المحتوى الرئيسى

شهداء منسيِّون وآخرون مزيَّفون

03/11 07:26

كنت كلما عَبَرْت من شارع «الشهداء» الشهير في مدينتي الام «الاسكندريه» ما بين محطه الرمل والمنشيه اتساءل: كم شخصًا من سكان المدينه يعرف لماذا سمِّي الشارع بذاك الاسم؟ وهل يعرفون ان التسميه ليست اعتباطيه، وان نحو 30 رجلًا استُشهدوا ها هنا واُصيب اكثر من ثلاثمئه اخرين، وان الشارع الذي لا يتجاوز طوله نحو 100 متر قد اُغرق بدماء عن اخره؟

انها انتفاضه فبراير عام 1946 الكبري تلك الانتفاضه المنسيه في تاريخنا الحديث، والتي بداها الطلاب في التاسع من فبراير احتجاجًا علي المفاوضات مع الانجليز من خلال مظاهرتهم الشهيره بـ مظاهره كوبري عباس ، وسرعان ما انضم العمال الي الطلبه وشكَّلوا لجنه العمال والطلبه، تلك اللجنه التي تشكلت من كل الاطياف السياسيه، واستطاعت تسيير اضخم مظاهرات شهدتها مصر حتي تلك الفتره، وانتهت اللجنه سريعا بنهايه ماساويه حين خان الاخوان التحالف وزعموا ان الشيوعيين يسيطرون عليه، فوقفوا يفرّقون مظاهرات عمال شبرا الخيمه بالسكاكين، بينما وقف خطيبهم مصطفي مؤمن في الجامعه ممتدحا رئيس الوزراء اسماعيل صدقي -جزَّار الشعب- بخطابه الشهير مقتبسًا الايه القرانيه قائلًا واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد .

علي مدار الفتره ما بين فبراير ومارس 1946 ارتوت شوارع مصر بالدماء، في مواجهات طالت مع الانجليز، لكن المواجهه الاكبر كانت في الرابع من مارس، في الاسكندريه، حين خرجت مسيره عماليه ضخمه من مصانع محرم بك، قاصده ميدان محطة الرمل، وعند عبورها شارع الشهداء، راي المتظاهرون العَلَم البريطاني مرفوعًا فوق فندق ويندسور -ما زال قائما الي اليوم- الواقع علي ناصيه الشارع تجاه الكورنيش، وحين حاولوا نزعه اطلق عليهم رجال البحريه الانجليز المقيمون في الفندق النار، ثم اطلقت عليهم ايضا الشرطه المصريه نيرانها، من كشك الشرطه الحربي في ميدان محطه الرمل، فقُتل 30 مصريًّا في تلك المظاهره، واُصيب 342 اخرون.

كان للحادث وقتها صدي كبير، واُعلن الحداد العام في السودان وسوريا ولبنان والاردن، ثم نُسي الحادث ضمن ما نُسي، كما نُسيت الانتفاضه باكملها كانها لم تكن.

قبل ثوره يناير 2011 كنت اتعجب كيف يكون لشارع ما تلك القصه الملحميه الخالده ثم لا تكاد تجد احدا من اهل الاسكندريه يعرفها، لكنني بعد الثوره ادركت تمام الادراك حقيقه ان الدماء في بلادنا تُنسي كانها ماء اُريق علي قارعه الطريق، فقد كانت الثوره لم تكمل بعد شهورها الاولي، بينما كان الطاعنون في دماء شهدائها لا يستحيون من مهاجمتهم، وكان القاتل واضحا امامنا رايَ العين، لكنهم لاموا المقتول قائلين ايه اللي ودَّاه هناك؟ ، وكان الناس في بلادنا يموتون علي باب استاد للكره، بينما يتهافت الاعلاميون الرياضيون علي شاشات التلفاز وصفحات الجرائد للصراخ والعويل، لا علي الدماء، ولكن علي ايقاف الدوري ومن ثم ايقاف السبوبه !

وادركت كيف ان التاريخ القريب رؤيا العين يُنسي، بل ويتم تزييفه، وكيف يتحول قاتل الاطفال المجرم في سيدي جابر الي شهيد، لا علي يد الاخوان واتباعهم فقط، بل علي يد بعض الاشخاص محسوبين علي معسكرات علمانيه، في صفاقه ووقاحه واجتراء قلَّما تجد مثلها في اي مكان اخر في هذا العالم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل