هل يمكن أن نرى الماضي بأعيننا؟ الفيزياء الكونية تقول: نعم!
ربما ستفاجئك اجابه السؤال، لكن كل ما نراه بالفعل قد حدث في الماضي نسبيا مقارنه باللحظه التي تم ادراكه فيها. ولكي نفهم هذا، يجب ان نتذكر كيفيه الرؤيه من منهج العلوم بالصف الاول الاعدادي، والذي كان يقول ان الحسن ابن الهيثم منذ اكثر من الف عام، قال في كتابه "المناظر" ان سبب الرؤيه هو خروج شعاع الضوء من الجسم المرئي الي العين. وعند سقوط الضوء علي شبكيه العين تحوله الخلايا العصبية بها الي شحنات كهربيه، تُنقل عبر العصب البصري لمركز الرؤيه في المخ حيث يتم تحليلها وادراكها.
وبالتالي فهناك عاملين يتحكما في الرؤيه، الاول هو بعد الجسم المرئي عن العين، والثاني هو سرعه نقل الإشارة وادراكها داخل المخ.
لكن كيف يعني هذا الكلام اننا نري الماضي؟
عند قياسها معمليا، وجد العلماء ان نقل الاشاره العصبيه من شبكيه العين عبر العصب البصري لمركز الابصار بالمخ، وتحليل المخ للصوره وادراكها يتاخر لمده 100 جزء من الالف من الثانيه. وبالتالي فعند النظر ليديك او للتلفاز او لاي حركه ما، فان ما تنظر اليه يكون بالفعل في الماضي نسبه لوقت ادراكك له. لكن 100 جزء من الالف من الثانيه ليست بالوقت المحسوس الذي يُوضع في الاعتبار.
ولكن ماذا لو كان الجسم المرئي بعيدا.. في اعماق الفضاء مثلا؟
في ليله صافيه في مكان مفتوح قم بالنظر للنجوم. ستعتقد ان ما تراه هو النجوم في لحظتها الحاليه، لكنك مخطئ، فما تراه بالفعل هو الضوء الذي خرج من النجوم وعبر الفضاء ليصل الي عينيك. وقديما اعتقد العلماء بان الضوء ينتقل لحظيا، وكان جاليليو من اوائل من رفضوا تلك الفرضيه، ولكنه لم ينجح في اثبات رايه عمليا. حتي جاء اوول رومر في القرن السابع عشر واثبت خطا تلك الفرضيه، وقام باول تجربه عمليه لقياس سرعة الضوء اعتمادا علي متابعه خسوف "ايو" قمر المشتري. واثبت منها ان الضوء لا ينتقل لحظيا، بل يحتاج لبعض الوقت للوصول لنا. لكنه لم يستطع قياس سرعه انتقال الضوء بدقه.
ويقوم الضوء بعبور مسافات كبيره جدا من النجوم لحين رؤيته، بسرعته التي تم قياسها بدقه بعد ذلك والتي تبلغ 299,792.458 متر لكل ثانيه. وابتكر العلماء طريقه لقياس المسافات في الفضاء تُعرف بالسنه الضوئيه، وهي المسافه التي يقطعها الضوء في سنه كامله. فعند النظر لنجم يبعد عن الارض 100 سنه ضوئيه مثلا، نري الضوء الذي خرج منه منذ 100 عام، اي اننا نري الماضي. ماضي هذا النجم نسبه الي لحظه رؤيته وادراكنا له.
والمسافه بين الشمس والارض 149,500,000 كيلومتر. ويحتاج الضوء لثمان دقائق لقطع تلك المسافه. اي ان الشمس التي ننظر اليها يوميا لا نراها في الوقت الحقيقي، لكننا نراها وقد مر عليها ثمان دقائق. ولهذا في وقت الغروب، تغرب الشمس بالفعل قبل ان نري الغروب، اي اننا نراها في الماضي. ونفس الامر بالنسبه للقمر الذي يبعد عن الارض حوالي 384,400 كيلو والذي نراه في الماضي ايضا ب 1.3 ثانيه. كما ان اقرب مجره لنا هي مجره المراه المسلسله، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجرده لو نظرنا للسماء في ليله صافيه وخارج نطاق التلوث الضوئي للمدن. والتي تبعد عنا حوالي 2.5 مليون سنه ضوئيه، اي ان كل ما نرصده منها الان هو ماضيها العتيق. وعند رصد علماء الفلك لاي حدث كوني كانفجار نجمي او نشاه نجم جديد او مجموعه شمسيه جديده، فان هذا الحدث يكون قد تم بالفعل في الماضي حسب بُعد هذا الحدث عن كوكب الارض.
لكن، هل يمكن رؤيه ماضي كوكب الارض؟
الاجابه الخياليه هي نعم. فلو كان المراقب ينظر للارض من كوكب يبعد عنها الف سنه ضوئيه، فسوف يري ماضي الارض منذ الف عام. ولو ان احد ما تمكن من صنع مركبه فضائيه قادره علي السفر بسرعه اكبر من سرعه الضوء، فسوف يسبق بمركبته الضوء، ليراه، ويشاهد الماضي. فيمكنه مثلا السفر لمسافه 7000 سنه ضوئيه ورؤيه قدماء المصريين اثناء بناء الاهرامات، او الصينيين اثناء بناء سور الصين العظيم. او حتي السفر لبدايه القرن الفائت ومشاهده الحرب العالمية الأولي او الثانيه.
لكن، لا تغرق في الخيال اكثر من هذا، فتطبيق كل هذا عمليا مستحيل. فسرعه الضوء هي اقصي سرعه يمكن الوصول اليها حسب النظريه النسبيه لاينشتاين. فحسب نسبيه اينشتاين، يتباطا الزمن بالنسبه للجسم المتحرك ذو الكتله ويزداد التباطؤ كلما زادت السرعه، حتي تصل السرعه لاقصي سرعه ممكنه يتوقف عندها الزمن وبالتالي يتوقف كل شيء، وهي سرعه الضوء. كما ان كتله الجسم المتحرك تزداد ايضا بازدياد السرعه، حتي تصل الي كتله لا تكفي اي طاقه لزياده سرعه الجسم بعدها. ويصل الجسم لتلك الكتله عند سرعه الضوء ايضا. وجسيمات الضوء "الفوتونات" هي فقط التي تستطيع التحرك دائما بتلك السرعه حيث انها جسيمات عديمه الكتله. وهذا جزء مما اثبتته النظريه النسبيه وما اثبتته التجارب العمليه المتعدده بعد ذلك.
وحتي صنع مركبه بتلك المواصفات وتوفير مصادر الطاقه الكافيه لها هو محض خيال. واقصي ما استطاع العلماء عمله في هذا الخصوص هو ايصال الجسيمات الاساسيه للماده لسرعات تقارب سرعه الضوء وذلك في اجهزه عملاقه تسمي مسرعات الجسيمات.
ما الذي نستنتجه من كل هذا؟
نحن بالفعل نري الماضي سواء كان هذا الماضي مقدرا بجزء من الالف من الثانيه او حتي بملايين السنين الضوئيه، لكننا لن نستطيع رؤيه ما فاتنا رؤيته بالفعل. وربما نتمكن من هذا لو استطاع الانسان اختراع اله الزمن الخياليه، وتمكن من السفر بنفسه ليعيش ذلك الماضي.
(1) Einstein's Theory of General Relativity
(2) Why can’t anything travel faster than light?
ببالون وطائره بدون طيار.. جوجل تنشر الانترنت في العالم كله
فيلم "الرجل الطير" 2014.. سينما الواقعيه السحريه تغزو هوليوود
Comments