المحتوى الرئيسى

إسماعيل فهد: القارئ أوسع أفقا من الكاتب

03/10 16:04

قدم الاب الروحي للروايه الكويتيه روايته الاولي "كانت السماء زرقاء" في بدايه سبعينيات القرن الماضي، وقبلها كتب مجموعته القصصيه "البقعه الداكنه" لينسج مسيره ابداعيه متفرده ويمنح للقارئ عمرا من الكتابه.

يري الكاتب الكويتي المخضرم ان اصراره علي التجريب جعله غير معروف بالقدر الكافي لدي القراء العرب، ولا يخفي سعادته بالوصول الي القائمه الطويله لجائزه للبوكر، ويعتقد ان الاقلام الشابه هي الاجدر بالتتويج بالجائزه.

خصص صاحب "احداثيات زمن العزله" روايته الاخيره "في حضره العنقاء والخل الوفي" لمعالجه اوضاع فئه الـ"بدون" في بلده وما خلفته من تاثيرات في بنيه المجتمع، ويريد من خلال وصول روايته الي قائمه البوكر ان يلفت الانظار لهذه القضيه. الجزيره نت التقت الروائي إسماعيل فهد إسماعيل فكان الحوار التالي:

اذا بدانا بعنوان روايتك، يستحضر المتلقّي المستحيلات الثلاثه "الغول والعنقاء والخلّ الوفي"، اذ يحضر فيه اثنان من المُدرجين ضمن المستحيلات الثلاثه ويغيب الثالث "الغول".. اين يتمثّل الغائب المستحضَر في المتن؟ وكيف؟

- ان تاخذ المثل المتوارث منذ العصر الجاهلي بمحاوله لمنحه معني مفارقا. لم اشا استبعاد الغول بصفته، لكنه حاضر بوصفه نظاما سلطويا او اجتماعيا لا فرق. العنقاء هي حاله الاستحاله المتجدده علي ذاتها بالهيئه والصيغه، كما هي حال الانبعاث من الرماد، بما يعني توق الوصول لانتماء حقيقي، هو في الوقت ذاته حكم استحاله وان توالت الوعود الكاذبه، يعادلها من جانب اخر سن المزيد من قوانين تحكم خناق مواطنين كويتيين من فئه الـ"بدون" بما يحرمهم فرصه الاستقرار او الاطمئنان.

اما عن المعادل الثالث للمستحيلات واعني به الخل الوفي، اردت توخي عنصر التضاد، لتكون محصلته متسقه مع الوفاء بمعناه، حيث التحقق الانساني عبر مفهوم الصداقه، بعيدا عن مواقف ما هو رسمي.

بطل روايتك "منسي" له كغيره من شخصيّاتك من اسمه نصيب، يشير الي مجهول الاب ومغبون الحق في الوقت نفسه، هل اردت في تناولك لهذه الحاله الواقعيّه/ الرمزيه اعاده الاعتبار للهامش عبر رفع الحيف عن كواهل هذا المنسي واشباهه ام ذرّ الملح علي الجرح لاستنفار الطاقات وتدارك الماساه؟

تلك هي حال فئه الـ"بدون" ممن يعيشون كويتيين شعوريا غرباء قانونيا، يصنفون مقيمين بصفه غير مشروعه، مخالفين لقوانين اقامه الاجانب، حتي وان كانوا هم واباؤهم او اجدادهم مولودين هنا في الكويت.

افهم ان معضله فاقدي الهويه موجوده حول العالم، الحال هنا معضله تتوالد علي نفسها، تشكل نسبه سكانيه تكاد تلامس سقف 20% من السكان الكويتيين، مثل هذه النسبه تمثّل، حسب رايي، قنبله موقوته تترصد الامن والسلم الاجتماعيين في بلد محدود المساحه، عدا عن لا عداله قوانين بهذا الخصوص.

تعالج في روايتك مسائل من قبيل الانتماء والولاء والهويه والاغتراب والنفي داخل الوطن، واستلاب الكينونه وتهميش شريحه من الناس.. الم تجد صعوبه في نسج هذا التداخل بين الاشكاليات وترجمتها روائيا؟ 

- تعود فكره كتابه هذه الروايه الي ما قبل حدث الاحتلال عام ١٩٩٠. خلال اشهر الاحتلال اثبتت اغلب الـ"بدون" انهم كويتيون رغم انف قوانين نافيه لهم او لوجودهم، حيث انخرطوا في المقاومة الكويتية، وكان منهم الاسري والشهداء، ولاني رابطت داخل الكويت في ذلك الوقت توفرت لي فرصه الرصد، كما رافقت مسؤولين كويتيين متخفين ايامها، وسمعت منهم وعودهم لشباب الـ"بدون" المنتمين للمقاومه. انتم كويتيون لكم حق المواطنه كامله عند تحرير البلد.

وعودٌ بدت صادقه، حتي اذا ما جاء التحرير تلاشت الوعود، وبدات محاربه الـ"بدون" بصفتهم ورما خبيثا يستدعي استئصاله، انت غير كويتي عد لبلدك، او احضر وثائق انتمائك لبلدك الاصل. حرب كانت قائمه قبل حدث الاحتلال هدات خلاله لتعود بعده اشد مرات.

الامر الثاني طلب او اقتراح تقدم به احد اهم الشعراء الكويتيين الـ"بدون" واعني به دخيل خليفه، لما ارتاي لو اخصص شهرين اعيشها وسط حي فقراء الـ"بدون" في محافظه الجهراء، بقي طلبه حبيس القلب ريثما فاجاني احد اشقائي (وهو قاض) سلمني ملف قضيه ملفقه راح ضحيتها احد الـ"بدون" كل جريمته انه تزوج شابه كويتيه اثر قصه حب.. هذه العوامل مجتمعه حفزتني لاكتب، لاعاود الكتابه مره ثانيه وما يشبه مره ثالثه، لحين استقرار النص الروائي علي صيغته الاخيره. يبقي ان الحافز الاساس جاء انطلاقا من واجب مواطنه.

تطرح روايتك اسئله اشكاليه بشان رسم المصائر واختيار الحيَوات، بين ما يريده المرء لنفسه وما يراد له ويقيد به، اي هناك طرح فلسفي يبحث عن اجابه.. هل حرصتَ علي تقديم ايه اجابات ام شرعت باب التساؤل والبحث والاجتهاد..؟

- لا اخالني اجانب الصواب لو قلت: "القارئ اوسع افقا واكثر ذكاء من الكاتب" بما يستدعي الاخير ان يكون حريصا، لا يلعب دور الملقن او المعلم الناصح. وسط افتراض اهليه القارئ يتوجب علي الكاتب ايضا الا يلجا لتدبيج منشورات تحريضيه او ايديولوجيه تنافس اصحاب المبادئ من السياسيين او الحزبيين.

لمّا يضع الواحد نصب وعيه انه يخاطب قارئا نبيلا نبيها في الوقت ذاته، يلزمه احترام ذكاء شريكه، ولانه شريكه يتوجب تحقيق فسحه مشاركه في كتابه العمل، وبعكسه لا توجد فراغات وسط المعاني تقتضي اشغال الذهن بمعالجتها، القارئ حسب رايي يعيد كتابه النص خلال تلقيه له.

يبقي واجب الاعتراف: لا كتابه مسؤوله من غير ايديولوجيا متخفيه وراء المعاني، بيد ان ايديولوجيا متسقه مع موقف الكاتب شان اتساقها مع الظرف الموضوعي ستكون ماده حوار داخلي لدي القارئ المعني، دون خدش لذكائه او مساس بمشاعره.

كتبت العديد من الروايات (اربعا وعشرين روايه)، ما الجديد الذي اضافته هذه الروايه الي تجربتك الروائيه الثرّه؟

- لا ادري ان كان الكتاب يتشابهون بمواقفهم من نتاجاتهم. فيما يخصني، يكون الكتاب قريبا مني ما دمت اشتغل عليه، ما دام خاضعا للتعديل بالاضافه او الشطب، فان تحول مطبوعا متداولا صار مشاعا، انصرفتُ عن الاهتمام به للعمل علي غيره، بعد فتره نقاهه طبعا.. بخصوص ميّزه او اضافه ذاك امر يتصل بالمتلقي ان لمس امرا ما جديدا.

ما اجزم به اني انتمي للتجريب، منذ ان بدات الكتابه الواعيه قبل اكثر من نصف قرن. لعل اصراري علي مزاوله التجريب هو الذي جعلني غير معروف لدي عامه القراء العرب. الكاتب الذي لا يستقرّ علي اسلوب لا يستقر له قراؤه، يبقي الاعتماد علي متلقين نوعيين.

هناك امر يلزمني الاعتراف به: خلال السنوات الخمس الاخيره صادفني هوس قراءه مؤلّفات الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، لعلك تجد صداه او صدي اسلوبه في الكتابه من خلال قراءه في حضره العنقاء..

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل