المحتوى الرئيسى

والدة شهيد سيارة رفح: "ابنى كان بطل بيدافع عن بلده"

03/21 09:43

بلباس اسود لم يتغير لونه منذ عامين، ولهجة ريفية بسيطه، وقطرات دموع تنسال، تعجز السيده سليمان عن منعها، تتذكر ابنها محمد فرحان، شهيد حادث انقلاب سياره الجيش في منطقه رفح بصحراء شمال سيناء في اوائل مارس 2013، وتهنئته لها بمناسبه عيد الام، التي كانت قبل موعدها بثلاثه ايام، حدثها قائلاً: «كل سنه وانت طيبه يا حاجه، علشان انا هطلع بكره علي الجبل ومش عارف هرجع تاني امتي»، تشرح الام: «هو كان متعود يقول لي مش عارف هارجع امتي عشان الظروف اللي بتمر بيها البلد، بس في المره دي اصر انه يحضني، وما كنتش عارفه انه هيبقي اخر حضن».

تعود الام بذاكرتها الي الفتره التي سبقت وفاه ابنها بثلاثه اشهر، وتحديداً مع مولد ابنه الثاني وحفيدها الذي كانت تحمل له مشاعر اكثر من ابنها الفقيد: «اعز الولد ولد الولد» كما تقول، وترجمه هذا الشعور باصرارها علي تسميه الحفيد «محمد» علي اسم ابيه، رغم ان والده الشهيد كان يريد تسميته علي اسمه جده، لكن الام اصرت وقتها علي تسميته باسم الاب، مبرره: «قلبي كان محروق علي ابني واصريت اني اسميه علي اسمه».

تسترجع الام التهنئه الاخيره بعيد الام، وتقول انها اكبر عندها من اي هديه يمكن ان يقدمها اليها احد من ابنائها، فعلاقتها بابنها الاكبر الذي تعتبره الاقرب الي قلبها كانت وثيقه: «محمد كان حنين عليَّ، وعمره ما زعلني حتي بعد زواجه، كان دايماً بييجي علي مراته علشان خاطري، رغم اني ممكن اكون غلطانه، وتصرفاته دي كانت بتدفعني علي الحرص اثناء التعامل مع زوجته».

تصمت الام المكلومه لبرهه، تقطعها بحديثها المشفوع بالدموع: «زي ما اكون لسه سامعه خبر وفاته الاسبوع اللي فات»، طرقات امين الشرطه علي البوابه الحديديه لمنزلهم الصغير القابع بشارع محمد فريد، بحي السوق بمدينه بلبيس بمحافظه الشرقيه، ما زالت تدوي في اذنها، كما تقول، دور امين الشرطه كان اخبار الاسره بوفاه ابنهم، وضروره تحركهم الي مطار الماظه لاستلام الجثمان، ليقوم عمه باجراء اتصال بوالده الذي كان في عمله باحدي الشركات الخاصه بمدينه العاشر من رمضان، ويتحركان معاً الي القاهره، بينما تظل الام في انتظار وصول الجثمان بعد رفض الاب اصطحابها معهم.

تتذكر السيده اخر ليله قضاها ابنها في البيت، عندما جاء لها برفقه زملائه في الوحده العسكريه ليبيتوا ليلتهم الاخيره قبل التحرك الي سيناء فجر اليوم التالي، وقام بايقاظها من نومها ليسلم عليها قائلاً: «خدي بالك من ولادي احمد ومحمد ومراتي»، تطلب منه ان ينتظر يوم او اثنين ثم يسافر، يرد عليها بابتسامه هادئه: «مش بمزاجي يا حاجه»، وينتهي لقاء الوداع بينهما والام تقول: «ولادك في عيني يا ضنايا»، وبعد مرور يومين ياتيها خبر موته مع صديق في نفس الحادث.

تشير السيده بيمينها الي برواز تتوسطه صوره الشهيد وابنه الاكبر احمد، تروي قصه الصوره: «دي كانت اخر صوره اتصورها في العيد»، يومها كان خارجاً بصحبه ابنه، وداعبته قائله: «انت بتحبني اكتر ولا ابنك احمد؟»، يبتسم: «انتي امي وهو ابني وبحبكم انتم الاتنين».

تفتخر ام الشهيد بابنها الذي فقدته اثناء خدمته العسكريه بمنطقه رفح في سيناء: «عند ربنا وفداء للوطن»، مؤكده ان شقيقه حسين الاصغر كان مجنداً وقتها في الجيش، لكن ما يحزنها هو نزول ابنها 3 ايام فقط للعزاء في شقيقه، كانت تتمني ان تطول اجازه ابنها الثاني حتي يتم الانتهاء من مراسم العزاء، خصوصاً ان مراسم العزاء في بلدتهم تستغرق اكثر من اسبوع.

ويستمر تفاخر الام بخدمه ابنائها في القوات المسلحه: «بعد خروج حسين من الجيش دخل سليمان، وهو حالياً يقضي خدمته في القاهره»، تتمني السيده من الله ان يحفظه وينتهي من خدمه العسكريه ويعود الي بلدته.

ورقه عمله بخمسين جنيهاً تمسكها الام باصابعها: «دي كانت اخر خمسين جنيه اداها لي محمد قبل ما يسافر»، فرغم انه كان مجنداً، فانه كان يستغل ايام الاجازه في العمل باحدي وكالات الفاكهه لتوفير نفقاته الخاصه، وقبل سفره الي وحدته العسكريه كان يعطي زوجته مصروفها، ولا ينسي ان يعطي والدته، موضحه انها لن تصرف الخمسين جنيهاً، حتي لو لم يتبق في البيت كله غيرها.

جميع متعلقات محمد جمعتها الام في غرفه مغلقه تفتحها بين الحين والاخر، كلما اشتاقت الي ابنها. تقبض الام باناملها علي قطعه من ملابس الابن وتروي حكايتها: «دي اللي رجع بيها بعد ما تعرضت النقطه الامنيه اللي مرتكز فيها لهجوم ارهابي، الارهابيين ضربوا عليهم نار، وولعوا في غرفه المبيت اللي كانوا بيناموا فيها، وكل هدومهم اتحرقت ما عدا اللي كانوا لابسينه علي جسمهم»، مشيره الي ان ابنها شاهد الموت بعينيه مرتين قبل سقوطه شهيداً، المره الاولي كانت اثناء وجوده بنقطه الارتكاز الحدوديه واحترقت فيها جميع ملابسه، بينما المره الثانيه اطلق فيها مسلحون النيران عليهم اثناء وجوده في المعسكر برفح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل