المحتوى الرئيسى

شعرية سميح القاسم

03/27 11:39

جاءَ في بعضِ المواقعِ الالكترونيَّهِ، انَّه في غمرهِ الحربِ العالميَّهِ الثّانيهِ، كانَ ثمَّهَ عائلهٌ فلسطينيَّهٌ مقيمهٌ في الاردن تعودُ الي فلسطينَ بالقطار. وكانَ لديها طفلٌ راحَ يبكي، فخشيَ الرُّكّابُ ان تهتديَ اليهم الطّائراتُ الالمانيَّهُ، وهدّدَ بعضُهُم بقتلِهِ، ما اضطُرّ الوالدَ الضّابطَ الي شهرِ سلاحِهِ في وجوهِهِمْ وايقافِهِمْ عندَ حدّهِمْ. وحينَ علمَ الطّفلُ، في ما بعد، بهذِهِ الواقعهِ، علّقَ قائلاً: «حسنًا لقد حاولوا اخراسي منذُ الطّفولهِ. ساريهم. ساتكلّمُ متي اشاءُ، وفي ايِّ وقتٍ، وباعلي صوتٍ. لن يقوي احدٌ علي اسكاتي!». وبالفعلِ، راحَ يتكلّمُ، ويتكلّمُ، ولم يقوَ احدٌ علي اسكاتِهِ، حتّي فعلَها الموتُ، في التّاسعَ عشَرَ من اب 2014، فرحلَ عن خمسهٍ وسبعينَ عامًا. سكتَ هوَ، وتركَ شعرَهُ يتكلّمُ. هذا الطّفلُ هوَ سميحُ القاسم.

علي مدي نيِّفٍ وخمسينَ عامًا تكلّمَ سميحُ القاسم، وتمخّضَ كلامُهُ عن حوالي سبعينَ كتابًا في حقولٍ معرفيَّهٍ مختلفه، بينَها الشّعرُ والرّوايهُ والمسرحُ والصّحافهُ والنّثرُ والتّوثيقُ والتّرجمهُ والرّسالهُ والسّيرهُ...، غيرَ انَّ الشِّعرَ يستاثرُ بحصّهِ الاسدِ، اذْ بلغَ عددُ مجموعاتِهِ ومطوّلاتِهِ الشّعريَّهِ حوالي الخمسينَ، فمنحَهُ الشِّعرُ هويَّتَهُ الابداعيَّهَ، وطغي لَقَبُ الشّاعرِ علي ما عداهُ، هوَ الّذي لم يكدْ يبلغُ الثّلاثينَ من العمرِ حتّي بلغَ عددُ مجموعاتِهِ الشِّعريَّهِ السِّتَّ مجموعات.

بينَ «مواكبِ الشَّمسِ»، باكورتِهِ الشِّعريَّهِ الصّادرهِ عام 1958، و «كولاج» الصّادرهِ عام 2012، ثمّهَ مسيره شعريَّهٌ طويلهٌ قطعَها الشّاعرُ، نجمَ عنْها حَصادٌ وفيرٌ تمثّلَ في خمسٍ واربعينَ مجموعهً او مطوّلهً شعريَّهً، اي بوتيرهٍ تُقاربُ مجموعهً واحدهً كلَّ عام، وهوَ حَصادٌ قلّما توافرَ لشاعرٍ، في هذا العصرِ وغيرِهِ، يُشيرُ الي غزارهٍ في الانتاجِ منقطعهِ النَّظيرِ، والي انَّ سميحَ القاسم نبعٌ شعريٌّ راحَ يتدفّقُ طيلهَ نصفِ قرنٍ ونيِّفٍ، ولم يعرفِ الجفافُ اليهِ سبيلاً حتّي في زمنِ الشَّحائحِ.

واذا كانَتِ الغزارهُ ليسَتْ مؤشّرًا مناسبًا لقياسِ الشّاعريَّهِ، فالشِّعرُ مسالهُ نوعٍ لا مسالهُ كمٍّ، فانَّ شاعريَّهَ القاسمِ ليسَتْ متاتِّيهً عنْها بلْ عنْ كونِهِ: صدي الصَّوتِ الفلسطينيِّ الصّادحِ في برِّيَّهِ العالمِ، وحاديَ دربِ الالامِ الطَّويلِ، وصانعَ الهويَّهِ في تشكّلاتِها الدّائمهِ. وهوَ يفعلُ ذلكَ بادواتٍ متنوّعهٍ، متعدّدهٍ، تتفاوتُ في بساطتِها، وتعقيدِها. تتراوحُ بينَ الغنائيَّهِ والدّراما والملحمهِ. يعكفُ علي مفرداتِ الوجعِ الفلسطينيِّ. يتَّخذُ منْها مادَّهً اوّليّهً لنصّهِ. يُعمِلُ فيها ادواتِهِ، البسيطهَ او المعقّدهَ، ويكونُ نصٌّ يتراوحُ، في الحجمِ، بينَ القصيرِ جدًّا والمتوسّطِ والطويلِ، ويزاوجُ، في الشَّكلِ، بينَ اناقهِ المفردهِ، وبساطهِ التَّركيبِ الافقيِّ، وانسيابيَّهِ البناءِ العموديِّ، وجمالِ الصّورهِ، وارتفاعِ النَّبرهِ، وعلوِّ الانشادِ، وسهولهِ البلاغهِ...، ما يُشكّلُ خلطهً شعريَّهً يَبرَعُ الشّاعرُ في تحديدِ مكوّناتِها ومقاديرِها، فتنتمي اليْهِ، وتَدُلُّ عليْهِ.

ما يقومُ بِهِ سميحُ القاسم، علي المستوي التِّقنيِّ، يندرجُ في اطارِ دورِهِ، علي المستوي الوظيفي. وهنا، ينهضُ بالوظائفِ المتعدّدهِ التي عرفَها الشعرُ العربيُّ عبرَ تاريخِهِ؛ فهوَ شاعرُ القبيلهِ (بالمعني الوطنيِّ والقوميِّ)، والناطقُ باسمِها، وحادي ركبِها، ومغنّي ربابتِها، وزرقاءُ يمامتِها، ورائي مستقبلِها، وقارئ فنجانِها، وحاملُ نبوءاتِها. ومن السُّهولهِ بمكانٍ استجلاءُ كلٍّ من هذهِ الوظائفِ في نصِّهِ الشعري. ثمّهَ وظيفهٌ واحدهٌ لم ينهضْ بها سميح القاسم في تاريخِهِ الشعريِّ هيَ وظيفهُ شاعرِ البَلاطِ. علي انَّ ما يُميّزُهُ عن الاخرينَ، في عِلاقتِهِ بشعرِهِ، هو انَّ شعرَهُ كان صدي حياتِهِ، ومراهَ نضالِهِ، فهوَ لم يكنْ مناضلاً كلاميًّا او شعريًّا، علي اهميّهِ هذا الجانبِ، بل كانَ ثمّه انسجامٌ بينَ ادبِهِ وسلوكِهِ، ولم يُمارِسْ تَرَفَ الكتابهِ من برجٍ عاجيٍّ. سميح القاسم اعتُقِلَ مِرارًا، وُضِعَ في الاقامهِ الجبريَّهِ، مُنِعَ من السَّفرِ. وفي المقابلِ، تصدّي للتّجنيدِ الاجباريِّ الَّذي فرضَهُ الاحتلالُ علي ابناءِ عشيرتِهِ، شكّلَ مجموعهَ «الشُّبّانِ الاحرارِ»، رفضَ جائزهَ اسرائيل للابداعِ، رفضَ مقابلهَ انور السّادات، وحاولَ تغييرَ المنكرِ الاسرائيليِّ بيدِهِ ولسانِهِ وقلبِهِ. وبذلكَ، يكونُ الشِّعرُ مراهً لصاحبِهِ وليسَ قناعًا، وصورهً طِبْقَ الاصلِ عنْهُ وليسَ مجرّدَ شِعارٍ عابرٍ.

يختلفُ الدّارسونَ والشُّعراءُ والنُّقّادُ في تجربهِ سميح القاسم الشِّعريَّهِ، ويُدخلونَهُ في مقارناتٍ غيرِ متكافئهٍ، وتتراوحُ المواقفُ منْها بينَ حدَّيْنِ اثنَيْنِ، كلاهُما يُجانبُ الموضوعيَّهَ؛ الاوّلُ تُعبّرُ عنْهُ الباحثهُ سلمي الخضراء الجيّوسي بقولِها انَّه «الشّاعرُ الوحيدُ في الوطنِ العربيِّ الَّذي تظهرُ عليْهِ ملامحُ شعرِ ما بعدَ الحداثهِ». والثّاني يُعبّرُ عنْهُ الشّاعرُ المِصريُّ عبد المنعم رمضان حينَ يصفُ شعرَهُ بالفقرِ والسَّطحيَّهِ والسَّذاجهِ. وما بينَ هذَيْنِ الموقفَيْنِ تتموضعُ مواقفُ الاخرينَ، فتقتربُ من احدِ الحدَّيْنِ او تتموضعُ في الوسطِ. وفي جميعِ الحالاتِ، انَّ اختزالَ تجربهٍ شعريَّهٍ عمرُها نصفُ قرنٍ ونيّفٍ، تمخّضَتْ عن حوالي الخمسينَ مجموعهً شعريَّهً، ببضعِ كلماتٍ او اسطرٍ او صفحاتٍ، هيَ مسالهٌ تُجانبُ الموضوعيَّهَ والدِّقَّهَ والعدالهَ. فشعرُ سميح القاسم يحتاجُ الي بحوثٍ ودراساتٍ ومؤلَّفاتٍ كثيرهٍ، الامرُ الَّذي لم يتحقَّقْ في حياتِهِ، ولعلَّ هذا يُفسِّرُ المرارهَ الَّتي كانَ يشعرُ بها ازاءَ ما تعرّضَ لَهُ من تهميشٍ نقديٍّ. وكانَّهُ كُتِبَ عليْهِ انْ يعيشَ حصارَ الاحتلالِ، من جههٍ، داخلَ الوطنِ المحتلِّ، وحصارَ التَّهميشِ النَّقديِّ لتجربتِهِ الشِّعريَّهِ داخلَ الوطنِ العربيِّ رُغْمَ الشَّعبيَّهِ الَّتي يحظي بها، من جههٍ ثانيهٍ. فهلْ يكونُ موتُهُ ايذانًا برفعِ الحصارِ عنْهُ؟

انَّ المسارَ الشِّعريَّ لسميح القاسم ليسَ مسارًا افقيًّا، كما يحلو للبعضِ ان يُبسِّطَ، بلْ هوَ مسارٌ متكسِّرٌ يشهدُ صعودًا وهبوطًا ضمنَ المجموعهِ الشِّعريَّهِ الواحدهِ، فكيفَ بعشراتِ المجموعاتِ الشِّعريَّهِ؟ معَ العلمِ انَّ الصُّعودَ فيْهِ يَطغي علي الهبوطِ. وفي قراءهٍ سريعهٍ للمجموعاتِ العشرِ الاولي، علي الاقلِّ، يُمكنُ تسجيلُ الملاحظاتِ الاتيهِ:

ـــ يرتفعُ منسوبُ الغنائيَّهِ في «مواكبِ الشَّمسِ» ــــ 1958 و»اغاني الدُّروبِ» ـــ 1964، ويتجاورُ الغزلُ والشِّعرُ السِّياسيُّ او الفرديُّ والجماعيُّ، علي تفاوتٍ في درجهِ الشِّعريَّهِ بينَ النَّوعَيْنِ، فترجحُ كفَّهُ الغزلِ علي الشِّعرِ السِّياسيِّ حيثُ تَطغي اللُّغهُ المباشرهُ والنَّظمُ علي الشِّعرِ. وفي هاتَيْنِ المجموعتَيْنِ، يتَّخذُ القاسمُ من العِلاقاتِ الشَّخصيَّهِ، والوقائعِ التّاريخيَّهِ، ورموزِ النِّضالِ العالميِّ، والاسطورهِ، والدّينِ، والسِّياسهِ، والايديولوجيا، موادَّهُ الاوَّليَّهَ، ويُدخِلُها في مختبرِهِ الشِّعريِّ مستخدمًا تقنيّاتِ السَّردِ والحوارِ والمقارنهِ والمسرحِ، وتكونُ نصوصٌ تتفاوتُ في المِساحهِ ودرجهِ الشِّعريَّهِ، ايْ في الكمِّ والنَّوعِ. وفي هاتَيْنِ المجموعتَيْنِ، تبدو مقدِّماتُ الهويَّهِ الاخذهِ في التَّشكُّلِ، بابعادِها الوطنيَّهِ والقوميَّهِ والامميَّهِ، ممّا سيتمُّ تَبَلْوُرُهُ في مجموعاتٍ لاحقهٍ.

ـــ في «ارم» ـــ 1965، المطوَّلهِ الشِّعريَّهِ ذاتِ النَّفَسِ الملحميِّ، ينخفضُ المنسوبُ الغنائيُّ لمصلحهِ المنسوبِ الدّراميِّ، ويُحقِّقُ الشّاعرُ قفزهً نوعيَّهً، من خلالِ قصائدَ تنتظمُها حركتانِ اثنتانِ: عموديَّه، يَعرِضُ فيها حكايهَ الخلْقِ، منذُ الخطيئهِ الاولي، مرورًا بحكاياتِ هابيل وقابيل والانبياءِ المتعاقبينَ، وصولاً الي هيروشيما. وافقيَّه، يوجّهُ فيها بطاقاتٍ شعريَّهً الي رموزٍ ثوريَّهٍ وثقافيَّهٍ حولَ العالمِ. وبذلكَ، يتجاورُ البعدانِ التّاريخيُّ والامميُّ، الزَّمانيُّ والمكانيُّ، في قصائدَ انسيابيَّهٍ، يتفاعلُ فيها السَّرديُّ والشِّعريُّ.

ـــ في «دمي علي كفّي» ـــ 1967، نحنُ ازاءَ اناقهٍ في المفرداتِ، وبساطهٍ في التَّراكيبِ، وكَثْرهٍ في الصُّوَرِ، وارتفاعٍ في منسوبِ الشِّعريَّهِ. وثمَّهَ تعدُّدٌ للاصواتِ ضمنَ القصيدهِ الواحدهِ، في نوعٍ من مسرحهِ الشِّعرِ، وحواراتٍ ثنائيَّهٍ او متعدِّدهٍ. وهكذا، يَجْمَعُ الشّاعرُ بينَ مسرحهِ الشِّعرِ وسَرْدَنَتِهِ في هذهِ المجموعهِ، فيتمُّ تشكيلُ المحتوي الشِّعريُّ في شكلٍ مسرحيٍّ / حواريٍّ او سرديٍّ / حكائيٍّ، دونَ ان يعنيَ ذلكَ فصلاً بينَ الشَّكلِ والمحتوي، بلْ ثمَّهَ تناغمٌ وتَصادٍ بينَهُما. وبذلكَ، تمضي «دمي علي كفّي» صُعُدًا علي الخطِّ البيانيِّ لتجربهِ القاسمِ الشِّعريَّهِ.

ـــ في «دخانِ البراكينِ» ـــ 1968، يُواصِلُ القاسمُ صعودَهُ، ويَكسِرُ افقيَّهَ المسارِ المزعومهَ، ويُقدِّمُ اضافاتٍ علي قصيدتِهِ، تَتَعَلّقُ بمِساحتِها، وسرديَّتِها، ودراميَّتِها، وشكلِها التَّفعيليِّ، وانسيابيَّتِها، وتعدُّدِ اصواتِها. وياتي السَّرْدُ ليُشكِّلَ سلكًا ينتظمُ القصيدهَ، او اطارًا يَتَصادي معَ الصُّورهِ.

ـــ في «سقوطِ الاقنعهِ» ـــ 1969، تحضرُ الانا الشّاعرهُ، في فرديَّتِها وجماعيَّتِها، من خلالِ: المقارنهِ مع الاخرِ المحتلِّ، او الحلولِ في الارضِ والعناصرِ، او الالتحامِ بالتّاريخِ والجغرافيا، في اليّاتِ دفاعٍ ضدَّ الخطرِ الجاثمِ علي الارضِ، والمتربِّصِ بالتّاريخِ والجغرافيا والمستقبلِ.

ـــ في «انتظارِ طائرِ الرَّعدِ» ـــ 1969، يُراوِحُ الشّاعرُ مكانَهُ، وقدْ يتراجعُ في القصائدِ الطَّويلهِ الَّتي يَطغي فيها السَّردُ علي الشِّعرِ وتَغرَقُ في التَّفاصيلِ الَّتي لا تُضيفُ شيئًا انغماسًا منْهُ في اللُّعبهِ السَّرديَّهِ بدلَ ان ينحوَ منحي اللَّمحِ والايجازِ ممّا تقتضيهِ اللُّعبهُ الشِّعريَّهُ، وقدْ يعمدُ الي تكرارِ مقاطعَ معيَّنهٍ كلازمهٍ مقتربًا بذلكَ من الانشادِ. وفي هذهِ المجموعهِ، قدْ يتَّخِذُ من الغزليِّ الحواريِّ اطارًا للتعبيرِ عن السِّياسيِّ، فيُلغي المسافهَ الفاصلهَ بينَ النَّوعَيْنِ الَّتي عرفْناها في مجموعتَيْهِ الاولي والثّانيه.

ـــ في «رحلهِ السَّراديبِ الموحشهِ» ـــ 1970، يعودُ الشّاعرُ الي تقنيَّهِ القصيدهِ الملحمهِ، فيجترحُ بطلاً يتقمَّصُهُ، ويقومُ معَهُ برحلهٍ في التّاريخِ العربيِّ زمانيًّا، والجغرافيا العالميَّهِ مكانيًّا، بحثًا عن زوجهٍ مفقودهٍ مجازيًّا، لعلّها فلسطينُ، وهوَ يُغدِقُ علي بطلِهِ الوصايا، ويستحضرُ حكايهَ نوح، ويُصِرُّ البطلُ رغمَ المعوقاتِ علي استعادهِ زوجتِهِ. يُذيِّلُ القاسمُ هذهِ القصيدهَ بقصيدهِ «اطفال رفح» الَّتي يستشرفُ فيها ثورهَ الحجارهِ قبلَ عَقدَيْنِ من حصولِها، محقّقًا بذلكَ وظيفهَ الشّاعرِ الرّائي.

ـــ في «قرانِ الموتِ والياسمين» ـــ 1971، مجموعتِهِ الشِّعريَّهِ التّاسعهِ، يرتفعُ منسوبُ الغنائيَّهِ، وتكثرُ الصُّوَرُ الشِّعريَّهُ، وتطغي الرُّومنسيَّهُ الهادئهُ، ويتسلَّلُ الحزنُ الي بعضِ القصائدِ. يتراوحُ حجمُ القصائدِ بينَ: قصيرهٍ تقتربُ من تقنيّاتِ قصيدهِ النَّثرِ الَّتي تَتوخّي المفارقهَ واللُّغهَ البرقيَّهَ، ومتوسطهٍ تغلبُ علي المجموعهِ، وطويلهٍ سرديَّهِ الاطارِ علي انسيابٍ وعذوبه.

ـــ في «الموتِ الكبيرِ» ـــ 1972، مجموعتِهِ العاشرهِ، تعلو نبرهُ الحزنِ والرُّومنسيَّهِ، وتخفتُ نبرهُ التَّحدّي، ويحضرُ الموتُ بتمظهراتٍ مختلفهٍ، وتجنحُ القصائدُ للتَّامُّلِ. ينطلقُ بعضُها من الميثولوجيا، ويتّكئ بعضُها علي الفولكلورِ الشَّعبيِّ. وفي الشَّكلِ، ثمَّهَ مسرحهٌ وحواريّاتٌ. وفي اللغهِ، ثمَّهَ مباشرهٌ فظّهٌ في بعضِ القصائدِ.

بنتيجهِ هذهِ الملاحظاتِ، نخلصُ الي القولِ انَّ مسيرهَ سميح القاسم لم تكنْ افقيّهً ابدًا، بلْ هيَ مسيرهٌ متكسِّره يَطْغي فيها الصُّعودُ علي الهبوطِ. وعلي هامشِ هذهِ المسيرهِ، نخلصُ الي تسجيلِ النَّتائجِ الاتيه:

ـــ انّ شعرَ سميح القاسم هوَ شعرُ هويَّهٍ اخذهٍ في التَّشكّلِ، بابعادِها الفلســطينيَّهِ والعربيَّهِ والانسانيَّهِ، وكانَ للبعدِ العــربيِّ حضورُهُ الطّاغي ودورُهُ في بلورهِ الوعيِ العربيِّ نصًّا وممارسه.

ـــ انّ شعرَ سميح القاسم هوَ صدي حياتِهِ وانعكاسٌ لنضالِهِ اليوميِّ، فهوَ لمْ يَعِشْ ترفَ الكتابهِ في برجٍ عاجيٍّ. وبالتّالي، ليسَ ثمَّهَ انفصامٌ بينَ حياتِهِ وشعرِهِ.

ـــ انّ الكتابهَ تحتَ وطاهِ الاحتلالِ لمْ تَمنَحْ الشّاعرَ تَرَفَ البحثِ عن اشكالٍ فنِّيَّهٍ جديدهٍ، فانشغلَ بماهيّهِ التَّعبيرِ عن كيفيَّتِهِ، وطغي كَمُّهُ علي نوعِهِ. ومع هذا، نري علي الخطِّ البيانيِّ لتجربتِهِ الشِّعريَّهِ ذلكَ التَّدرُّجَ الَّذي يبداُ بالغنائيِّ، ويمرُّ بالدّراميِّ، ولا يقفُ عندَ حدودِ الملحميِّ...

ـــ انّ الكتابهَ في ظلِّ الواقعِ الفلسطينيِّ الضّاغطِ لم تُفقِدِ الشّاعرَ تقدّميّتَهُ، وتفاؤلَهُ بالمستقبلِ، وتبشيرَهُ بالانتصارِ. يتجلّي ذلكَ في العناوينِ والمتونِ، وقدْ يَتكرَّرُ في ثنايا القصيدهِ كلازمهٍ او يكونُ لها مسكَ الختامِ. وبهذا المعني، تُصبحُ القصيدهُ، الي شعريّتِها، حاملهَ رسالهٍ نضاليَّهٍ، دونَ انْ ينتقصَ المحمولُ من شعريَّهِ الحاملِ.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل