المحتوى الرئيسى

خديجة بنت سحنون.. بنت الأئمة ومفتية زمانها

03/21 04:49

انجبت مدينه القَيْروان في تونس خلال فتره ازدهارها العلمي ونبوغ حضارتها اكابر العلماء والمحدِّثين والفقهاء من الرجال والنساء، كان من بينهن العالمه والفقيهه الجليله خديجه بنت الإمام سحنون التي بلغت في علمها وادبها مراتب عليا وشاناً عظيماً.

هي بنت الامام سحنون واسمه عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الفقيه وقاضي قضاة القيروان صاحب "المُدَوَّنه" في الفقه المالكي، والذي يعد المرجع الاساس للمذهب المالكي ،وقد انتهت اليه رئاسه العلم في المغرب ، وكان زاهدًا لا يهاب سلطانًا في حق يقوله، وكان رفيع القدر، عفيفًا، ابي النفس ، توفي سنه 240هـ.

وهي اخت العالم الكبير محمد صاحب اول رساله في التربيه والتعليم التي تحمل عنوان " اداب المعلمين "، والذي قال عنه ابن الجزار الطبيب الاديب المؤرخ: "كان امام عصره في مذهب اهل المدينه بالمغرب، سمحاً بما له، كريماً في معاشرته، نفّاعاً للناس، مطاعاً، جواداً بماله وجاهه، وجيهاً عند الملوك والعامه، جيد النظر في الملمات" ، وكان ــ اي اخوها محمد ــ فقيهًا مالكيًا مناظرًا، كثير التصانيف. لم يكن في عصره احد اجمع لفنون العلم منه، رحل الي المشرق سنه 235هـ ، ونقل الي القيروان فدفن فيها، ورثي بثلاثمائه مرثيه، كان كريم اليد، وجيهًا عند الملوك، عالي الهمه، وتوفي سنه 256 هــ .

وتربت العالمه والفقيهه خديجه في " دار سحنون" الشهيره بالقيروان التي نوّه بها المؤرخون واصحاب الطبقات ، وقال عنها ابن حارث: قام سؤدد العلم في دار سحنون نحو مائه عام وثلاثين عاماً من ابتداء طلب سحنون واخيه الي موت ابن ابنه محمد بن محمد بن سحنون"، وفي كتاب " تاريخ القيروان" لابي بكر عبد الله بن محمد المالكي قال: "اجتمعت في سحنون خِلالٌ قَلّما اجتمعت في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامه في الحق، والزَّهَاده في الدنيا، والتخشّن في المَلْبس والمَطْعم، والسماحه. ولم يكن يهاب سلطاناً في حق، شديداً علي اهل البدع، انتشرت امامته، واجمعوا علي فضله "، ولقد لُقِّب بسحنون تيمُّناً بطائر قويّ البصر، لِحدّته في مسائل الفقه وشده ذكائه.

وصف القاضي عياض في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك بمعرفه اعلام مذهب مالك" خديجه بنت سحنون بقوله : " كانت من خيار النساء ومن احسنهن واعقلهن" ، ووصف اصحاب الطبقات تلاميذ ابن سحنون ومن بينهم ابنته خديجه بقولهم: كان اصحاب سحنون مصابيح في كل بلده وعددهم نحو سبع مائه رجل ظهروا بصحبته وانتفعوا بمجلسه.

وكانت خديجه من العلماء الكبار والعالمات القيروانيات ممن اخذوا عن ابيها سحنون وساروا علي دربه ومنهجه. وقد كان نساء زمانها يستفتينها في مسائل الدين، ويقتدين بها في معضلات الامور لما منحها الخالق جل ثناؤه من كمال العقل والمدارك العاليه ، وقد وردت اخبار عنها من ذلك ان سحنون حينما علم بقرار تعيينه قاضياً بالقيروان تَمَنَّع وتمَلَّص فاغلظ عليه الامير محمد بن الاغلب اشد الغِلظه، وحلف عليه باشد الاَيْمان حتي وافق، فبلغ به الغم والحزن لعِظَم الامر عليه انّ احداً من الناس لم يجرؤ علي تهنئته، ويروي انه دخل علي ابنته خديجه حينما عُرض عليه تولي القضاء قائلاً: "اليوم ذُبح ابوك بغير سكين ".

كما قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: كانت خديجه عاقله، عالمه، ذات صيانه ودين. وكان ابوها يحبها حبًا شديدًا، ويستشيرها في مهمات اموره. حتي انه لما عرض عليه القضاء لم يقبله الا بعد اخذ رايها، وكذا كان يفعل اخوها محمد بعد وفاه ابيهما.

وقال ابو داود العطار: ارسلني ابو جعفر احمد بن لبده ابن اخي سحنون لاخطب له خديجه من ابيها وكانت من احسن النساء، واعقلهن، فذكرت ذلك لسحنون فقال لي: هممتُ بذلك، وسكت، ثم اتاه ابنه محمد فاستشاره ولم يُجب الخطبه، اي لم يوافق ، وتوفي سحنون فارسلني ابن لبده الي محمد ابنه، فذكرت ذلك له فقال: كيف اتجاسر علي ما لم يصنعه ابي؟ ، فسكت عنه حتي توفي محمد، فارسلني اليها فقالت: ما لم يفعل ابي واخي انا اصنعه؟ لا افعل ابداً.

ويذكر احد المؤرخين ان الذي منع خديجه من الزواج بقريبها العالم الحياء والحشمه التي فُطرت عليها وكانها ارادت احترام نيّه والدها واخيها ولو ادّي ذلك الانقباض الي تضحيه شبابها والاقتصار علي اشغال حياتها بما يُرضي الرب من صلاه وعباده ونصيحه وافاده

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل