ميمونة بنت الحارث.. وهبت نفسها للنبي وتزوجها لمصلحة عليا

بايعت النبي صلي الله عليه وسلم بمكه قبل الهجره، وكانت من السابقين الي الايمان برساله الاسلام، ومما يذكر عنها انها كانت تقيه تصل الرحم، وقد اعتقت جاريه لها مملوكه ابتغاء لوجه الله ومرضاته، وكانت صالحه فاضله.

هي ميمونة بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهزم بن رويبه بن عبد الله بن هلال ، المولوده سنه 29 قبل الهجره ، اُمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث، واخواتها لابيها واُمِّها امُّ الفضل لبابه الكبري بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابه الصغري عصماء بنت الحارث زوج الوليد بن المغيره، وعزَّه بنت الحارث زوج زياد بن عبد الله بن مالك، امَّا اخواتها لاُمِّها فهي أسماء بنت عُمَيس زوج جعفر بن أبي طالب فوَلَدَتْ له عبد الله وعونًا.

وكان للسيِّده ميمونه رضي الله عنها مكانتها بين اُمَهات المؤمنين، فهي اخت اُم الفضل زوجه العباس، وخاله خالد بن الوليد، كما انها خاله ابن عباس، وقد وصفها الرسول صلي الله عليه وسلم واخواتها بالمؤمنات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "الاَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ: مَيْمُونَهُ زَوْجُ النَّبِيِّ، وَاُمُّ الْفَضْلِ بنتُ الْحَارِثِ، وسَلْمَي امْرَاَهُ حَمْزَهَ، وَاَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ هِيَ اُخْتُهُنَّ لاُمِّهِنَّ".

لما توفي زوج ميمونه بنت الحارث رضي الله عنها ابي رهم بن عبد العزي بن ابي قيس عرضها العباس علي النبي في الجُحْفَه، فتزوَّجها رسول الله ، وبني بها بسَرِف علي عشره اميال من مكه، وكانت اخر امراه تزوَّجها رسول الله، وذلك سنه سبع للهجره في عمره القضاء ، وقد اصدقها العباس عن رسول الله اربعمائه درهم، ويقال: انها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ؛ وذلك ان خطبه النبي انتهت اليها وهي علي بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فانزل الله تبارك وتعالي: "وَامْرَاَهً مُؤْمِنَهً اِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ اِنْ اَرَادَ النَّبِيُّ اَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَهً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" [الاحزاب:50 ].

وقيل: ان اسمها كان بَرَّه، فسمَّاها رسول الله ميمونه، وكانت رضي الله عنها قريبه من رسول الله ، فكانت تغتسل مع رسول الله في اناء واحد، وحقَّق النبي بزواجه من السيده ميمونه مصلحه عليا، وهي انه بهذه المصاهره لبني هلال كَسَبَ تاييدهم، وتالَّف قلوبهم، وشجعهم علي الدخول في الاسلام، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وجد النبي منهم العطف الكامل والتاييد المطلق، واصبحوا يدخلون في الاسلام تباعا، ويعتنقونه طواعيهً واختيارا.

وبانضمام السيده ميمونه رضي الله عنها الي ركب ال البيت، والي ازواج رسول الله كان لها دور كبير في نقل حياه رسول الله الي الاُمه، كما قال الله تعالي: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَهِ اِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا".

حفظت الحديث النبوي الشريف وروته ونقلته الي كبار الصحابه والتابعين وائمه العلماء ،وكانت رضي الله عنها من المكثرات لروايه الحديث النبوي الشريف حيث انها روت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ستاً وسبعين حديثاً، ولم يسبقها في ذلك سوي ام المؤمنين السيده عائشه رضي الله عنها، وام سلمه ام المؤمنين رضي الله عنها. ورُوي لها سبعه احاديث في "الصحيحين"، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسه، وروي عنها: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، ومولاها سليمان بن يسار، وعبد الله بن سليط، وابن اختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن اختها عبد الله بن عباس، وابن اخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي، وغيرهم.

وروي عنها الشيخان انها قالت: (ان الناس شكوا في صيام رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم عرفه فارسلت اليه ميمونه بحلاب اللبن وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون اليه), وهذا يدل علي فقهها ورجاحه عقلها رضي الله عنها ، وهي التي اهدت السمن والاقط والاضُبَّ الي رسول الله صلّي الله عليه وسلّم، فاكل السمن والاقط، ولم ياكل الضباب، تركها تَقَذُّراً، واكلت علي مائدته صلّي الله عليه وسلّم.

ماتت ميمونه بنت الحارث عام الحره سنه ثلاث وستين، بسرف في الموضع الذي بني بها النبي صلي الله عليه واله وسلم فيه وذلك من الاتفاقات العجيبه ، وقبرها هنالك معروف بين مكه وبطن مر.