المحتوى الرئيسى

روبرت فيسك: بريطانيا في قلب الحكم الوحشي بالبحرين

04/04 08:35

السبت 4 ابريل 2015 - 06:11 بتوقيت غرينتش

روبرت فيسك: بريطانيا في قلب الحكم الوحشي بالبحرين

‌(ارشيف صحيفة الإندبندنت، 1996)- يحوي طاقم عمل ايان ستيوارت ماك والتر هندرسون، الذي تمّ طرده من كينيا عام 1965، جلاّدين. وفي الدولة البحرينيه المضطربه، يعدّ من اكثر رجال الامن الاستخباراتيين رهبهً، وهو المدير العام للامن ورئيس دائره مباحث الدوله، وقائد سابق للشرطه البريطانيه. يبلغ من العمر 67 عامًا، ويعذّب رجاله المعتقلين بشكل روتيني، في اقبيه مكاتب جهاز الامن والمخابرات وفي سجن القلعه. ويعتقد قاده المعارضه البحرينيه انّه القوه الكامنه وراء عرش الشيخ عيسى بن سلمان ال خليفه، ولعلّهم محقّون في ذلك بالفعل.

تقدم مقابلاتٌ اجريت مع معتقلين بحرينيين سابقين مقيمين في بيروت، ودمشق، وقطر، ولندن ادلهً ثابته ولافته علي استخدام الضّرب المبرح وايضًا الاعتداءات الجنسيه ضد السّجناء، في عهده هندرسون، لاكثر من عقدٍ من الزمن. وعلي الرغم من انكار الحكومه البريطانيه مرارًا وتكرارًا اي علاقه لها بهندرسون، ما تزال وزاره الخارجيه محرجه جدًا من دور الضابط السابق في جهاز الامن الخاص [البريطاني]، والذي حاز علي ميداليه جورج مرّتين بفضل دوره في محاربه الماو ماو في كينيا التي تحكمها بريطانيا. وتشير الروايات التي قصّها علي المواطنون البحرينيون الي انّ السلطه علي جهاز الامن في الجزيره الان بين يدي هندرسون.

عالم دين شيعي بارز وصف لي كيف تعرّض للضرب بالعصا العام الماضي علي يد عقيد اردني في جهاز الامن والمخابرات، يدعي عادل فليفل-وهو مترجم هندرسون الرسمي. والرجل نفسه متّهم بتعذيب شابّه شيعيه في العام 1985 وذلك عبر تكبيلها علي عمود في مقر جهاز الامن والمخابرات ولكمها بقبضتيه الي ان فقدت وعيها. ويدّعي معتقلٌ سابق انّه تعرّض للاعتداء الجنسي في الثمانينيات في مقر هندرسون علي يد ضابط بريطاني اخر دسّ قاروره في شرجه في محاولهٍ لحمله علي الكشف عن اسماء الشيعه المعارضين لنظام الشيخ عيسي. وقد كشف لنا عن اسم الرجل البريطاني وتاكّدنا من انّ ضابطًا بريطانيًا يحمل الاسم نفسه كان يعمل تحت امره هندرسون انذاك.

هندرسون رجلٌ يرتدي نظّارات ويشبه تقريبًا شخصيه العم وانّ كياسته اسطوريه بقدر وحشيه طاقم عمله. اذ لم يؤذِ اي معتقل شخصيًا-ولم يحضر، كما هو معلوم حتّي الان، جلسات التعذيب- وتظهر مكاتبه وغرف الارشيف التي تقع علي الطابق الرابع من مقر جهاز الامن والمخابرات البحريني وكانّ مكان عمله خاص بموظّف خدمه مدنيه منهمك بعمله لا رجل مخابرات كما هو فعلًا.

وزوجته سكرتيرته الخاصّه، وهي امراه في منتصف الستينيات، ترتدي بذّه بنّيه من قطعه واحده -"كاي ربّه منزل بريطانيه" كما وصفها احد المعتقلين السابقين-تقود السجناء الي مكتب زوجها ليتم استجوابهم. وفي بعض الاحيان، كان هندرسون يفضّل اللقاء بالمعتقلين المهمّين في المقرات الرئيسيه للقوّات الخاصّه التابعه لوزاره الداخليه البحرينيه، والواقعه في منطقه الحد. وتلقي كلّ الوحدات الباكستانيه في هذه القوات التحيه علي هندرسون، بحنكه، عند وصوله كما تقوم بحراسته خلال ممارسته رياضه السباحه اليوميه قرب مبني الحوض الجاف.

الشيخ خليل سلطان، وهو عالم دين شيعي بارز، يعيش في المنفي حاليًّا، التقي هندرسون 20 مرّهً في العام الفائت خلال سلسله من المفاوضات التي اوقفت، لفتره وجيزه، الثوره الشيعيه بالغالب ضد الشيخ عيسي-وهي محادثات اثبتت بلا شك انّ العقيد السابق في جهاز الامن ادّي دورًا شخصيًا مهمًّا في معالجه مطالب المعارضه باستعاده البرلمان والديمقراطيه الدستوريه في الاماره. ويظهر هندرسون علي الدوام في صور الصحف المحليه- التي لا تذكر اسمه ابدًا-وهو يقف الي جانب وزير الداخليه، الشيخ محمّد ال خليفه، ومدير التدريب في الوزاره، العقيد حسن عيسي الحسن.

قآل الشيخ خليل: "اعتُقلت في منزلي عند منتصف الليل في 1 ابريل/نيسان من العام الماضي خلال الاضطراب الذي اندلع في البلدات خارج المنامه. لم تصدر اي مذكّره توقيف بحقّي. لقد تمّ تعصيب عيني وتكبيلي. ومن ثمّ تمّ اقتيادي الي مقر جهاز

الامن والمخابرات حيث دخل العقيد عادل فليفل الي زنزانتي واعتدي عليّ بعصاه، فضربني ست مرّات علي راسي، ووجهي وفخذي. وكان يتميز من الغيظ. قال لي: "لا وقت لدي للتعامل معك لانّنا مشغولون بـ [المعتقلين] الاخرين. الليله ستكون نهايتك-نهايتكم جميعًا". ومن ثمّ غادر. ولكن لم يحدث شيء".

استمرت اعمال الشغب والاضطرابات في الجزيره، ولكن كان عدد المعتقلين علي ايدي جهاز الامن التابع لهندرسون بلغ الـ 2000 معتقلًا. وبعد لقاءات اوليه مع الشيخ محمّد، وزير الداخليه، قيل للشيخ خليل ومُعتقَلَين اخَرَين بارزًين شيعه انّه بامكانهم تقديم اقتراحات الي هندرسون شخصيًا لوضع حد للاضطراب.

"تمّ اقتيادنا الي الطابق الاعلي في مبني جهاز الامن والمخابرات حيث لكل مكتب اقفال امنيه مشفّره وحيث طلبت منّا زوجته الدخول عليه في غرفته. كان هناك اشخاص اخرون في الغرفه، بما فيهم بريطاني اخر يدعي "براين". وقد تفاجات من عدم وجود صور معلقه علي الجدران للشيخ عيسي او لولي العهد. كان شعره منحسرًا عن جبهته ووجهه ابيض شاحبًا. وكان يرتدي بزّه وربطه عنق. وكان مجاملًا وسلّم علي كلٍّ منّا. كان يستطيع القول "اهلًا وسهلًا" بالعربيه غير انّه لم يكن يجيد اللّغه-فكان يستعين بمترجم، العقيد عادل فليفل، الرجل الذي انهال عليّ بالضرب عند وصولي".

قدم الشيخ خليل وزميلاه لهندرسون مجموعه من الاقتراحات التي قالوا انّها ستضع حدًا للاضطراب في البحرين. وقد شملت اخلاء سبيل جميع المعتقلين الذين لم تتم ادانتهم بعد، والعفو عن المعتقلين المدانين، والسماح بعوده المُرحّلين، وتوفير وظائف للبحرينيين العاطلين عن العمل، وحريه التعبير، واستعاده الدستور والانتخابات البرلمانيه.

"اخبرنا هندرسون انّه يعارض اطلاق سراح المعتقلين دفعهً واحده- اذ فضّل الافراج عنهم تدريجيًا. ولم يتحدّث ابدًا باسمه- بل فقط باسم "الحكومه"-ولكّنه اشاد بمبادراتنا وقال انّها حلٌّ جيّد للازمه. لاحقًا، تبيّن انّ ذلك كان فخًّا. كنّا مرتابين. علي مدي 13 عامًا، كان هندرسون يخدم النظام. واي شيء يقوله سيصب في مصلحه النّظام -لا الشعب".

استمرّت المحادثات علي مدي اربعه اشهر مع محاوله هندرسون تاجيل اطلاق سراح المعتقلين. "قال انّه لا بد من ان يكون الافراج عن الشيخ عبد الامير الجمري، وهو اكثر رجال الدين اهمّيه، الخطوه الاخيره-لا الاولي، كما طلبنا-لانّ السعوديه اصرّت علي هذا الامر. واخبرنا انّ بعض المسؤولين في الحكومه البحرينيه لا يثقون بنا. وقال انّه "اذا اخلينا سبيلكم واستطعتم وقف اعمال الشغب، ستصبحون ابطالًا". غير انّه كان يبتزنا، اذ كان يسعي الي وضع حد للعنف من خلال تقديم اقل قدر ممكن من التنازلات".

بحلول شهر اغسطس/اب، تغيّر مزاج هندرسون. "دخل الي الغرفه في احد الايّام مع فليفل، الرجل الذي ضربني، ورسم خطًّا علي ورقه موضوعه علي مكتبه، متباهيًا، وهو يقول: "لقد تمّ هدر اربعه اشهر ونصف من الحوار. يمكننا سجنكم لمدّه ثلاث سنوات بموجب قانون اـمن الدوله- وعندما يتم اطلاق سراحكم في نهايه المطاف، يمكننا سجنكم مجددًا ثلاث سنوات اخري"".

"ولكنّه كان عصبيًا. واستمرت اللقاءات. وطلب منّا عدم التّحدث مع احمد شملان، النّاطق الرّسمي باسم المنبر الديمقراطي، الذي اعتقله هندرسون في وقتٍ لاحق. وقال انّه سيفرج عنّا اذا امرنا المعارضه بلزوم الصمت، خصوصًا المعارضه البحرينيه في لندن".

قال الشيخ خليل انّه اُفرِج عنه بعد ان وعد هندرسون بتحقيق مطالبه في حال اوقفت المعارضه عمليه البروباغندا التي شنّتها. "خطبنا في المساجد، وحثّينا الناس علي التزام الهدوء ولبوّا الدعوي. وبعد عشره ايّام، غادرت لاجري محادثات مع المعارضه. كنت في لندن عندما اعلنت وزاره الداخليه انّه لم تحصل اي اتّفاقيه بين المعارضه والحكومه. اطلق هندرسون وعودًا لم يكن ينوي تحقيقها. فابيت ان اعود ويتم ابتزازي مجددًا". واندلع العنف في البحرين من جديد.

لم يغيّر رجال هندرسون تكتيكاتهم. فالاعتقالات الجماعيه تلتها عمليات ضرب في المقرات الرّئيسيه لجهاز الامن والمخابرات. وقد اجبر فليفل رجال الدين الثلاثه، الشيخ علي سلمان، والشيخ حيدر فكري، والشيخ حمزه دير علي الوقوف لساعات من دون السماح لهم بالنوم او الحصول علي الرعايه الطبيه، وفقًا للشيخ خليل، قبل ان يتم ترحيله الشهر الفائت. ويدّعي معتقلون اخرون انّ عنصرَين اردنيين من طاقم هندرسون-عبد الكريم العكوري ومحمّد عويّد- حاولا اجبارهم علي توقيع اعترافات كاذبه. ويقول المعتقلون انّهم شهدوا ايضًا قيام احد المحققين تحت امره هندرسون، عبد النبي بوشهري، بضرب وركل سجين يدعي احسان حُبين علي وجهه ومن ثمّ رميه علي جهاز تكييف في سجن القلعه.

وذكر احد المنفيين في دمشق، الشيخ عبدالله صالح، انّ فليفل كان الرجل الذي كبّله علي عمود "كدجاجه" وضربه بعد اعتقاله منذ زمن بعيد في الثمانينيات. واتّهم سيّد هشام الموسوي، الذي تمّ ترحيله من البحرين العام الماضي، البحريني، محمّد حجازي، ومواطنًا باكستانيًا بركله في السجن، واضاف انّ ضابطًا بريطانيًا-غير هندرسون و"براين"- كان حاضرًا عند حدوث هذا الاعتداء. وقال انّ البريطاني الذي عمل مع هندرسون كان مسؤولًا عن اعمال التعذيب خلال العام 1983. الضابط "اراد منّي الاعتراف بممارستي لنشاطات سياسيه. وضربوا زوجتي امام عيني ومن ثمّ زجّ البريطاني قارورهً في شرجي".

وفي دمشق، شهد خاتون العرب انّ اخته البالغه من العمر 20 عامًا كُبّلت علي عمود ايضًا راسًا علي عقب وضُرِبَت الي ان فقدت وعيها في العام 1985 علي يد فليفل لانّه يُزعَم انّها تنتمي الي منظّمه اسلاميه معارضه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل