المحتوى الرئيسى

حازم صاغية يكتب:ترسيم في حدود الحروب العربية

03/31 14:11

 في 1991، حين حشدت الولايات المتحده تحالفاً عالمياً لاخراج القوات العراقية من الكويت، عبر لبنانيون مناهضون للاحتلال السوري يومذاك عن غضبهم المشوب بالحسد والغيره: لماذا لا يحصل رد مماثل في لبنان؟ بل اكثر من هذا، لماذا تتواطا الولايات المتحده وحلفاؤها مع اخضاع لبنان لسوريه؟

واليوم، مع حرب اليمن، ظهرت اصوات سوريه تكرر ما سبق ان عبر عنه اللبنانيون الغاضبون: لماذا لا تشهد سوريه تدخلاً كالتدخل اليمني؟ وقبلذاك، عبر سوريون كثيرون غير مره عن مرارتهم حيال امتناع الغرب عن التدخل في بلدهم. وقد ضاعف المراره انكشاف التباين داخل الحرب الواحده علي «داعش» بين مستويين: مستوي مكافحة الإرهاب ومستوي إسقاط النظام. وبالطبع كان دائماً هناك فلسطينيون ومناصرون اشداء للقضيه الفلسطينيه يرفعون اليافطه المالوفه في مواجهه كل حدث حربي في المنطقه: لماذا ليس فلسطين؟

ومن جمله تلك التجارب يتضح (وهو، لمن يرغب، كان دوماً واضحاً) ان ثمه خطاً مرسوماً بين مرتبتين في الحروب العربيه: فهناك، من وجهه نظر الدول، الحروب الاقليميه التي تنطوي علي مواقع للنفوذ الاستراتيجي وللمصالح، وهناك الحروب الموضعيه التي تقبل التعايش مع درجه محتمله من التهديد للنفوذ والمصالح.

اما السوابق التي لم ننتبه الي دلالاتها بما فيه الكفايه فلا تقول الا هذه الحقيقه: من حرب اليمن في الستينات، التي لم يكن النزاع الايديولوجي الجمهوري – الامامي الا الغطاء والذريعه لامتدادها الاقليمي تبعاً لاهتمام عبد الناصر بالنفط والمضائق، وحربا العراق مع ايران وفي الكويت. واذا كانت الحرب الاولي لم تشهد تدخلات خارجيه مباشره، الا انها سجلت سويه غير مسبوقه من الدعم المتعدد الاطراف ومن العصبيه في ان معاً.

وقد يبدو من المستغرب للبعض ان يقال ان «المحافظين الجدد» في اميركا كانوا الطرف الوحيد الذي حاول تغيير هذه المعادله «الواقعيه»، فرفعوا في وجهها نظريه التلاقي بين المصالح والقيم. ولما انتهت تجربه تدخلهم في العراق الي ما انتهت اليه، اعيد الاعتبار، وبمفعول رجعي، الي المعادله المذكوره.

اما الاستثناء الظاهري الذي يؤكد القاعده فهو الحروب مع اسرائيل التي قُدمت بوصفها مهمه ايديولوجيه مقدسه، بما تعنيه القداسه من تعفف الفاعلين عن المنافع والمصالح. والحال اننا اذا راجعنا الحروب الثلاث الكبري، بعد نزع القشره اللفظيه عنها، لم نجد الا هذا: فحرب 1948 لا تُفهم بتاتاً بمعزل عن الصراع علي الارض والنفوذ بين المملكتين المصريه والهاشميه. اما حرب 1967 فهي ايضاً لا تُعقل بعيداً عن الصراع الناصري – البعثي علي الزعامه الراديكاليه العربيه. وبدورها، كانت حرب 1973 منذ يومها الاول حرباً لاخراج الدوله العربيه من الحرب. ولان الحرب مع اسرائيل باتت حرباً موضعيه، فانها تقلصت الي حرب مع حركه «حماس» مرهً ومع «حزب الله» مره اخري. والشيء نفسه يمكن ان يقال، ولو في سياق مختلف، عما الت اليه الثورات العربيه بعد انتكاساتها التي جعلتها حروباً متناسله علي بقاع ومناطق.

علي ان الحروب مع اسرائيل، بالطريقه التي وُصفت، كرست ثقافه التمويه الرائجه لحقيقه تكاد تكون بديهيه، وهي ان مصالح الدول، منذ نشاه الدول، هي ما يقرر الحرب، وهي ما يفرز مستوياتها ومستويات التورط فيها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل