المحتوى الرئيسى

الدين.. تجربة فردية أم رابطة اجتماعية؟

03/20 18:41

غالبا ما توصف المقاربات الحداثيه للدين بانها مقاربات اختزاليه، بمعني انها دوما تعتبر "الدين، متغيره قد يتم تفسيرها علي ضوء متغيرات اخري -المجتمع، علم النفس، علم الاقتصاد- كما لو ان الاديان لا تتمتع بكيان رمزي خاص بها"(1)، ولا يرجع هذا فحسب لرغبه العلوم الانسانية في تحقيق صرامه منهجيه شبيهه بتلك التي طورتها علوم الطبيعة الحديثه، مما يدفعها لاختزال الظواهر محل الدراسه لجوانبها القابله للتكميم ونفي كل جانب فيها يحتاج مقاربه مختلفه، بل يرجع ايضا وفقا لـجان بول وليم الي ان اباء علم الاجتماع كانوا غالبا رجال اخلاق يحاولون اعاده بناء نظام اخلاق اجتماعي بعد التصدع الذي اصاب هذا النظام بفعل الثورات الصناعيه والسياسيه، مما يعني ان دراستهم للدين لم تكن بالاساس محاوله لاكتشاف ابعاده الرمزيه بقدر ما كانت تساؤلا حول مصير الدين ومصير الاخلاق، و تساؤلا حول امكانيه تاسيس اخلاق بلا دين بعد انكشاف الاخير في رايهم عن وهم وعن ارتباط جذري بالاخلاق كذلك، وهذا الدمج بين الاخلاق والدين راجع لكونهم قصروا دراساتهم للدين علي مجتمعات يستوعب فيها الاجتماع الظاهره الدينيه، فيتطابق فيها المقدس مع الحرام، اي المجتمعات الطوطميه التي تم اعتبارها اكثر المجتمعات بدائيه(2). في هذا السياق اعتبر دوركايم الدين بعدا باطنيا للمجتمع، تتمثل وظيفته في احلال النظام والانسجام بين افراده. يعد ماركس ايضا من هؤلاء الذين اولوا الاهتمام الاكبر للجانب الاجتماعي من الدين. فقد اعتبر ماركس ان وظيفه الدين هي وظيفه اجتماعيه بحته تتمثل في تغييب الفئات المطحونه و تحقيق سعاده وهميه لهم مما ينتج عنه تحقيق الاستقرار للانظمه الاجتماعيه القائمه وتابيد لتراتبها الطبقي. كذلك اعتبر توكفيل ان الدين هو ما يحمي مجتمعا ما من التفكك عبر تقديمه عقائد جاهزه من مصدر واحد للجميع، فهذا الاساس الديني المشترك هو ما ينمي لدي كل فرد روحا عامه، ويخلق المسؤوليه الاجتماعيه، وبناء علي هذا، جعل توكوفيل الدين اساس للديموقراطيه الامريكيه.

قصر الدين علي بعده الجماعي، وقصر وظيفته علي الدمج والربط او خلق التماسك بين اللحمه الاجتماعيه وتبرير التفاوت او المساواه، لم يقتصر فحسب علي مقاربات علماء الاجتماع الذين ذكرناهم، بل تعداها الي مقاربات علم النفس. فالجهد الذي اولاه فرويد مثلا لدراسه الدين هو جهد يندرج في اطار علم النفس الجماعي لا الفردي، فهو لا يريد بحث وقائع الخبره الدينيه عند الفرد بقدر ما يبحث عن تحديد الوظائف الاجتماعيه فالحضاريه التي يقوم بها الدين. فالدين عند فرويد هو مصدر الطابوهات الاخلاقيه وهو خالق الانا الاعلي وهو الذي يعطيها اهم محتوياتها: عقده ادويب. لذا فاننا نشهد عند فرويد نفس ما اسماه جان بول ويليم في قراءته دوركايم بتناقض المقاربه الدوركايميه، اي التناقض بين تقليص الدين عبر تحويله لضابط اجتماعي من ناحيه، ومن ناحيه اخري التاكيد علي اهميته الشديده كضابط وحيد وبالتالي القلق من غيابه. ففي كتابه "مستقبل وهم" يري فرويد ان الدين ورغم انه محض وهم مرتبط بطفوله بشريه الا ان له دورا حقيقيا في خلق الحضاره عبر كبت الغرائز وان تجاوز الدين مرتبط بتجاوز هذه الطفوله الي الرشد والا كان غياب الدين في هذه الحاله مدمرا للحضاره.

كل هذا يعني ان اغلب المداخل الحداثيه للدين كانت تتميز بايلاء الاهميه الكبري للجانب الاجتماعي من الدين حتي لو كانت في اصلها معنيه بالفرد مثل علم النفس. ولو اضفنا لهذه المقاربات حقيقه ان الفلاسفه الذين بلوروا تصورا عن دين طبيعي قد اهتموا في هذا الدين بجانبه العمومي فحسب حين عمدوا الي الاخلاق الكليه فطابقوها بالدين ليخلصوه من كل طابع سري او قلبي او فردي، فاننا نخرج بنتيجه مفادها ان المقاربه الحداثيه للدين كانت في مجملها مقاربه عموميه وعقلانيه تولي الاهتمام للجوانب الخارجيه منه القابله للقياس والتعميم وخلق اللحمه  وتتنكر للتجلي الفردي اللاعقلاني الباطني التفكيكي له(3).

لكن هذا لا يمنع من ان التاكيد علي الجانب الفردي غير الجماعي، والقلبي غير العقلاني، والشخصي غير العمومي، التفكيكي لا الدمجي للدين، هو امر لم ينقطع حتي في اكثر فترات انتصار العقل واتجاهه لتحديد مناهجه و تاسيس انساقه الكبري واختزاله الظواهر لجوانبها العموميه التي يستطيع العقل رصدها. فقد اولي باسكال المعاصر لـديكارت امام العقلانيه اهميه كبري لقانون القلب علي حساب قانون العقل. كذلك اعلن روسو في عز انتصار الموسوعيين عن رذيله العلم المدمر لحسياسيتنا وديننا وانجرافنا العاطفي. ثم لما تتالت انجازات الثوره الرومانسيه وبزوغ الفرد، بدا الحديث عن مقاربه واضحه تحتفي بالجانب الفردي/القلبي/الحركي من الدين، حيث ان الرومانسيه تقوم علي ضروره الاراده وغياب البنيه وتاكيد الفرد في مقابل تصورات الجماعه(4) كما يري ايزيا برلين.

في هذا السياق حاول شليماخر -الذي احتفي من منظور روحاني بروايه لوسينده احدي ايات الفن الرومانسي الايروتيكي- التاكيد علي ان الدين هو التجربه الفوريه المثقله بالوجود والافعال الكونيه(5)، وانها تجربه جوهرها الفرديه والانعزال، بعيده عن الاستدلال العقلي، وتحدث في خطابه الي المثقفين المحتقرين للدين عن الخطوط التي تفصل الدين عن الميتافيزيقا العقليه والاخلاق. وفي محاجاته ضدهم لا يستخدم شليماخر قواعد استدلال عقليه قطعا بل مركب من تعابير خطابيه ومجازات من اجل التاثير في مخاطبيه واعانتهم علي ادراك هذا الاشتياق والتلهف للقوانين الروحيه الابديه للطبيعه والكون. وقد مهدت مقاربه شليرماخر هذه لان يركز اوتو -وريثه المباشر- علي تجربه تجلي المقدس للفرد باعتبارها تمثل جوهر الدين، وهي تجربه لا عقلانيه، تجعل المرء -فيما يقول الياد- يعتبر كتاب اوتو كتابا عاطفيا رغم تعقده وغناه.

ولو حاولنا ايجاد ممثل نموذجي لهذه النزعه الفرديه اللاعقلانيه فوق الاخلاقيه للدين، فان انظارنا تتوجه فورا لـكريكجارد، خصوصا لو قارنا تصوراته عن الدين والاخلاق بتصورات كانط التي تمثل قمه التعبير العقلي العمومي الاخلاقي عن الدين. ويمكن اجراء المقارنه بين تصور كل منهم للدين عن طريق مقارنه موقف كل منهما من قصه اقدام ابراهيم علي ذبح اسحاق؛ فكانط وانطلاقا من ايمان باخلاق عموميه تقوم علي مبادئ الكليه والضروره وتعتبر ان اول قاعده اخلاقيه هي افعل بحيث يصلح فعلك لان يكون قاعده عامه، يدين تماما هذه القصه ويعتبر ان العقل العملي الاخلاقي هو القيم علي خيريه افعال النصوص الدينيه لا العكس، فهذه الاخيره لا تمثل سوي اخلاق ذاتيه، وهذا العقل الاخلاقي العملي هو طريق كانط لترجيح فرضيه وجود اله اخلاقي بعدما نفي قدره العقل النظري علي البرهنه علي وجوده؛ اما كريكجارد فيعتبر ان ابراهيم في اقدامه علي ذبح اسحاق يمثل نموذج لفارس الايمان، هذا الذي يقف فوق سماء الاخلاق العموميه والعقليه الكانطيه ليواجه وحيدا الله ذاته، و يقوم عبر استبطان فرديته ومواجهه المفارقه اللاعقلانيه باللقاء بالابدي بادراك عمق الدين الذي يتجاوز العقلين النظري السابق لكانط والعملي الكانطي، مما يجعل كريكجارد يعتبر ان حياه الانسان تمر بثلاث مراحل ليست الحياه الخلقيه العقليه سوي مرحلتها الثانيه السابقه للمرحله الاعلي والاسمي اي المرحله الدينيه الخاصه بالمستثنين الرافضين اخذ استراحه في الكلي والعام، مما يعني ان كريكجادر اسس لانفصال حاد بين الدين من جهه والعقل والمجتمع والاخلاق من جهه اخري، فقد صار الدين مع هذا الدنماركي لاعقليا وفرديا له منطقه الاخلاقي -او اللااخلاقي- الخاص.

لكن هذا التناقض بين الرؤيتين الاجتماعيه والفرديه للدين لم يكن ليدوم دون محاوله لتجاوزه وايجاد صيغه ما للتوافق بين هذين البعدين، وهذا لان اقتصار الدين علي احد هذين البعدين قد يضيع في حقيقه الامر اي فائده للدين. فالاقتصار علي الجانب الفردي والتخلص التام من كل البني الرمزيه والطقسيه التي يوفرها دين الجماعه قد يؤدي بالافراد لتجربه ساحقه كما يري يونج(6) تفقدهم اي امل في سلام او غبطه. غير ان المبالغه في الجانب الجماعي للدين هو ايضا له خطورته حيث يمكن له ان يفرغ التجربة الدينية من حركيتها وحميميتها وفرديتها عبر استلابها في انساق معده سلفا تحدد طريقه مثلي في لقاء المقدس، مما يحتم ضروره الوصول لصياغه ما توفر بلوره مناسبه لهذا الجدل، ونستطيع ان نعتبر برجسون وتيليش من اهم من قدموا محاولات للتوفيق بين فرديه الدين وجماعيته.

الحركه عند برجسون والشك عند تيليش:

يري برجسون ان الدين اما ان يكون سكونيا او متحركا. والدين السكوني مهمته حفظ توازن المجتمع من خطر التفكك الذي قد ينتج من تزايد معدلات الفردنه، وكذلك من خطر غياب منظومه من العقائد تستطيع انقاذ افراد المجتمع من التفكير في بعض الحقائق المفزعه مثل حقيقه الموت، هذه العقائد توفرها الوظيفه الخرافيه التي تخلقها الغريزه في عمق العقل نفسه. لكن ورغم هذه الاهميه التي يعطيها برجسون للدين السكوني او الجماعي في حفظ توازن المجتمع، فان هذا الدين لا يمثل المرتبه الاسمي عند برجسون، فالمرحله الاسمي عنده هي الدين المتحرك القائم علي تواصل حر ومباشر مع المبدا الحيوي الخلاق للوجود، وهو فعل لا يقوم به سوي بعض الممتازين، مثل المتصوفه. ورغم انه قد يبدو لوهله ان برجسون يقصد ان يقوم التوفيق بين بعدي الدين الفردي والجماعي عن طريق قصر الاول علي فئه ممتازه والثاني علي العوام وهذا شبيه بالوضع الذي وصل اليه بعض فلاسفه المسلمين مثل ابن رشد او متصوفيهم مثل الغزالي، الا ان هذا ليس صحيحا، فرجسون يري ان التدينين شديدي الاهميه لبعضهما حيث "لا يذيع الدين الحركي دون صور ورموز تقدمها له الوظيفه الخرافيه الخاصه بالدين السكوني"(7). واذاعه هذا الدين الحركي المراد منها حمآية الدين الجماعي من الانغلاق، مما يعني ان الانسجام بين الدين الجماعي "السكوني" والفردي "الحركي" يقوم عند برجسون علي دب الحركه داخل الدين الجماعي نفسه وانقاذه من الانغلاق عبر تواصلات فرديه مع مبدا الوجود لا تنعزل في صومعتها بل تعمل علي اعاده صياغه الدين الجماعي باستمرار وتاسيس الحركيه داخله.

قريبه من محاوله برجسون محاوله الالماني تيليش، مع الاختلاف في قيام التفريق بين الفردي والجماعي عند الاول علي الحركه، في حين يقوم التفريق عند الثاني علي الشك. فلان تيليش يعرف الايمان بكونه الانشغال بموضوع هم الي اقصي حد، ما يجعل الايمان ذاتيا وموضوعيا، ذاتيا من حيث فعل الايمان نفسه وما يخالجه من مشاعر، وموضوعيا من حيث اختيار موضوع لهذا التعلق الاقصي، فان تجربه الايمان عنده تنطوي علي شجاعه المخاطره(8)، حيث تضطلع فيها الذات بتعيين موضوع تعلق عليه همها الاقصي. ولكوننا قد نقع في خطا يجعلنا نتعلق بموضوع زائف اي موضوع لا يستحق ان يكون موضوعا لهمنا الاقصي، فالشك يعتبر جزءا طبيعيا من تجربه الايمان هذه، وهو شك دائم و غير منقطع حيث نحيا هذه المخاطره باستمرار.

ويري تيليش ان التدين الجماعي المتمثل في الكنائس يحرم هذا الشك من منطلق كونه ضد الايمان، حيث لا يعترف هذا التقليد بالشك كجزء من تجربه الايمان بل كشيء سابق عليها او مدمر لها، وهذا يرتبط بوضع خاتم الابديه علي تلك العقائد وتحويلها لقوانين ايمان مطلقه، من هنا فقط يصبح الشك كفر وتدمغ كل محاوله لتجاوز شيء من العقيده الراسخه بكونه هرطقه "فلكي تكون هناك هرطقه، يجب ان تكون هناك مبادئ ايمانيه اوصي بها اله واحد يكشف للناس بفضل ارادته كليه القدره، اسس الايمان" كما يقول ويتلر(9).

لذا فوفقا لتيليش، فان الحل للتوافق بين الدين الجماعي والفردي او الحركه والثبات، الذي يستطيع انقاذ الدين من التحجر والافراد من الفراغ الكلي في ان، هو ادخال الشك في صلب العقيده القويمه ذاتها بالتفريق بين موضوع الهم الاقصي ورموزه، بمعني اعتبار ان عقيده مرحله ما هي مجرد تعبير رمزي لا يستنفد موضوع الهم الاقصي مما يحتم ضروره التشكيك المستمر الفردي والجماعي بها كوسيله وحيده لتطوير وعينا بموضوع ايماننا الاقصي، بل لتجنب خطر الوقوع في الوثنيه عبر تخيل استيعاب الرمز لله.

ويوظف تيليش بذكاء منقطع النظير فكره صلب المسيح في رؤيته هذه، فيعتبر ان صلب المسيح (الكلمه) هو صلب لرمز موضوع الهم الاقصي، وان هذا الصلب الذي يمثل جوهر الايمان المسيحي لا يعني سوي فتح تجربه الايمان علي الشك والحركه والنفي الدائم كجزء اصيل منها في تجليها الفردي والجماعي، بهذا يصبح من الطبيعي التعايش بين بعدي الدين، فيصبح بمقدور الجماعه المؤمنه بلوره معتقد يمثل همها الاقصي مصاغ عبر اسطوريه قابله للتهشيم(10) و يصبح كذلك بامكانها استيعاب تشكيك الافراد ومعاناتهم الدينيه الفرديه كمحرك لدين الجماعه لا كضد له.

لا شك فان واقع الاسلام اليوم وبعد تعرض كل الانساق للاهتزاز بعد واقعه الثوره، والرغبه في تاكيد فرديه الفعاليه الدينيه، وتزامن هذا مع اهتزاز شرعيه المؤسسات الساهره علي حمايه معتقد اسلامي قويم، بل الشك في امكانيه وجود نمط قويم معد سلفا يستطيع تاطير الفعاليات الدينيه، كل هذا يخلق قدرا كبيرا من التنافر بين الفرد و الجماعه ويهدد بانسحاق الفرد اما عبر تجربه فرديه دينيه ساحقه كالتي تحدث عنها يونج، او عبر نفي فعاليته عن طريق دمجه في تصورات سابقه عليه، فضلا عن خطر تابيد ما ليس ابديا وتجميد الجانب الجماعي من التدين مما يؤدي لتجذير الصراع لا لحله.

لذا فالسؤال عن امكانيه الوصول لصياغه مناسبه لهذا الجدل في الاسلام هو سؤال راهن و ملح.

بالطبع كون الاسلام مثله مثل اليهوديه والمسيحيه، دينا يقوم علي كشف الهي للحقائق الايمانيه، كذلك وانطلاقا من كون المعتقدات الاسلاميه مثلت عبر تاريخ الامه اساسا لربط المجتمع، فان التنافر الذي شهدته بين الدين الفردي والجماعي بل بين الجماعي والجماعي ليس جديدا، فعبر هذا التاريخ نجد كل فرقه تعلن عن عقائدها كعقائد مطلقه ونهائيه وتدمغ بقيه الفرق بالبدعه، فضلا عن الافراد المدموغين بسبب تصوراتهم الفرديه للدين بالكفر او الزندقه -او من قرروا الانعزال بتصوراتهم المضنون بها علي غير اهلها-. وقد حاول خطاب الاصلاح في اواخر القرن التاسع عشر تجاوز هذا الصراع، فكان حل التنافر يقوم علي صياغه عقيده منتقاه من عدد من المذاهب بسيطه بما يكفي وشامله بما يسمح لدمج اكبر عدد من الفرق، وكذلك بما يكفي للسماح بحريه الحركه تحت هذا السقف الواسع، وهذا الحل نابع من رفض خطاب الاصلاح اجراء اي تعديل علي العقيده يشابه ما جري علي التشريع. فبينما قبل ائمه الاصلاح ارخنه بعض التشريعات القرانيه في مقابل تحرير غاياتها، لم يقبلوا من نفس المنطلق ارخنه الصياغه القرانيه للعقائد في مقابل تحرير الله، ولم يكن هذا ليتم الا مع تبلور اساس فلسفي لرؤيه تاريخيه للنص، والتي تؤرخن -فيما تؤرخن- العقائد، وتستعيد قيمه النفي كقيمه مركزيه في الاسلام. فالاسلام دين يقوم علي نفي احقيه كل الالهه في ان تكون موضوعات للهم الاقصي، ولو كان الاسلام انتقل من النفي الي الاثبات فصاغ عقيده ما باعتبار ان صياغه العقيده جزء رئيس من الدين الموجه للجماعه كما تحدثنا، فان عمقه كدين توحيدي رافض للتوثين لا للاوثان، بمعني انه رافض لاي استنفاذ او استيعاب لموضوع همه الاقصي، يجعلنا وانطلاقا منه هو ذاته ننفي اي اطلاقيه لصياغته للعقيده، بدلا من هذا نحوّل هذه الصياغه لاسطوره مهشمه، فيتحول المعتقد الاسلامي اثر التهشيم لاطار رمزي عمومي يشترك الجميع فيه مدركين لضروره دب الشك والحركه والنفي داخله في محاوله لاقتراب اكثر من الله، ويجعله كذلك نبعا تنطلق منه انهار التجارب الروحيه الفرديه كما يري شبستري، مما يعني تجاوز اي صراع بين الفردي والجماعي.

(1) جان بول وليم، "الادين في علم الاجتماع"، ص11.

(2) تجاوز كثير من علماء الاديان هذه النظره بعد ما ثبت ان القبائل الطوطميه قبائل معقده التنظيم وليست بدائيه كما ظنها علماء هذا الوقت، مما جعل علماء الاديان يذهبون ابعد في التاريخ لتحليل ظاهره الدين، مما جعل قضيه ان الاخلاق ركن اساس في الدين امر خاضع للبحث.

(3) وهي تتنكر له بمعني نفيه تماما لا بمعني قبول اخفائها، فكما يقول المصباحي في دراسته عن "كانط والمفهوم القوي للتنوير" لا مكان للتقيه او الاغتياب في فعل التنوير العمومي بالضروره، حيث ان الذات المزدوجه في التنوير، هي ذات يفكر الفرد بمقتضاها باعتباره مواطنا صالحا، وذات يكون بها الفرد انسانا صالحا، فلا مكان هنا لاي اسرار فرديه.

(4) ايزيا برلين، جذور الرومانتيكيه، ص241. بالطبع وكما يري برلين فان تاكيد الاراده قد يكون جماعيا، لكن هذا ايضا يخضع لنفس قواعد رفض العموميه والعقل والاخلاق الكليه.

(5) شليرماخر، "في الدين، خطابات لمحتقريه من المثقفين"، الخطاب الثاني مطبوع ضمن موسوعه فلسفه الدين لعبد الجبار الرفاعي معنونا "عن جوهر الدين"، ص 63.

(6) فراس السواح، دين الانسان، ص39.

(7) هنري برجسون، منبعا الاخلاق والدين، ترجمه سامي الدروبي، ص289.

(8) بول تيليش، بواعث الايمان، ترجمه سعيد الغانمي، ص24.

(9) ج. ويتلر، الهرطقه في المسيحيه، تعريب جمال سالم، ص 15، 16.

(10) تهشيم الاسطوره عند تيليش يعني ان نفي الاحقيه التاريخيه والفيزيقيه لاسطوره ما لا يعني الاستغناء عن وظيفتها الرمزيه، فالاسطوره هامه كتجسيد جماعي لموضوع الهم الاقصي وكذلك كمحرك لتجارب الافراد.

اجوبه القران علي الاسئله الكبري

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل