المحتوى الرئيسى

عندما نضحك لكي لا نبكي

03/15 07:03

في مثل هذه الايام من العام الماضي، وتحديدا في اليوم المعترَف به عالميًّا كيوم للمراه، برز ضمن احداثه وفاعلياته الاحتفاليه التي غطت خارطه الكرة الأرضية كلها تقريبا (عدا اغلب دولنا العربيه لاسباب مفهومه) حدث او حادثه كانت الاشد اثاره والاكثر استقطابا للاضواء واهتمام وسائل الاعلام العالميه.

اذ قامت سبع نساء تعود اصولهن الي ثلاث دول إسلامية (تونس ومصر وايران)، واقامتهن الدائمه الان في فرنسا، بتنظيم تظاهره احتجاجيه غريبه، فقد قمن بخلع كل ملابسهن حتي تلك التي تستر عوراتهن، وكتبن علي اجسادهن العاريه كلمات وعبارات تندد بما تتعرض له المراه في بلاد المسلمين من قمع وتهميش واستغلال.. اما مسرح هذه التظاهره العجيبه فقد كان باحه متحف اللوفر في قلب مدينه باريس، حيث امضين وقتا ليس قصيرا في هذه الباحه الواسعه المكشوفه والمفتوحه علي ازحم شوارع العاصمه الفرنسيه واكثرها ضجيجا!!

وبدا لافتا وقتها ان البوليس الفرنسي ابدي تسامحا غير معتاد مع هؤلاء النسوه، وتركهن وهن علي هذه الصوره الشاذه يتحركن ويركضن براحتهن حول الهرم الزجاجي الضخم المنصوب في فضاء الباحه، بينما جذب المشهد الفريد جمهورا كثيف العدد توقف يتابعه ويلاحق بطلاته وهن يتقافزن ويهتفن بالشعارات نفسها المرسومه علي اجسادهن!!

غير ان جمهور النظاره والمشاهدين هذا بدا رد فعله هو ايضا مثيرا وغريبا، اذ بسرعه تجاوز المتجمعون في باحه المتحف العتيد منطقه الدهشه ثم غرق اغلبهم في كريزه ضحك تحولت الي ما يشبه مظاهره قهقهه صاخبه.. صحيح ان اكثر هؤلاء الضاحكين عبروا بكلمات او اشارات عن نوع من التضامن والتعاطف مع القضيه العادله (رغم طريقه التعبير الفضائحيه) التي دفعت هؤلاء النسوه الي التظاهر عاريات، لكن قهقهات هذا الجمهور التي سجلتها عدسات الاعلام جعلتني اعود الي كتاب نادر في نوعه وموضوعه قراته منذ سنين طوال، الّفه قبل اكثر قليلا من مئه عام (1911) الفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت هنري برجسون، الحائز علي جائزه نوبل للادب.. الكتاب عنوانه كلمه واحده هي الضحك ، وفيه تكاد الفلسفه وحزلقاتها الصعبه تقف عند حدود المقدمه لا تتعداها الي باقي الفصول والصفحات التي كرسها برجسون للبحث في الوظيفه الاجتماعيه للضحك باعتباره واحدا من اقدم السلوكيات وادوات التعبير الانساني.

يقول الفيلسوف الذي نزل في هذا الكتاب من برجه العاجي الي قلب عاديات الحياه البشريه: ان الضحك نشاط جماعي وليس فرديا (احيانا ياخذ صوره العدوي) فالانسان عاده او في اغلب الاحوال لا يضحك الا بالاشتراك او بالتواطؤ مع شخص اخر .

وقد استخلص برجسون من تاملاته ومن مطالعاته لنظريات واجتهادات اعضاء مدرسه التحليل النفسي التي اسسها سيجموند فرويد واطلق منتجاتها العلميه في وقت معاصر تماما لكتاب الضحك ان هذا الاخير هو رد فعل الي ضد كل ما يبدو لنا في الحياه اليًّا، فالضحك يحدث تلقائيًّا في كل مره نلاحظ في كلام وتصرفات شخص ما افراطا في النزعه الميكانيكيه .

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل