المحتوى الرئيسى

الربيع العربي ونظريّات نهاية الزمان عند الشيعة

03/23 13:43

ما ان سقط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حتي اشتعل الجدل الشيعي التاريخي حول فكره المهدويّه. فعلي الرغم من ان هذا الجدل الفقهي السياسي السيكولوجي لم يتوقف داخل البيت الشيعي منذ اكثر من الف سنه، فان حدّته كانت ولا تزال ترتبط بالاحداث الكبري.

مع بدايات الحراك العربي ظهرت الي العلن تفسيرات شيعيّه ماورائيه للاحداث. فمنذ ان اطلق السيد علي الخامنئي وصف الصحوة الاسلامية علي الحراك الثوري في تونس ومصر، انبري مسؤولون ايرانيون للتاكيد ان ما يجري هو تحقّق لوعد مؤسس الجمهوريه الامام الخميني بقيام حكومه الامام المهدي العالميه، معتبرين ان ما تشهده المنطقة العربية وُلد من رحم الثورة الإيرانية التي عليها ان تكون القائده لهذا التغيير. كان الامام الخميني قد اعاد، بعد مئات السنين من سقوط الدوله الصفويّه، تنشيط ذاكره الشيعه الجماعيه واحيا الوعي الشيعي الانتظاري، وذلك مع تاسيسه الجمهورية الإسلامية الايرانية.

من هذه الاجواء، خرج حجه الاسلام الشيخ مصطفي باقري، وهو امام جمعه مدينه يناب شمال ايران، ليقول ان التحوّل التاريخي الذي احدثته الثورة التونسية هو من مقدّمات ظهور الامام المهدي. كما اعتبر رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، ان الثورة المصرية دليلٌ علي تنفيذ الوعد الالهي. امّا الرئيس احمدي نجاد الذي اتُهم طوال فتره عهده، من قِبل المحافظين والاصلاحيين علي حد سواء، برسم سياساته بناء علي معتقداته الغيبيه، فقد اعتبر ان "التحرك الاخير بدا، وانّنا في وسط ثورة عالمية يقودها الامام المهدي".

خارج ايران، اعتبر النائب الكويتي الشيعي عدنان عبد الصمد ان تزامن انتصار الثوره المصريه، في 11 يناير، مع ذكري انتصار الثوره الايرانيه تقديرٌ الهيّ. هذا في وقت انبري علماء عراقيون عدّه للحديث عن ارهاصات الظهور. ضجّت بعض المواقع الالكترونيه الشيعيه بالحديث المروي عن امامهم السادس، جعفر الصادق، والذي يقول فيه: "واذا خلعت العرب اعنتها خرج صاحب هذا الامر"، مفسرين مفرده اعنتها بحكّامها.

المهدويه هي فكره تدور حول ظهور الامام الثاني عشر للشيعه، المهدي، الذي "سيملا الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً". وللظهور، بحسب الروايات الشيعيه المنسوبه الي ائمتهم، حركته التي يمتدّ محورها من سوريا الي العراق فايران ومكه. تتحدّث الروايات عن مؤشرات وعلامات تدلّ علي الظهور. تختصر المؤشرات بوجود الانصار المخلصين او الدوله الممهده. اما العلامات، وهي مثار اخذ وردّ بين الشيعه، فتنقسم الي قسمين:

1- علامات حتميه متفق عليها بين اغلب فقهائهم وان اختلفوا علي خصائصها او شكلها، وهي خمس:

ظهور السفياني: قائد حركه عسكريه كبيره يرفع رايه الضلال ويخرج من "الوادي اليابس"، اي من منطقه درعا السوريه بحسب بعض التفسيرات، ويحكم سوريا والعراق.

ظهور اليماني: قائد حركه عسكريه مؤمنه، "رايته اهدي الرايات" ويخرج امّا من اليمن او ان نسبه يعود الي اليمن.

خسف البيداء: تخسف البيداء بجيش السفياني في الصحراء وتبتلع مقاتليه.

قتل النفس الزكيه: يقتل انسان مؤمن ربانيّ في مكه.

الصيحه الاتيه من السماء: يصدر نداء سماويّ يسمعه كل اهل الارض ويدعو الي نصره المهديّ.

ظهور السفياني يترافق مع ظهور شخصيه اخري هي الخراسانيّ، وهو صاحب رايه قياديهّ مؤمنه يخرج من خراسان في ايران ويتصدّي للسفياني في العراق وقد عدّه البعض علامه سادسه.

2- علامات غير حتميهّ وغير مؤكده الحدوث وهي بالعشرات (خلع العرب اعنتها، نزول الترك الجزيره اي العراق، نزول الروم الرمله اي فلسطين، الانحلال الاخلاقي والديني...).

هذا وقد اتفقت اغلبيه الشيعه علي ان توقيت الظهور هو من الغيب الذي لا يعلمه الا الله، وما للشرائط والعلامات الّا الدلاله فقط، "فقد كذب الوقّاتون".

في المحطات المفصليه للحياه السياسيه يكثر الحديث عن قرب الظهور كما حصل مع وصول احمدي نجاد الي سده الرئاسه في ايران سنه 2005 ومواجهته للغرب. وكما حصل بعد حرب تموز سنه 2006 في لبنان التي وصفت بانّها "انتصار الهي".

بعد الثوره المصريه بشهرين تقريباً، قامت مؤسسه "مبشران ظهور" باخراج وثائقي حمل عنوان "الخروج قريب جداً" ووزعت حوالي 3 ملايين نسخه عنه داخل ايران. استفادت المؤسسه من انتعاش الخطاب المهدوي علي ايقاع الحراك العربي ومن شخصيه نجاد الذي كان يعتبر وصوله الي الرئاسه امراً الهياً. اسقط الفيلم العلامات المهدويه علي الاشخاص الحاليين، فقال ان السيد الخامنئي هو الخراساني مستنداً الي بعض الاحاديث التي تتطرق الي صفات الخراسانيّ الجسديّه، وان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هو اليماني مرجعاً نسبه الي اليمن، وان احمدي نجاد هو شعيب بن صالح قائد جيش الخراساني علي اعتبار ان بعض الاحاديث تحدثت عن ان شعيب رجل نحيلٌ اسمر.

فور انتشار الوثائقي انهالت الردود المستنكره له. اعتبر "مركز الدراسات المهدويّه" في قم انه امر خطير وغير علمي، واعتبر ايات الله مكارم الشيرازي وجواد املي ومصباح يزدي انَ الروايات لا تقدم توضيحات نستطيع تطبيقها علي اشخاص بعينهم. بدوره حذر السيد الخامنئي من ترويج المفاهيم الخاطئه والمنحرفه التي تسيء الي قضيه المهدويّه.

سرعان ما تحول الجدل من فقهي الي سياسي مع اتهام الاصلاحيين والفريق القريب من السيد الخامنئي لسفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب نجاد، بالوقوف وراء الشريط وبادارته لتنظيم ذي افكار منحرفه يدعي "طريق الحقيقه" ويروج للافكار المنحرفه.

وفي لبنان، كان قد اصدر شادي فقيه كتيّباً بعنوان "احمدي نجاد والثورة العالمية المقبله"، وُزّع علي نطاق واسع مستفيداً من المناخ المتاتّي عن حرب تموز 2006، وردّد فيه ادعاءات مماثله.

مع بدء الحراك السوري، استعر الجدل المهدويّ، ولبس لبوساً سياسياً عسكرياً. الكثير من عامه الشيعه وبعض العلماء العراقيين كالشيخ عبد الحميد المهاجر وجلال الدين الصغير، بالاضافه الي الشيخ اللبناني علي كوراني، قالوا ان الظهور مرتبط بخراب الشام مستندين الي حديث الإمام الصادق الذي يقول: "الفرج كل الفرج بخراب الشام". ومع اشتداد المعارك راح كثيرون يتناقلون حديث الإمام الباقر وفيه: "اول ارض تخرب الشام، يختلفون علي ثلاث رايات: رايه الاصهب، ورايه الابقع، ورايه السفياني". ويسقطون هذه الاسماء علي افرقاء القتال الذي لن ينتهي الا بخلع حاكم دمشق وسيطره السفياني علي الحكم ليعود ويتبعه خروج المهدي وفقاً لروايه منسوبه الي الإمام علي تقول: "رجفه تكون بالشام، يهلك فيها اكثر من مئه الف... فاذا كان ذلك فانظروا خسف قريه من دمشق يقال لها حرستا، فاذا كان ذلك خرج ابن اكله الاكباد من الوادي اليابس، حتي يستولي علي منبر دمشق، فاذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي".

كان لهذه التفسيرات وقعها علي المزاج الشيعي العام، وخاصه العراقي، في بدايه الاحداث السوريه. اقتنع البعض بان الرئيس السوري بشار الاسد سيسقط حكماً ولا جدوي من التدخل العسكري الشيعي في سوريا وعلي الشيعه الاستعداد للقتال علي ابواب الكوفه.

بذل الايرانيون جهوداً واسعه لاقناع الشباب العراقي غير المنضوي تحت رايه ولايه الفقيه بالتوجّه للقتال في سوريا. شدّوا عصبهم بفكره الدفاع عن المقامات الدينيه. واكّد السيد الخامنئي انّ العلامات المهدويه الصحيحه قليله جداً لان سند الروايات ضعيف. بينما هاجم الشيخ اسد قصير، وهو من وكلاء الخامنئي وله متتبعوه الكثر علي قناه الكوثر الفضائيه، كل مسقطي العلامات علي الصراع الحالي معتبراً انّ الروايات التي يستند اليها هؤلاء لاثبات علامات الظهور اغلبها غير علمي، وان الاسقاطات والتعليقات علي الاحداث الحالية كعلامه السفياني في العراق والشام قد يكون له مخاطر ومفاسد لان بعضها يتكلم عن انتصارات للسفياني حتي يصل الي الكوفه. وهذا يثير الرعب في قلوب الناس.

امّا السيّد حسن نصر الله الذي تدخل وحزبه في النزاع السوري فتوجه الي محازبيه، في حديث داخلي نُشر مقتطفٌ منه، بالتشديد علي انّ "امر الامام بغته"، وقد يحصل فجاه بمعزل عن كل ما يشاع من العلامات. والواقع ان معظم العلماء من اتباع ولايه الفقيه، وخصوصاً علماء حزب الله اللبناني، يرون ان "البداء" جائز حتي في العلامات الحتميه، انطلاقاً من الايه القرانيه (يمحوا اللَّهُ ما يشاء وَيُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتَاب) اي ان العلامات قد لا تحصل اصلاً او ربما تحصل بتغير كبير في شكلها او خصائصها. وعليه فحاكم دمشق قد لا يسقط وقد لا يسيطر السفياني علي الشام. من هنا انتشرت في الاونه الاخيره علي بعض وسائل التواصل الاجتماعي احاديث كثيره تقول ان البداء قد حصل، وان حزب الله غيّر القدر.

حين سقطت الموصل، خيّم الوجوم علي وجوه كثير من الشيعه العراقيين القريبين من مناطق القتال. وتحدّثت بعض المصادر الاعلاميه عن حركه نزوح من النجف وكربلاء، رغم بعدهما الجغرافي النسبي عن مناطق سيطره "داعش". تهيا لهم ان السفياني وليس البغدادي هو من اعلن امارته. وتم تناقل الحديث المنسوب الي الامام علي: "اذا خرجت خيل السفياني الي الكوفه، بُعث في طلب اهل خراسان. ويخرج اهل خراسان في طلب المهدي". ظنّ كثيرون ان اللحظه التاريخيه الحاسمه اقتربت وارتفعت ابتهالات العراقيين بالدعاء لخروج المخلص الي ان اعلنت مرجعيه النجف فتوي الجهاد.

ومع توسّع حركه انصار الله في اليمن، حضر عالم الغيب لتفسير احداث استراتيجيه. بعد سيطره الحوثيين علي صنعاء، راحت بعض الاوساط الشيعيه تتحدث عن ان عبد الملك الحوثي، وليس السيد نصر الله، هو اليماني ورُفعت في شوارع صعده، معقل الحوثيين، يافطات تفتدي اليماني.

شخصيات شيعيه كثيره ادّعت انها من شخصيات عصر الظهور. فناصر محمد اليماني، ضابط يمني سابق، ادّعي انه المهدي المنتظر وارسل الي بعض العلماء والسياسيين رسائل يطالبهم فيها ببيعته. والشيخ احمد بن الحسن، وهو رجل معمم من البصره، ادّعي انه وصيّ الامام المهدي وانه تلقّي علومه مباشره من الامام، وليس في ايّه حوزه من الحوزات الفاسده، بحسب تعبيره، وانه اليماني. هذا الشيخ يمتلك قناه اسمها "المنقذ العالمي" وله مكاتب عده في العراق واسس "التيار المهدوي" في العراق، عام 2004، واشتبك مع قوات الامن العراقيه.

قوبلت هذه الادّعاءات بهجمه عنيفه من المراجع الذين وصفوها بالسذاجه وبالاوهام ووصفوا اصحابها بالكاذبين انطلاقاً من الحديث "كل من ادّعي الرؤيه فكذبوه". وقد استغلت الحكومه العراقيه اراء العلماء قبل وقت قصير لتبرير الهجوم علي جماعه السيد محمود الصرخي الذي ادّعي الاتصال بالامام وانشا حركه دينيه مسلحه.

يري اتباع "ولايه الفقيه" ان تاسيس الجمهوريه الاسلاميه الايرانيه هو اقامه للدوله الممهده لظهور الامام المهدي. في رايهم، لا مثيل للصعود الشيعي الحالي في التاريخ ولا بد ان يفضي ذلك الي ظهور امامهم. في هذا السياق يضع مؤيدو حزب الله قول السيد حسن نصر الله "ولي زمن الهزائم وبدا زمن الانتصارات". الجدل بينهم وبين المنتظرين الاخرين اساسه ان بعض هؤلاء يقول ان الظهور وراء الباب بينما هم يقولون ان الامام قد ياتي بغته وقد يستغرق الامر عشرات السنوات ولكن لا رجوع الي الوراء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل