المحتوى الرئيسى

التديّن المصري كمزيج من المذهب السنّي والمذهب الشيعي الموروث عن الفاطميين

04/05 12:01

شكلت الطقوس الفاطميه جانباً كبيراً من مظاهر احتفالات المصريين بالمناسبات الدينيه، وساهمت تركيبه الشخصيه المصريه المولعه بالبهجه وحب ال البيت، في تعزيز هذه الممارسات، مع تفاوت متباين في درجه الالتزام بجمله الثوابت الفقهيه التي تميّز المذهب الشيعي الاسماعيلي.

والي اليوم لا يزال المصريون يتمسكون بمعطيات ثقافيه نشات مع الدوله الفاطميه التي حكمت مصر ما يقارب القرنين من الزمان، ثم عبرت الاجيال من دون ان تشيخ. وذلك برغم ان العديد من المصادر التاريخيه تؤكد ان صلاح الدين الايوبي شن حملات لطمس اثار الفاطميين وثقافتهم، واشتد بطشه بهم الي حد قيامه بحرق كتبهم وتحديداً مكتبه "دار العلم" التي كانت تضم مليوني ومئتي الف كتاب، فضلاً عن عشرات الوثائق والمخطوطات المهمه الداله علي فترتهم، والتي كان من شانها ان تساعد علي تاريخ حكمهم بشكل افضل.

ونجح الايوبي الي حد ما في قلقله هذا التاريخ في اذهان المصريين، ابان حكمه. هذا ما اجمع عليه محمود مرسي، استاذ الاثار الاسلاميه بكليه الاثار في جامعه القاهره، وزبيده عطا الله، استاذه العصور الوسطي بكليه الاداب في جامعه حلوان، ومحمود اسماعيل، استاذ التاريخ الاسلامي بكليه الاداب في جامعه عين شمس، في ندوه عقدتها لجنه التاريخ بالمجلس الاعلي للثقافه في ديسمبر 2010، وادارها الدكتور حسنين ربيع.

ولكن ظلت الطقوس الروحيه الفاطميه حيّه في اوساط بعض المريدين الذين استطاعوا ان يحفظوها ويتناقلوها جيلاً بعد جيل الي عصرنا هذا. وبحسب البعض، اتخذ هؤلاء من التصوف حيله وستاراً اظهروا من خلاله التسنن مضمرين التشيع، الي ان استطاعت الصوفيه ان توفر لهم حاضنه اجتماعيه لممارسه شعائرهم من دون رقيب.

وفي دراسه بعنوان "الشيعه في مصر"، اشار الكاتب صالح الورداني الي ان مصر ما زالت تحتفظ ببعض الممارسات المرتبطه بالتشيع، معتبراً ان الحركه الصوفيه عكست في بدايه ظهورها انهيار الدوله الفاطميه واتت تطبيقاً لمبدا "التقيه"، فقد تذرع المصريون بالتصوف للهروب من بطش صلاح الدين.

وبمرور الوقت تحول التسنن، علي يد الابناء والاحفاد، من مجرد ادعاء الي حقيقه. وتجدر الاشاره الي ان الزعيم احمد عرابي الذي قاد الثوره العرابيه في مصر هو من نسل "الاشراف" الذين يرون انهم ينتسبون الي ذريه علي بن ابي طالب.

تتصدر الاحتفالات الرمضانيه العادات الموروثه عن الفاطميين، ولا تنافسها سوي احتفالات المولد النبوي الشريف، ثم تليهما من حيث الشيوع والممارسه احتفالات رإس إلسنه الهجريه، وليله النصف من شعبان، واحياء الموالد الشعبيه، وزياره الاضرحه تبركاً بال البيت، وحلقات الذكر والتفقير، وطقوس الموتي (طلعه اليوم الخامس عشر للمتوفي والاربعين). 

وتتنوع مظاهر الطقوس الرمضانيه الفاطميه، ومنها: المسحراتي وهي عاده حرص عليها الفاطميون في مصر، وتولاها الخليفه الفاطمي المعز لدين الله بنفسه في بدايات عهدهم في القاهره.

ويرجع فانوس رمضان الي ليله دخول المعز لدين الله الفاطمى الي القاهره، التي وافقت اول ليله في رمضان. حينذاك امر القائد الفاطمي جوهر الصقلي بخروج الناس لاستقباله حاملين الشموع بعد ان يثبتوها علي قاعده من الخشب ويحيطوها بالجلد الرقيق لاناره الطريق امامه. واعجب الخليفه الفاطمي بهذا الاستقبال، فاعتمد الفوانيس منذ تلك اللحظه كتقليد رمضاني. وفي عهد الخليفه الفاطمي العاضد، بدات تجمعات الاطفال بالفوانيس، فحين كان يخرج الخليفه لاستطلاع هلال رمضان كان يخرج الاطفال معه لاناره الطريق بالفوانيس.

وتعد الحلويات الرمضانيه (الكنافه، والقطايف) تقليداً يعود الي الفاطميين الذين كانوا يصنعونها بشكل معين يخدم جوهر مذهبهم ويرسخه بهدوء في الشخصيه المصريه، كما يشير الباحثون. وكانت البدايه مع موائد الرحمن التي كان يقيمها الخليفه الفاطمي العزيز بالله، في شهر رمضان، ليفطر عليها رواد الجامع العتيق (عمرو بن العاص) والجامع الازهر. وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان يوميّاً 1100 قِدر من الطعام، لتوزع علي المحتاجين والضعفاء.

كذلك الامر بالنسبه لعاده ختم القران الكريم في اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان. فقد كان القصر الفاطمي يشهد احتفالاً في هذا اليوم بختم القران الكريم، بحكم انها ليله ختام الشهر الكريم، وكانت تصرف بعض الاموال للمقرئين والمؤذنين.

وظل العقل الجمعي للمصريين يقدس هذه المظاهر الاحتفاليه والشعائر الفاطميه، لكونها مرتبطه بالدين، من دون التحري عن اصل الاعتقاد بها او الهدف منها. وتحدث الكاتب الراحل يحي حقي في كتابه "قنديل ام هاشم" عن مدي تمسك المصريين بتلك العادات وتقديسهم لال البيت. وقد احتفظت الذاكره المصريه ايضاً بطقس الاحتفال بعيد الغدير، وهو ابرز الاعياد الشيعيه حتي عهد قريب، من دون ان يدرك الكثيرون مغزي الاحتفال به.

واللافت ايضاً ان عبارات كانت في الاصل تستخدم بقصد الاساءه الي الخليفه عمر بن الخطاب وعائشه ام المؤمنين، ما زال يتردد صداها بين المصريين حتي اليوم من دون ان يدركوا معناها. فيقول بعض المصريين في مشاداتهم الكلاميه: "نعم يا عمر؟!"، او: "مش حسيبك الا لما تقول انا عيشه". وفي المقابل ظهرت عبارات تعبر عن شتائم سنيه للشيعه في العصر الايوبي وما زال يتردد صداها الي اليوم مثل "يا ابن الرفضي" واساسها نعت الشيعي بالرافضي.

وقال لرصيف22 الشيخ محمد عبد الله نصر، مؤسس جبهه ازهريون والباحث في علوم الشريعه الاسلاميه: "المصريون هم الشعب الشيعي الوحيد في العالم، فهم شعب متشيع دينيّاً بالفطره، ويقدّس ال البيت. اما ما عدا ذلك فهو تشيع سياسي، لا يمت الينا بصله"، مؤكداً ان المصريين لا يمارسون العادات الفاطميه لمجرد انها موروث فحسب، بل يتفاعلون معها تفاعلاً وجدانيّاً وروحيّاً.

واوضح نصر ان الشعب المصري هضم جميع الثقافات التي مرت عليه، "فاحتفالات رمضان عاده فاطميه ولكن الاغنيه التي نرددها في الشهر الكريم "وحوي يا وحوي" هي في الاصل فرعونيه"، وتابع: "هو شعب له كينونه خاصه صنع بها حاله من التدين المصري".

وعن ممارسات صلاح الدين ضد الدوله الفاطميه، قال نصر: "صلاح الدين من الاصنام التاريخيه، وله جانب سلبي كبير، وحاول مراراً واد هويه الشعب المصري لكنها استعصت علي المسخ والاندثار"، واضاف ان "الحركه الوهابيه حاولت الغاء الاحتفالات بالموالد، لكن دون جدوي، فما زلنا نحتفل سنويّاً بمولد السيد البدوي ومولد سيدنا الحسين ومولد السيده زينب والسيده نفيسه".

وقال الدكتور عبد الحليم العزمي الحسيني، الامين العام والمتحدث الرسمي للاتحاد العالمي للطرق الصوفيه لرصيف22: "العادات التي ورثناها عن الفاطميين لها مشروعيه في الاسلام، وهناك لجنه الموالد وهي تابعه للمشيخه العامه للطرق الصوفيه، تنظم احتفالات الطرق الصوفيه في الموالد حبّاً بال البيت وتقرباً الي الله"، مؤكداً "ان المسلمين كافه يحتلفون بالمولد النبوي ما عدا الوهابيه، ودواعش مصر"، في اشاره منه الي السلفيين.

واضاف ان الدوله الفاطميه اعتنقت المذهب الشيعي الاسماعيلي، ولها محاسن جمّه، منها بناء الجامع الازهر الذي استطاع ان يحفظ الاسلام، فضلاً عن العديد من الاعياد والمناسبات، لافتاً الي ان الاتحاد يحتفل بالمناسبات الدينيه بموافقه الجهات المختصه، عن طريق احياء سير ال البيت، "اما المظاهر الاخري المصاحبه للاحتفالات كالالعاب واللهو والمرح، فليست من التصوف في شيء".

وفي الموضوع نفسه قال الدكتور عوده حسان ابو شيخه، استاذ التاريخ الاسلامي والحضاره بكليه التربيه في جامعه عين شمس: "ان ما بقي من تراث الفاطميين حفظه المصريون كموروث ثقافي اجتماعي، لندرته وخروجه عن المالوف"، مؤكداً ان المصريين لم يعباوا بسقوط الدوله الفاطميه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل