المحتوى الرئيسى

"ميلاد أمة" الفيلم الأكثر عنصرية في تاريخ السينما

03/10 22:47

في شهر فبراير/شباط من عام عام 1915، عرض فيلم "ميلاد امه" للمخرج الامريكي دي دبليو غريفيث. وبعد مرور قرن كامل، لا يزال الفيلم علامه فارقه في صناعه السينما، ويعد من اكثر الافلام عنصريه. الصحفي الفني توك بروك يلقي نظره عن كثب علي ذلك الفيلم.

بعد قرن من انتاجه، لا يزال فيلم "ميلاد امه" يثير الاستهجان والسخط اذ يعتبر الفيلم خليطاً من الابداع والافكار البغيضه. وقد كان الفيلم رائداً في استخدام التقنيات الجديده في السينما، لكنه لا يزال يوسم بالعنصريه الصارخه.

وكان الفيلم من ابداع دي دبليو غريفيث الذي مارس التمثيل الي جانب الكتابه للمسرح، لكن عبقريته الحقيقيه كمنت في اخراج ذلك الفيلم الذي لم يسبق ان ظهر مثله علي هذا المستوي من قبل. والفيلم عباره عن قصه العلاقه بين عائلتين امريكيتين، احداهما مؤيده لفكره اتحاد البلاد بشكل كامل، والاخري مؤيده لفكره الاتحاد الكونفيدرالي (او اللامركزي)، ابان الحرب الاهليه وما تبعها من اعاده بناء الدوله.

جاء الفيلم في ثلاث ساعات، وشارك فيه حسب ما ذكرت صحيفه نيويورك تايمز وقتها 18.000 شخص، 3.000 حصان. وبحلول عام 1922، كان قد شاهده اكثر من خمسه ملايين شخص، وكان ذلك الاقبال هو الاكبر من نوعه في تاريخ السينما.

"كان نجاحاً باهرا في شباك التذاكر، وكان الفيلم ذا شعبيه كبيره،" هكذا وصفه البروفيسور الان رايس، من جامعه لانكشير، الذي اشرف علي عده ندوات حول الفيلم.

وترك الفيلم بصمه تاريخيه كاول فيلم في التاريخ يعرض في البيت الابيض. لكنه كان فيلماً ثورياً لسبب اخر، كما يقول رايس: "كان في غايه الاهميه لانه اول فيلم طويل يستخدم كثيراً من التقنيات الجديده في صناعه السينما."

فقد استخدم الفيلم التصوير الليلي، واللقطات البانوراميه الطويله، والمونتاج، وكلها عوامل جاءت علي مستوي راق جداً، كما اشتملت مشاهد الحرب علي اضافات كثيره ومتنوعه. واقتبست كثير من مشاهد الحرب القديمه في السينما الحديثه من فيلم "القلب الشجاع" الي فيلم "سيد الخواتم" ونسجت مشاهدها علي منوال سياق المعارك في فيلم "ميلاد امه".

ويقول ارنولد وايت، الناقد السينمائي في مجلتي ناشيونال ريفيو، واوت ماجزين: "كان فيلم ميلاد امه بمثابه حجر الزاويه. لقد كان الفيلم الذي بشر العالم بمستقبل السينما." كما ان طريقه التصوير في الفيلم ارست دعائم بناء روائي لا يزال منتجو هوليوود ينسجون علي منواله الي الان.

وقال بول ماكيوان، الذي الف كتاباً سينشر قريباً عن الفيلم: "الطريقه التي ظهر بها الفيلم، والروايه البطوليه التاريخيه الجارفه، واستخدام عائلات مزقتها الحرب، ثم وضع قصه رومانسيه في قلب ذلك كله كان امرا مبهرا، وهذا ايضاً ما فعله فيلم تايتانك، وهذا ما بنيت عليه كل الافلام من هذا النوع. وهذا ما يعمل علي منواله منتجو الافلام المعاصرين."

لكن مع كل الروعه التي يحملها الفيلم، لا تزال العنصريه التي تفيض بها الشاشه هي موضع تقييم لا مفر منه. تقول ايلين سكوت، مؤلفه كتاب "الحقوق المدنيه في السينما" الذي صدر حديثاً: "الفيلم هو احد اكثر الافلام التي انتجت عنصريه، بل اكثرها عنصريه علي الاطلاق.هذا الفيلم في الواقع يصور الاعدام خارج القانون كامر ايجابي. كما يشير المضمون السياسي للفيلم الي ان بعض السود يستحقون الاعدام. وبهذا يكون الفيلم مغرقاً في العنصريه."

ويعتقد بروفيسور رايس ان مواصفات الرجل الاسود الذي قتل مثيره للقلق، ويقول في هذا السياق: "الاسود الذي يغتصب النساء، هو الصوره النمطيه للرجل الاسود الذي يتعقب النساء البيض. وهو ما كان يعزز تفشي الخوف من امتزاج الاجناس او اختلاط السود بالبيض."

ومهما كان الدور الذي لعبه دي دبليو غريفيث في تقديم فيلم عنصري الي الشاشه، يمكن تتبع جذور التعصب الاعمي في المصادر التي اعتمد عليها، وهو نص عنصري يطلق عليه اسم "رجل العشيره" والذي كتبه ثوماس ديكسون.

يري ماكيوان ان القصه الكامنه وراء الفيلم معيبه جداً، ويضيف: "الفيلم يقول ان اعطاء السود حقوقاً كان خطا فظيعاً، وانهم فعلوا كل الاشياء السيئه التي لم يقترفوها في الواقع، وان حركه كو كلوكس كلان كانت بمثابه النبيل الذي انقذ اميركا، لا يمكن ان يكون هناك خطا افظع من هذا."

ويعود للفيلم الفضل في احياء حركه "كو كلوكس كلان" (وتعرف اختصارا باسم كيه كيه كيه) العنصريه التي تبنت الفيلم كاداه لتجنيد الاعضاء.

ويقول بول ماكيوان "بحلول عام 1915 كانت حركه كيه كيه كيه بحكم المنظمه الميته، ولكن عندما ظهر الفيلم خلال العشرينيات اصبحت الحركه منظمه ضخمه في ذروه حمي العوده الي الاصول التي شهدتها الولايات المتحده."

وذكر رايس ان الفيلم "دشن استعمال انواع معينه من النمطيه العنصريه التي تكررت وقتها مره بعد مره، وصولاً الي فتره الستينيات وما بعدها."

ويضرب مثلا لذلك عندما يظهر الفيلم في لحظه من اللحظات المشرعين السود في كارولينا الجنوبيه كمتوحشين ياكلون الدجاج المقلي والموز وهم يحملقون في النساء البيض الجالسات في القاعه.

لكن عنصريه الفيلم زادت لان النقاد والمؤرخين اعتبروا الفيلم ابداعاً مميزاً لاستخدامه التقنيات السينمائيه.

وتقول ايلين سكوت "لا اعتقد اننا كنا سنتذكر هذا الفيلم كما نتذكره الان فيما لو لم يستخدم غريفيث مونتاجاً موازياً ويظهر لنا شخصيات من حركه كيه كيه كيه تسرع لانقاذ البطله علي ظهر حصان، ثم ينتقل بالمونتاج الي تلك الصوره التي يظهر فيها رجل اسود يهاجم الناس. وهكذا لدينا هاتان الصورتان اللتان تشكلان الاثر الرئيسي للفيلم. اعتقد ان التقنيات التي استخدمها ذلك الفيلم نسجت ومزجت بما يحمله من قوه عنصريه."

لكن وجهه النظر السائده هي ان عنصريه الفيلم لا تقلل من براعته الفنيه.

ويقول وايت: "يوجد عده اعمال فنيه تحتوي علي عناصر لا يقبلها الناس. لكن هذه العناصر لا تغير بالضروره في القيمه الجماليه لهذه الاعمال، ولا تغير بالضروره التخيل والذكاء الكامن فيها، المفارقات العنصريه في فيلم ميلاد امه ينبغي ان نتعايش معها، لكننا نخدع انفسنا اذا انكرنا عظمه وروعه الفيلم."

ليس فيلم ميلاد امه وحده في ذلك الشان، فهناك افلام اعتبرت اعمالاً فنيه لكن محتواها مؤلم، مثل فيلم "انتصار الاراده" لمخرجه الالماني ليني ريفينستال. صور الفيلم بطريقه رائعه، مستخدما طرقا جديده في التصوير السينمائي والموسيقي، لكنه كان دعايه نازيه كبيره. وقد اثار جدلاً كبيراً تماماً كما هو الامر مع فيلم ميلاد امه.

ويقول ماكيوان: "لا احد ينكر ان فيلم انتصار الاراده كان مميزاً من الناحيه الفنيه، وهذا في الواقع ما جعله خطيراً. لو كان ضعيفاً من الناحيه الفنيه، لما حظي بهذا الاهتمام."

وعلي مدي السنوات الماضيه، بذلت جهود لحظر فيلم ميلاد امه. وكانت المحاولات الاولي لحظر الفيلم التي كانت في الولايات المتحده وقت اطلاق الفيلم برعايه الرابطه القوميه للدفاع عن الملونين، والتي تعرف باسم (NAACP).

يقول سكوت "كانت الرابطه متناقضه ازاء مساله حظر الفيلم،" مشيراً الي انها ضمت في اعضائها من يدافعون عن الحريات المدنيه، بما في ذلك حريه التعبير. وباءت كثير من المحاولات لحظر الفيلم بالفشل لان سبب المطالبه بالحظر كانت تتعلق الجنس، والاخلاق، وليس بالعنصريه، وهي المواضيع التي اثارت قلقاُ كبيراً في السينما في ذلك الوقت، واعتمد غريفيث علي جيش من المحامين للدفاع ضد حظر الفيلم."

وفي الوقت الحاضر، لا يريد كثير من الناس، خاصه في الوسط الاكاديمي، حظر هذا الفيلم.

تقول ايلين سكوت: "المسافه التاريخيه بيننا وبين الوقت الذي انتج فيه الفيلم بعيده لدرجه انه يمكننا النظر اليه كانتاج للحظه تاريخيه محدده." ويعتقد كثير من الاكاديميين انه من الضروري عرض الفيلم.

يقول بروفيسور رايس: "عندما يعرض، يجب ان يعرض في سياق الحوار. حظر الفيلم سيجعله سرياً. وهو ما يقدم خدمه مجانيه للعنصريين الذين قد يقولون انهم لا يستطيعون المشاركه في الحوار حول مضمون الفيلم او التعليق عليه."

في الحقيقه، لا يري رايس الفيلم كقطعه اثريه علي الاطلاق. ويشير الي فنان الصوت الامريكي دي جيه سبوكي قائلاً: "انه شاب امريكي من اصول افريقيه انتج، رداً علي الفيلم، ما سماه "اعاده ميلاد امه" والذي يمزج فيه صور الفيلم بنص صوتي من انتاجه".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل