المحتوى الرئيسى

بيتر برابيل ليتماث يكتب: تلوّث المياه أخطر من تغيّر المناخ

03/22 16:37

ان منتدي الاقتصاد العالمي، اصدر في الاونه الاخيره تقريره السنوي العاشر عن "المخاطر العالميه" . وللمره الاولي خلال السنوات العشر من عمر التقرير، تحتل الصدارهَ قضيهٌ غير ماليه، هي قضيه المياه.

ومن المؤسف ان المياه في جميع انحاء العالم، تحظي باهميه متدنيه في جدول الاعمال العام . فالتغير المناخي، اصبح قضيه كبري، يروج لها علماء حائزون جائزه نوبل، وناشطون بيئيون، وعلماء مناخ، ومنظمات غير حكوميه، ونجوم ومخرجون سينمائيون في هوليوود . ولكن قضايا المياه لا تحظي بمثل هذا الدعم . ومع ذلك، فان قضايا المياه علي المدي المتوسط خلال السنوات العشر، سيكون لها اثار عكسيه ملموسه اكثر من التغير المناخي . ومن هنا، ينبغي الترحيب بتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، لتوفيره دعماً لقضيه المياه، هي في امسّ الحاجه اليه .

ولا يعني ذلك بطبيعه الحال، ان التغير المناخي غير مهم . ولكن، علي المدي المتوسط، تحتاج الجهود المبذوله لضمان توافر كميه كافيه من المياه ذات النوعيه الجيده، تركيزاً اكبر . ويضاف الي ذلك، ان حلّ قضيه تغيّر المناخ، يحيط به العديد من الشكوك، امّا مشكلات المياه، فنحن نعرف كيف نحلها . كما نملك المعرفه، والتكنولوجيا، واموال الاستثمار اللازمه لحلها . ومع ذلك، يستمر سوء إدارة المياه في جميع انحاء العالم، ولا توجد بوادر علي ان هذا الوضع سوف يتحسّن قريباً .

لقد نمت الحضارات القديمه علي ضفاف الانهار الكبري مثل نهر السند (اطول نهر في باكستان)، والنيل، ودجله والفرات، حيثما كانت المياه وفيره . والبشر متعلقون عاطفياً بالماء، اكثر من اي مورد اخر كالغذاء او الطاقه . وقد جعل هذا الارتباطُ العاطفي، اداره المياه بطريقه فعاله، عمليه عسيره . وعلي مرّ التاريخ، اعتُبِر الحصول علي الماء امراً مفروغاً منه، وكان يُستخدَم او يُساء استخدامه، وفق ما يراه الناس مناسباً . ولا يزال علينا ان نتقبل ان الماء مورد محدود، يجب علينا ادارته بحكمه .

ومن مظاهر هذا الارتباط العاطفي، ان المياه يجري توفيرها مجاناً، او باسعار مدعومه بسخاء في كل مكان تقريباً . وتشكل الزراعه نحو 70% من الاستخدام العالمي للمياه . ومع ذلك، لا يوجد بلدٌ في العالم يتقاضي من المزارعين التكاليف الكامله لتشغيل مياه الري وصيانتها، ناهيك عن نفقات استثمارها .

وحتي بالنسبه الي المياه المنزليه، يدفع الناس في عدد قليل جدّاً من المدن تكلفتها الحقيقيه . والتسعير المعقول للمياه، سيجعل مرافقها مجديه مالياً، وسيجعل الناس يستخدمونها بفاعليه .

وقد خلق سوء اداره المياه علي مدي عقود، مشاكل هيكليه عديده . فقد كان بحر الارال (في كازاخستان واوزبكستان)، رابع اكبر بحيره للمياه العذبه في العالم . ولكن تحويل نهْرَيْ "امو دَرْيا" (في وسط اسيا عبْر تركمنستان واوزبكستان)، و"سير دَرْيا" (اطول نهر في وسط اسيا)، اللذين كانا يزوّدانها بفيضٍ دائم من المياه العذبة - لاستخدام مياههما في انتاج القطن - اختزلها الي ظلّ باهت لما كانت عليه من قبل . وكانت بحيره تشاد احدي اضخم المسطحات المائيه في افريقيا في ستينات القرن الماضي . ولكن استخدام مياهها غير المستدام، قلص مستوي مياهها وحجمها بنسبه غير معقوله، هي 90% . والصين مثال اخر . ففي خمسينات القرن الماضي، كان فيها 50 الف نهر، لكل منها منطقه تجميع تفوق مساحتها 100 كيلومتر مربع . وبحلول عام ،2013 هبط هذا العدد الي 27 الفاً . وقد اختفت الانهار بسبب الافراط في الزراعه والصناعه . وتشير الدلائل الي ان المسطحات المائيه الهنديه تواجه مصيراً مماثلاً .

وبات العديد من الانهار العظيمه الان، يشبه الجداول الهزيله عند بلوغها البحر . بما في ذلك نهر كولورادو (جنوب غرب امريكا الشماليه)، والنيل، ونهر السند (باكستان)، والنهر الاصفر (الصين)، ونهر موراي (جنوب شرق استراليا) . وقد اشارت اللجنه العالميه للمياه الي ان اكثر من نصف انهار العالم مستنفده علي نحوٍ خطر .

والمسطحات المائيه بالقرب من جميع المراكز الحضريه في العالم النامي ملوثه علي نحو خطر . والادله علي ذلك ليست قليله . في عام ،2011 اعلِن ان المياه من اكثر من نصف البحيرات والانهار الكبري في الصين، غير صالحه للاستهلاك الادمي . وان اكثر من نصف المياه الجوفية في شمالي الصين ملوثه الي درجه غير صالحه للاستحمام، ناهيك عن الشرب .

وذكرت الحكومه الهنديه عام ،2013 ان نحو نصف انهار البلاد البالغ عددها 445 نهراً، شديده التلوث العضوي، الي درجه لا تسمح بشرب مياهها .

واذا اخذنا الملوثات الاخري بعين الاعتبار، مثل المواد الكيماويه السامه والمعادن الثقيله، فان الاغلبيه الساحقه من مصادر المياه لا تعود صالحه للاستخدام من دون معالجه غاليه الثمن .

والتكاليف الاقتصاديه والاجتماعيه والصحيه والبيئيه لمثل هذا التلوث الشديد، تتزايد باطراد . وفي بعض الدول، تبلغ التكاليف الحقيقيه لسوء اداره المياه ما يقارب 5% من الناتج المحلي الاجمالي .

واذا استمرت الاتجاهات الحاليه، فسوف يزداد الوضع سوءاً . وعلي صعيد الصناعه مثلاً، يَعتبِر نحوُ ثلثيْ الشركات الان، الماء خطراً كبيراً عليها .

وقد اعلنت شركه التعدين العملاقه "ريو تينتو" (المتعدده الجنسيات)، في ابريل/ نيسان ،2014 انها سوف تتخلي عن مشروعها في منجم بيبل في الاسكا، بسبب مخاوف متعلقه بالمياه، وتبرعت بحصتها في المشروع، البالغه 19% لجمعيتين خيريتين حكوميّتيْن .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل