المحتوى الرئيسى

نور الشريف.. فنان السينما

03/10 01:52

ليس نور الشريف مجرد مشخصاتي مجتهد او عابر في مسيره السينما المصرية الطويله، ولكنني اعتبرته دومًا نموذجًا لما نطلق عليه «فنان السينما» الذي يمارس التشخيص والانتاج والاخراج، والذي يمتلك رايًا ورؤيه عن مشكلات الصناعه وماضيها وحاضرها ومستقبلها، والذي يعرف كيف يقرا ويحلِّل الافلام القديمه والحديثه، فنان حقيقي اصقلت الدراسه والخبره موهبته، وحافظتا له علي موقع متميِّز منذ النصف الثاني من الستينيات من القرن العشرين.

ليس سهلًا ما فعله نور في مشواره الطويل، ولست محايدًا بالقطع في الحديث عنه، فهو احد اوائل الممثلين الذين عرفناهم في صبانا المبكِّر في السبعينيات، ونحن نكتشف عالمَي التليفزيون والسينما، بل ان اول فيلم سينمائي شاهدته وانا طفل في دار العرض بمدينتي نجع حمادي، كان من بطوله نور الشريف، مجرد فيلم هامشي في مسيرته بعنوان من البيت الي المدرسه ، بمشاركه نجلاء فتحي، ومن اخراج احمد بهاء الدين، ومن المسلسلات الاولي التي حفرت عميقًا في ذاكره الطفوله حلقات القاهره والناس بطوله نور وفاطمه مظهر واشرف عبد الغفور ومحمد توفيق وكريمه مختار، لم احب في البدايه اداءه وصوته العالي ومبالغته في تحريك يديه مع كل جمله حوار تقريبًا، ولم احب اداءه في عمل اخر من اعمال السبعينيات بعنوان واحترق القناع ، ما زلت اتذكَّر بعض مشاهده، وطريقه نور المسرحيه، ولكن الطريقه التي تمكَّن بها هذا الممثل الذي تخرَّج في معهد الفنون المسرحية، من تطوير نفسه تستحق الدراسه بالفعل، وقد ظلَّت عندي دومًا شيئًا عظيمًا ولافتًا.

اتذكر امرًا اخر من طفولتي، فقد قرات في السبعينيات صفحات هامه من مذكراته في مجله اخر ساعه ، كانت تنشرها علي حلقات الصحفيه والناقده ايريس نظمي، ادهشتني صراحه الممثل الشاب الذي ينتقد نفسه، والذي يقول انه مرّ بفتره ضياع كامله بسبب النجاح المبكر، كان يترك الافلام باستهتار، ويسافر الي بيروت، ليظهر في افلام تافهه، تراجع عن مكانته بعد مقاطعه المنتجين، ولكنه عاد بقوه بعد ان استعاد التزامه، ادهشني حديثه عن تجاربه المبكره في معهد الفنون المسرحيه، حكايته عن استخدامه الحركه البطيئه للممثلين في مسرحيه اخرجها قبل ان تستخدم هذه الحركه في مسرحيه مدرسه المشاغبين ، حكايه غرامه مع بوسي التي شاهدها وهي صبيه يافعه في احد الافلام، فقرر ان يتزوجها، وحديث نور عن موعود (اغنيه عبد الحليم)، التي استمع اليها بعد عقد قرانه علي بوسي، وبالذات اصداء مقطع وابتدي المشوار ، ما زالت هذه المعلومات محفوره في عقلي رغم مرور كل هذه السنوات.

تغيّرت نظرتي الي ادوار نور الشريف مع مراحل نضجه المدهشه، حتي طريقته في الحديث كانت مختلفه، اتذكَّر انني شاهدت له حوارًا كان يحلِّل فيه طريقه اداء عبد الحليم حافظ لاغنيه اهواك من الخمسينيات الي السبعينيات، في حواراته المنشوره ما يكشف عن معاناه حقيقه بحثًا عن طريقه للاداء اكثر بساطه، يتحدَّث مثلاً عن استاذَين منحاه في البدايات بعض المفاتيح: حسن الامام الذي قال له: قبل ما تقول الجمله بلسانك قولها بعنيك ، وسعيد مرزوق الذي جعل الممثلين علي طبيعتهم، وكان الكاميرا قد تسلَّلت لتصورهم في فيلمَي زوجتي والكلب و الخوف ، نور في العملين يقدّم نفسه بصوره افضل بكثير، لانه تحت اداره مخرج سينمائي كبير، لو تابعت المسافه الكبيره بين خطواته الاولي وادواره الناضجه كما في الكرنك و سواق الاوتوبيس و ليله ساخنه و قلب الليل و دماء علي الاسفلت و حدوته مصريه و الاخوه الاعداء و اخر الرجال المحترمين و العار و ناجي العلي و بتوقيت القاهره ، لاكتشفت ان نور اشتغل بجديه وداب ليقطع هذه المسافه، ليس سهلًا ابدًا ان تعمل مع مخرجين متنوعين، وان تحافظ علي هذا المستوي الذي يعتمد علي التحليل الواعي للشخصيات، وعلي تبسيط الاداء، مع اختيار سيناريوهات جيّده، اذ لا معني ان تؤدّي دورًا لشخصيه دراميه مميزه ولكن في سيناريو رديء، وراء الاختيار دراسه ووعي هما اللذان جعلا نور يحافظ علي تالقه رغم ظهور اجيال متتاليه، ورغم انه مرّ شخصيا بانتكاسه في بدايته، كان يمكن ان تقضي عليه وهو في اول الطريق.

الفنان الواعي بداخله هو الذي جعله يعترف باقدار الاخرين، فيقول ان محمود عبد العزيز يستحق جائزه افضل ممثل عن دوره الاستثنائي في الكيت كات مقارنه باجتهاد نور في دور الاخرس بفيلم الصرخه ، ونور هو الذي رشّح محمود ياسين للتكريم بدلًا منه في دوره جمعيه الفيلم الاخيره، فقال لمَن اتصل به: محمود اولي مني بالتكريم ، ونور هو الذي منح فرصه الاخراج لاسماء جديده هامه، مثل محمد خان وسمير سيف، كان خان سينتج ضربه شمس من تحويشه العمر، ولكن نور تحمَّل مخاطره الانتاج.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل