا: حين يطل علينا القائمون علي المشروع بتصريحات مفادها ان المناطق الخضراء الممنوعه من البناء من قبل الفلسطينيين لن تتجاوز مساحتها (4%) من مساحه الضفه الغربيه، الم يتنبه اولئك ان (650) الف مستوطن اسرائيلي يعيشون حاليا علي اقل من (4%) من مساحه الضفه الغربيه؟

سادسا: الم يكن من الاجدي علي الجهات الاجنبيه المموله لهذا المشروع ان تبدا بتمويل تاسيس ما نفتقده من شركات تسويق زراعي، وتامين زراعي، واقراض زراعي، وبحث وتطوير زراعي، بدلا من الرهان علي مخططات مكانيه قد تسهّل علي الجانب الاسرائيلي الاستيلاء والاستيطان علي هذه الارض؟

سابعا: هل تم الاخذ بالاعتبار الارتفاع الكبير اصلا في اسعار الاراضي السكنيه في محيط المحافظات والبلديات الفلسطينيه، والارتفاعات المتوقعه عليها نتيجه زياده ندره ومحدوديه تلك الارض التي سيتحول جزء منها الي مساحات خضراء ومحميات طبيعيه؟

لن اشكك هنا بسلامه نوايا الحكومه الفلسطينيه من ذلك المخطط، لكني اشكك بنوايا المانحين، وبشموليه الرؤيه لدي القائمين عليه.

الجدل القائم.. عن اي مكان نتحدث؟

لا يجب ان تمر التصريحات الاخيره لنائب وزير الجيش الاسرائيلي داني دانون حول استبعاده لحل الدولتين، وايمان حكومته الراسخ ان المساله لا تعدو كونها مساله وقت حتي تصل اسرائيل للتفوق الديمغرافي المنشود علي اراضي الضفه الغربيه، وبالتالي تحويل من سيتبقي من فلسطينيين الي مستوطنين في تجمعات سكانيه محدوده، يتولي الاردن تنظيم شؤونهم الاداريه، دون اي سياده امنيه للاخيره علي الارض.

لا اعتقد ان المساله بحاجه لتفكير او تحليل عميق لاصل لنتيجه مفادها ان المخطط المكاني المزعوم قد يصب (دونما نيه مبيته) في مصلحه الخطط الاسرائيليه الاستيطانيه علي اراضي الضفه الغربيه، عندها عن اي مكان سنتحدث؟ اشكال الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مفتوحه ومتنوعه، وليس الصراع الديمغرافي باقلها اهميه.

هناك حقيقه علي الارض مفادها ان الاحتلال الاسرائيلي لا يستوطن علي اراض مسجله رسميا باسماء اصحابها، وهي الاراضي التي اصطلح علي تسميتها اراضي (الطابو)، وهو ما حمي اراضي جنين من الاستيطان الاسرائيلي بعد ان قامت السلطات الاردنيه باعمال التسويه (الطابو) لمعظم اراضيها خلال حكمها للضفه الغربيه ما قبل الرابع من حزيران عام 1967.

تلك الحقيقه لا تعني بالضروره عدم قدره الاحتلال الاسرائيلي علي الاستيلاء علي تلك الاراضي بالقوه لاغراض الاستيطان، بل هي نظره للامام بخطوات استباقيه تُخرج الجانب الاسرائيلي من اي مساءله دوليه قد تتعرض لها مستقبلا في حال تم البدء بفتح ملف الاستيطان في عمليه التسويه النهائيه للقضيه الفلسطينيه، او في حال تغيّر موازين القوي في المنطقه.

ومن المؤسف في هذا الاطار ان نجد (64%) من اراضي (ا) و(ب) الخاضعه اداريا لولايه السلطه الفلسطينيه، ما زالت غير مشموله باعمال التسويه، ما يجعل عمليه تسجيلها بجهود شخصيه من مالكيها امرا شبه مستحيل نظرا لتعقيد الاجراءات القضائيه من جهه، وارتفاع التكاليف من جهه اخري.

والامر لا يختلف كثيرا في حال الاراضي (ج) الخاضعه اداريا لولايه سلطات الاحتلال الاسرائيلي، حيث عمليات التسويه والتسجيل تتم من خلال الجانب الاسرائيلي، وبتكلفه اعلي من تكلفه تسجيل الاراضي الخاضعه لولايه السلطه الفلسطينيه، ما يعني ان امكانيه تسجيل تلك الاراضي متاحه، لكن ضمن اجراءات وترتيبات اكثر تعقيدا.

اعتقد جازما ان عزل اجزاء من الاراضي الفلسطينية تحت اسم الاراضي الخضراء او المحميات الطبيعيه ومنع عمليات البناء فيها ضمن المخطط المكاني المقترح، في وقت لم تقدم فيه السلطه الفلسطينيه اي جهد جاد علي مدي العشرين عاما الماضيه باتجاه تسويه الاراضي الخاضعه لولايتها وتلك الخاضعه لولايه الاحتلال الاسرائيلي ضمن حدود الضفه الغربيه تحديدا، سيخدم بالضروره مخططات الاستيطان الاسرائيلي الراميه لبتر كل ما يثبت وجودنا علي الارض عمرانيا او اجرائيا.

وتستحضرني ضمن هذه الجزئيه حاله مستوطنه (حومش) التي قامت علي اراضي قري برقه وبزاريا وسيله الظهر وجبع شمال الضفه الغربيه، والتي قام الاحتلال الاسرائيلي باخلائها العام (2005) بعد ثلاثين عاما من الاستيطان والمعاناه.

فبدلا من توجيه الجهود الرسميه لاعمار تلك المنطقه واستيطانها فلسطينيا، نجد ان تلك الاراضي قد وقعت ضمن المساحات الخضراء الممنوعه من البناء وفقا للمخطط الوطني المكاني، علي الرغم من ان تلك المناطق تعرضت لعده محاولات من قطعان المستوطنين لاعاده استعمارها مره اخري.

في تقديري، فان مشروع المخطط المكاني هو نتاج تمويل سخي من المانحين لا اعتقد انه انبثق من اولويه تنمويه وطنيه بحته، فعمليه التنظيم المكاني للارض للاجيال القادمه يجب ان يُسبق بتثبيت وجودنا علي هذه الارض، فالمخطط المكاني المقترح يراهن علي حسن النوايا الاسرائيليه في حل الدولتين، وهو ما ثبت بطلانه علي ارض الواقع، ويراهن علي بصيره ثاقبه للمانحين تخولهم رسم اولويات التنميه لدينا، ويبدو اننا بالغنا في حسن الظن.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل