المحتوى الرئيسى

عاصم طلعت يكتب: تجليات الشعراوي.. والإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

03/16 13:01

توحدت الاراء حول قدره الشيخ الشعراوي علي تجسير العامه لفهم النص القراني المبارك، بل امتدت الي ان اصبحت دروس الشيخ حلقات اعجاب بنتائجه التفسيريه، فكثيرا ما سمعت في تسجيلات الشيخ صيحات العامه اعجابا بما اتي به من نتائج، و اهم ما وجدته في خواطره التفسيريه قدرته - الشيخ - علي الاتيان بنتائج لم يتعرض لها سالف المفسرين.

الشيخ الشعراوي لم يسلم بكل ما اتي به المفسرون تسليما قاطعا، بل كان مؤمنا بالوهيه منزل القران المبارك الذي لا ينضب اعجازه حتي قيام الساعه، فكان لا يدخر جهدا للكشف عن المواطن التي يتم من خلالها اصلاح حال الأمة الإسلامية، فضلا عن سعيه الدؤوب في محاوله ابراز إعجاز القرآن الذي بلا شك يعمق اليقين في نفوس العامه و الخاصه تجاه النص المبارك.

ومن ابرز اللطائف التفسيريه التي تنسب لفضيله الامام ، تجلياته حول دلالات بعض الالفاظ القرانيه ، نقتطف نتائجه التفسيريه حول ابراز الفارق بين اللفظتين القرانيتين "عباد، وعبيد" التي دارت في فلكهما الاراء التفسيريه لفهم مراد النص القراني المبارك فيهما، فمن العلماء من نظر الي الفارق اللغوي القائم بينهما؛ فوجدوا ان "عبيد" جمع لعبد ، وان "عباد" جمع لعابد.

و من العلماء من قال: ان (العبيد) تؤخذ منها العبوديه ، وان (العباد) تؤخذ منها العباديه، و العباديه في العباد ان يطيع العابد امر الله – سبحانه و تعالي - وينتهي عن نواهيه طمعا في ثواب الاخره وخوفا من عقابه فيها ؛ فلم تصل هذه التعريفات الي اصطلاح وافٍ يؤصل لدلاله اللفظتين في كل الايات المباركه التي وردت فيها اللفظتان المباركتان في القران.

غير ان الشيخ تلقف الفارق الكائن بين "العبيد و العباد" بما اقنع و امتع العامه و الخاصه من المستمعين من خلال فهمه للنص القراني المبارك باعتباره وحده واحده.

فعند تعرضه الي لفظه ( عبيد ) بيّن اننا كلنا (عبيد ) لله تعالي: المؤمن والكافر والطائع والعاصي فما دام يطرا عليه في حياته ما لا يستطيع ان يدفعه مع انه يكرهه فهو مقهور؛ فمثلا اذا ابتلي الانسان بمرض و لم يستطيع ابراء نفسه منه ؛ فهو مقهور علي ذلك.

وقد وردت هذه اللفظه المباركه علي اختصاص العاصي في العديد من الايات المباركه ،كما في قوله تعالي :(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًي وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَهِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَاَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) الحج.

ووردت لفظه (عبيد) ايضا علي اختصاص الطائعين ، كما في قوله تعالي : (قَالَ اِنِّي عَبْدُ اللَّهِ اتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)مريم.

و علي هذا يؤصل الشيخ اصطلاحا للفظه (عبيد) من خلال فهمه لمرادها القراني ، فقال : كلنا (عبيد )فيما نحن مقهورون عليه، ثم لنا بعد ذلك مساحه من الاختيار، لتشمل بذلك اللفظه المباركه العاصي و الطائع علي حد سواء.

ولان الشيخ ينقب عن المواطن الاصلاحيه الكائنه في النص المبارك، نجده يلفت المستمع الي ان المنهج الوحيد الذي اعلي من قيمه (العبوديه) هو المنهج الاسلامي؛ و ذلك اذا ما كانت خاضعه لله – سبحانه و تعالي –، ويحط من شانها اذا كانت خاضعه لمخلوق انسانا او حجرا ، فما اعظم ان نكون (عبيدا) للرحمن؛ لذلك كانت حيثيه تكريم الله لرسوله صلي الله عليه وسلم في الاسراء هي عبوديته لله تعالي حيث قال :

" سُبْحَانَ الَّذِي اَسْرَي بِعَبْدِهِ ..(1) "الاسراء".

ليبين الشيخ ان (العبوديه) هي عله الارتقاء في حادثه الاسراء و المعراج ، علي خلاف ما كان سائدا في الثقافه العربيه لمراد هذه اللفظه في عصور ما قبل الاسلام.

فلما اخلص رسول الله (العبوديه) لله؛ نال هذا القرب الذي لم يسبقه اليه بشر لذلك وصف الملائكه بانهم " عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) " الانبياء.

فلفظه ( عباد ) خصها الشيخ للطائع دون العاصي من خلال استقراءه لايات الذكر الحكيم ؛ لانه خرج عن اختياره الذي منحه الله في ان يؤمن او يكفر وتنازل عنه لمراد ربه فاستحق ان يكون من (عباد )الله، و هؤلاء من قال فيهم الحق : " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الْاَرْضِ هَوْنًا وَاِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ اِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) ..(63)" الفرقان.

فعندما تعرض الي مراد (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ) ؛اصل للفظه (العباد) واختصها لمن هم تنازلوا عن اختيارهم و اهوائهم البشريه ؛ فاختارهم الله – سبحانه و تعالي – لنيل كرامته.

وباستقراء الايات لم نجد سوي ايه واحده تخالف في ظاهر الامر هذا المعني الذي قلناه في معني "العباد" وهي قوله تعالي في الاخره :

" اَاَنْتُمْ اَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ اَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) " الفرقان.

فقد تلقف المشككون هذه الايه المباركه؛ لمحاوله الطعن في صحه نتائج خواطر الشيخ الشعراوي، ومن ثم النيل من ايات الله المباركات.

فاذا كانت لفظه (عباد) خاصه بمرتبه عاليه للمؤمنين كما بين الشيخ في نتائجه التفسيريه؛ فان الايه السالفه المدرج فيها لفظه (عباد) تختص بالضالين ، فقال للضالين ( عبادي) وهي لا تقال الا للطائعين ، لماذا ؟!.

فبيّن الشيخ بفطنته اللغويه ان اللفظه تتغير دلالتها و تتبدل بتغير الازمان و الاماكن، ليكشف عن جانب من الاعجاز اللغوي في القرأن الكريم ، فلفظه (عباد) في يوم القيامه تخص الطائع و العاصي معًا؛ لان في القيامه لا اختيار لاحد فالجميع في القيامه (عباد) حيث انتفي الاختيار الذي يميزهم.

و بهذا يتبين لنا عنايه الشيخ بالنظر الي دلاله اللفظه الوارده في النص القراني المبارك و علاقتها بحيثيه الزمان و المكان ، ولم يتطرق الي الموطن البلاغي الكائن في الايه المباركه الذي يبرز لنا مرادها حيث ان الاخبار في الايه الكريمه مجاز مرسل لعلاقه اعتبار ما سيكون مستقبلا ، و لكن الشيخ فسر الايه المباركه بنمط يتفق وحال المستمع العامي الذي ربما يجد عائقا في فهم مراد الايه من الكتب التفسيريه السالفه؛ ولعل هذه الوسيله الشفاهيه هي التي دفعت بالمتلقي لدروس الشيخ اقبالا، و تيقنا بان النتائج التفسيريه التي جاء بها الشيخ تجليات و استشراقات لم يسبقه اليها احد من سالف المفسرين.

فالشيخ الشعراوي تجاه اي الذكر الحكيم اعطي الحريه لفكره في استشراق افاق جديده لمراد النص القراني المبارك معتمدا في ذلك علي ثقافته الواسعه؛ و ارتكازا علي الخطاب الشفاهي العامي لبيان مقاصد اي الذكر الحكيم؛ فال له التواصل مع مستمعيه الذين يشكلون السواد الاعظم في دروسه الدينيه.

ولعل ذلك ما ادي بخواطر الشيخ الشعراوي الي الخروج برؤي تفسيريه جديده، و ملائمه لروح عصره في شكلها اللغوي من حيث الارتكاز علي اللهجه العاميه الشفاهيه، ومن حيث الاتيان بنتائج تفسيريه تبدو في شكلها ومضمونها جديده و ان كانت لها اصول تفسيريه قديمه.

عاصم طلعت يكتب: انتبه سيدي المسلم

عاصم طلعت يكتب: الدعاه ما بين الترهيب و الترغيب

عاصم طلعت يكتب: المدلول الاشاري لحركه الراس واثره في تطور تفسير الشعراوي

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل