المحتوى الرئيسى

مصر التى فى اليمن: قبل أن تبدأ الحرب الحقيقية | المصري اليوم

03/30 22:03

قبل ثلاثه وخمسين عاماً، وصل الي القاهره د. عبدالرحمن عبدربه المرادي البيضاني، وبيده وثيقه من 5 بنود، كان ثوار اليمن قد حددوها لنجاح ثورتهم. في القاهره اجتمع البيضاني مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وصلاح نصر، مدير المخابرات العامه، وأنور السادات، عضو مجلس قيادة الثورة، ليطرح عليهم تصوراً لانجاح الثورة اليمنية ضد النظام الملكي المدعوم من بريطانيا والسعوديه والاردن، ومن خلفهم المعسكر الغربي كله تقريباً.

نقاط البيضاني التي حددها كانت بينها 3 نقاط تخص «الشقيقه الكبري»، النقاط الثلاث كانت تتمثل في بناء وتوسيع ميناء الحديده (جنوب غرب اليمن)، للاعتماد عليه كحلقه وصل بين القاهره والثوار، تمر عبره الاليات العسكريه، وربط الميناء بشبكه طرق ونقل لاستخدامها في الاعمال العسكريه والدعم الاعلامي.

القاهره وافقت علي مضض، وتورطت رغم انفها بنحو 70 الف جندي، في حرب شوارع (من بيت لبيت)، حتي صدمتها النكسه وثلث الجيش في اليمن يقاتل الاشباح. وتستنزفه القوي الاقليميه وتغرقه الحماسه في مستنقع المزايدات.

منذ بدايه الضربات الجويه التي تقودها الرياض ضد معسكرات الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح ونجله احمد (الحرس الجمهوري والقوات الخاصه)، والجميع ينتظر لحظه بدء المعركه الحقيقيه، فالعالم كله شاهد الاف الاطنان من المتفجرات تنهمر علي الجيش الصربي لدفعه بعيداً عن كوسوفو، وهي الضربات التي استمرت ثلاثه اضعاف المده المقرره لها، وخرج منها الجيش الصربي (علي الاقل قواته البريه الضخمه)، جريحاً لكنه لايزال قوياً.. وشاهد المصريون في حرب الخليج الثانيه 34 دوله بقياده الولايات المتحده، تستمر في الضربات الجويه (اكثر من 110 الاف ضربه) لمده 43 يوما (بمعدل نحو 2600 غاره يومياً)، وباجمالي قوه تدميريه بلغت61 الف طن من القنابل الحديثه، التي صمم بعضها خصيصاً لدك الحصون العراقيه. رغم ذلك تمسك الديكتاتور العراقي صدام حسين بالكويت حتي جاءت العمليات البريه، وظل محتفظاً بجانب حاسم من قواته المدرعه (الحرس الجمهوري خاصه)، نجح عبره في قمع الاكراد في الشمال والشيعه في الجنوب، وظل ممسكاً بزمام الحكم حتي الغزو في 2003 (رغم كارثيه الغزو وجرائمه).

الوضع في اليمن يختلف كثيراً، فليس لدي تحالف الحوثي- صالح، نصف قوه الجيش العراقي المهول، ولا قدرات الجيش الصربي (المدعوم مباشره من موسكو)، لكن بالمقابل ليس لدي التحالف العربي ربع قدرات تحالف تحرير الكويت، ولا انقاذ كوسوفو، لا علي مستوي المعلومات الدقيقه، ولا التجهيز التكنولوجي، ولا حتي نصف قدرات 34 دوله بينها امريكا وبريطانيا وفرنسا بخلاف مصر وسوريا والسعوديه.

الجميع يدرك (في الرياض والقاهره وصنعاء وطهران)، ان الضربات الجويه «عطلت» تقدم الحوثيين نحو عدن (اخر بقعه تناصر النظام المدعوم عربيا ودوليا)، لكن بالمقابل نجح الحوثيون في معارك تعز قبل الضربه، ومدينه الشفره خلال الضربه، ونجحوا في احكام الحصار حول عدن، واغلاق كافه الطرق البريه المؤديه اليها، واصبح سقوط المدينه مساله وقت لا اكثر، لتصبح حكومه الرئيس هادي، حكومه منفي.

المعارك الجويه ضد قوات لا تملك قدرات دفاع جوي معتبره، هي مساله استعراضيه اكثر من اي شيء اخر، لكن ما جري مساء امس الاول، وحتي فجر امس، يؤكد ان طريق التدخل البري بات مساله وقت ايضاً، مثلما سقوط عدن مساله وقت.

في هذه اللحظه تبدو القاهره وكانها لا تريد ان تعود بالزمن الي العام 1962، ويتذكر القاده في القاهره مراره الوجع اليمني، ويحاولون ابعاد «الذكريات السيئه»، عن رؤوسهم.

لكن الجميع سواء في 1962 او 2015، لم يستمعوا جيداً لنصائح البيضاني (وهو من مواليد القاهره وتوفي في 2012)، فالرجل الذي اعد خطته في مدينه جرميش الالمانيه، كان يدرك ان بلاده بحاجه لتدخل وليس للتورط، وهو بنفسه حذر المسؤولين في القاهره من نقيضين، الاول ان يتجاهلوا اليمن، والثاني ان ينقلوا امراض الجهاز البيروقراطي الذي يحكم القاهره الي ساحه القتال.

يبدو اليوم وكان البيضاني بيننا مره اخري، يحدثنا عن نقاطه الخمس، ويقول لنا: «لديكم منطقتان فقط للتدخل، ميناء الحديده، ومدينه عدن علي الترتيب»، فالرجل الذي وضع «وصفه التدخل»، لو كان بيننا اليوم، لادرك ان الرياض والقاهره ستتحملان عبء اليمن لسنوات، ولقال للحليفين ان الازمه اليمنيه مجرد «درجات سلم»، فليس هناك «نصر ساحق» في بلد يبلغ تعداد سكانه 24 مليون نسمه، والسلاح الشخصي لمواطنيه هو الكلاشينكوف، وليس الحوثيون كائنات فضائيه، بل هم جزء من النسيج اليمني (25% من السكان تقريباً).

اسالوا البيضاني قبل ان تتحركوا، فالضربات اختلفت علي مدار اليومين الماضيين، واستهدفت (بخلاف السيطره الجويه المتحققه بسهوله) ارتال المدرعات في تعز ولحج، ومناطق التمركز في صنعاء والضالع، وقواعد السيطره في العند الجنوبيه، وكذلك مخازن الاسلحه في عمران.

كل هذه الضربات التي اختلفت خريطه اهدافها تاتي بالتزامن مع مناورات بريه سعوديه (القوات الخاصه والمشاه الميكانيكي) مع قوات باكستانيه (تشكلها بالاساس قوات الصد)، اما علي الجانب الاخر، فيهدد الحوثي باستخدام صواريخ قادره علي ضرب العمق السعودي، حسب زعمه.

امام هذه التحركات المستمره فيمكن القول بان الحرب الفعليه ربما تبدا قريباً جداً، وان توجها عاما وضع اللمسات الاخيره والخطط البديله، وحدد اهداف التدخل البري بهدف حسم المعارك التي اتوقع ان تطول.

ما يهم القاهره هو ضمان «موطئ قدم» للحكومه الشرعيه، والسيطره علي ميناء حاسم مثل الحديده، فضلا عن التمركز في ارخبيل الجزر اليمنية الغربيه (كمران وحنيش وميمون)، والاتفاق مع الحكومه الاريتريه علي اجراءات لوجستيه في ميناء مصوع، وكذلك الحكومه السعوديه لترتيب فتح قاعده جازان البحريه امام القوات المصرية.. بهذه الاجراءات فقط نتحدث عن «اداره رشيده للازمه».

حتي الان يتحدث البيضاني (وهو يمني مصري) من قبره، ناصحاً القاهره بان تبعد «الموظفين» عن «عمليه اليمن» برمتها، والا تتورط ابعد من حدود عدن والحديده، وان تسعي لاجبار اكبر ميليشيات الخليج علي العوده لمربع العقل واعاده أحياء اليمن.

يدرك البيضاني ان القاهره قلقه، فلا تستطيع مصر تحمل تكلفه تحكم ايران في جنوب السعودية وباب المندب، ولا تستطيع الانتقال من مربع المشاركه الي مستنقع التورط، انسياقاً وراء طريقه الاستعراض الجوي في سماء غير محميه جيداً من الاساس.

تحتاج القاهره لفهم خريطه اليمن، وان تدرك جيداً ان هادي ورقه تفاوض ضعيفه للغايه، وان البحث عن بدائل لديها ظهير قبلي (خاصه في حاشد وبكيل وعمران)، مهمه تحتاج الكثير من الفهم، بالمقابل، تحتاج القاهره ان ترسل رساله واضحه لميليشيا صعده، مفادها ان مصر لن تتورط، لكنها لن تترك الرياض لتنهشها عصابات الملالي في ايران، وان امن المملكه لا يمكن التفاوض حوله.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل