المحتوى الرئيسى

أكبر تهديد لمستقبل أمريكا صحافة عالمية

04/02 11:40

نشرت صحيفه ذا نيويوركر الامريكيه مقالا للكاتب جون كاسيدي، يحاول من خلاله صرف الانظار عن الانتخابات الاسرائيليه وتداعيات نتائجها، موجها اياها نحو ما قامت به بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، علي الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، بالانضمام الي بنك اسيا للاستثمار في البنيه التحتيه. ويوضح كاسيدي ان البنك عباره عن مؤسسه تنميه دوليه جديده، شكلتها الصين، وتستعد كي تصبح منافسا محتملا للبنك الدولي. مبينا اهميه البنك من خلال العوده بالتاريخ الي الوراء. فبعد انهيار سوق الأسهم عام 1987، قال لي صديق يعمل في وول ستريت: «لا تراهن ضد الولايات المتحده». وعلي الرغم من اربعين عاما من ركود الدخل للعديد من الامريكيين ابناء الطبقه المتوسطه، وزياد التفاوت في الدخل علي نحو صارخ، وتداعيات الكساد العظيم، لا يزال الاقتصاد الامريكي هو الاكثر تقدما في العالم.

وتزداد الانتاجيه في الولايات المتحده عنها في اوروبا او اسيا، الامر الذي يعكس المخزونات الهائله من الثروات الطبيعيه واليد العامله الماهره، والتكنولوجيا في البلاد. ويقود البحث العلمي الامريكي العالم، وفقا لاحد الاستطلاعات التي اجريت في المملكه المتحده، هناك خمس عشره جامعة أمريكية من بين اكبر عشرين جامعه في العالم. وتعتبر اسواق المال الامريكيه اكبر واكثر سيوله من الاسواق الماليه في البلدان الاخري، وعلي الرغم من التقدم في اماكن مثل المملكه المتحده وهونج كونج، لا يوجد حتي الان منافس حقيقي لوادي السيليكون ووول ستريت عندما يتعلق الامر برعايه الابتكار.

ويري كاسيدي انه بطبيعه الحال، وبينما تواصل الدول الاخري، وخصوصا الاسيويه منها، النمو، سوف تتراجع حصه الولايات المتحده من التجاره العالميه، والناتج المحلي الاجمالي، والثروه. ولكن ذلك لن يعكس بالضروره اي فشل من جانب امريكا. وهذه هي نتيجه حتميه للعولمه وتطوير اقتصاد السوق الواحد العالمي. وحتي نحو عام 1990، وكان العديد من الدول الكبري قد عزلت نفسها عن الراسماليه العالميه والفرص التي تقدمها لانتقال رءوس الاموال والمعرفه. واليوم، صارت اوروبا الشرقيه والصين والهند، وعلي نحو متزايد، اجزاء من افريقيا، دولا فاعله. ونتيجه لذلك، فان الاقتصاد الامريكي يبدو اقل حجما، من الناحيه النسبيه، مما كان عليه. ومع ذلك، مازالت امريكا رقم واحد بكل المقاييس تقريبا.

ويعرض كاسيدي احد اسباب اهميه هذه التطورات، وهي ان القوه العسكريه والقوه الاستراتيجيه تعكسان القوه الاقتصاديه، علي المدي الطويل. فقد بنيت الامبراطوريه الرومانيه، مثل غيرها من قوي الهيمنه القديمه الاخري، علي اقتصاد قائم اساسا علي العبيد. وكانت البرتغال، واسبانيا، وهولندا، في ذروه عصرها الامبراطوري، دولا تجاريه كبيره. وفي فتره زمنيه معينه، غطت الامبراطوريه البريطانيه، ربع اليابسه في العالم تقريبا، وكانت تقوم علي القطن والفحم والحديد والصلب وعلي صناعات الثوره الصناعيه.

ولا يعني غياب كارثه غير متوقعه، الا يعاني عصر الهيمنه الامريكيه نفس النهايه المفاجئه التي شهدتها الهيمنه البريطانيه. ولكن مع مرور الوقت سيواجه تحديا، الامر الذي يثير سؤالا اساسيا: هل يمكن للنفسيه الامريكيه، والنظام السياسي الامريكي، التكيف مع واقع جديد تحتفظ فيه الولايات المتحده بموقعها القيادي، من دون ان تستمتع بالهيمنه المطلقه؟ هناك ــ حتي الان ــ بعض علامات مشجعه، والبعض الاخر مثير للقلق.

ويري كاسيدي انه من الجيد، ان العديد من الشعب الامريكي انعزالي غريزيا. وعلي الرغم من انفاق الولايات المتحده علي الدفاع اكثر مما تنفقه جميع القوي الكبري الاخري مجتمعه، وتورطها باستمرار تقريبا في الحروب، سواء بصوره معلنه رسميا او غير ذلك، فان معظم الامريكيين يعارضون فكره ان تكون لديهم امبراطوريه.

واذا كان التحول الي قياده مشتركه للعالم يمكن ان يدار بشكل سلمي، وبطريقه لا تنطوي علي اهانه كبرياء الولايات المتحده، ربما يقبله معظم الامريكيين. بينما تاتي مطالبات المسئولين الامريكيين بان يقوم حلفاء البلاد في حلف شمال الاطلسي بتعزيز الانفاق علي الدفاع وتحمل جانب اكثر من العبء. وفي العراق، تعتمد الولايات المتحده الان علي ايران ــ العدو ــ لنقل المعركه علي الارض الي الدولة الإسلامية في العراقو الشام، التي تعتبر في حدها الاقصي مصدر ازعاج للولايات المتحدة، اكثر منها تهديدا وجوديا. ورغم ان الامريكيين يعترضون علي هذا الترتيب، الا انهم يلتزمون صمتا غريبا حوله.

وياسف كاسيدي لتزامن الاعتراف واسع النطاق بان امريكا لا تستطيع ان تفعل كل شيء مع مجموعه من الافتراضات والممارسات التي عفا عليها الزمن، والتي تسبب ضررا كبيرا لمكانه الولايات المتحده. واذا لم يتم تحديث هذه الحلول الزائفه وانماط السلوك، سوف ينتهي بها الامر الي ضرر اكبر بكثير. وفي الواقع، ليس من قبيل المبالغه ان نقول ان التهديد الحقيقي لقوه ونفوذ امريكا ياتي من داخل امريكا نفسها، وتحديدا من نظام السياسي الذي يتزايد الخلل فيه.

وعلي سبيل المثال، لا يعتبر الخلاف الدبلوماسي عبر الاطلسي علي بنك اسيا للاستثمار في البنيه التحتيه، في حد ذاته، مساله ضخمه، وانما مجرد مؤشر علي ما سياتي.

ففي يونيو من العام الماضي، اعلنت الصين انها بصدد توسيع خططها لبنك تنميه دوليه جديد، سيكون مقره في بكين، ويتولي اقراض المال للاستثمارات البنيه التحتيه في جميع انحاء اسيا. حدث هذا بعدما تعرضت الصين مرارا لرفض جهودها الراميه الي لعب دور اكبر في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اكبر مؤسستين للاقراض، ومقرهما واشنطن، وقد انشئتا بعد الحرب العالميه الثانيه، وفي البنك الاسيوي للتنميه، الذي تاسس في 1966، ومقره مانيلا.

ويشير كاسيدي الي ما لعبه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ انشائهما قبل سبعين عاما، من دور مهم في تحقيق الاستقرار واضفاء الشرعيه علي اقتصاد عالمي تهيمن عليه الولايات المتحده، بما يعزز المصالح الامريكيه. وكان ينظر اليهما منذ فتره طويله، في العديد من البلدان الاخري، علي انهما قناتان لوزاره الخزانه والبيت الابيض. وقبل عشر سنوات علي الاقل، مع تزايد اهميه اسيا في الاقتصاد العالمي، ادرك المسئولون الاذكياء في واشنطن، ان هذا الوضع لا يمكن ان يستمر الي ما لا نهايه، وانه ينبغي اصلاح البنك وصندوق النقد الدوليين، حتي يمكن المحافظه علي نفوذهما. لكن وقف الجمهوريين في الكونجرس امام سياسات اداره اوباما للاصلاح، وهو ما قدم للصينيين مبررا مثاليا يمكن علي اساسه طرح مبادرتهم الخاصه؛ بنك اسيا للاستثمار في البنيه التحتيه، وترويجها لدي دول غربية اخري، حريصه علي اجتذاب الصفقات التجاريه الصينيه والاستثمار داخل الصين.

ويعتقد كاسيدي ان التمويل الدولي مازال بعيدا عن المنطقه الوحيده التي يقوض فيها تعنت الكونجرس وعناده مصالح الولايات المتحده. مشيرا الي الرساله المفتوحه الي طهران التي وقعها سبعه واربعون من اعضاء مجلس الشيوخ. ولم يكن الغريب في الرساله مجرد رؤيه فرع من فروع الحكومة الأمريكية يقول لقادة دوله خصم ان الرئيس، وممثلين الذين يتفاوضون معهم علي الاتفاق النووي، سوف ينتهي امرهم في بضع سنوات. ولكن كان الشك في ان هذه الاتصالات تمثل في الاساس تفكيرا رديئا من خلال لفته سياسيه.

ويؤكد كاسيدي انه عندما يصبح الشلل السياسي مؤسسيا ويزيد مع مرور الوقت، يمكن ان يؤدي الي اضعاف الامه. فقد ساعدت دسائس القصر (المصحوبه احيانا بالحرب الاهليه) علي تقويض الامبراطوريه الرومانيه. وفي القرن الخامس عشر، اتخذت اسره مينج في الصين، بعد نوبه اخري من الاقتتال الداخلي، قرارا مصيريا بالانغلاق علي الذات وتجاهل العالم الخارجي. ولم تستطع فرنسا ابدا، وهي قوه عظمي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، التوفيق بين المطالب الماليه لنظام البوربون الملكي والحرب شبه المستمره مع سلطه محاكم الاستئناف المحليه، والتي قاومت فرض ضرائب مرتفعه.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل