المحتوى الرئيسى

التربية للقيم في مجتمع مأزوم

04/02 17:52

ويعرض الكتاب للقارئ صورا لواقع المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل في جميع مناحي الحياه، تلك الصور التي تعكس واقع المدارس العربيه من حيث اداؤها التربوي والتعليمي، من خلال اعتماد وجهة نظر نقديه لهذا العمل المدرسي لتوسيع دائره النقاش الاكاديمي حول قضيه التربيه والتعليم بغيه تحسينها وتطويرها لترتقي الي المستوي المطلوب.

ويري مؤلف الكتاب ان تفضيل السياسه التربويه التي تعتمد علي التحصيل الدراسي اكثر من اعتمادها علي التربيه للقيم، جاء بمحض اراده المدرسه وبناء علي اختيارها، وذلك كرد فعل لواقع يعكس دور ومكانه المدرسه العربيه واسلوب ادائها في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل، وان مثل هذا الواقع، يعكس ما يجري في جميع مناحي الحياه المتعلقه بفلسطينيي 48، سواء كان ذلك علي المستوي الداخلي للمجتمع او علي المستوي الخارجي بكل ما يتعلق بالعلاقه ما بين الاقليه الفلسطينيه والاغلبيه اليهوديه في اسرائيل.

ويشمل الكتاب اربعه فصول، حيث يستعرض المؤلف بالفصل الاول المجتمع العربي وازمه التغيير، بينما يركز في الفصل الثاني علي القيم والتربيه علي القيم ويناقش في الفصل الثالث موضوع التربيه للقيم في ظل التطور العلمي والتكنولوجي، وفي الفصل الرابع وتحت عنوان وماذا بعد؟، يطرح المؤلف العديد من التساؤلات بشان التوجه العام نحو التحصيل العلمي وتغييب الجانب التربوي والقيم وسبل تذويتها ونقلها وتوريثها من جيل الي اخر، بظل التحديات التي تواجه الداخل الفلسطيني مع المؤسسه الاسرائيليه وعلاقاته بالاغلبيه اليهوديه.

ويسلط الكتاب الضوء علي العلاقه الجدليه ما بين الاصاله من موروث حضاري وقيم السلف، وما بين الحداثه بمفهومها الغربي وبخصوصيتها الزمنيه والمكانيه علي اثر الصيروره التاريخيه، وما انتجه من تيارات فكريه في تلك الحقبه الزمنيه، ومدي تاثر المجتمع الفلسطيني في اسرائيل بهذه الحداثه والازمه التي وقع فيها من خلال محاولته القفز من فوق السلف والموروث الحضاري، وصولا الي الحداثه بشكل غير عضوي وبدون تراكم معرفي وصيروره تاريخيه خاصه به، وجاء الكتاب بطرح البعض من القيم الخاصه والمميزه لمجتمع مازوم قيميا من جراء تغيرات مجتمعيه وثقافيه تعصف به.

ويكشف الكتاب عن ما يواجه المجتمع العربي في اسرائيل من تحولات اجتماعيه واقتصاديه وثقافيه واسعه الاثر والتاثير علي الجماعه والافراد، وجاءت هذه التحولات مثلما اشار المؤلف نتيجه انكشاف واحتكاك المجتمع الفلسطيني بالداخل مع المجتمع اليهودي، وخاصه بعد انتهاء الحكم العسكري منذ اواخر عام 1966 وارتهان العامل الفلسطيني لسوق العمل الاسرائيلي للبحث عن مصدر رزق لاعاله اسرته.

ويري الدكتور خالد ابو عصبه ان المجتمع الفلسطيني في اسرائيل يعيش تحت وطاه وتاثير وهيمنه الثقافه الغربيه المهيمنه اصلا في المجتمع الاسرائيلي اليهودي، وهذه العمليه المتواصله من التاثير احدثت تباينا عميقا ما بين مجموعات وما بين افراد داخل المجتمع الفلسطيني ذاته، الامر الذي تبعه تنوع قيمي مغاير لدي تلك المجموعات والافراد ظنا منها انها تتبع التعدديه كفكر موجه للمجتمع.

ونال هذا الاعتقاد بحسب ما اوضحه المؤلف في كتابه تشجيعا من قبل النموذج الاسرائيلي الداعي "للتعدديه الثقافيه"، هذا النموذج الذي يعتبر المجتمع الاسرائيلي مجتمعا متعدد الثقافات من جهه، ومن جهه اخري يحاول مسح والغاء الخصوصيه الاجتماعيه لثقافات المجموعات خاصه مجموعه الاقليه العربيه الفلسطينيه الاصلانيه.

النموذج الاسرائيلي الداعي "للتعدديه الثقافيه"

وبحسب النموذج الاسرائيلي الداعي "للتعدديه الثقافيه"، يشدد المؤلف في كتابه علي ان هذا النموذج يتحدث عن المجتمع الاسرائيلي "كمتعدد الثقافات" بناء علي مفهوم واحد للمصطلح، كون المجتمع الاسرائيلي مكونا من عده مجموعات اثنيه مختلفه كنتيجه حتميه لعامل الهجره، وليس بدافع الاختيار القائم علي حياه اساسها الفكر التعددي، من هنا، يؤكد المؤلف ان المجتمع الاسرائيلي لا يملك فكرا تعدديا علي ارض الواقع والممارسه، انما هو مجتمع متباين اجتماعيا وثقافيا في ظل الهجره التي يعتمد عليها منذ قيام اسرائيل.

يجزم المؤلف في اجاباته بان للمجتمع العربي الفلسطيني خاصيه متباينه عن المجتمع الاسرائيلي ليس فقط من حيث النسيج الاجتماعي والثقافي انما ايضا من حيث الانتماء الديني والقومي ومدي مشاركته في اللعبه السياسيه. من هنا يمكن القول ان الازمه بما يتعلق بالمجتمع العربي الفلسطيني هي ازمه مزدوجه: الازمه الاولي تتمثل بالتباين داخل المجتمع ذاته علي مستوي الجماعات والافراد، واما الازمه الثانيه، يقول المؤلف ابو عصبه فتكمن في عدم وجود اطار جماعي للمواطنه التي ينتمي اليها المواطن العربي الفلسطيني، لاعتباره خارج اطار النسيج الاجتماعي الاسرائيلي المشترك للمواطنين.

وبسبب التباين داخل المجتمع الفلسطيني علي مستوي الجماعات والافراد، فان المجتمع يمر في خضم عمليه تغيير اجتماعي وثقافي، من مجتمع محافظ تقليدي زراعي نحو مجتمع له دلائل اوليه وبدائيه من الحداثه المازومه قيميا واخلاقيا، بحسب المؤلف الذي يوضح بانه يواكب هذا التغيير بالضروره تغيرا بالمنظومه القيميه الموجهه لنهجه ولسلوكه.

وعليه، وفي مثل هذا الوضع تحدث حاله من الانفصال التدريجي لمنظومه قيميه اعتمدت في اساسها علي انماط تقليديه الي اخري معاصره جزئيا، ومن ملامحها -يشير المؤلف الي- الحريه الفرديه، والمساواه الاجتماعيه، والديمقراطيه السياسيه، وما جاءت هذه القيم الا نتيجه لتاثر المجتمع الفلسطيني بهيمنه الطرح الليبرالي في الفكر الغربي، الامر الذي حدا بمجموعات وافراد المجتمع التوجه نحو الـ"تمغرب" في تبنيهم لبعض القيم وفي سلوكياتهم اليوميه علي المستوي العام والخاص.

ويستنتج المؤلف ان عمليه "التمغرب" التي تحدث في المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل، لا بد وان تصطدم مع الواقع الاجتماعي التقليدي والمحافظ، وتاثير هذا التواصل ما بين المجتمع "القروي" والمدينه اليهوديه لا ينحصر فقط بالمجال الاقتصادي، وانما له ايضا تاثير علي مجال منظومه القيم واسلوب الحياه، ومع هذا كله يقول المؤلف فان المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل لا يسرع في تبن وتقبل اوتوماتيكي لسمات الثقافه الغربيه، كالفرديه والديمقراطيه بمفهومها الغربي، فما زال وجود علاقه للفرد بالمجموعه علي المستوي المحلي ويتماثل معها علي اعتبار انه كائن اجتماعي.

يشير المؤلف في كتابه الي انه لم تكن هناك حداثه بالمجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل، وانما اصبح المجتمع مازوما نتيجه الانكشاف والتقليد. فحدثت حاله تباين الي حد الانفصام من خلال تبني الحداثه الغربيه الحاصله باسرائيل والتي لا تمت بصله ولا ترتبط عضويا مع الحضاره العربيه في سياقها التاريخي والاجتماعي.

وعليه هي فهمت واخذت سطحيا وما زالت البنيه الفكريه العميقه مغيبه، فالحداثه الغربيه مغتربه عن السياق التاريخي والموروث الحضاري العربي كما انها مغتربه عن الواقع الاجتماعي والمبني الثقافي.

يغيب الفلسطينيون في اسرائيل عن مراكز صنع القرار وهم ليسوا شركاء في صياغه وتشكيل السياسات الجماعيه الاسرائيليه، كما انهم خارج الوفاق الصهيوني، ومن ضمن هذا الوفاق الصهيوني عدم اتاحه الفرصه لاستقلاليه جهاز التعليم العربي، فرغم فصل جهاز التربيه والتعليم العربي عن العبري فانه لا توجد استقلاليه لجهاز التعليم العربي في تحديد اهدافه ومناهجه.

فالمؤسسه المعتمده علي مجتمع الاغلبيه اليهوديه -مثلما اورد ابو عصبه في كتابه- لا تمكن العرب من خلق كينونه لهويه ذاتيه من خلال جهاز التربيه والتعليم، ويظهر الواقع الاسرائيلي ان القوه والسيطره موجودتان في قبضه مجتمع الاغلبيه اليهودي، تلك الاغلبيه التي تعمل علي منع امكانيه تشكيل كامل لانتماء اجتماعي من جديد للاقليه العربيه الفلسطينيه.

ان صيروره التغيير التي يمر بها المجتمع الفلسطيني بالداخل وعمليه الانتقال مرصوفه بتناقضات جوهريه، فالواقع السياسي والاجتماعي الاقتصادي يشير بحسب المؤلف الي ان كلا المجتمعين اليهودي والفلسطيني يعيشان بجوار وباحتكاك دائمين بينهما.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل