المحتوى الرئيسى

أجوبة القرآن على الأسئلة الكبرى

03/12 02:51

كان علماء الاديان في دراستهم للاديان السابقه علي التوحيديه(1) يتحركون عبر منهجيه تقوم علي نقطتين رئيستين، الاولي انهم كانوا يتجهون الي هذه الاديان باسئله عن الالهه وعلاقه الروح بالجسد ومال الانفس في الاخره، والثانيه انهم كانوا يبحثون عبر هذه الاسئله عن دين اصلي او مبدئي خضع لتطوير وتراكم عبر القرون وتتمثل اركانه الرئيسه في الاجابات البدائيه عن هذه الاسئله. لكن لان محاوله توجيه هذه الاسئله للديانات السابقه علي التوحيديه وتقييمها عبرها، وتصور وجود اصل راسخ متطور للدين، كل هذا يعتبر اخضاع لهذه الاديان ومحاوله لتاطيرها داخل ما يظن اديانا للشعوب الراقيه المتطوره -الديانات التوحيديه- في مقابل تلك البدائيه، فقد فشلت تماما هذه المنهجيه لا في التوصل لفهم مناسب لهذه الاديان فحسب، بل حتي في التوصل لفهم مناسب لدين من الاديان الخمسه الكبري ولا ينتمي لما يطلق عليه اديان بدائيه -خصوصا بعد استفاده عدد كبير من الفلاسفه الغرب منه مثل شوبنهاور- مثل البوذيه، حيث ضاع الوقت عبر قراءه كهذه في محاوله البحث داخل البوذيه عن اله او عن سرديه لخلق الكون شبيهه بالأديان الإبراهيمية، وكما ارجعوا عدم وجود الهه عند بعض القبائل البدائيه الي بدائيه هذه القبائل، فقد عدوا البوذيه مذهبا فلسفيا وليست دينا!

لذا يقدم الياد ومن اجل تجاوز هذا الاشكال المنهجي تعريفا للدين يتوخي الاتساع حتي يستطيع ضم اكبر عدد من الاديان بدلا من هذا التضييق بتحتيم قدر التوحيديه علي ما سبقها فيقول ان الدين "هو تجربه المقدس المرتبطه بالكينونه والمعني والحقيقي" و ان استخدامنا للفظ الدين المشكل ينبغي فيه التنبه لعدم اشتراط "ان ينطوي بالضروره علي ايمان بالله او اعتقاد بالهه او ارواح"(2)، اما السواح وفي نفس السياق فيتحدث عن حد ادني للتدين لا يتطور من اصل جذري جنيني وانما يتسع من دائره تمثل عمق وعينا، فالتجربة الدينية واحده عند الانسان العاقل. من هنا ليس ثمه فوارق كبيره بين البدائي والحديث سوي في مجمل شروط الوعي والسياسه والاجتماع التي تصيغ نفس البنيه الاصليه للدين وهي بنيه شديده الاتساع تقتصر علي الاسطوره والطقس والمعتقد، ومن هنا لا يحق لنا نقل اسئله الديانات الابراهيميه لتطبيقها علي الديانات السابقه عليها بل علينا درس كل الديانات عبر اسئله اكثر اتساعا والتنبه في ذات الوقت لخصوصيه كل منها ومحاولته اكتشاف اسئله سياقاته الخاصه وكيف كانت اجاباته عنها.

ونحن تواجهنا نفس هذه الاشكاليات عندما نتعرض للاسلام بالدراسه.. فرغم اننا جميعا نتفق علي كون القران مصدرا رئيسا(3) لبحث التصورات الاصليه التي يقدمها الاسلام عن مسائل كبري، الا ان تحديد هذه التصورات والمسائل يظل مشكلا الي حد كبير، فنحن كثيرا ما نسقط بعض المواضيع العامه علي القران محاولين استنطاقه عبرها مثل سؤاله عن العقل او المدنيه او الديموقراطيه، كذا فاننا كثيرا ما نحاول دمج القران داخل اسئله مستقاه من اديان اخري او نفرض اسئلته هو احيانا علي غيره من الاديان مما يعني تغييب القدره علي مقاربه مناسبه، فمثلا يعد سؤال مثل: هل الاسلام يؤمن بالخطيئة الأصلية ام لا؟ مثالا لافتا علي تقنيه الدمج هذه، فهذا السؤال عن تصور الاسلام عن الخطيئه الاصليه هو سؤال تكمن صعوبه اجابته في كونه من الاساس ليس سؤالا صحيحا، انه في الحقيقه لا يمثل سوي قراءه مسيحيه للاسلام، فهذا الاشكال اي اشكال الخطيئه هو اشكال مسيحي بالاساس يتعلق بوضع المسيحيه كحل للشعور الطاغي بالذنب عند بني اسرائيل الي جانب بعد الله التام، مما يحتاج لتجديد العهد مع الله علي اساس القبول الالهي، لذا كان علي الاله ان يتجسد لغفران الخطيئه وراب الصدع الكبير بين الله والانسان الذي رسمته اليهوديه والذي اوصل الانسان الي الياس في القبول الالهي او ياس التحدي كما يسميه كريكجارد، وهذا امر لا علاقه له بالاسلام حيث يحدد هذا الاخير علاقته مع الناس علي اساس عهد الطاعه وتتمركز محاجاته الاصليه في اتجاه الشرك لا اتجاه كيفيه قبول تجاوز الياس عبر القبول الالهي، لذا فلا يمكن ان نقول ان الاسلام عكس المسيحيه لا يعترف بالخطيئه الاولي، فسؤال الخطيئه بالاساس لا علاقه له بالاسلام!

كل هذا يوضح لنا جيدا ثقل هذه المهمه، اقصد مهمه تحديد خطاطه رئيسه للمسائل الكبري في القران وتحديد القول القراني فيها، تلك التي نستطيع عبرها مقارنه تصورات الاسلام بغيره من الاديان دون ان نقع في مثل ما تحدثنا عنه بالاعلي من تاطيره في سياقات معده سلفا، مما يفرض علينا ضروره البحث عن اداه منهجيه فعاله نستطيع عبرها اجراء هذا الاستخلاص للخطاطه الرئيسه.

يقدم لنا ايزوتسو في كتابه الشهير "الله والانسان في القران" ما يمكن ان نتعبره اداه منهجيه ناجعه للتوصل لهذه الخطاطه الرئيسه(4)، هذه الاداه تتمثل في دراسه كل مفهوم من المفاهيم المحوريه في القران مثل "الله" "الانسان" "الوحي" عن طريق قراءه تطور هذا المفهوم عبر ثلاثه انظمه او سطوح دلاليه متعاقبه، النظام الدلالي الجاهلي ثم النظام الدلالي القراني ثم اللاحق للقران -مرحله تشكل العلوم الاسلاميه بانظمتها المعرفيه و الدلاليه خصوصا في العصر العباسي- فضلا عن تمييز "الحقل الدلالي" الذي يستوعب كل مفهوم منهم في كل حقبه، فالتغيير لا يصيب فحسب المفهوم وحده بل يصيب كذلك شبكه مفاهيم متعالقه به تشكل معه حقلا دلاليا، فمثلا مفهوم "الله" و الذي يعتبره ايزوتسو المفهوم المركزي في القران تطور دلاليا عبر هذه الانظمه الثلاثه، فقبل الاسلام كان مفهوم "الله" لا يتسم بالمركزيه بل يتحرك الي جوار عدد من الالهه ويندرج في اطار توحيد وقتي مرتبط فحسب باوقات الشده، ومع القران حدث تغيير في المفهوم بجعل الوحدانيه المطلقه مداره والمركزيه اصله وتحولت بقيه الالهه لمحض اسماء بلا مدلول حقيقي، اما مع نشاه العلوم الاسلاميه يري ايزوتسو انه ورغم استمراريه المفهوم كما صكه القران كمفهوم مركزي الا ان تعديلات اخر قد اجريت عليه. من هذه التعديلات اثاره قضيه الاسماء والصفات التي حولت الله لمفهوم معرفي اسقطت عليه مفاهيم الذاتيه والاتصاف ثم ادخال مفهوم الله داخل حقل دلالي من تسعه وتسعون اسما والمماكحات حول كلام الله كصفه او عين ذات وهو حقل دلالي مختلف عن هذا الذي يوجد فيه مفهوم الله في القران، كل هذا يراه ايزوتسو تعديلا جري علي المفهوم "الله".

فهذه الاداه بتحركها بين هذه الانظمه الثلاثه (جاهليه - قران - لاحق للقران) وعن طريق تنبهها لتطور المفاهيم ذاتها وداخل حقولها الدلاليه تستطيع ان ترسم طريق اولي لتحديد خطاطه رئيسه من المسائل الكبري في القران.

لكن لان هذه الاداه الثلاثيه تقتصر في تحليلها علي الشق الدلالي للمفاهيم من جهه(5) ومن جهه ثانيه لا تاخذ الجانب التاريخي لتشكل القران او كرونولوجيه سوره في الاعتبار مما يقلل قدرتها علي تحديد تلك الخطاطه الرئيسه لمسائل القران الكبري، فقد خضعت لتطوير كبير عند اثنين ممن اهتموا بدراسات ايزوتسو حول القران، الاول هو الباكستاني فضل الرحمن مالك و الثاني هو المصري نصر ابو زيد، الاول استطاع ان يحل الاشكال الاول في رؤيه ايزوتسو عن طريق استخدامه في كتابه "المسائل الكبري في القران" هذه الاداه الثلاثيه لتحليل لا مفاهيم القران المحوريه وفق رؤيه دلاليه ولكن لتحليل المسائل العقديه الكبري التي يراها تمثل جوهر القران، اما الثاني فقدم علاجه لاشكال غياب البعد التاريخي عن طريق ادخاله التاريخ كجزء رئيس في تحليل دلاله المفاهيم في نظأم القرآن الدلالي، مما يعني ان المرحله الثانيه من المراحل الثلاثه في اداه ايزوتسو الثلاثيه قد اصبحت عند نصر متحركه لا ساكنه فيصبح لدينا (جاهليه - تشكل مستمر للمفاهيم وتطورداخل القران - اللاحق للقران)، وهذان التطويران يتكسبان اهميه كبري في محاوله تحديد تلك الخطاطه الرئيسه للموضوعات الكبري في القران كما سيتبين.

في محاولته تحديد المسائل الكبري في القران يلجا فضل الرحمن للمقارنه بين البنيه العقديه للدين الجاهلي والبنيه العقديه للاسلام ثم التطورات في الفتره اللاحقه علي القران، ويحدد عبر هذه المقارنه اهم ثلاث مسائل في الاسلام بانها "التوحيد" و "البعث" و "الحساب" وهي تلك المسائل التي رفضها بقوه المجتمع الجاهلي، ورغم انه يضيف "الطبيعه" و "الشيطان" لتلك المسائل الكبري، الا اننا نري بوضوح انها مفاهيم متفرعه علي هذه الثلاثيه السابقه، مما يجعل هذه الثلاثيه لو استخدمنا مصطلح عادل ضاهر نواه ابستيمه للاسلام عند فضل الرحمن، في هذا السياق يقول فضل بذكاء ان لا مطلقيه الطبيعه وقابليتها للفناء والتدمير الذي يتحدث عنه القران لا علاقه له بقضيه استقلالها بقانون ولا بفكره المعجزه وانما تتعلق بقضيه الحساب وحتميه الاخره، فلكي يقبل الانسان تحمل المسؤليه عليه عدم اللجوء لهذا العالم كملاذ نهائي ومعرفه ان الله خالقه قادر علي افنائه، سنستعير بتعديل من ايزوتسو فنقول ان قضيه "الحساب" والمسؤليه الاخلاقيه هي مركز "حقل عقدي" تدور فيه افكار اخري مثل قانون الطبيعه، تماما مثلما كانت افكار الهدايه جزء من حقل الله الدلالي في خطاطه ايزوتسو الدلاليه للقران.

هذا التحديد البارع حيث الحق الطبيعه باحد مكونات النواه الابستيميه للاسلام يتيح لفضل الرحمن لا فقط تخليص فكره افناء الطبيعه في الاسلام من نقاشات تقحم عليها ولكن ايضا تتيح له مقارنه "الكون" في الاسلام بـ"الكون" في الديانات الاخري -بعض الديانات تتحدث عن فناء دوري للكون- دون ان تمثل هذه المقارنه الهامه لابراز تصورات الاسلام عن الكون اي اسقاط من خارج الاسلام عليه.

رغم نجاعه هذا التطبيق من فضل الرحمن لاده ايزوتسو معدله الا انه في بعض الاحيان يفتقد الثبات والاضطراد، فرغم انه يلجا هنا للتاريخ الجاهلي ومعتقداته ليساعده في الوصول لخطاطه القران الرئيسيه عبر مقارنه النظامين العقديين الجاهلي والاسلامي، الا انه في مواضع اخري يقتصر فحسب علي لحظه ما بعد القران، فيقارن مثلا بين فكره الملائكه والروح ووكيل الوحي في القران "النظام العقدي الاسلامي" وما بعدها "النظام العقدي لمرحله العلوم الاسلاميه" فحسب، فيري ان القران لم يتحدث عن تجسد للروح الملاكي جبريل وان اعتباره شخصا هو خيال لاحق علي القران، فالقران في تحليله يقتصر علي اعتبار ملاك الوحي جبريل روح/ملكه اعطاها الله للنبي تتطور ليسمع عبرها النبي صوتا نفسيا لكلام الهي، هذا التحليل شديد الطرافه للوحي علي اهميته يتجاهل تماما علاقه الوحي بالنظام العقدي الجاهلي، وهي علاقه اساسيه في فهم الوحي الذي يمثل جزءا رئيسا من نواه الاسلام الابستيميه وكذا احد بؤر الصراع الرئيسه بين الاسلام والقرشيين -مثل افكار البعث والحساب والتوحيد- كما يقرر عبد الرحمن نفسه، في ظل هذا الغياب لمقارنه فكره الوحي في البنيتين الجاهليه والاسلاميه لا نستطيع فهم معني الوحي في القران بصوره جيده و لا نجد مكانا لسؤال حيوي مثل كيف جعل القران الوحي في قريش غير المتصوره له ممكنا؟

هذا السؤال هو السؤال الذي يدور حوله كتاب "مفهوم النص" لـنصر ابو زيد، فعن طريق اعطاء طابعا حركيا للمفاهيم ودلالتها داخل القران نفسه او ما قلنا عنه بالاعلي تحويل المرحله الثانيه في اداه ايزوتسو لمرحله متحركه، وعن طريق مزج بين التنبه للخلفيه التاريخيه لسور القرآن وربط هذا بكرونولوجيته يستطيع نصر ان يتابع التطور الذي لحق تصور الوحي في تاسيس ذاته في الواقع الروحي للمجتمع القرشي ورصد كيف حاول المفهوم الجديد تخليص نفسه تدريجيا من تصورات الشعر والكهانه السائده جاهليا، لكي يقيم بدلا منها الوحي كاتصال وحيد مع الله وحده، وينفي اي اختراق من الشيطان لهذا الاتصال المحكم المؤمن من قبل الله، ورغم ان فضل الرحمن يذكر قصه الغرانيق باعتبارها تنازلا من النبي في سياق طمئنه قريش ورغبه في تخفيف الاضطهاد عن اصحابه، مما يعني وجود اختراق شيطاني للوحي -وهو يستند في هذا لاخبار القران عن تشابه النبي مع غيره في الخضوع لغوايه الشيطان ثم انقاذ الله له- الا انه لا يستغل هذه الواقعه في فهم صيروره الوحي وصراعه لتخليص نفسه من التصورات التي اراد الجاهليون رد الوحي اليها او تاطيره فيها كالاتصال بالشياطين، وبالتالي لا يستطيع فهم العلاقه بين بنيه الوحي القرانيه وبنيه التصورات الجاهليه، فهذا الفهم رهين تنبه للخلفيه التاريخيه للسور مع التنبه لتطورها الكرونولوجي. والاول لا يتم عند فضل الرحمن باضطراد اما الثاني فيغيب تماما، فضلا عن ان غياب هذا الفهم لتطور المفهوم عبر الثلاثه الانظمه وداخل القران يجعل فضل الرحمن الرافض لتجسد جبريل لانه تطور تم لاحقا للقران يستخدم هو نفسه في تاكيد تصوره عن جبريل "الملكه" ونزوله من السماء علي قلب النبي، علي نظريه نزول القران اولا في السماء السفلي وهي الفكره اللاحقه ايضا للقران!

لكننا في بعض الاحيان لا نجد ان التحليل الداخلي لبنيه القران الفكريه مع الخلفيه التاريخيه لسوره او حتي مع دمج العلم بالاخيره بالتطور الكرونولوجي لهذه السور -ماعبرنا عنه بالاعلي هكذا (جاهليه - تشكل مستمر للمفاهيم وتطورداخل القران - اللاحق للقران)- كافيا للوصول للخطاطه الرئيسيه التي يرسمها القران كنواه ابستيمه للدين الاسلامي، هذا لان ثم تساؤل علينا مواجهته قبل المضي قدما في محاوله رسم الخطاطه الرئيسه لتصورات الاسلام الكبري هذه، وهو التساؤل حول امكانيه ان يكون القران لم يحدد بالاساس تصورا نهائيا في بعض القضايا، مما يعني ان التقول علي القران قد لا يتمثل في تحميله رايا في قضيه ما، او فرض احد التساؤلات عليه من الخارج، بل يتمثل في الجزم بان القران يقدم في هذه القضيه جوابا مطلق النهائيه من الاساس؟!

لكن هل بالفعل هناك قضايا من هذا النوع، اي قضايا لا نستطيع فيها التوصل لاجابه واحده ونهائيه عن ما يريد القران قوله لا بسبب ضعف اداتنا نحن بل لان القران لا يقول في هذه القضيه شئ نهائي او لغياب بؤبره مركزيه تقضي علي توتر اجاباته؟

هذا التساؤل واجهه ايزوتسو رغم اقتصاره علي الجانب الدلالي في قراءة القرآن.. ففي مناقشته قضيه الجبر والاختيار، يري ان الحديث عن تناقض قراني في الامر ليس نابعا الا من محاوله قراءه القران عبر رؤيه منطقيه صارمه تتوخي تناسق منطقي في الاجابه القرانيه، فالتناقض غير موجود الا عند من يظن "ضروره ان يقدم القران رؤيه نهائيه في هذه القضيه"، وهو في ذاته تصور لاحق نتج من محاوله اخضاع القران لقواعد المنطق وعدم الالتفات لخصوصيته ككتاب ديني له مهام تتجاوز محض الاقناع المنطقي. وحين نترك ايزوتسو بمنهجه الدلالي الي فضل الرحمن ونصر فاننا نري كيف لا ينجح التعامل التاريخي او حتي الكرونولوجي في تقديم تصور موحد عن ما يريد القران اعلانه في مثل هذه القضيه. ففضل الرحمن كي يحل الامر قام بارجاع الفكره لاحد التصورات الثلاثه التي ذكرناها بالاعلي "البعث" "و الحساب" "التوحيد"، فيعتبر ان حريه الانسان فردا تجاه الله شيء حتمي في ظل تصور التقوي و"الحساب" وكذلك تجاه الطبيعه عن طريق اعتبار الطبيعه تعمل بذاتها لكنها ليست مستبده بل تتماشي مع اراده الله التي تعطيها المعني والغايه بخلقها وافناءها "التوحيد"، وبعد استنباطه تصور الحريه من خلال التصورات الثلاثه التي تمثل نواه القران الابستيميه عنده يبقي فقط ان ينفي اي تناقض في القران بين ايات الجبر والاختيار عن طريق بعض التاويل الطريفه(6)، ثم يقوم بالتاكيد علي اهميه البعد الخطابي المؤثر في بعض الايات التي توهم بالجبر، مثل ايه "واذا اردنا ان نهلك قريه امرنا مترفيها ففسقوا فيها" فيعتبر في الامر تاثيرا سيكولوجيا علي المتلقي اكثر منه اخبار عن الجبر يحتاج رفع التناقض مع فكره الحريه. وفكره التاثير السيكولوجي لايه المترفين هي نفس ما سيقوله نصر بعد هذا متماشيا مع عدم ترجيحه رايا قرانيا في القضيه واعتبار هذه الرغبه في وجود اجابه نهائيه في مثل هذه القضايا اسقاطا من المرحله الثالثه الخاصه بالعلوم ونشاتها وتحويل القران مدونه معرفيه عبر اخضاعه لتاوليل كلياني عبر افتراض بؤره مركزيه!

اذن فنحن الان امام عدد من التساؤلات التي تتفرع عن التساؤل الرئيس للمقال، كانها مفاهيم متعالقه في حقله -الاستفهامي هذه المره!-، كيف نستطيع فهم نواه الابسيتيمه للقران التي تتكون من مسائل كبري دون ان نقحم عليه اسئله لا تناسبه؟ كيف نستطيع التوصل لتصور القران في هذه المسائل؟

قد يفيدنا بالفعل هذه الاداه من ايزوتسو حين تتحول من مجرد التحليل الدلالي للتحيل العقدي الذي يمكن من فهم الاسلام عبر مقارنتته بغيره من الانظمه العقديه وحين تطعم بالكرونولوجيه والخلفيه التاريخيه كما عند فضل الرحمن ونصر، لكن هل هي كافيه ام تحتاج تطويرات اخري؟ وهل بعد كل هذا سنستطيع الوصول لتصورات القران الحاسمه عن مسائل كبري ام علينا قبول انه ومع كل ذلك ستظل ثمه قضايا لا نستطيع ان نقول عنها ان القران حسمها، واخري نختلف في كونها موضوعات رئيسيه ام مجرد فروع تتحرك في حقل الموضوعات الرئيسه؟

(1) يختلف الباحثون في الاديان حول اديان التوحيد، هل هي السابقه علي الاديان الاخري، بمعني ان التدين بدا توحيديا ثم تغير ثم عاد للتوحيد؟ ام العكس ان ظهور التوحيد لاحق؟ فالبعض يعتبر التوحيد تطورا لاحقا، والبعض يعتبره تصورا وسيطا ظهر لمرحله ليخرق تصور الالوهه غير المشخصه، فظهور الاله مؤقت. انظر فراس السواح، دين الانسان، 220، 228.

(2) مرسيا الياد، البحث عن التاريخ و المعني في الدين.

(3) مساله كون القران هو مصدر التوصل لهذه المسائل الكبري وتصورات الاسلام عنها، هو نفسه يحتاج مراجعه، فالشعائر الاسلاميه ايضا ينبغي دمجها في هذا السؤال واستكشاف ما تفتحه لنا من طرق للوصول لتصورات الاسلام. ومزيه الشعائر انها لارتباطها بالتشكل الاولي للدين بين جماعه المؤمنين فانها اقدر علي كشف تصورات الدين قبل اخضاعه للعقلنه اللاحقه، وهذا لا يمنع امكان اجراء دراسه عن تطور للشعيره من الجاهليه لفتره النبوه لما بعدها ايضا، ستكون مفيده للغايه.

(4) بدايه من لحظه تفسير المنار للاستاذ الامام وثمه محاوله لتقديم تفاسير للقران تتجاوز التفاسير التراثيه وتقدم تعاملا اكثر مباشره مع النص. وبالطبع نتجت كثير من التفاسير الايدلوجيه التي تستوعب القران تماما في افكار مسبقه، مما دعا كثيرا لمحاوله تقديم تفسير يقدم محتوي القران وفقا لخطاطته هو الرئيسه لمواضيعه.

(5) يشير ايزوتسو الي ان اختيار الكلمات المفتاحيه قد يتضمن قدر من الاعتباطيه، فمثلا لفظه عرش وردت في اكثر من عشره مواضع  في القران ولها اهميه كبيره في الكلام والتصوف الاسلامي، الا انها لا تمثل مفهوما محوريا في القران الا بعد مناقشه، علي عكس تصورات الله والكفر والهدايه مثلا، هذه الملحوظه توضح ايضا محدوديه المدخل الدلالي وحده علي اهميته كمرحله ضمن اليات اكثر فعاليه.

(6) يجمع فضل الرحمن بين ايات مثل "جعلنا علي قلوبهم اكنه" والتي توحي بختم الهي وجبر، واخري مثل "قد افلح من زكها و قد خاب من دساها" المقرره لعدم وجود جبر، عن طريق اعتبار ايات الاختيار خاصه بمرحله التوجه الارادي للعصيان او الطاعه في حين ايات مثل ختم علي قلوبهم تعبر عن مرحله لاحقه يصل فيها الانسان نفسيا لتصرف غير واعي بمقتضي ما شكل نفسه عليه من قبل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل