المحتوى الرئيسى

مترجم: غزة: واقعٌ حافل بالأحداث الدرامية المفجعة

03/09 12:16

مترجم عنGaza: The Murderous MelodramaللكاتبDavid Shulman

خلال عام 332 قبل الميلاد، اقدم الأسكندر الأكبر علي غزو مدينة غزة، وهي المهمه التي لم تكن باليسيره، فقد دام الحصار حتي مائه يوم، اذ دافع شعب غزه عن نفسه بضراوه تحت قياده ملك غزه في ذلك الحين “باتيس”، وذلك من خلال اعتمادهم الكبير علي الانفاق، حتي ان الاسكندر نفسه قد اصيب بجراح في خضم المعركه، فانتقم لنفسه فيما بعد بقتل جميع شباب المدينة ومن بينهم “باتيس”، وذلك من خلال ربطه بعربه الاسكندر، ومن ثم جره تحت المتاريس حتي الموت. تبدو القصه مالوفه لنا كثيرًا، فمثل هذه الصور العنيفه ترتبط لدينا بمدينه غزه، حيث يسهل نسبيًّا حفر الانفاق تحت تربتها الرمليه، كما ورد لنا ضمن احداث الحرب الشنعاء التي اندلعت في غزه الصيف الماضي.

ويعد الاضطراب الواضح الذي تشهده القياده الاسرائيليه بشان التوصل لهدف مقنع لاندلاع الحرب، من ابرز العناصر التي تمثلت في الاحداث الدراميه المفجعه التي تلت تلك الحرب؛ فقد برهنت الاحداث علي انه يستحيل ايقاف الهجمات الصاروخيه المتجدده من جانب غزه، علي الرغم من ان نظام القبه الحديديه المضاده للصواريخ الذي انشاته اسرائيل يعمل بكفاءه عاليه. ولكن اسرائيل لم تتمكن من السيطره علي ما بقطاع غزة من انفاق متوسعه، والتي يمر الكثير منها عبر السياج الي داخل الاراضي الاسرائيليه، الا من خلال تنفيذ عمليه بريه داخل اراضي القطاع، وهو الامر الذي قد يشكل مبررًا مقبولًا للحمله باكملها. ومن دون التقليل من الخطر الحقيقي الذي تفرضه هذه الانفاق والتي كان يعلم الجيش بوجودها منذ عده سنوات، فمن الملاحظ ان الحكومه شعرت ببعض الطمانينه لعثورها اخيرًا علي هدف عسكري يمكنها التعامل معه. ويبدو ان الشعب الاسرائيلي مقتنع تمامًا بذلك، فهم عاده ما يصدقون كل يقوله الجيش لهم. حتي الان، لقد تم تفجير حوالي ثلاثين نفقًا، ولكن هناك انفاق جديده يجري حفرها في الوقت الراهن اغلب الظن.

من الواضح ان الامور لم تكن في صالح اسرائيل خلال هذا الصيف، اذ لم يكن في وسعها ايقاف سيل الصواريخ وقذائف الهاون الذي اطلقته غزه عليها، حتي ان المستوطنات الاسرائيليه المُقامه بالقرب من غزه قد تعرضت للتهجير، وما ان دعاهم الجيش للعوده معلنًا ان الوضع قد اصبح امنًا حتي تجددت الهجمات ولاقي عدد من السكان والجنود المتواجدون هناك مصرعهم. ولعده اسابيع، ترددت كلمه “ردع” اكثر من غيرها في كافه البرامج الاخباريه والحواريه التلفزيونيه منها والاذاعيه. وبعيدًا عن هذه الانفاق، كانت الحمله تهدف في الاساس الي ردع العدو عن اطلاق المزيد من الصواريخ او الاقدام علي اي فعل مماثل في المستقبل، ولكن قيادات حماس رفضت تكرارًا ان تؤدي الدور المُسند اليها علي الرغم من الخسائر الكبري التي تكبدتها، خاصه وان حالات الوفاه وصلت الي 2000 حاله في الجانب الفلسطيني واغلبهم من المدنيين العزل (ومن بينهم 500 طفل)، اي باختصار، ان حماس لم يتم ردعها. واظن ان معظم افراد الشعب الاسرائيلي يدركون جيدًا ان اسرائيل لم تحقق اي انتصار خلال هذه الحرب، وان الجوله التاليه قد تاتيهم بنتائج مبهمه او اسوا من ذلك بكثير، خاصهً اذا انضم تنظيم حزب الله اللبناني الي ساحه القتال. وقد اعترف نتانياهو في مؤتمر صحفي انعقد عقب وقف اطلاق النار بان استخدام القوه لا يحقق دائمًا جميع الاهداف. كما انه في مؤتمر صحفي سابق قد وجه اللوم لحماس لاستغلالها صور الموتي من الفلسطينيين اعلاميًّا لكسب التعاطف، كما لو انه غير مسئول عن اعداد هؤلاء القتلي او هويتهم.

ولا بد من الاخذ في الاعتبار ان الشعب الاسرائيلي يعيش في عالم اسطوري كبير اشبه بالالياذه، لكن في صوره حديثه ومبسطه منها؛ حيث يعد الاسرائيليون انفسهم ضحايا بريئين بالضروره في مواجهه حفنه من القوي الشريره الطائشه، ولذلك فهناك دومًا مبرر منطقي بالنسبه لهم لشن حرب ملحميه.

ونظريًّا، فقد ولّد هذا الوضع لدي كل من الشعب الاسرائيلي وقادته المنتخبين رؤيه لم تتضح خلال العقود القليله الماضيه، وهي: هل يمكن الاستمرار في شن حروب عديمه الجدوي كل بضع سنوات والاستمرار في قتل اعداد كبيره من الابرياء، فضلًا عن التسبب في خسائر ضمن صفوف العسكريين والمدنيين الاسرائيليين علي حد السواء؟ وكما قال “عساف شارون” في مقاله “الفشل في غزه”: “اذا لم ينجح العنف، فقد تدرس اسرائيل ابرام اتفاق مع المعتدلين من الفلسطينيين لانهاء الاحتلال والتوصل لسلام وفقًا لبنود عرض السلام (او مبادره السلام العربيه) الذي طرحته السعوديه عام 2002″.

وفي هذا السياق، لا بد من ملاحظه اثنين من التطورات التي تلت وقف اطلاق النار؛ احدهما ياتي في اطار تقاليدهم الاسطوريه، اذ اعلن نتانياهو عن عمليه تخصيص جديه وضخمه لاراضٍ تبلغ مساحتها 3799 دونم، او حوالي 1000 فدان بهدف الاستيطان في الضفه الغربيه، وهي اكبر عمليه تخصيص اراضٍ تم تنفيذها خلال العقود الثلاثه الماضيه. ومن ثم، قد يستنتج البعض ان حرب غزة لم تكن الا عرضًا جانبيًّا او بالاحري وسيله مُجديه لصرف الانتباه عما يجري حاليًا من استيلاء علي المزيد من الاراضي الفلسطينيه، وهو الامر الذي يعيق عمليه السلام.

لقد كانت غزه بمثابه العظمه التي يلقيها “شارون” للعالم حتي تتمكن اسرائيل من تنفيذ برنامجها طويل الامد لضم الاراضي بالضفه الغربيه. وبالطبع ينطوي هذا الامر علي سخريه شاعريه، خاصهً وان غزه ليست بمكان عادي، حيث انطلقت منها الحركه القوميه الفلسطينيه مجددًا عقب حرب 1948، وذلك بعد ان خضعت الضفه الغربيه للاردن. وقد كانت غزه كذلك البقعه التي يُلقي بها اللاجئون الفلسطينيون علي مر التاريخ، وقد تعرض بعضهم للتشريد لاكثر من مره. ففي غضون النزاعات التي شهدها عام 1948، هرب حوالي 200000 شخص الي غزه، اي اربعه اضعاف التعداد السكاني الاصلي في ذلك الوقت.

وخلال الخمسينيات من القرن الماضي اي عقب الحرب واتفاقيات وقف اطلاق النار، استمرت اسرائيل في طرد سكان القري الفلسطينيه بالمناطق المحيطه بها، وابرزها القريه الكبيره مجدل (والتي يطلق عليها الان عسقلان)، ومن ثم القاؤهم في قطاع غزه.

وهناك كتاب (غزه: تاريخ) للكاتب “جون بيير فيليو”، والذي يسرد لنا تاريخ غزه الحديث بادق واروع التفاصيل متطرقًا الي الصراع الشرس القائم بين الفصائل الفلسطينيه، وكذلك نشاه حماس وصعود الاسلاميين التدريجي نحو السلطه. كدنا ننسي ان اسرائيل شجعت في البدايه علي تشكيل تنظيم جديد املًا في تحقيق بعض التوازن مع الشعبيه الساحقه التي تتمتع بها جبهه التحرير الفلسطينيه. وكانت الحركه في البدايه تعارض بشده فكره المقاومه المسلحه، وقد لا تحبذ حماس تذكيرها بذلك في وقتنا الراهن.

اما مؤسس الحركه صاحب الشخصيه الملهمه الشيخ محمد ياسين (الذي اغتالته اسرائيل عام 2004)، فقد تتلمذ علي يد سيد قطب احد ابرز الاعضاء المؤسسين لجماعه الاخوان المسلمين في مصر (تم تنفيذ حكم الاعدام بحقه عام 1966). ففي بدايات عام 1973، شهدت غزه ظهور تنظيم جديد، والذي ركز جهوده علي الدعوه الدينيه، وكذلك العمل الاجتماعي والخيري والنظام الصحي والانشطه الرياضيه، فضلًا عن بناء مجتمع مدني. بعض من هذه المؤسسات القديمه التابعه لحماس وخاصه تلك التي تشكل شبكه فعاله من المدارس ما تزال متواجده حتي يومنا هذا في غزه والضفه الغربيه، حيث بدات الحركه في التوسع والانتشار خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وبالاضافه الي كل ذلك، فقد ساهم تفشي الفساد بين صفوف القيادات القديمه لحركه فتح، وعجزها بدرجه كبيره في تزايد الدعم الشعبي الذي تحظي به حركه حماس.

وفي تلك المرحله المبكره، حرص قيادات المُجمع علي اجتناب السياسه. وفي الوقت الذي فشلت فيه المقاومه الفلسطينيه المسلحه وتكبدت خسائر فادحه، ظهر المُجمع ليقدم طريقه جديده، وهي محاوله جذريه لبناء المؤسسات من جديد وغرس صوره اصوليه متشدده من الاسلام. ولكن مع بدايه الثمانينيات من القرن الماضي، تبنت حماس وهي ما تزال في مراحلها الاولي استرتيجيات واساليب اكثر عنفًا، خاصهً فيما يتعلق بابرز منافسيها المحليين ومن بينهم حركه فتح. وهذا هو التطور الطبيعي لحركه تدفعها افكار اصوليه متشدده؛ حتي ان مباريات كره القدم كانت تدخل ضمن المعارك المشتعله بين الايمان والكفر، كما ان كراهيه حركه فتح اصبحت بمثابه قضيه ايمان بالنسبه لحماس. وهناك ايضًا السنوات التي شهدت زرع المستوطنات الاسرائيليه في قطاع غزه، وهو الامر الذي كان له وقع مدمر علي سكان غزه الذين يعتبر اغلبهم من اللاجئين. وكما ورد عن “فيليو”، فقد حظي كل مستوطن بارض تبلغ مساحتها 400 ضعف الارض التي يمتكلها اي لاجئ فلسطيني، وذلك فور وصوله، وحظي كذلك باضعاف قدر المياه التي يحصل عليها اي مزارع في قطاع غزه عشرين مره، ومن ثم تطور المُجمع سريعًا ليصبح اكثر رجعيه بعد ان تملكه بالفعل حلم تولي مقاليد الحكم، فتغير اسمه الي “حماس”. وبالاضافه الي المعني الحرفي، فكلمه “حماس” تمثل الحروف الاولي من عباره “حركه المقاومه الاسلاميه”.

تولت حماس مقاليد الحكم في غزه من بدايه عام 2007، وذلك بعد ان حققت الفوز ضمن الانتخابات البرلمانيه الفلسطينيه بفارق بسيط خلال شهر يناير من عام 2006، ولكنها لم تجنِ ثمار فوزها بسبب رفض كل من اسرائيل والولايات المتحده واوروبا لذلك الفوز، علاوه علي المؤامرات السريه التي تحيكها القياده المكونه من فتح وجبهه التحرير الفلسطينيه. كما تزامن مع تولي حماس لمقاليد الحكم اشتعال بعض الاشتباكات الحاميه مع حركه فتح. وعقب هزيمه فتح، فرضت اسرائيل حصارًا علي القطاع، والذي ما يزال قائمًا حتي يومنا هذا. كما شهدت السنوات التاليه سلسله من الحروب الصغيره التي لا مناص منها، والتي اودت في النهايه الي الحمله التي انطلقت هذا الصيف.

واثر هذا الحصار، فقد انهار الاقتصاد الغزاوي القائم علي وجه الارض سريعًا، والذي يشمل اعمال الزراعه وبعض المشروعات الصغيره، الا ان ثلثي سكان غزه يعانون من البطاله، ويعيش الكثير منهم في احوال مضنيه، ويتعايشون علي الخبز والحمص والشاي. ومن ناحيه اخري، فقد حقق الاقتصاد القائم تحت الارض من خلال شبكه واسعه من الانفاق من مصر واليها نجاحًا كبيرًا. كما ان الشريحه التي يمكن ان يطلق عليها الطبقه الوسطي بكل تفاؤل او ما تبقي منها كان يمكنها شراء اي شيء تحتاجه بما في ذلك السيارات الفاخره المهربه لكن باسعار باهظه. كما ان حديقه الحيوانات بقطاع غزه والتي تتمتع بشعبيه كبيره ضمن سكان القطاع وخاصهً الاطفال قد حاولت مرارًا ان تستورد حمار وحشي عبر احد هذه الانفاق، ولكن الامر لم ينجح (نظرًا للتكلفه الباهظه التي تبلغ 40000 دولار للحمار الوحشي الواحد)، فقرروا في النهايه تلوين حمارين بخطوط بيضاء وسوداء.

ومن بين الانتقادات اللاذعه التي وُجهت لاسرائيل بشان الحرب الاخيره التي شنتها علي غزه، ياتي التقرير الذي كتبه الحقوقي المدافع عن حقوق الانسان “مايكل سفارد” في المقدمه، والذي نشرته جريده “هارتز” يوم 4 اغسطس، اي في غضون اشتعال الحرب. وقد تطرق هذا التقرير في الاساس الي سياسه الجيش التي تُدعي “النقر علي الباب”، وقد تم تنفيذ هذه السياسه علي نطاق واسع اثناء المعركه، والتي تسمح لهم باستهداف مناطق مدنيه بضربات جويه او مدفعيه طالما يتم تحذير المدنيين مسبقًا لمغادره منازلهم. فقد كتب “سفارد” ان هذه السياسه لم تاخذ في الاعتبار ما اذا كان هذا التحذير المسبق مجديًا؛ ما اذا يمكن للسكان المغادره بالفعل، وما اذا تم التوصل لحلول بالنسبه للعجائز والمرضي والاطفال، او ما اذا كان هناك ممر امن يمكن للسكان الهروب من خلاله الي مكان اخر لن يتم استهدافه، ويتوفر به كل ما يحتاجونه للنجاه.

ان ابعاد تدمير غزه مخيفه بلا شك، ومن يلقي اللوم علي حماس وحدها وسياساتها الشريره ليس الا اعمي او غبيًا، فالوضع الحالي في غزه له تاريخ طويل وابعاد سياسيه اكثر عمقًا. كانت الحرب التي شنتها اسرائيل هذا الصيف لتكون مجديه او علي الاقل منطقيه، اذا ما اخذت اسرائيل علي عاتقها تعزيز القوي الفلسطينيه المعتدله من اجل التوصل الي اتفاق ما. ولكن هذا لم يحدث.

ولكن لا يمكن التوصل الي هذه النتيجه باتباع نفس الاساليب البراجماتيه التقليديه وحدها؛ فلا يمكن تحت اي ظرف كان تبرير الخسائر الكبيره التي وقعت بين صفوف المدنيين ومن بينهم المئات من الاطفال، وهي خسائر مصنفه بانها “اضرار عرضيه”. كما انه لا يوجد مبرر منطقي لاستمرار الاحتلال بالضفه الغربيه. وبعد مرور سبعه واربعين عامًا حتي الان علي بدء الاحتلال، اصبحنا نستخدم هذه الكلمه ضمن الروتين اليومي كم لو انها كلمه عاديه او جزء لا يتجزا من حياتنا، ولكنها ليست كذلك.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل