المحتوى الرئيسى

مترجم: كيف يبدو التعليم الجامعي في كوريا الشمالية؟ - ساسة بوست

04/02 10:03

منذ 1 دقيقه، 2 ابريل,2015

يحكي هذا المقال عن تجربه سوكي كيم وهي فتاه من كوريا الجنوبيه نشات في العاصمه سيول في تدريس اللغه الانجليزيه في جامعه للذكور في كوريا الشمالية وتحديدا في بيونج يانج يديرها مسيحيون انجيليون، قضت سوكي سته اشهر في تدريس الشباب من كوريا الشماليه في سن التاسعه عشره دروس اللغه الانجليزيه، تحكي لنا خلالها تجربتها المثيره في هذا البلد المختلف.

تقول سوكي ان كتابه مقالات “Essays” باللغة الانجليزية كانت اكثر ما يكرهه طلابها في كوريا الشماليه، في خريف 2011 كانت تدرس اللغه الانجليزيه في جامعه بيونج يانج للعلوم والتكنولوجيا في كوريا الشماليه حيث كان يوجد بالجامعه حوالي 270 طالبا شابا و30 معلما كلهم من المسيحيين الانجيليين وقد تم عزلهم داخل مبني الجامعه المحاط بالحراسه، يتم مراقبه حركاتهم وكل ما يفعلونه طوال الوقت، كل درس كان يجب ان يحصل علي موافقه مجموعه من المراجعين من كوريا الشماليه تم تعيينهم لفعل هذا الامر قبل الموافقه علي تدريس اي موضوع داخل الجامعه، كنا نطلق علي هؤلاء فيما بيننا “النظراء”، كانوا يتاكدون من عدم تحدثنا او مناقشتنا لاي مواضيع تدور في العالم خارج كوريا الشماليه مع الطلاب حيث كان هذا الامر ممنوعًا تماما. قدمت لهم طلبا لتدريس موضوع عن كيفيه كتابه المقالات بالانجليزيه وقد وافقوا علي هذا الموضوع.

اخبرت طلابي ان كتابه المقالات مهمه جدا، وستمثل جزءا كبيرا من التقييم في اختبارات الفصل، لقد كانوا تحت ضغط تجاه هذا الامر . كان من المقرر لهم ان يختاروا موضوعا ويقوموا بمناقشته وتلخيصه في مقال. عندما سالت الطلاب كيف يسير هذا الامر معهم كان ردهم جميعا انه “كارثي”.

سوكي كيم اثناء تدريس اللغه الانجليزيه لطلاب جامعه بيونج يانج للعلم والتكنولوجيا في كوريا الشماليه

ادركت اهميه كتابه المقالات بالنسبه لهؤلاء الطلبه، حيث كعلماء مستقبليين سيحتاجون الي كتابه ابحاث لاثبات نظرياتهم وتجاربهم، ولكن في واقع الامر لا شيء من هذا سيحدث في كوريا الشماليه لان كل شيء يسير وفق هوي زعيمهم فقط. كانت مهاراتهم في الكتابه ضعيفه جدا تماما مثل قدرتهم علي البحث العلمي. كتاباتهم تركزت علي المديح المتواصل والسرد غير المحدود لانجازات زعيمهم، بالطبع لا شيء منها موثق، ولكنهم من الاساس لم يتعلموا مبدا تدعيم ادعاءاتهم بادله وبراهين علي ما يكتبونه. من خلال نظره سريعه علي صحفهم اليوميه رايت نفس نغمه واسلوب الحديث من بدايه اي مقال الي نهايته حيث لم ارَ بدايه او نهايه لهذا الامر.

عند كتابه مقال مثلا يتكون من ثلاث او خمس فقرات، يجب ان يحتوي هذا الطرح علي فقره تعتبر مقدمه المقال وفقره تمثل جسد المقال وتحتوي علي التفاصيل وما يدعم الراي المطروح في المقال، ثم في النهايه فقره ختاميه تمثل تلخيصا سريعا لما يريد الكاتب الوصول له. كان هذا الامر غريبا تمامًا بالنسبه لهم، كان الجزء الاصعب لهم لكي يفهموه هو المقدمه. حاولت تبسيط الموضوع لهم وشبهت لهم الامر بان هذه المقدمه هي تماما كانك تقول “مرحبا” لمن يقرا المقال، يجب عليك ان تفكر كيف تقول مرحبا بطريقه تجذب هذا القارئ للمقال، انها مثل صناره الصيد، وذكرت لهم عده امثله علي بدايات المقال وكيف تكتب ولكن كل هذا كان بلا فائده؛ فقد كانوا يومئون رؤوسهم اي انهم فهموا الامر ثم اجدهم يسالونني بعدها: “ما هي صناره الصيد تلك التي تحدثتِ عنها؟“.

مبني جامعه بيونج يانج، تظهر فصول التدريس والطريق الذي يربط بينها

لم استطع تعليمهم درسا عن كيفيه الحصول علي مصادر المعلومات، لان ذلك لم يكن ممكنا هناك، طلبت منهم قراءه مقال بسيط كُتِب عام 1997 استُشهِد فيه بما قاله الرئيس بيل كلينتون في ذلك الوقت عن اهميه ان تبقي كل المدارس متصله ببعضها وقد وافق النظراء علي تدريس هذا المقال لانه توافق مع الموضوعات المقرره لهذه المرحله من التعليم الجامعي هناك. تمنيت في ذلك الوقت ان يفهموا قيمه شبكه الانترنت وكيف انهم متاخرون جدا عن العالم بسبب عدم استخدامهم له. اعطيت لهم ايضا اربعه مقالات حديثه من عده صحف عالميه مثل برينستون ريفيو ونيو يورك تايمز وفاينينشال تايمز ومجله هارفرد؛ تحدثت هذه المقالات عن مارك زوكربرج مؤسس الفيس بوك وعن موقع الفيس بوك وعن تويتر، ولكن للاسف لم اجد اي تاثر او استجابه من الطلاب لهذه المقالات، برغم ما ذكر فيها من ان زوكربرج حقق ارباحا تصل الي 100 مليار دولار من خلال موقع اسسه من غرفه سكنه الجامعي اثناء دراسته في الجامعه. ظننت ان هذه الكلمات ربما تثير اهتمامهم وحماستهم ولكن يبدو انهم ظنوا ان هذه الامور كاذبه.

في اليوم التالي، زارني العديد من الطلاب في مكتبي الخاص اثناء ساعاتي المكتبيه المخصصه لهم، جميعهم ارادوا تغيير مواضيع مقالاتهم، الغريب في الامر ان المواضيع الجديده التي قاموا باختيارها اغلبها تحدث عن فساد المجتمع الامريكي. احدهم قال انه اراد الكتابه عن العقاب الجسدي الذي يتعرض له الطلاب في الصفوف المتوسطه في المدارس الامريكيه واليابانيه. طالب اخر قرا عليّ جزءًا مما كتبه وكان “بالرغم من الاضرار الناتجه عن الاسلحه النوويه الا ان بعض الدول مثل الولايات المتحده الامريكيه مازالت تصنع وتطور هذه الاسلحه”.

طالب ثالث اراد الكتابه عن الاضرار الناجمه عن السماح للاشخاص بحيازه الاسلحه في امريكا، واخر سالني عن اكثر الدول التي تحتوي علي قراصنه الكمبيوتر لانه تم اخباره انها الولايات المتحده الامريكيه ايضا، اما الطالب الخامس فقد اختار موضوع الطلاق كموضوع لمقالته (لا يوجد طلاق في كوريا الشماليه) ولكن في الولايات المتحده فان نسبه الطلاق بين الازواج تتجاوز 50% ويري ان هذا الطلاق يؤدي الي جرائم وامراض نفسيه للمنفصلين لذا سالته: “وماذا يحدث اذا كان الزواج غير سعيد بعد مرور فتره؟” ولكن الطالب لم يعطِ اي اجابه!

طالب اخر اراد الكتابه عن ان الطعام الذي تقدمه مطاعم ماكدونالد الامريكيه الشهيره سيء جدا، نفس الطالب سالني بعدها عن نوعيه الاطعمه التي يقدمونها في ماكدونالد.

طلاب الجامعه يقومون بتمارين الصباح

كان هناك شيء واضح لي، وهو ان السبب الذي دفع الطلاب الي تغيير موضوع مقالاتهم لتتحول الي مهاجمه الولايات المتحده الامريكيه بدا لي هو المقالات التي اعطيتها لهم عن مارك زوكربرج، و ان ما خططت ان يصبح حافزا بالنسبه لهم ومصدر الهام تحول الي امر مستفز ومثير للغضب بالنسبه للطلاب. ان الاحساس بالقوميه والوطنيه الذي تكوّن لديهم واصبح راسخا علي مر الاجيال انتج مواطنين رافضين النظر والاعتراف بما يفعله باقي العالم.

محاولاتي لتنميه وعيهم بالعالم من حولهم جميعها باءت بالفشل، عندما طُلِب مني كتابه مقال عن kimjang (مهرجان سنوي لصناعه اكله شعبيه في كوريا الشماليه تسمي كيمشي kimchi) قاموا باعطائي كومه من المنشورات التي تحتوي دعايا ومنشورات اخري عن الموضوع، زعم نصف الطلاب ان طعام الكيمشي هو اشهر طعام في العالم وان جميع دول العالم الاخري تعشق الكيمشي. احد الطلاب كتب ان الحكومه الامريكيه جعلته الطعام الرسمي لاولمبياد 1996 في اتلانتا، وعندما سالته من اخبره بهذه المعلومه اجابني بان هذه حقيقه يعلمها الجميع وانه يمكن اثبات ذلك من خلال كتاب كوري يملكه. من خلال بحث سريع علي الانترنت وجدت ان الامر يرجع الي طاهٍ ياباني زعم ان الكيمشي هو طعام ياباني وتقدم بطلب لجعله الطبق الرسمي للاولمبياد ولكن تم رفض هذا الطلب، هذا الخبر الخاطئ تمت اعاده صياغته بطريقه ما وتداوله داخل كوريا الشماليه كمعلومه عامه يعرفها الجميع!

تصحيح هذه المعلومات الخاطئه كان صعبا ومكلفا للعناء وفي بعض الاحيان ربما يُعرِض للخطر. احد المدرسين الاخرين اخبرني “لا يوجد حل، لا تحاولي تغيير ذلك، اذا اخبرتهم كتبهم بان الامر صحيح فانه لا طريق امامك لتغيير وجهه نظرهم”.

سوكي مع طالبه من كوريا الشماليه داخل جامعه Kim Il-sung و يظهر في الخلف تمثال الزعيم كيم ال سونج الذي حكم كوريا الشماليه من عام 1948 حتي وفاته في عام 1994.

في بعض الاحيان يريد الطلاب ان يسالوني لماذا لا اكل الكثير من الارز الابيض حيث تكتظ اطباقهم بكميات كبيره منه في كل الوجبات، بينما طبقي يحتوي دائما علي كميه قليله جدا منه، اخبرتهم بانني احب الارز ولكنني لا احب اكله في كل الاوقات، فسالوني عن انواع الطعام التي اكلها بخلاف الارز والنانجميون naengmyun وهو الطبق القومي في كوريا الشماليه، لم استطع ان اتحدث عن الكثير من انواع الطعام التي لم يسمعوا بها لذا اخبرتهم بنوعين من الطعام كنت اعرف انهم سمعوا بهما وهما : السباغيتي والسجق. كنت اعلم ان الناس في كوريا الشماليه يحبون السجق (يتم اعداده بطريقه مختلفه في كوريا الشماليه) لانني رايتهم يقفون في احد المعارض في صفوف طويله لشرائه، احد الطلاب كتب “ان هؤلاء الكوريين الذين يفضلون السجق والاسباغيتي علي الكيمشي يجلبون العار لبلادهم بانكارهم تفوق الكيمشي علي الوجبات الاخري”.

بدا لي انه لا شيء قادر علي كسر تلك العزله التي يعيش فيها الناس في كوريا الشماليه، بالاضافه الي ذلك فان قوه اقتناعهم بما يقتنعون به لا تدع اي مساحه لمناقشتهم فيه، كل الامور بالنسبه لي قادت الي طريق واحد، اعددت له ورقته وكتبت له تعليقا يقول “لماذا لا يمكن ان تحب السباغيتي والكيمشي؟”.

بعد مرور العديد من الدروس عن كتابه المقال اخبرني احد الطلاب اثناء تناول العشاء “هناك شيء غريب قد حدث اثناء درس العلوم الاجتماعيه هذا المساء” لم يكن احد الطلاب يتحدث عما يدور في هذا الفصل مطلقا من قبل لذا سمعت باهتمام شديد فقال: “لقد طلب منا كتابه مقال!” وقال لي انه دائما ما كان يطلب منهم كتابه فقرات قصيره بالكوريه ولم يطلب منهم من قبل كتابه موضوع طويل ولكن الان هو مطلوب منهم وهو ما جعل الامر غريبا بالنسبه له.

قلت له “وما الغريب في الامر؟” فاجاب: “لا اعرف” ثم فكر قليلا وقال: “لقد نظرت للامر ان عليّ كتابه مقال طويل وهو امر مختلف، الكتابه بالانجليزيه تختلف تماما عن الكوريه، ولكن بعد ذلك رايت ان الامر متشابه الي حد ما، ثم بدات التفكير في العناصر التي اريد الكتابه عنها واحسست ان الامر غريب تمامًا”.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل