المحتوى الرئيسى

اليمن "فيتنام الخليج" في حال اجتياحها بريًا

04/04 08:59

"فيتنام مصر".. كان هذا هو الوصف الذي اختاره مؤرخون عسكريون للاشاره الي اوجه الشبه بين التجربه الامريكيه في التدخل عسكريا بفيتنام، والتجربه المصريه في التدخل عسكريا في اليمن في ستينيات القرن الماضي.

وبدات حرب فيتنام في 13 سبتمبر  1956، وبعدها بست سنوات بدات الحرب اليمنيه (من 1962 حتي 1970)، غير ان هذه السنوات التي تكونت خلالها خبرات تؤكد ان الاجتياح البري في الاماكن ذات الطبيعه الجغرافيه الوعره مغامره غير مامونه المخاطر، لم تثن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن قراره بخوض مغامره الاجتياح البري لليمن دعمًا للانقلاب الجمهوري بقياده الجيش للاطاحه بالنظام الملكي في البلاد.

وتكبدت الولايات المتحده خسائر بشريه واقتصاديه ضخمه في حرب فيتنام، وتكرر نفس الامر في التجربه المصريه باليمن التي منيت خلالها القوات المصرية بخسائر بشريه قدرت وفقا لاحصائيات غير رسميه بالاف القتلي، اضافه الي تكلفه اقتصاديه قدرت بنحو نصف مليون دولار يوميا.

وفي حوار مسجل مع احدي الفضائيات قبل وفاته في2011، قدّر الفريق سعد الشاذلي، الذي تولي قياده الويه الجيش المصري ابان الحرب في اليمن، قبل ان يتولي رئاسه اركان الجيش ابان عهد الرئيس الراحل انور السادات، عدد القتلي بـ"الف قتيل"، والخسائر الماديه بـ40 مليون دولار. فيما قدر الفريق محمد فوزي، وكان وقتها رئيسًا لاركان الجيش المصري، في كتابه "حرب الثلاث سنوات" اعداد القتلي بنحو خمسه الاف.

ودخلت مصر حينها هذه الحرب، علي الرغم من ان السفير احمد ابو زيد، الذي كان سفيرًا لمصر الي المملكة اليمنية من سنه 1957 الي سنه 1961، ارسل العديد من التقارير الهامه عن اليمن، تحذر من اررسال جنود مصريين الي هناك. واضافه الي الخبره السلبيه في التعامل العسكري مع الدول ذات الطبيعه الجغرافيه الوعره، والتي خلص اليها العسكريون من حرب فيتنام، كان هناك سببا اخر اجتماعيا تتفرد به اليمن وهو "الطبيعه القبليه".

ووفقا لروايه الفريق سعد الشاذلي فان السفير  ابو زيد حذّر في تقاريره المسؤولين في مصر بان القبائل اليمنية صعبه المراس وليس لديها شعور بالانتماء للوطن، وعارض السفير ارسال القوات المصريه واقترح دعم الضباط الاحرار اليمنيين بالمال والسلاح، وحذرهم بان السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتاليب القبائل ضد الثوره. ولا يعرف حتي الان، ان كانت هذه التقارير وصلت الي وزاره الدفاع المصريه وتجاهلتها، ام انها ظلت مدفونه في ادراج وزاره الخارجيه.

ولكن ما يمكن تعلمه من حرب اليمن في الستينيات، ومن خبره الحرب الامريكيه في فيتنام ان الاقتحام البري لليمن مساله في غايه الصعوبه، تنذر بـ "فيتنام خليجيه"، ان لم يتم التفكير في حلول مبتكره، وذلك استنادا الي خمسه اسباب هي:

ارض اليمن عباره عن جبال عاليه بركانيه، تشرف علي ساحل البحر الاحمر من جهه الغرب، وتنحدر في الشرق نحو صحراء الربع الخالي، وتتخللها الاوديه.

وما بقي من ارض اليمن فهو عباره عن سهل ساحلي قاحل علي البحر الاحمر، عرضه حوالي 70 كلم وسهل ساحلي اخر علي بحر العرب وخليج عدن، وهو سهل ضيق جداً تتخلله بعض الواحات.

وتمثل هذه الطبيعه الجبليه، لاسيما اذا صاحبها ندره في الخرائط الطبوغرافيه، عائقًا امام اي قوه بريه نظاميه، واعترف بذلك مدير المخابرات العامه المصريه، صلاح نصر، ابان حرب اليمن عام 1962.

والخرائط الطبوغرافيه توضح تضاريس سطح الارض في اي بلد، وهذا ما يميزها عن الخرائط الاخري، وهي هامه في اي عمل عسكري.

وقال نصر، في مذكراته، ان "القاده الميدانيين المصريين كانوا يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافيه مما سبب لهم مشكله حقيقيه في الاشهر الاولي من الحرب.. فلم يستطع القاده وضع الخطط للعمليات العسكريه ولان مصر لم يكن لديها سفاره في اليمن منذ سنه 1961، فقد طلبت معلومات من السفير الامريكي في اليمن، لكن كل ما ارسله في تقريره كانت معلومات عن الإقتصاد اليمني".

وواجهت الولايات المتحده نفسها هذه المشكله مرتين، ولم تستطع رغم تقدم وسائل الاستطلاع لديها وتوافر الخرائط الطبوغرافيه في حلها، وكانت المره الاولي في حربها بفيتنام عام 1956، حيث المساحات الشاسعه من الغابات، والمره الثانيه في حربها بافغانستان عام 2001 حيث الطبيعه الجبليه.

وتحتل الغابات 38 بالمائه من مساحه فيتنام، فيما تحتل الجبال 80 بالمائه من مساحه افغانستان، وعاقت هذه الطبيعه الجغرافيه الوعره الولايات المتحده من تحقيق تقدم ملموس في الحربين؛ فاضطرت في الاولي الي الانسحاب، وفي الثانيه لم تقض علي تنظيم "القاعده"، ولا تزال حتي الان غارقه في المستنقع الافغاني.

عسكريًا، فان التعامل الامثل مع مثل هذه الطبيعه الجبيله، لا يكون بالاجتياح البري، لكن تلعب قوات العمليات الخاصه دورًا مهما في هذا الصدد، كما يقول صفوت الزيات، الخبير العسكري والعميد المتقاعد بالجيش المصري.

ويضيف الزيات: "هذه القوات لن تكون تحركاتها وفق اهداف تكتيكيه واضحه، ولكن سيكون الهدف منها هو تنفيذ اهداف محدده لمواجهه مشكله بعينها".

ويبدو ان السعوديه تستعد لهذا السيناريو من خلال التدريب المشترك مع قوات العمليات الخاصه الباكستانيه، والتي لها خبره طويله في هذا المجال.

واعلنت السعوديه في 30 مارس الماضي عن انطلاق التمرين المشترك "الصمام 5" بين القوات البرية الملكية السعودية ووحدات من القوات الخاصه بالجيش الباكستاني، وذلك في ميدان متخصص بالقتال الجبلي.

ونقلت وكاله الانباء السعوديه عن مدير التدريبات، العميد ركن شائح بن عبدالله القرني، قوله ان "التدريب امتداد لسلسله من التمارين المشتركه بين القوات البريه الملكيه السعوديه ومجموعه من قوات الدول الشقيقه والصديقه ومن ضمنها جمهوريه باكستان الاسلاميه"، موضحًا ان التدريبات علي الحرب ستتم "في بيئات ذات تضاريس جبليه صعبه وفي عمليات غير نظاميه".

"لا تحارب الجبال والاسلام معًا".. هذه العباره التي قالها ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الاسبق، حينما كان مراسلا حربيا في شبابه، تلخص الي حد كبير ما يمكن ان يضيفه البعد العقائدي للحرب في اليمن.

وجاءت هذه العباره تعليقا علي عدم نجاح الحمله البريطانيه في افغانستان اواخر القرن الـ 19، والتي ارجعها تشرشل لامرين: الطبيعه الجبليه، اضافه الي الطبيعه العقائديه.

وتوصف افغانستان بانها "مقبره الامبراطوريات"؛ ففيها هُزمت الامبراطوريه الرومانيه والبريطانيه والسوفيتيه، ومؤخرا لم تنجح امريكا في تحقيق اي تقدم ملموس في حربها هناك، والسبب يرجع الي هذين العنصرين.

وتحظي جماعه "انصار الله" (الحوثيين) بالطبيعه العقائديه، ويؤكد ذلك قول القيادي السابق في الجماعه، علي البخيتي، في تصريحات صحفيه يوم 26 فبراير   الماضي، بان "الجماعه تتعاطي مع السياسه من منطلق عقائدي ويصنفون انفسهم جند الرب الذي يامرهم فيطيعون"، مشيرا الي انهم لا يعطون اي اعتبار او اهتمام للمعطيات السياسيه. فضلا عن الطبيعه الجبليه الوعره التي تتمتع بها اليمن.

ومثل هذه الجماعه العقائديه لن تجدي معها الضربات الجويه وحدها، بل تحتاج لوجود جماعه عقائديه تملك القوه مثلها، وفق راي السياسي والاكاديمي الكويتي عبد الله النفيسي.

وطالب النفيسي في لقاء مع فضائيه "الجزيره" القطريه يوم 30 مارس   الماضي، بتسليح وتمويل حزب "التجمع اليمني للإصلاح" (محسوب علي اخوان اليمن)، مؤكدا انه يملك 40 الف مقاتل، لكنهم بحاجه الي السلاح.

واضاف: "لا يمكن لعاصفه الحزم ان تنجح دون وجود قوات علي الارض، وان المؤهل للمواجهه هو القبائل اليمنيه وكتله الاصلاح، خاصه انها لم تواجه من قبل؛ لان المواجهه كانت ستعدّ انتحارا بعد تسليم الجيش اليمني سلاحه الثقيل للحوثيين".

تشير بعض الدراسات اليمنيه، الي ان القبائل تشكل حوالي 85 بالمائه من تعداد السكان البالغ عددهم ما يزيد علي 25 مليون نسمه، وبحسب الدراسات نفسها فانه يتواجد ما يقارب 200 قبيله في اليمن وبعضها احصي اكثر من 400 قبيله.

وقال الباحث اليمني فؤاد الصلاحي، في دراسه بعنوان "المجتمع والنظام السياسي في اليمن"، نشرها مركز الجزيره للدراسات والبحوث في 27 مارس   عام 2011، ان القبيله تبرز في المجتمع اليمني كبني اجتماعيه فاعله وليست مجرد تشكيلات تنتمي الي الماضي.

واوضح الباحث ان النظام السياسي في اليمن اعتمد علي سياسات اعطت مكانه كبيره للقبيله واضعفت مرتكزات الدوله الحديثه وغيبت منظومتها الثقافيه، فكان من اهم عيوب وازمات الدوله في اليمن انها لا تتعامل مع المواطنين مباشره من خلال مؤسسات الدوله المدنيه والقضائيه والخدميه، بل من خلال واسطه المشايخ، مما عظم من دور هؤلاء في مقابل تقزيم ادوار مؤسسات الدوله.

خلق هذا الوضع دورًا كبيرًا للقبيله في المشهد السياسي و يصعب تحديد موقفها من الاطراف المتصارعه في اليمن.

وتتكون "القبيله الواحده في اليمن من افخاذ، وقد تكون هناك افخاذ مع تحالف عاصفه الحزم، وافخاذ مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح، كما هو الحال في قبيله بكيل".

وقال صفوت الزيات، ان مصر عانت في حربها باليمن من هذه الطبيعه القبليه. واضاف الزيات: "القبيله بتكوينها الثقافي والاجتماعي لم يكن يعنيها شعارات التحرر التي رفعها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فكل ما يعنيها هو المصلحه القبليه".

وعبّر عسكريون مصريون شاركوا في الحرب اليمنيه عن هذا المعني بمقوله لا تخلو من المبالغه، لكنها معبره، حيث قالوا "كانت القبيله تصبح مؤيده للجمهوريه، وتمسي مؤيده للملكيه".

في ظل الدور الكبير للقبيله، وقيامها بالوظائف الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه والثقافيه التي يمكن للدوله ان تقوم بها، فرض ذلك ان تكون القبيله اليمنيه تنظيمًا حربيًا، يضمن امن افرادها وحمايه ممتلكاتهم.

ويعتبر السلاح بالنسبه لكل يمني جزءًا مهمًا من مظهره الخارجي، وكما تتخذ النساء زينتهن من انواع الحلي والمساحيق يمثل السلاح اهم زينه يتزين بها الرجال.

ويحمل اليمني السلاح في الاعياد والافراح والمناسبات، حيث ينظر الي السلاح علي انه من لوازم زينه الرجل ومعززات مكانته الاجتماعيه، كما انه رمز للقوه والبطوله والشرف والرجوله، ومدعاه للفخر والاعتزاز.

ويبرز السلاح في حياه القبيله اليمنيه كجزء اساسي لا يتجزا من تكوينها وشخصيتها، ويعتبر التخلي عنه مدعاه للعار.

وطبقا لمسح الاسلحه الصغيره لعام 2007 الصادر عن المعهد العالي للدراسات الدوليه، ومقره جنيف، يوجد 61 سلاحا ناريا لكل 100 مواطن يمني، وحاولت وزارة الداخلية اليمنية واجهزتها الامنيه حل المشكله في وقت سابق عبر حملات تفتيشيه لحظر حمل الاسلحه والتجوال بها في المدن.

غير ان الشيخ احمد الذهب، وهو شيخ قبيله "قيفه" وسط اليمن، قال في تصريحات صحفيه يوم 21 اغسطس  2011، ان "الحكومه غير جاده لان النظام الحاكم (نظام علي عبدالله صالح) هو المستفيد الاول من انتشار السلاح في اليمن، وسعي من خلاله لتغذيه النزاعات القبليه واشعال نار الثارات والحروب بين القبائل".

واضاف: "السلاح في العرف القبلي هو لتامين الامن والحمايه للنفس والعرض والارض، وليس لاثاره الفتن، لكن النظام الحاكم استغله علي مدي (33) عاما لاضعاف القبيله وادخالها دوامه الاحتراب القبلي، وفقا لسياسه: فرق تسد".

وفي ضوء هذا الوضع، ليس غريبا ان تشاهد صوره مصاحبه لموضوع عن القبائل اليمنيه في موسوعه ويكيبيديا، يظهر فيها شخص وهو يحمل السلاح وخلفه لافته مكتوبًا عليها "للسلاح والصرافه"، في اشاره الي ان هذا المكان يتعامل في تجاره العمله والسلاح.

وتزيد هذه الحاله من خطوره التدخل البري في اليمن، فجيش التحالف حينها، لن يواجه جيشا نظاميا، لكنه سيواجه شعبا تم تسليحه من منطلق ثقافي "العرف القبلي" وبتاييد حكومي كما قال احمد الذهب، شيخ قبيله قيفه (وسط اليمن).

طبيعه جبليه تدعمها طبيعه قبليه وعقائديه وفوق ذلك سلاح في يد اغلب المواطنين، كل هذا يصب في اتجاه مخاطر كبيره سيواجهها اي اقتحام بري لليمن.

الخطوره ليست في ان ميزان القوه سيكون لصالح الحوثيين ومن يواليهم، لكن الخطوره في ان جيش التحالف لن يواجه جيشًا نظاميًا، ولكن ستتم محاربته باسلوب "حرب العصابات".

 وحرب العصابات كما يتم تعريفها في العلوم العسكريه، هي حرب غير تقليديه، بين مجموعات قتاليه يجمعها هدف واحد وجيش تقليدي، وتتكون هذه المجموعات من وحدات قتاليه صغيره نسبيا مدعمه بتسليح اقل عددًا ونوعيه من تسليح الجيوش، وتتبع اسلوب المباغته في القتال ضد التنظيمات العسكريه التقليديه في ظروف يتم اختيارها بصوره غير ملائمه للجيش النظامي.

 ويتفادي مقاتلو حرب العصابات الالتحام في معركه مواجهه مع الجيوش التقليديه لعدم تكافؤ الفرص، فيلجاون الي عده معارك صغيره ذات اهداف استراتيجيه يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تاثيرها موجعًا للخصم.

وعانت القوات المصريه في حرب اليمن عام 1962 من هذا الاسلوب، وقال الفريق سعد الشاذلي، في حديثه لبرنامج "شاهد علي العصر" مع المذيع احمد منصور بقناه "الجزيره" القطريه: "ان قوات الجيش المصري النظامي، كانت تعاني من محاربه الجيش غير النظامي في اليمن، فقد كان اسلوب الحرب بالنسبه لهم هو اسلوب العصابات"، مشيرا الي ان معظم الخسائر كانت بسبب الالغام المزروعه بشكل عشوائي، لافتا الي ان القوات المصريه اكتسبت عادات حرب سيئه، لانها لا تحارب عدوًا بالمعني المفهوم لديها.

ودائما ما تحب الجيوش النظاميه ان تواجه جيشا نظاميا مثلها، لكن اسلوب حرب العصابات يكون مرهقا لها، وحدث ذلك مع الجيش المصري في اليمن عام 1962، ومع الجيش الامريكي في حربي فيتنام عام 1956، وافغانستان (2001 حتي الان).

ويري مراقبون ان الحوثيين يفضلون المواجهه البريه مع قوات التحالف حتي يتمكنوا من تحقيق انتصارات باسلوب "حرب العصابات"، لتتحول اليمن الي "فيتنام الخليج".

لكن صفوت الزيات، العميد المتقاعد بالجيش المصري، يقول ": "من الواضح ان جيش تحالف عاصفه الحزم مدرك تماما لخطوره الاقتحام البري، وهو حتي الان يتعامل مع الموقف بحاله من حالات الرشد الاستراتيجي التي تعجبني شخصيا".

لكن الي اي مدي يستطيع التحالف الحفاظ علي هذا الرشد الاستراتيجي؟ .. من المؤكد ان التطورات علي الارض هي التي ستتحكم في ردود الافعال.

قبائل "حضرموت" تتقدم للمكلا لمطارده "تنظيم القاعده"

المقاتلات الاماراتيه تنفذ طلعه جويه تحمل اسم اول شهيد سعودي

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل