المحتوى الرئيسى

تهجير سلفيي اليمن.. الانطلاق نحو الطائفية

03/31 10:19

كانت فكره حسين الحوثي تهدف الي حفظ القيم والاخلاق، من خلال انشائه "منتدي الشباب المؤمن" عام 1991 ككيان ذي وظيفه اخلاقيه اجتماعيه، محصور في مديريه مران النائيه بمحافظه صعده اليمنيه.

غير ان حسين -العضو البرلماني (1993-1997)- استقال من حزب الحق وانضم الي المؤتمر الشعبي الحاكم وقتها، وبدات تتمدد خيالات رجال الدين في ذهنه، وراي انه "حسين اليماني" الممهد لظهور المهدي المنتظر، والذي تتوارث اسمه كتب العقيده الجاروديه.

لكن المال وقف عقبه في طريقه، فاصطحبه والده بدرالدين بن امير الدين الحوثي الي طهران، وهناك تشرب قيم ومبادئ "الاثني عشريه الجعفريه"، وبعد عودته تفرغ لـ"الشباب المؤمن" الذي تحول من منتدي اجتماعي الي تنظيم عسكري سياسي، يستقطب اليه الشباب خاصه ابناء الاسر الهاشميه، تاركا مقعده البرلماني لشقيقه يحيي.

ذات صباح من عام 1997 ذهب حسين برفقه اللواء يحيي المتوكل الامين المساعد للحزب الحاكم ووزير الداخليه السابق الي مقابله الرئيس صالح، وقدمه المتوكل بالقول: "هذا الذي سيكسر شوكه الاخوان في اليمن".

وراي صالح امكانيه التلاعب بالورقه الدينيه كعادته، وانه سيخلق ورقه مساويه في القوه ومضاده في الاتجاه الفكري والسياسي للاخوان، فقدم لـ"حسين" دعما بلا حدود.

وهناك في اعالي جبال صعده كبر "حسين" وبدا الناس يرون فيه الرجل المخلص، فقد استفاد من دورات الاعداد والتاهيل في بيروت وطهران، وظهر خطيبا مؤثرا، ومنفقا سخيا، يجذب اليه العاطلين والمعسرين، وينفق عليهم الاموال التي يتلقاها من ايران وشيعه الخليج، واموال الزكاه التي يتحصل عليها بالقوه من سكان محافظه صعده.

واتهمه تقرير امني بتوزيع كتاب "عصر الظهور" للايراني علي الكوراني، يبشر فيه بقرب ظهور المهدي المنتظر، وفيه بند خاص عن "دور اهل اليمن في تثبيت المؤمنين علي الحق".

وكان لجغرافيا صعده الجبليه دور حاسم في ترك "حسين" يتمدد داخل العقول والارض، فهذه اخر المحافظات اليمنيه علي حدود السعوديه، وتمثل معقلا للمذهب الزيدي، واليها فرّ اخر ائمه اليمن ابان ثوره سبتمبر/ايلول 1962، ثم غادرها الي السعوديه.

ومنذ ذلك الحين بقيت صعده فارغه، منسيه، لم تصمد فيها الملكيه، او تدخلها الجمهوريه، وكل وظيفتها تصدير البرتقال والرمان والسلاح والسلفيين وفقهاء المذهب الزيدي، اما مؤسسات الدوله فهي الغائب الابرز عن صعده.

اشتعلت اولي حروب الحوثيين مع الجيش حين منع حسين الحوثي المواطنين من تسليم الزكاه للدوله، وحين ارسل له محافظ صعده طاقما عسكريا لاحضاره، قُتِلَ جميع افراد الطاقم، وهنا اشتعلت المواجهات وتطورت الي حرب في يونيو/حزيران 2004، وظهر تنظيم الشباب المؤمن كقوه عسكريه مختبئه في جبال وكهوف مديريات مران وضحيان وكتاف.

وانتهت الجوله الاولي من الحرب بمصرع "حسين" وسجن عدد كبير من اتباعه، ودخول الدوله الي تلك المديريات، لكنه دخول من لا يفقه معني الحضور في مجتمع قد تشرّب العقيده الجعفريه بما فيها من نزعه للجدل، وتعلق بالغيبيات، وكراهيه للمخالفين، وفهمت الدوله الدخول بمعناه العسكري، اذ لم تقم ببناء المدارس والمستشفيات والطرقات والكهرباء والمياه والمراكز الثقافيه، وتمنع تجاره السلاح، وتقوم بحملات توعيه للمواطنين من خطوره ما يقدمون عليه.

وكل ما فعلته انها اكتفت بالوجود العسكري، منتظره الجوله الثانيه من الحرب والتي بدات في 2006، حتي وصلت الي ست حروب، اخرها واطولها في اغسطس/اب 2009، واستمرت حتي فبراير/شباط 2010، واشتركت فيها السعوديه بعد اقتحام الحوثيين جبل الدخان ومنطقه الجابر السعوديتين، وجاءت الحرب بعد فشل اتفاقيه الدوحه بين الدوله والحوثيين في فبراير/شباط 2008.

وفي كل جوله حرب تظهر الجماعة الحوثيه بقوه عسكريه اكثر واكبر من التي دخلت بها الحرب السابقه، ومعظم اسلحتها تُسرب من مخازن وزاره الدفاع او من غنائم الحروب.

لكن تلك المواجهات العنيفه في حقيقتها ليست غير حرب بارده بين الرئيس صالح ونجله العميد احمد قائد الحرس الجمهوري، وبين اللواء علي محسن الاحمر قائد الفرقه الاولي مدرع، حيث راي صالح ان "محسن" وترسانته العسكريه الضخمه هما العقبه الكؤود امام مشروع توريث الحكم.

وعليه، فقد كان لا بد -وفق منطق صالح- من ارهاق محسن وامتصاص قوته العسكريه، في حروب صعده، وتم تسريب الاسلحه الثقيله والمتوسطه من مخازن الدفاع والحرس الجمهوري الي الحوثيين، واتسع نشاط تسرب الاسلحه ابان ثوره التغيير 2011 ضد نظام صالح، وانشقاق اللواء محسن وتكوينه جيش الثوره الموازي للجيش النظامي، حتي اصبح لدي الحوثيين 39 دبابه، وعدد من الصواريخ النوعيه الحديثه.

كثيرا ما سمع الشاب مقبل الوادعي كلمه "ممسحه" من فقهاء الزيديه الذين درس علي ايديهم في جامع الهادي، تهكما منهم علي هذا الشاب الذي يريد مخالفه ارائهم الفقهيه، وهو من اسره غير هاشميه.

وبحسب الباحث الفرنسي "فرانسوا بورجا" مؤلف كتاب "الاسلام السياسي في زمن القاعده"، لم يحتمل "مقبل" البقاء هناك، وغادر الي السعوديه وفيها درس الفقه السني، وحصل علي شهادتي بكالوريوس في الدعوه وعلم الحديث.

واثناء دراسته الماجستير تم القبض عليه بتهمه كتابه الرسائل لرجل الدين المتمرد جهيمان العتيبي، الذي احدث حركه تمرد واسعه داخل الحرم المكي في نوفمبر/تشرين الثاني 1979 انتهت بالحكم باعدامه، مع 60 شخصا من اتباعه.

وحين عاد الي محافظته صعده، لم يحتمل الناس بقاءه وتدريسه المذاهب السنيه في منطقه هي معقل الزيديه (وهو مذهب يقف بين السنه والشيعه)، فخرج الي قريته دماج واسس فيها مسجدا ودرّس فيه، ثم عمل مديرا لاحد المعاهد العلميه، لكنه سرعان ما تركه، لان منهج المعاهد "اخواني" الفكر والوجهه، وعاد للتدريس في المسجد بدءا من عام 1982، وهو المسجد الذي اصبح فيما بعد "دار الحديث" الاشهر في العالم الاسلامي.

وفي يونيو/حزيران 2001 توفي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي (73 سنه)، تاركا 45 كتابا في الفقه والحديث والدعوه وعلم الرجال، ورثاه كبار علماء السنه المعروفين في اليمن والعالم الاسلامي.

وتولي الشيخ يحيي الحجوري اداره دار الحديث والتدريس فيها، وكان لافتا في الدار انها مثلت لوحه رائعه للتعايش والتسامح المذهبي طوال 31 سنه، دون ان يصطدموا باي من مخالفيهم.

بعد قرابه مائه يوم من الحرب الشرسه بين سلفيي دماج والحوثيين، ومقتل 210 سلفيين واصابه 620 اخرين، ابلغ الرئيس هادي زعيم السلفيين الشيخ يحيي الحجوري ان "التامر عليهم دولي وان الدوله لا تستطيع حمايتهم".

وبحسب الحجوري، فانه فوض الرئيس بالحل الذي يراه، فاقترح هادي تهجير سلفيي دماج الي محافظه الحديده، وهو عمل يمثل سابقه خطيره قد تكون نواه لانقسامات وافرازات طائفيه ستشهدها اليمن خلال السنوات القليله القادمه، خاصه مع تواتر احاديث سياسيه وصحفيه ان اميركا طلبت تفكيك سلفيي دماج لخطورتهم علي الغرب، واذا صح ذلك ستتمكن "القاعده" من استماله السلفيين، وستتسع دائره الارهاب.

وقرار التهجير ليس نتاج حرب حاصله بل رغبه اميركيه ايرانيه سابقه بتهيئه الشمال في اليمن ليكون جغرافيا ذات صبغه دينيه واحده، لا تقبل التعايش او الاختلاف، بدءا من تهجير يهود صعده في 2007 و2008، ليستقر بهم المقام في سبع شقق في المدينه السكنيه بصنعاء، بعد ان اهملت الدوله رعايتهم، وتخلت سفاره واشنطن عن دعمهم.

وعمليه تهجير سلفيي دماج -بدءا من منتصف يناير/كانون الثاني الجاري- تفتح الافق علي احتمالات وارده، اهمها:

هذه اول حادثه من نوعها في تاريخ اليمن، ومن شانها ان تؤسس لافرازات طبقيه عدوانيه تهدد السلم الاجتماعي، وتدفع المواطنين الي الاحتماء خلف السلاح، وليس خلف الدوله التي اصبحت في نظرهم طرفا في تهجير رعاياها من مواطنهم، وسيشعر اهالي دماج الاصليين بالغبن والخيانه، وسيتم التعامل معهم كرهائن وسبايا وغنائم حرب، وسيكون ارفعهم مكانه من يقترب اكثر من طاعه الحوثيين، وستكثر حوادث التصفيه للمخالفين ومن ثبت قتاله ضد الحوثيين في السابق، اما السلفيون فسيظلون هدفا ثمينا للحوثيين، وسيلاحقونهم في كل مكان، خاصه في المخيمات التي ستاويهم كاللاجئين الاجانب.

وبعد هذه الحادثه، سيتدافع المجتمع بنخبه ومكوناته -خاصه في المناطق القبليه- الي التسليم بالولاء والطاعه للحوثي، الذي سيشكل دوله حاضره في نفوس الناس اشد هيبه ورهبه من الدوله الحقيقه، ولن يسلم الحوثيون اسلحتهم الثقيله والمتوسطه للدوله، وان كان اغرتهم الوعود بتسليم سبع دبابات من اصل 39 دبابه يمتلكونها.

وفي القريب العاجل سيكون الدور القادم علي "ال الاحمر" مشايخ قبائل حاشد، وسيخوضون حربا اشد شراسه مع الحوثيين، لان اهالي "حاشد" سيشعرون بالعار، من تهجيرهم من مواطنهم، فيما الحوثيون سيقاتلون تحت رايه النصر السابق، ومن خلفهم قوه اميركا الداعمه لهم، وسيعتمدون علي خلخله "حاشد" بالاستقطابات ودر الاموال الطائله علي افرادها ومشايخها، كما يحدث الان في الحرب الدائره بين ال الاحمر والحوثيين في شمال محافظه عمران.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل