المحتوى الرئيسى

"الأوركسترا الليلية".. حكايات المنفى وتهديم الذات

03/26 10:50

يرمز الايراني رضا قاسمي في روايته "الاوركسترا الليليه" الي حاله التناغم التي يفتقدها الغريب في منفاه، حيث يعيش نوعا من التخبط بين ماضيه وحاضره ويفتقد امانه المنشود، فيجد نفسه فريسه للوساوس والتخيلات التي تشكل فيما بينها مزيجا موسيقيا كانها اوركسترا تجتاحه في ساعات الليل التي تطول وتلقي بظلالها علي جوانب حياته كلها.

يوزع قاسمي (ولد باصفهان عام 1950) روايته -التي نشرتها دار الربيع العربي في القاهره بترجمه غسان حمدان 2015 واعتبرت من اكثر الروايات مبيعا في ايران- علي خمسه فصول هي علي التوالي "لا يا غابيك، ليس هنا!"، "سطح فضي باهت"، "حضور من نوع حضور الحروف"، "حزنا علي بحر ضائع" و"الجوارب المحاكه يدويا صناعه ايرانيه".

وينشطر الراوي العليم بين حياتين، اذ يستعيد الزمن الماضي بالامه واحلامه ويتخيل زمنه التالي الذي يجمع بين الراهن والمستقبل المتخيل، بحيث يكون الخيال جسره الي داخله، ويحاول من خلاله اجراء نوع من المصالحه والوئام مع نفسه ومحيطه، فيرسم مخططاته المتخيله ويحلم من دون قيود، ثم يظل رهين خياله الذي لا يتحقق واقعه الذي يزيد الضغوط عليه.

ويظل الراوي غريبا في حله وترحاله، فيصف نفسه بقوله انه عاش كل عمره في النصف الشرقي بتوقيت النصف الغربي للكره الارضيه، وانه في البنايه التي يسكن فيها في باريس عندما يحل الليل كان الطابق السادس يصبح كوكبا صغيرا بالنسبه له وكان قبطانه الوحيد ولم يكن هناك من يعترض علي هذا الامر. ويذكر انه واجه صعوبات واعتراضات نتيجه اختلافه عن الاخرين، وخاصه في مساله نمط العيش.

حاله التشظي والانشطار تلازم الراوي، فيتواصل مع من حوله باعتباره اكثر من شخص ويتخيل طريقه تواصل معينه، فيكون الكاتب المتخيل ناطقا بهواجسه واحلامه في حين ان الشخص الذي يتعاطي مع مجتمعه ينفصل عن ذاته الكاتبه، ويمارس ما يصفه بتهديم الذات وتدميرها.

ويعتمد قاسمي طريقه الروايه داخل الروايه، او بناء روايه الشخصيه المتخيله والتذكير بكتابتها اثناء سرد احداث الروايه وحبكها، بحيث تغدو جزءا من نسيج الروايه وتتداخل الرغبه بالكتابه بقوه التخيل، ويندمج عالم الخيال مع الواقع، ليشعر بطله ان الحوادث المسروده والحكايات المستعاده تعود الي الكتاب الذي الفه قبل مده طويله، ولم ينشر قط.

يستعين قاسمي بلعبه المرايا اثناء عرضه وسرده، فمراه الشخصيه داخليه وخارجيه تمارس تظهير الصور المختلفه، ويتبين له ان مراته تظهر صوره الاشياء وليس صوره البشر، كما ويري راويه العليم يتوجه الي قرائه قائلا "اعلم انكم ستظنون انني مصاب بجنون الارتياب، وان يكن، فانا قد اعترفت بامراض اسوا منه". ويتحول جنون الارتياب الي حاله انفصام خطيره يقع معها نهبا لظنونه وتخيلاته، ليصل به الامر الي سؤاله نفسه "هل حدث لي ان ارتكبت جريمه قتل دون ان اشعر؟".

وتحضر شخصيات "فاوست مورناو، بروفت، السيد، مهدي، رعنا، فريدون.." لتكمل رسم مشهد الحياه العبثيه التي يصورها قاسمي في روايته، وكعلامات علي تيه بطله في رحله البحث عن الذات المهدوره، اذ ان بطل الروايه يصف نفسه بانه مثل شخص يبحث عن شيء مجهول بين الاثاث المغبر لمستودع مهجور، وكان يبحث بلا توقف عن جواب بين ذكرياته المبهمه والمنسيه لسؤال لم يتضح له.

ويختصر قاسمي معاناه بطله في ثلاث علل "الانقطاع الزمني"، و"تهديم الذات" و"مرض المراه"، حيث يبدو كانه يواجه حاله مستعصيه جدا، حتي راي انه امام شخص يشبه اخر صوره له راها في المراه. وينتقل من وصف العلل الي وصف حاله المنفي ومحاولته للتاقلم مع واقعه الجديد، ويعتبر ان كل منفي يحتاج الي قاعده ليتمكن من الدخول الي الارض الجديده ولا يختار الشخص المنفي الارض الجديده، بل تراه يحاول تكييفها وتطويعها عبثا.

يستذكر الراوي الذي يكون كاتبا مفترضا، متماهيا مع الروائي نفسه، انه كان قد كتب كتاب "التناغم الليلي لحفل اوركسترا الاخشاب" منذ سنوات عده، قبل ان تقع احداث الروايه كلها بزمن طويل. ويصفها بانها قصه خياله تماما. وانه في ذلك الوقت لم يكن يعرف احدا من الشخصيات، ثم اصبحت حياته تشبه هذا الكتاب.

ويسعي الراوي الي النسيان الذي يصفه بانه "دفاع الجسد الطبيعي ضد الالم". ويقول انه اتي في النهايه ليخلص نفسه من الشر الذي فرض عليه بدخول احدهم عليه كي لا تقع عيناه علي انفه الغريب وينسي سبب مجيئه. ووجد ان الماضي يتسلل ليلا تحت شرشفه، وانه يلازمه في الصمت والظلام مؤديا دوره في الاوركسترا الليليه المستعاده.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل