الحيدري: ولاية الفقيه بدعة لا يعرفها الفقه الشيعي

كتاب نبيل الحيدري (التشيع العربي والتشيع الفارسي)

الحسيني: نظام ولاية الفقيه يعيق انتخاب رئيس للبنان

يثير الكاتب العراقي نبيل الحيدري قضايا شائكه قديمه حديثه في مؤلفه "التشيع العربي والتشيع الفارسي"، ويخوض في صلب الجدل المحتدم حاليًا حول قضايا فقهيه يتم استغلالها في اخطر صراع طائفي تشهده المنطقه، حيث يؤكد ان ولايه الفقيه الايرانيه بدعه للخميني لا يعرفها الفقه الشيعي.

لندن: يشير الكاتب العراقي نبيل الحيدري، في حوار اجرته معه "ايلاف" في لندن، الي الخطر الذي شكلته الدولة البويهية في الفرقه بين المسلمين كونها المنبع الايديولوجي الذي ترعرعت فيه اولي البدع والغلو الغريبه عن العقيدة الاسلامية.. كما يناقش ظاهرتي التطرف التي واجهها الامام علي ممن غالي فيه البعض لدرجه الالوهيه، وما يقابلها من ظاهره الخوارج الذين اتهموه بالتكفير.

.. وفي ما يلي محاور النقاش مع الحيدري حول دوافع اثارته لموضوع مؤلفه المثير للجدل، والذي يلقي في العراق حاليًا اهتمامًا كبيرًا اضطر ناشره لاعاده طبعه مرات عده :

**تحدثت في كتابك عن ظواهر غريبه في التشيع.. فكيف اثبتّ كونها بعيده عن الاسلام؟

اهمها ظاهره الغلو في الامامه التي اسميتها (لاهوت الامامه)، حيث يرتفع فيها الامام فوق النبوه ليحتل صفات الالوهيه والربوبيه بمختلف ابعادها وعندها يفتقد التوحيد معناه ويهمل القران بسبب الايمان بتحريفه وسوف يظهره المهدي المنتظر لينتقم من العرب والخلفاء والسنه وينتصر للفرس، كما يزعمون في ثقافه الكراهيه والبغض واللعن، وهي الظاهره الثانيه المهمه، فضلاً عن ظاهره الطقوس والبدع وما يصاحبها من مراسيم تتجلي فيها تلك الثقافات الغربيه خصوصًا ايام السيطره الفارسيه كالبويهيه والصفويه. ثمّ مقارنتها بالقران الكريم والسنه الصحيحه وسيره ال البيت لا سيما الامام علي الذي رفض الغلو كما رفض التكفير وثقافه الكراهيه والبدع والهرطقه.

 *اي الفترات الفارسيه هي الاهمّ في هذا التاثير؟

البعض حاول دراسه الفتره الصفويه التي حكمت(1501-1736)، حيث الشاه الصفوي والفقيه صاحب لقب (شيخ الاسلام) محمد باقر المجلسي الذي يعتبر الشاه ممثّلاً للائمه، ووضع شجره نسب له الي اهل بيت النبوه، وذكر منامات لعلاقاته بالامام علي والمهدي المنتظر وتاليفه موسوعتي “بحار الانوار” و”مراه العقول ”. والدور الصفوي الذي كتب عنه حتي المستشرقين، بل حتي من المفكرين الايرانيين، لاسيما عالم الاجتماع علي شريعتي في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”، حيث انتقد الدوله الصفويه، واعتبر ما يحمله الايرانيون اليوم تشيعاً صفويًا لا علاقه له بالامام علي بن ابي طالب.

هنالك مراحل اخري لا تقلّ خطوره لاسيما قبلها بما يقرب خمسه قرون، وهي مرحله الدوله البويهيه في العراق (932-1065)، وخطر الدوله البويهيه كونها المنبع الايديولوجي الذي ترعرعت فيه اولي البدع والغلو الغريبه عن العقيده الاسلاميه، متمثله بتاليف الكتب الحديثيه الاربعه: «الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق القمي، والتهذيب والاستبصار وكلاهما للطوسي بما يوازي الصحاح عند السنه بل هي اعظم بقدسيتها. واحتوت هذه الكتب علي الاف من الاحاديث لغُلاه وضّاعين نقلوا احاديث منسوبه ليست الي الرسول او الامام علي، بل نسبت زوراً الي الامامين جعفر الصادق او محمد الباقر.

وكانت تلك الكتب هي المرجع الاساس لكل من جاء بعدهم خصوصًا الكافي حيث ان اكثر الاحاديث غير صحيحه وتمتلئ بثقافه الكراهيه والغلو والبدع والهرطقه، وعن رواه عرفوا بالوضع والتدليس، حتي اعتبر الفقيه العربي هاشم معروف الحسني 100 حديث صحيح من مجموع ما يقرب سته عشر الف حديث منسوبه ضعيفه موجوده في الكافي.

**ناقشت ظاهرتي الغلو والتكفير في زمن الامام علي وكيف تعامل معها.. الي ماذا توصلت؟

ناقشت ظاهرتي التطرف التي واجهها الامام علي ممن غالي فيه لدرجه الالوهيه، وما يقابلها من ظاهره الخوارج الذين خرجوا عليه بالتكفير وطالبوه بالتوبه لقبوله التحكيم في حرب صفين، لكنه رفض الامرين معاً، بينما طالب باحراق من يزعم كونه الهاً مثل عبد الله بن سبا.. والغلو ظاهره رفضها القران والنبي الكريم وعلي نفسه، لكنّ علياً في المقابل حاور الخوارج عندما قالوا: لا نؤمن بما تقول ولانصلي خلفك) ليقول لهم: (لكم كلّ ذلك لانه من حقوقكم ولكم حقوق اضافيه اخري.. ثم يستانف قائلاً : بيني وبينكم قتل الناس) اي لهم الحريه الكامله ما لم يعتدوا علي الاخرين ويسفكوا الدماء وعندها كانت معركه النهروان.. وارسل عليٌّ ابنَ عباس ليحاججهم بغير القران لانهم حفّاظٌ للقران، ذوو الجباه السود من كثره السجود والخشوع والصلوات، فيستطيعون الاجابه بالايات واشتهر قول علي يومها: القران حمّال للاوجه. لذلك اوصي الامام بالقول : لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فاخطاه كمن طلب الباطل فاصابه.

**عبد الله بن سبا اليهودي اليماني هل هو حقيقهٌ ام وهمٌ؟ لك فصل واسع تناول مختلف الاراء حوله؟

تناولت في مؤلفي عده ظواهر غريبه ايام الامام علي بن ابي طالب، منها ظاهره عبد الله بن سبا، فقد انكره بعض المتاخرين مثل طه حسين، ومرتضي العسكري الذي يدعي عدم الاعتراف بوجوده في المصادر الشيعيه الاولي ولم يقرّه عالم شيعي واحد اصلاً، حيث يثبت الكتاب بالتفصيل اجماع المصادر الشيعيه الاوليه وعلماء الشيعه علي حقيقه وجوده وغلوه في الامام علي، ولم ينكره احد منهم اطلاقاً، فنكرانه لا يصمد امام حقائق التاريخ واجماع القدماء لاسيما فقهاء الشيعه. ويشرح الكتاب بوضوح دور ابن سبا في تحريف الاسلام بما يشبه ما قام به پولص في تحريف النصرانيه.

**لا تظهر العنصريه في كتابك حيث تذكر الكثير من الايرانيين المصلحين وتشيد بهم كما تذكر الشعوب الايرانيه بثقافاتها وحضارتها وادابها وفنونها.. لماذا؟

طبيعي ان يمتدح الكتاب الشعوب الايرانيه وتاريخها وثقافتها ويتعاطف مع شعوبها وبعض فقهائها لكنه ينتقد سلطات معينه سياسيه ودينيه كان لها الدور في ادخال البدع وثقافه الكراهيه في الدين والعقيده، وتلك التي ذكرها حتي الايرانيون مثل المفكر علي شريعتي وكتابه في نقد الدوله الصفويه وعنصريتها وبدعها وجرائمها، ويذكر الكتاب ايضًا العديد من المصلحين الفرس والكثير من رواد نهضتها، فالكتاب ينقد بعض رجالها من السلطتين السياسيه والدينيه التي ادخلت البدع والتحريف والغلو وثقافه البغضاء والكراهيه واللعن لاسيما زمن الدولتين البويهيه والصفويه وامثالها التي عانت منها الشعوب الايرانيه وقتل منهم الالاف لتحويلهم من سنه الي شيعه، كما يظهر في الكتاب، كما انّ الشعوب الايرانيه تعاني اليوم ايضاً من ولايه الفقيه وظلمها وتبغي التحرر منها.

*انت عشت في ايران سنوات وقمت بالتدريس في جامعاتها وحوزاتها، فهل كان لذلك اثر في فكره مؤلفك الموسوعي هذا؟

بلا شك كان له الاثر الكبير، فانت بالخارج قد تسمع كلامًا طيبًا عنهم خصوصاً بدايه الثوره حيث تعاطف العالم الاسلامي مع الثوره الايرانيه، لكنك عندما تشاهد مظاهر كبيره مقزّزه مثل ما يسمي "فرحه الزهراء" بادعاء قتل الخليفه الثاني عمر لفاطمه الزهراء وممارساتهم فيها حيث لايقبلها عاقل او مسلم شريف. كما تلاحظ العنصريه ضد العرب من جهات عليا مسؤوله وشعارات ضدّ العرب مرفوعه وغيرها من الامور اليوميه والظواهر الغريبه التي تلحّ عليك في ضروره مراجعه مصادرها وتاريخها ونشوئها.

*تذكر وثائق خطيره عن تحالف الفرس مع الاوروبيين ضد الدوله العثمانيه ومسانده اوروبا لطقوس وزعماء الفرس، وفيه كميات هائله من المعلومات؟

هناك تفاصيل موالاه الصفويين للاوروبيين ضد الدوله العثمانيه المسلمه، حيث قام الشاه اسماعيل بمراسلات كثيره للبرتغال يدعوهم لغزو الجزيره العربيه فانه يغزوها من الشرق بجيوشه الجراره كانّه يطمع في استرداد العرش الكسروي بالانتقام من السُنّه المسلمين حيث اجبرهم الخليفه الثاني العربي علي دخول الاسلام قهراً. وقد لاحظ (بيريس تومي) السفير البرتغالي في الصين، والذي زار ايران ايام الصفويين قائلا: ان اسماعيل الصفوي يقوم باصلاح كنائسنا ويدمّر مساجد السُنّه.

ويضيف ان الصفويين تحالفوا مع اوروبا ضد الدوله العثمانيه وقد ارسلت بريطانيا خبيرين عسكريين لمساعده الدوله الصفويه لصنع المدافع في مواجهه الدوله العثمانيه.

ويذكر الكتاب الوثائق البريطانيه حيث دعم السفير البريطاني في بغداد للتطبير وتبرّعه بالاكفان البيضاء والقامات لمن يقوم بالتطبير فضلا عن دعم مواكب التطبير خصوصا بالمال والسكر والرز في وقت القحط والحاجه الماسه اليه بالوثائق والارقام فلا غرو ان يحتفي المتحف البريطاني حديثًا في اوائل القرن الحادي والعشرين باقامه احتفال خاص لتاريخ الشاه عباس بن اسماعيل الصفوي تحت شعار: عباس في لندن !علماً انّ الشاه اسماعيل الصفوي كما يذكر الكتاب بالمصادر قد استوحي المراسيم الحسينيه من خلال وزيره المسمي وزير الشعائر الحسينيه فقد استوحاها من اوروبا في ذكري السيد المسيح وشهداء المسيحيه واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها الي ايران، مما ادّي الي ظهور طقوس مذهبيه لا سابقه لها في الاسلام ولا حتي في الفولكلور الايراني، منها علي سبيل المثال لا الحصر: النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والاقفال والتطبير وادماء الرؤوس واطوار جديده في قراءه المجالس الحسينيه، وكلّها وغيرها مظاهر مستورده من الغرب مما يكشف مناصره دوله بريطانيا العظمي والبرتغال للدوله الصفويه ضد الدوله العثمانيه.

*تناولت في كتابك محاولات التقريب العديده بين السنه والشيعه وفشل تلك المحاولات.. لماذا ذلك الاخفاق؟

كان هناك مؤتمر نادر شاه حيث جمع فقهاء السنه والشيعه للاتفاق علي حرمه تكفير الخلفاء الراشدين وزوجات النبي ورفض الطقوس الصفويه وثقافه السب والشتم واللعن وغير ذلك مما تمّ الاتفاق عليه في 11 كانون الاول عام 1743 وتجاوز علماء الشيعه السبعين في المؤتمر وتم التوقيع واستمر لعده اشهر حتي اعتبره بعض الزعماء الشيعه نادر شاه حامي حمي الشيعه لكنّ المتشددين من اصحاب التشيع الفارسي قد افتوا بقتل نادر شاه وفعلاً قتل الرجل رفضًا للتقارب وازدادت مراسيم التكفير والغلو والبدع اكثر من السابق خصوصًا في احتفالات ما سمي فرح فاطمه الزهراء وعيد الغدير ومراسيم عاشوراء.

*تحاول تاسيس مشروع كبير متكامل للوحده الاسلاميه وتصحيح التراث الشيعي.. فكيف يتم ذلك؟

*عند استقراء الظواهر الغريبه ومحاولات الفقهاء العرب لاصلاح التراث الشيعي، فانّ الكتاب يحاول تاسيس مشروع كبير متكامل لحل جميع تلك الاشكالات بالرجوع الي القران الكريم والسنه الصحيحه وسيره اهل البيت، وذلك بعد تنقيحها مما يزيل ما علق به من غلو وبدع وكراهيه وطقوس غريبه.. ولا يزال الكتاب يثير المثقفين وهم يتداولونه وتصلني رسائلهم وكتاباتهم وتعليقاتهم وانا احاول ان استفيد من ملاحظاتهم وافكارهم.

*هنالك اكثر من فصل حول خميني وافكاره لاسيما حول ولايه الفقيه.. وهناك نقد كبير له.. لماذا؟

طبعًا الظاهره الخمينيه اليوم تاخذ حيّزاً اساسياً في الساحه، فهناك فصلان عن الخميني حيث يناقش في احدها ولايه الفقيه الايرانيه كونها بدعه لايعرفها الفقه الشيعي ويناقش استدلالات الخميني في ادلته واهمها قوله تعالي: يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم.. بتاويل اولي الامر بالفقهاء، وهو راي نادر وغريب في المذهب الشيعي، الذي يحصر اولي الامر بالائمه دون الفقهاء كبشر عاديين قد يحركهم الهوي فيستحيل قرنهم بولايه الله ورسوله فهو مرفوض جمله وتفصيلاً في اجماع فقهاء الشيعه علي مر التاريخ.

كما اعتمد الخميني علي روايه عمر بن حنظله وهي ضعيفه جدًا سندًا ودلاله وفيها اشخاص لم يتم توثيقهم ايضا مثل اسحق بن يعقوب المجهول، ويزيد بن خليفه، وهو لا يؤمن بالائمه بعد موسي الكاظم، وقد اسس تلك الفرقه وكلاء الامام موسي الكاظم نفسه كزياد القندي وعثمان بن عيسي الرواسي اللذين رفضا تسليم الاموال والجواري الي ابنه الامام علي الرضا رافضين امامته واقفين علي الامام الكاظم كاخر امام، حتي اعتبر بعضهم انه المهدي الغائب الذي سيرجع لاحقًا كما يذكر الطوسي والكشي والنوبختي والمامقاني والمفيد والمرتضي والخوئي وهم فقهاء الشيعه.

*دخلت في مؤلفك الي مناطق حساسه مثل قضيه المهدي المنتظر والتقليد والخمس وطقوس كربلاء، فضلاً عن الامامه والعصمه، وناقشها الكتاب بجراه اكاديميه.. كيف سرت بامان بين هذه الالغام؟