المحتوى الرئيسى

ما هي السريالية؟ هجاء الإنسان في سينما لويس بونويل

03/21 20:42

ولد المخرج لويس بونويل (22 فبراير 1900 – 29 يوليو 1983) في قريه قلنديه، مقاطعه تيرويل، في اسبانيا. نشا في اسره برجوازيه، وتلقي تربيه يسوعيه صارمه. كان بونويل شديد التدين في فتره المراهقه وحتي سن السادسه عشر. التحق في عام 1917 بجامعة مدريد حيث درس الهندسة الزراعية ثم الهندسة الصناعية لكنه تحول في النهايه الي دراسه الفلسفه. في الجامعه، تعرف بونويل علي سلفادور دالي وجارسيا لوركا، وقد جمعته بهما صداقه وثيقه، كانت هذه الصداقه علامه فارقه في الحياه الفنيه للاصدقاء الثلاثه الذين شكلوا لاحقًا نواه الطليعه السرياليه الاسبانيه. في عام 1925، انتقل بونويل الي باريس برفقه دالي حيث قدما معا اول افلام بونويل "كلب اندلسي".

يُعتبر لويس بونويل حاله فريده في عالم السينما فهو اول من قدم السينما السريالية بل هو مؤسسها. السرياليه في افلام بونويل (سواء الصامته او الصوتيه) عباره عن حاله هجاء شديد، هجاء للواقع ولمغزي الوجود الانساني. لم يسلم من هجائه شيء، لا المجتمع، ولا السياسيه، ولا الدين. سرياليه بونويل كسرت كل مطلق. بمنتهي الجمال والتمرد، فكك الهجاء السريالي في افلام بونويل الكنيسه الكاثوليكيه، الثقافه البرجوازيه، والفاشيه. بشكل عام، لا يمكن تناول افلام بونويل ابدًا باي قدر من السطحيه. بونويل نفسه كان يكره ذلك. يقول بونويل: "لو انَّ ايا من افلامي يبدو غريبا او مبهما.. فلانَّ الحياه نفسها كذلك". عمدَ بونويل في افلامه الي النقد الشرس لما اعتبره "الثالوث غير المقدس" والمكون من "البرجوازيه، النفاق الديني، السلطه الابويه." يعتبر بونويل في راي العديد من النقاد مُحطِم الثوابت، فيلسوفا ثوريا حاول تقديم رؤيته الاخلاقيه لعالم غير اخلاقي. النهج الفلسفي في اعمال بونويل كان يفسر عند كثير من النقاد كدليل علي ماركسيته. جادل بونويل ان هجاءه السريالي للدين والسياسه انما اتي من النفاق الشديد الذي تكرِّس له السياسه والدين. الهجاء السريالي الذي اعتمده يبين لنا ايضا ان لا شيء (نظريه او ممارسه) ينبغي ان يكون فوق الاستجواب والفحص.

نتناول هنا احد اعمال بونويل شديده الرمزيه وهو الفيلم المكسيكي/الاسباني "فيريديانا" (1961) الذي يعتبر مدخلا لفهم فلسفته واعماله.

يحكي الفيلم قصه "فيريديانا" الفتاه التي وهبت نفسها للرهبنه وقبل يوم واحد من تلاوه العهود تذهب بامر من رئيسه الدير للريف للقاء عمها الثري (الدوق جيمي) الذي دعمها ماديًا طوال الوقت ولم يرها الا مره واحده فقط من وقت طويل. فيريديانا والتي تشبه زوجه عمها المتوفاه تقضي في الريف اوقاتًا طيبه وقبل يوم واحد من عودتها للدير يبوح لها عمها بانه معجب بها ويطلب منها عدم المغادره. ترفض فيريديانا مشاعر عمها بشده. يقوم عمها بتخديرها وبعد الافاقه يدعي الكثير من الاكاذيب من ضمنها انه اغتصبها. تهرب فيريديانا بعد صدمتها لتعود للدير لكن قبل ان تصل تسمع عن انتحار عمها شنقا فتقرر العوده للقصر. يتملك فيرديانا بعد ذلك احساس بالذنب كونها سبب موت عمها فتقرر عدم العوده للرهبنه ومواصله "الطريق الي الله" لكن بشكل اخر. تجمع فيريديانا العديد من الفقراء والمتسولين في القريه وتهب لهم بيتا بجوار القصر وتؤمن لهم العمل وتحاول ارشادهم للصلاه، معتقده بذلك انها تنير طريقهم وتفتح لهم بابا لملكوت السماوات.

الحدث المفصلي الثاني في الفيلم بعد انتحار الدوق جيمي، هو قيام الفقراء الذين جمعتهم فيريديانا للعيش بجوار القصر بدخول القصر في غياب فيريديانا وابن عمها والخادمه، باغواء من بعض النساء العاملات في القصر. في مشهد شديد الشبه بلوحه العشاء الاخير لدافنشي، يتناول العمال العشاء في القصر. ووسط تهليل وسكْر وعربده يقومون بتكسير مقتنيات القصر. اثناء خروجهم تدخل فيريديانا وابن عمها والخادمه فيتلاقي الجمعان. يحاول احد العمال وهو مخمور الاعتداء جنسيًا علي فيريديانا بعد ان قيد ابن عمها. تنجو فيريديانا في النهايه من الاغتصاب لكن لا تسمح ببقاء الفقراء في ارضها وتطردهم.

يقدم بونويل الاحداث في مشاهد شديده الرمزيه. فيريديانا من البدايه كانت تُمثل المسيح بكل ما يحمله من طهاره ونقاء وقدره علي التضحيه. المسيح الذي لاقي اشد انواع الايذاء من قومه. رمز بونويل لهذا الايذاء في فكره العم الذي يشتهي ابنه اخيه. فيما كان القصر هو تفاحه ادم الذي دخله الفقراء باغواء من نساء القصر ليتم طردهم بعد ذلك من نعيم فيريديانا. فيريديانا المصلوبه علي صليب الجشع والاستغلال والشهوه. لا مكان لرؤيتها الاخلاقيه في عالم لا اخلاقي. مصير كل نواياها الطيبه حتمًا الفشل. الفشل الذي قدمه بونويل في مشهد حداثي للعشاء الاخير.

يسخر بونويل في الفيلم ليس فقط من فساد الطبقه البرجوازيه الممتمثله في عم فيريديانا، بل يضع ايضًا ايه: "طُوبَي لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لاَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَي لِلْحَزَانَي لاَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَي لِلْوُدَعَاءِ لاَنَّهُمْ يَرِثُونَ الاَرْض" من انجيل متي، محل شك واستفهام. البشر عند بونويل في عصر القنابل الذريه لا يختلفون كثيرًا عنهم في عصر المسيح.

ما يقوله بونويل عبر فيريديانا هو اننا علي كل حال مجموعه من الهمج ندعي فضائل وقيم تسقط امام ابسط الاختبارات. نملا الفراغ الوجودي الذي نعيشه بافعال صادمه من البربريه والوحشيه. هذا هو انسان المسيح الحقيقي الذي صُلب المسيح من اجله.. اضل من دابه. مطلقًا عبارته الشهيره: "انا ولله الحمد ملحد".

كيف يعبر الرسم عما تعجز عنه اللغه؟ لوحه "الوصيفات" نموذجا..

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل