المحتوى الرئيسى

الروائية هيفاء بيطار: رسالتي كسر صمت النساء

03/10 22:37

سعيا منها الي تشخيص بعض العلل الاجتماعيه بعيون الطبيبه التي ساعدتها مهنتها كي تكون اكثر التصاقا بحياه الناس واسرارهم، تؤكد الروائيه السوريه وطبيبه العيون هيفاء بيطار ان هناك انسجاما بين حياتها وكتابتها، وهي التي خصصت عددا من اعمالها للدفاع عن قضايا المرأة في العالم العربي.

وتصرح بيطار بانه لا اعتراض لديها علي تصنيفها كاتبه انثويه، ولا تشعر باي انزعاج من مصطلح الادب النسوي، كما لا تشعر انه مُبطن بدونيه، وتؤكد انه يهمها العمل وجودته ووفاءه لرسالته.

الجزيره نت التقت الروائيه هيفاء بيطار بمناسبه اصدارها روايتها الجديده "امراه في الخمسين" عن دار الساقي ببيروت، فكان الحوار التالي:

 تثيرين في "امراه في الخمسين" مساله في غايه الاهميه، وهي اخلاص المبدع والكاتب لما يكتب وجانب الاقتران بين القول والفعل. الي اي حد يؤثر ذلك في حياه الكاتب وكتابته برايك؟

منذ اللحظه التي قررت فيها ان اكون كاتبه اتخذت عهدا علي نفسي الا يكون لي ولاء الا للحقيقه، وان اكون متوحده ومتجانسه مع افكاري ومعتقداتي وقراءتي للعالم حولي، ولا افصل علي الاطلاق بين الكاتب ونصه، لانه مهما كان موضوع الكتابه فالكاتب يُعبر عن رؤيته وهو صاحب رساله ورؤيه.

افهم الكتابه علي انها شرف الكلمه وشجاعه البوح بالمسكوت عنه، وقد ساعدتني مهنتي طبيبه عيون في ان اكون اكثر التصاقا باوجاع الناس وحياتهم واسرارهم، واحس دوما انني امارس الطب بروح كاتبه، فقد تحول معظم المرضي الذين عاينتهم الي قصص، ولدي روايتان هما "نسر بجناح وحيد" و"هوي" -التي تحولت الي فيلم سينمائي لم يُعرض بعد- هما من وحي عملي طبيبه. واعيش حياتي كانها حياتان متوازيتان، فكل ما يحدث حولي يدخل الي روحي.. الي ما اسميه معمل الكتابه ويخرج قصصا وروايات. وثمه انسجام تام بين حياتي وكتابتي، فلا صراع ولا منافسه بين ما اعيشه واقعيا وما افكر به. واظن ان الكاتب الحقيقي يكون منسجما مع نصه، اي لا يكتب شيئا ويمارس نقيضه، وهذه ظاهره موجوده للاسف.

 تظل بطلتك الصحافيه والناشطه في مجال الدفاع عن حقوق الانسان وفيه لذاتها، وتسعي لتعريه الرجل الذي شعرت انه يهين المراه ويتعامل معها بازدواجيه فاضحه، اين تلتقين مع بطلتك واين تفترقين عنها؟

اردت ان اطرح موضوعا مهما جدا برايي، وهو النظره الاجتماعيه المجحفه للمراه في عمر الخمسين، او ما يسمي سن الياس، اذ ينظر للنساء -بشكل عام- في هذا العمر كما لو انهن كائنات لاجنسيه، وكانهن ذبلن ولم يعد لديهن من مهام في الحياه سوي حياكه الصوف للاحفاد والعنايه بالاهل في ارذل العمر.

اما النظره الاجتماعيه لرجل في الخمسين فكما لو ان مستقبلا ثانيا بانتظاره، اذ يمكنه ان يطلب للزواج امراه تصغره بربع قرن ولا احد يستنكر، او يكون الاستنكار خفيفا كما لو انه دعابه.

ثمه هوه واسعه بين مفهوم امراه في الخمسين ورجل في الخمسين، وبطله روايتي الخمسينيه تعري جوهر رجل خمسيني هو ناقد ومثقف وحاصد جوائز ولديه كتابات كثيره حول الابداع النسائي، لكنه في قراره نفسه يحتقر ويسخر من النساء الخمسينيات ويعتبرهن منتهيات الصلاحيه.

هذه هي الازدواجيه نلاحظها عند الكثير من الرجال للاسف خاصه المثقفين منهم. وانا التقي مع بطلتي في نقاط كثيره منها الرغبه في تعريه النظره المجحفه للنساء الخمسينيات وفضح ازدواجيه الرجل ونظرته للنساء في عمر سن الياس. وعليّ ان اؤكد انني لا احب التعميم اذ ثمه رجال رائعون يدافعون عن حقوق المراه اكثر مما تدافع هي عن حقوقها.

 تعالجين ثنائيات من قبيل الشقاء والسعاده، والحب والكره، والخير والشر، والبنوه والامومه، وتبدو عوالم روايتك مزيجا منها، الي اي حد ترسم هذه الثنائيات خريطه حياه المرء؟

الثنائيات التي تتحدث عنها تشكّل نسيج الحياه.. هكذا الحياه هي مزيج من الامل والالم، ومن الفرح والحزن، ومن الموت والولاده، ولا يوجد انسان لا يعيش كل هذه المشاعر، وانا بصراحه لا اجد تناقضا في تلك المشاعر، فاحس الكره كما لو انه حب بالمقلوب، فالذي تكرهه تفكر فيه باستمرار كالذي تحبه، وقد ينقلب الحب الي كره او العكس، الكراهيه الحقيقيه هي النسيان.

النساء الخمسينيات في روايتي مررن بظروف كثيره ولّدت لديهن مشاعر واحاسيس وافكار، ولكل عمر مشاعره واحاسيسه، فالحب في عمر العشرين يختلف عن الحب في عمر الخمسين، كذلك الخبره والحكمه التي نتعلمها من الحياه مع الزمن. وكما قلت في الروايه، عمر الخمسين عند المراه هو عمر الحكمه وعمر الحقيقه، حيث لا تعود المراه مضطره للتمثيل والمجامله، فهي في الذروه التي اما ان تنحدر بعدها وتعيش بشكل تقليدي كما يرسمون لها راعيه للاهل والاحفاد، واما تدشن مرحله جديده في حياتها من ترميم الذات وتحقيق طموحات واهداف لم تستطع تحقيقها من قبل بسبب الاعباء الكثيره الملقاه علي عاتقها.

وكما قال ماركيز العظيم "يبدا الحب وكتابه الروايه في الخمسين". وانا احببت جدا هذا القول واسقطته علي المراه اكثر من الرجل. فكم من نساء ابدعن وفاجان من حولهن وقد تجاوزن الخمسين!

 تركزين في معظم اعمالك -وفي عملك الاخير بشكل اخص- علي قضيه المراه، وكانك تشهرين هويه الادب النسويه في وجه الجميع، كيف تصفين اشتغالك في هذا الاطار؟

لا اعتراض لدي علي الاطلاق ان اصنف كاتبه انثويه، ولا اشعر باي ازعاج من مصطلح الادب النسوي، ولا اشعر انه مُبطن بدونيه.. يهمني العمل، هل هو ابداعي ويطرح افكارا مهمه؟ هل هو ذو رساله ام لا؟ في معظم اعمالي تبنيت قضيه المراه في بعدها الانساني وعلاقتها بالمجتمع حولها، ولم اترك قضيه نسائيه الا وحاولت ان اغوص في اعماقها واحللها، واكثر روايه تعبر عن قضيه المراه برايي في اعمالي هي روايه "امراه من هذا العصر"، وفيها استعمل المرض (سرطان الثدي) كحيله روائيه كي اجعل بطله الروايه تحكي عن الرجال الذين مروا في حياتها. هي روايه لامرأة تقرأ عالم الرجل، فالكاتب الرجل يستفيض في التحدث والتباهي بعلاقاته مع النساء، المراه يحق لها ان تكسر هذا الصمت وان تبوح. لا يمكننا معرفه الاخر ان لم يتكلم. وقد قلت ذات يوم: في الصمت تُدفن المراه. وانا رسالتي كسر صمت النساء لا لغايه استفزازيه او فضائحيه، بل لغايه ان نعرف اكثر هذا الكائن الجميل والعظيم: المراه.

 يحتل الاعتراف دورا مهما في روايتك.. فبطلاتك اللائي يشكلن جمعيه الخمسين، ومنهن فابيولا وفتون ووفاء وريم والسارده، يتخففن من اوجاعهن وماسيهن بالاعتراف ويبلغن درجه من النشوه الروحيه بذلك، كيف تنظرين الي سلطه الاعتراف والكتابه؟

الاعتراف هو الكتابه.. التحلل من اوجاع الروح يكون بالبوح، انا اؤمن بالبوح العميق فهو يحررنا من اوجاع القلب المثقل بالالم، خاصه الالم السوري، والبوح بين الاصدقاء هو نوع من حديث روح لروح وقلب لقلب وفكر لفكر، لم يعد من عزاء للسوريين سوي البوح، سوي تلك العلاقه الانسانيه حيث يوحدنا الالم المشترك والامل المشترك ايضا.

وانا في معظم اعمالي اعتمد علي "المونولوغ" الداخلي، خاصه في روايتي "افراح صغيره، افراح اخيره"، وروايتي الاولي "يوميات مطلقه"، وهي سيره ذاتيه لمعاناتي مع المحاكم الروحيه المسيحيه التي حكمت علي بالهجر لمده سبع سنوات حتي حصلت علي الطلاق. الغوص في اعماق النفس البشريه هو فعل الكتابه كما اؤمن به.

 كيف ترين واقع الروايه العربيه في ظل كثره الاصدارات الروائيه والتنافس علي جائزتي "البوكر للروايه" و"كتارا"؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل