المحتوى الرئيسى

ملتقى الرواية العربية .. هل يجيب عن سؤال النقد ؟

03/18 12:05

في خضم ملتقي القاهره الدولي السادس للروايه العربيه الذي يختتم مساء اليوم “الاربعاء” تجلي “سؤال النقد” خاصه وان هذا الملتقي شارك فيه اكثر من 200 ناقد وروائي وتضمن قضايا نقديه ضمن محاوره المتعدده.

واذا حق القول بان سؤال النقد ليس مصريا فحسب بل هو عربي بقدر ما هو عالمي فان العديد من النقاد العرب والاجانب شاركوا في هذا الملتقي الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة برعايه الدكتور عبد الواحد النبوي وزير الثقافة والدكتور محمد عفيفي الأمين العام للمجلس الاعلي للثقافه.

وتتجلي الهموم النقديه بين محاور الملتقي الذي حمل اسم الروائي الراحل فتحي غانم وعقد تحت عنوان: “تحولات وجماليات الشكل الروائي” وناقش قضايا مثل:”الروايه وحدود النوع” و”تطور التقنيات الروائيه” و”الفانتازيا والغرائبيه” و”شعريه السرد” و”الروايه والتراث” و”الروايه ووسائط التواصل الحديثه”.

ومن دواعي الانصاف القول بان هذا الملتقي الذي نهض فيه الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل بدور بارز يسهم بلا ريب في الاجابه عن اسئله المشهد النقدي في وقت يتصاعد فيه الحديث عن ازمه النقد في قول والفوضي النقديه في قول اخر محصورا في راهن الثقافه المصريه والعربيه بل وعلي امتداد العالم حتي ان اديب نوبل الصيني مويان حمل بشده علي النقاد من مواطنيه واعتبر انهم يحسدونه علي الجائزه الادبيه الكبري كما انتقد الخلط بين السياسه والادب!.

وقال الدكتور صلاح فضل مقرر اللجنه العلميه في ملتقي القاهره للروايه ان الحركه التنويريه مستمره علي يد المبدعين فيما قال الكاتب الروائي والناقد المغربي الكبير الدكتور محمد براده ان الروايه العربيه تظل مشدوده دائما الي الحاضر “ونحفر باصرار في تربه متكلسه بالماضويه”.

واذا كان الروائيون يتلمسون اجوبه لاسئله الحاضر الشائكه كما يقول محمد براده الذي يجمع ما بين المبدع الروائي والناقد المتخصص فان للنقد ايضا ان يتلمس اجابات وسط مايعتبره البعض ازمه نقديه مصريه وعربيه.

وعن اسباب تراجع الكتابه القصصيه القصيره امام الروايه يقول الكاتب احمد ابو خنيجر ان عدم المتابعه النقديه الجاده لتلك الكتابات الجديده وبالتالي الكشف عن جمالياتها وطرقها واساليبها وتنوعها الفني الغني جعل كتابها علي الاقل يشعرون بالاحباط فاثروا الانصراف عنها لكتابه الروايه او التخلي كليه عن الكتابه.

ويضيف ابو خنيجر ان الكتابات النقديه ضعيفه ومتسلحه بالاسلحه النقديه القديمه والتي تميل للمجامله والوساطه فيما يري اننا نعاني من غياب نقد حقيقي او حتي افراز الجيل لنقاده.

وخارج اطار ملتقي القاهره للروايه العربيه لاحظ ابو خنيجر ان بعض اصحاب الكتابات الجديده قد يذهبون للكتاب الكبار مستفيدين من وضعيتهم في نشر ما دبجوه من مقالات نقديه تكيل المديح دون ان تقدم الدرس النقدي والجمالي لتلك الاعمال بنظره تتمتع بالحياد والضمير النقدي والفني اليقظ.

وحول الروايه راي احمد ابو خنيجر ان اهم مايميز الجيل الجديد من الكتاب هو الفضاءات المختلفه والمتباينه للقادمين منها والتي يعبرون عنها مما مثل بدوره غني في بحر الروايه المصريه “فكلما اتسع الافق الروائي دخلت الكتابه في مناطق جديده لم تكن مطروقه من قبل”.

والقاهره - علي سبيل المثال - كما قدمها نجيب محفوظ وجيله مختلفه عن رؤيه كتاب الستينيات كما يشير ابو خنيجر، معتبرا ان التعامل مع نفس المناطق لايكون بنفس الطريقه وبنفس وجهه النظر فيما اضاف ان الروايه الجديده تخلصت قدر الامكان من الاحمال الايديولوجيه التي كانت تكبل الروايه من قبل ومستفيده من منجزات العصر.

فلا يمكن مثلا انكار الاستفاده من الصوره البصريه وتشكلها في الروايه الجديده والاصغاء الجديد للتحولات التي تحدث مما جعل الذات المبدعه - علي حد قوله - تحاول ان تخلص لنفسها ومعارفها كي تحافظ علي توازنها وقدرتها علي الاستمرار وسط هذا البحر الهائل والهائج بالمتغيرات التي تحدث كل لحظه.

اما الكاتب فتحي امبابي فيري ان المشهد الروائي تحيطه سحابات معتمه تسعي سعيا حثيثا لتجفيف هذا الفن الساحر من عالمه النبيل وتحويله من نهر دافق يشق الطريق الي عالم من الصفاء والفردوس الانساني الي بحيره يقييء فيها المجتمع قيحه معتبرا ان “الاجنده النقديه” في مقدمه الازمه.

والاصل في ازمه النقد - كما يقول امبابي - يعود الي انهيار نظم التعليم والطبيعه المحافظه للمؤسسات الاكاديميه والعداء للموهبه مضيفا:”كارثه الكوارث سياده المنهج النقدي القائم علي القراءه الوصفيه التي تجعل كل النصوص مميزه، كل النصوص متشابهه مقابل ازاحه القراءه المعياريه عن المشهد تحت دعوي الابتعاد عن تهمه انحياز واعتبار اي تقييم للنصوص انحياز غير مسموح به للناقد”.

ويمضي فتحي امبابي في رصده لملامح ازمه النقد كما يراها ليقول:”ان تحريم عباره جيد او رديء عند قراءه النصوص موقف شائه يحرم علي الفن المصري قواعد المعايره التي يمكن من خلالها للادب ان يتطور وتتيح للكتاب النضج الكافي الذي ينقلهم من مستوي الموهبه والرغبه في الابداع الي مرتبه الكتاب العظام “.

اما انتهاج المناهج الشكلانيه علي حساب المنهج الموضوعي والسقوط في متاهات مصطلحات مثل الحداثه ومابعدها مع افتقاد المنهج العلمي فهو منطلق ايديولوجي تشوبه سوء النيه علي حد قول الكاتب الروائي فتحي امبابي.

ويبدو ان هذا الكاتب كان غاضبا بشده من المشهد النقدي في مصر عندما قال:”ان كتابا مصريين عظاما عباره كريهه لدي نقاد كبار اقسموا وعقدوا النيه علي منعها بكل الطرق والوسائل عن المبدعين المصريين لهذا ستشكل الاجنده النقديه السوس الذي ينخر هذا الحلم الساعي للتعبير عن اشواق المواطنين في الخلاص وهي فيروس يسعي للتمكن من كبح المخيله الابداعيه القوميه للكتاب والمبدعين المصريين وجعلها معوقه غير قادره علي التحليق في سماء الابداع”.

واذا كان الكاتب الروائي محمد جبريل يبدو حريصا علي تاكيد انه ليس بالناقد المتخصص فانها ابدي شعورا بالاستغراب حيال انكار بعض النقاد المصريين ان تكون للابداعات الروائيه المصريه صله بالواقعيه السحريه رغم ان معظم مبدعي الواقعيه السحريه في امريكا اللاتينيه اكدوا تاثرهم بحكايات الف ليله وليله.

وعرفت مصر نقادا من اصحاب القامات الثقافيه العاليه مثل طه حسين وشكري عياد ومحمد مندور والدكتوره لطيفه الزيات والدكتوره سهير القلماوي وفاروق عبد القادر ولويس عوض وعلي الراعي.

ومع ان الناقد الراحل فاروق عبد القادر كان يحمل احيانا بقسوه علي بعض كتابات الراحل الدكتور لويس عوض فان هذا النوع من النقد كان لا يثير غضب لويس عوض لانه يري في فاروق عبد القادر ناقدا كبيرا وتمني ان يكون هناك اكثر من ناقد مثله.

هذا الجيل من النقاد الكبار كانت مهمته الاساسيه جذب القاريء وخدمه الثقافه فيما ياخذ بعض المبدعين وحتي النقاد الان علي غيرهم من النقاد انهم ينفرون القاريء بكتابه ما لا يفهمه ولا يستوعبه ولا يستسيغه.

واذا كان هناك من يحمل وسائل الاعلام جزءا من المشكله متهما هذه الوسائل بانها تخاصم الفكر الجاد والثقافه الحقه فيبدو ان السياسه حاضره بقوه في قلب ما يسمي “بالفوضي النقديه”.

وهذا ما يراه الشاعر محمد ابراهيم ابو سنه معتبرا انه منذ سبعينيات القرن الماضي “بدا النظر الي المثقفين علي انهم ركيزه للتمرد والرفض والمعارضه ولهذا ناواتهم انظمه الحكم لان الثقافه تبشر بوعي انساني يمهد لتغيير الواقع”.

واضاف ابو سنه:”واذا كان المبدعون قد همشوا الي حد ما فقد همشت بالتبعيه حركه النقد” فيما يقول الناقد الدكتور حامد ابو احمد:”من المعروف ان النقد الأدبي في النصف الثاني من القرن العشرين قد حل محل الفلسفه ومن الواضح ان العالم الان بلا فلاسفه وان النقاد قد حلوا محلهم.. اما عندنا فلا فلسفه ولا نقد والمجتمع المتلقي غير موجود”!.

لكن مشكله النقد تبدو اقدم من منتصف سبعينيات القرن العشرين ولها مظاهر متعدده وقد تثير احيانا علامات دهشه وتعجب خاصه عندما يتناول ناقد احد كبار المبدعين في سياق خارج سياق العصر الذي عاش فيه هذا المبدع او لاسباب ايديولوجيه وربما لعوامل تتصل بذائقه الناقد ذاته وميوله.

وفي ستينيات القرن العشرين عندما هاجم احد النقاد المحدثين ذكري امير الشعراء احمد شوقي وقال” انه لو عاش في زماننا هذا لما كان له شان” اثار هذا الهجوم الظالم ثائره الكثيرين من محبي شعر شوقي فقال لهم الشاعر والكاتب كامل الشناوي ليخفف من جزعهم:”لاعليكم اذا رايتم الموتي ينتقدون الاحياء”!.

والنظره العامه للمشهد الراهن للصحافه ووسائل الاعلام العربيه تكشف بسهوله عن طروحات تتحدث عن ازمه في النقد علي مستوي العالم العربي وكما هو الحال في مصر فان ثمه طروحات عربيه اخري تنتقد بشده ظاهره النقل غير المتبصر لخبرات النقد في الغرب وطرحها عربيا ودون فهم كاف للسياقات والنظريات النقديه الغربيه!.

اما في الصين فها هو مويان قد تحدث عن النقاد الحاسدين والذين تاكلهم الغيره بعد فوزه بجائزه نوبل في الاداب عام 2012 وهاهو يؤكد علي ان الصوره التي يرسمها له بعض النقاد باعتباره كاتب السلطه “غير عادله”.

ويقول مويان ان “ارائي السياسيه واضحه كل الوضوح” اما اولئك النقاد الذين يتحدثون عن علاقته الوثيقه بالحكومه الصينيه فينفثون عليه فوزه باكبر واهم جائزه ادبيه في العالم ومن ثم فهم يسعون لتشويه معني عمله ومغزي ابداعاته.

وردا علي مواطنه الكاتب لياو ييو الذي كان في طليعه من قادوا الهجوم عليه منذ فوزه بجائزه نوبل واتهامه بانه كاتب السلطه ولا يبتعد عن الحكومه بالمسافه اللازمه للكاتب - قال مويان:”اعرف ان الحسد ياكل قلبه لفوزي بهذه الجائزه وافهم ذلك ونقده غير عادل ويفتقر للنزاهه”.

وواقع الحال ان مويان سلخ “بالسنه حداد” لمنشقين صينيين مثل الفنان اي ويوي الذي اعتبر اديب نوبل الصيني “مجرد تابع لخط الحزب الشيوعي الحاكم وهو لا يظهر اي احترام لقيمه واهميه استقلاليه المثقفين ولا يعبر عن الصين ولا يمثلها”.

وكان لمو يان ان يرد متسائلا باستنكار “ومن هو المثقف الذي يمكنه ان يدعي انه يمثل الصين ؟!انا بالتاكيد لم ازعم ذلك فهل بمقدور اي ويوي ان يدعي انه يمثل الصين ويعبر عنها؟!..ان هؤلاء الذين يمثلون الصين حقا هم الكادحون ممن يعبدون الطرق غير الممهده بسواعدهم العاريه”.

وعندما احجم مو يان عن التوقيع علي بيان يدعو لاطلاق سراح المعارض الصيني ليو تشيابو الحاصل علي جائزه نوبل للسلام-كان من بين شانئيه “الكاتب الرجيم” سلمان رشدي الذي وصفه “بالالعوبه في يد النظام الصيني”.

وحتي صاحبه نوبل الروائيه الالمانيه - الرومانيه هيرتا موللر هاجمت بقسوه مو يان واعتبرت فوزه بجائزه نوبل “صفعه علي وجوه كل اولئك الذين يعملون من اجل الديمقراطيه وحقوق الانسان”.

وفي خضم المعركه التي احتدمت يؤكد مويان بصيغ متعدده ان هؤلاء الذين ينتقدونه يحسدونه علي جائزه نوبل او علي حد قوله:”منذ ان فزت بالجائزه ونقادي يستخدمون عدسات مكبره لتضخيم عيوبي بل ان بعضهم يعمد حتي لتشويه معاني شعري فها انا علي سبيل المثال اهجو في قصيده ساخره مسئولا حزبيا فاسدا بينما يذهب لياو ييو الي انني امتدح هذا المسئول في القصيده”!.

ويبدو ان مويان يقتفي اثر اديب نوبل المصري العظيم نجيب محفوظ الذي كان لا يرد علي النقد عندما يتحول الي مهاترات ويتجه بدلا من ذلك لتركيز جهده في الابداع والكتابه ومن هنا فان اديب نوبل الصيني يقول:”قررت ان التزم الصمت مهما حدث وان اضع ما اريد ان اقوله في كتبي”.

ومن المثير للتامل ايضا في هذا السياق المقارن انه اذا كان نجيب محفوظ قد التزم بمسافه ما بعيدا عن السلطه السياسيه في مصر دون ان تصل هذه المسافه لحد المعارضه الصريحه والثابته لهذه السلطه فان مويان رغم عضويته في الحزب الشيوعي الصيني يلتزم ايضا بمسافه ما بعيدا عن السلطه السياسيه في بكين ولا يمكن وصفه مع ذلك بالكاتب المعارض للنظام فهو ينتقد مواقف بعض المسؤولين وممارسات الفساد لكنه لا ينتقد النظام ذاته بصوره جذريه.

وكذلك شغل نجيب محفوظ مواقع هامه في المؤسسات الثقافيه الرسميه مثل رئاسته لمؤسسه السينما فيما يشغل مويان موقع نائب رئيس اتحاد الكتاب الصينيين وهو ذاته الذي تساءل باستنكار عما يدور في اذهان منتقديه الذين يظنون ان جائزه نوبل ينبغي ان تذهب لكاتب معارض:”هل هذه الجائزه تمنح للادب ام للسياسه”؟!.

ومع ان مويان لا يخفي اعجابه بكاتب معارض لكثير من السياسات الغربيه مثل الاديب الالماني جونتر جراس الفائز بدوره بجائزه نوبل فانه يرفض الخلط بين الادب والسياسه ويقول انه لن يتحول الي كاتب بيانات سياسيه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل