المحتوى الرئيسى

العراق: بوابة عشتار العظيمة مدخل للعجائب في بابل

03/06 23:38

منذ القرن السادس قبل الميلاد، تبعث بوابة عشتار العظيمه علي مدخل مدينة بابل العراقيه الشعور بالاجلال والهيبه في نفوس كل من يراها. في السطور التاليه، تستكشف اماندا روغِري الاسباب الكامنه وراء ذلك.

عندما وضع الشاعر الاغريقي انتيباتر الصيداوي، الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، قائمه بعجائب الدنيا السبع في العالم القديم، كانت هناك مدينه واحده تضم بين جنباتها اثنتين من هذه العجائب؛ وهي مدينه بابل.

لكن هاتين العجيبتين؛ حدائق بابل المعلقه، وجدار المدينه، لم تكن سوي اثنتين من بين العديد من العجائب التي يمكن للمرء ان يصادفها في هذه المدينة القديمة الرائعه.

ففي القرن السادس قبل الميلاد، اُعيد – بوجه عام - تشييد مدينه بابل، التي تقع بين نهري دجله والفرات في ما بات يُعرف الان باسم العراق، علي يد ملكها نبوخذ نصر الثاني.

واستُخدم لهذا الغرض قوالب الطوب المصقول النابض بالحياه؛ الذي تنوعت الوانه ما بين الازرق والاحمر والاصفر.

وتصف النصوص القديمه، بدءاً بما كتبه هيرودوت وحتي اسفار العهد القديم، المعابد والاضرحه والقصور العديده التي كانت تزخر بها المدينه. وفي اوج ازدهار بابل، حينما فاق عدد سكانها 200 الف نسمه، كانت تشكل الحضاره الاكبر في العالم.

وشكلت بوابه عشتار الضخمه رمزا لكل هذه الروعه، اذ كانت تلك البوابه التي شُيدت عام 575 قبل الميلاد، اول ما يقابل زائر بابل. وقد شيدت باستخدام الاحجار المصقوله الشبيهه بالسيراميك، التي تحمل اللونين الازرق الكوبالت والاخضر البحري.

يعد الجزء الاكبر من بوابه عشتار المعروض بمتحف برغامون في برلين بالمانيا احد اهم الاثار الرئيسيه بالمتحف

وزُينت هذه الاحجار بنقوش تصور 575 تنينا وثورا. وعندما بدا علماء الاثار الالمان اعمال التنقيب في المدينه عام 1899، ظل جانب كبير – علي نحو يثير الدهشه – من هذه الروائع التي تعود الي الاف السنين، محجوباً عن الانظار؛ بما في ذلك البوابه.

لكن خلال القرن التالي، سيصبح كثير من المعالم العظيمه لهذه المدينه القديمه معرضاً للخطر بشكل كبير.

حتي قبل بدء الحفريات الاثريه في بابل، كان المسؤول عن فريق الخبراء الاثريين الالمان، العالم روبرت كولدوي، يحسب انه ملم بما ستسفر عنه هذه العمليات.

ففي يونيو/ حزيران عام 1887 وبالقرب من قلعه بابل، كتب كولدوي انه عثر مصادفه علي "شظايا ذات الوان زاهيه" من الاحجار المصقوله التي يُعتقد ان جدار المدينه كان يتشكل منها.

وبعد عامين من ذلك التاريخ، بدات عمليات الحفر، لتبدا المدينه القديمه في الكشف عن اسرارها. وفي نص بعنوان "اعمال التنقيب في بابل"؛ سرد كولدوي التفاصيل الخاصه باكتشافاته الاثريه في هذه المدينه العراقيه.

وكتب يقول: " ظهرت الشظايا (الاثريه) الملونه علي نحو باهر باعداد هائله، وسرعان ما اعقب ذلك العثور علي جدار شرقي من جدارين متوازيين في المدينه، ثم ارضيه ما يُعرف بـ’ طريق الموكب‘، وايضا الجدار الغربي، وهو ما وفر لنا التوجيه الضروري للقيام بمزيد من عمليات التنقيب".

وفي عام 1902، كشف علماء الاثار العاملون تحت امره كولدوي النقاب عن بوابه عشتار؛ الرمز الاقوي من نوعه علي مدي البهاء والروعه التي كانت عليها بابل القديمه.

وقد عُثر علي هذه البوابه، في ذات الموقع الذي كان يتوقع الباحثون وجودها فيه، اذ كانت تؤشر علي مدخل المدينه في بدايه طريق الموكب، وهو الطريق الرئيسي الذي كان يُستخدم خلال الاحتفالات باستقبال العام الجديد.

وفي هذا السياق، كتب كولدوي ان بوابه عشتار "بجدرانها التي مازالت تنتصب بارتفاع 12 مترا، والمكسوه بالنقوش الزخرفيه، تشكل الاثر الاكبر والاكثر لفتا للانتباه من بين اثار بابل".

بدات اعمال الحفر في المدينه القديمه مره اخري بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية

ولتبديد اي شكوك حول التاريخ المعماري لهذه البوابه، وُجدت سطور منقوشه علي الحجر الجيري، في صوره عبارات ترد علي لسان نبوخذ نصر يقول فيها: "لقد وضعت الثيران البريه والتنانين الشرسه علي البوابات، ومن ثم قمت بزخرفتها علي نحو فخم ومترف، لربما يحدق فيها الناس في ذهول وعجب".

الان، وبفضل الفريق الذي قاده كولدوي، بات بوسع الناس في عصرنا الحديث القاء نظره ملؤها الاجلال والهيبه علي هذه البوابه.

يقول بيتر ماتشينيست، الاستاذ بقسم لغات الشرق الادني وحضاراته في جامعه هارفارد: "هذه البوابه علي وجه الخصوص تفتن الجميع بحق، وهي واحده من ثماني بوابات للمدينه، وشُيدت في احد عصورها المتاخره، وهو عصر يمكن للمرء ان يقول انه يمثل احد اكثر الحقب التاريخيه التي اكتست فيها (بابل) بالمجد".

ويضيف: "حتي باعتبارها اثرا ضاربا في القدم، شكلت (البوابه) بالفعل تعبيرا عن البهاء الكامل الذي اتسمت به عمليه اعاده تشييد مدينه بابل، وهي العمليه التي وقف وراءها نبوخذ نصر. وبكل تاكيد، فبعدما نصبت هذه البوابه (من جديد)، باتت مزارا سياحيا بارزا".

وبعد اكتشاف البوابه، اعيد جمع اجزائها لتصبح كتله واحده من جديد. وقام علماء الاثار الالمان باقصي ما استطاعوا من اعمال حفر بحثا عن تلك الاجزاء. لكن هذه العمليات توقفت بمجرد اندلاع الحرب العالميه الاولي عام 1914.

وبعد اربع سنوات، انتهت الحرب، وانهارت الامبراطوريه العثمانيه – حليفه المانيا خلال الحرب – وهي الامبراطوريه التي كانت، انذاك، الجهه المسيطره علي الاراضي التي عُثر فيها علي البوابه.

لكن ظل بوسع الالمان التفاوض مع القوات البريطانيه المحتله للمنطقه، لشحن بعض ما عثروا عليه من اثار الي برلين، بما في ذلك بوابه عشتار.

وعلي اي حال، فان ما عُرض للعامه اعتبارا من عشرينيات القرن الماضي، لم يكن البوابه بكاملها، وهو الحال الذي لا يزال قائما حتي الان، نظرا لان حجمها الكامل ضخم للغايه.

وبالرغم من ذلك، فان القسم الذي يُعرض فيه هذا الاثر في برلين، اعاد روعه بابل القديمه الي الحياه علي نحو لم يحدث من قبل منذ الاف السنين.

ويقول ماتشينيست، الاستاذ بجامعه هارفارد، ان الفتره التي تلت انتهاء الحرب العالميه الثانيه، شهدت عمليات تنقيب اخري واسعه النطاق، قادها هذه المره علماء اثار ايطاليون. بعد ذلك بعقود، اتي عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي تولي الحكم عام 1979.

رسم توضيحي من اوائل القرن العشرين يظهر نبوخذ نصر وهو يشاهد حدائق بابل المعلقه

وفي هذا الاطار، يشير ماتشينيست الي ان صدام "اعتنق فكره انه لم يكن مسلما سنيا فحسب، ولكن السليل المباشر لهؤلاء الابطال البابليين ذوي التاريخ الكبير. لذلك، بدا في ثمانينيات القرن العشرين اعاده تشييد الموقع علي ذات الشاكله التي كان عليها".

وعلي اسس المعالم الاثريه القديمه، شيد الرئيس العراقي الراحل نسختين لبوابه عشتار، ولقصر نبوخذ نصر. كما انه استوحي النمط المعماري الخاص بالملك البابلي، ليترك نقوشا تُخلّد ما شيده هو في ذاك الموقع الاثري.

لكن المقارنه التي كان يحاول صدام ان يعقدها بينه وبين نبوخذ نصر لم تكن مفاجئه بهذا القدر الكبير. فذاك القائد العسكري البابلي الداهيه (او ربما ذاك البلاء، بحسب راي كل منّا الشخصي) دمر مدينه صيدا في العهد الفينيقي، والحق بالجيوش المصريه الهزيمه.

كما انه في عام 587 قبل الميلاد دمر ونهب معبد سليمان في القدس. وبالتوازي مع ذلك، فان مغامرتي صدام حسين في الكويت وايران لا تخفيان علي احد تقريبا.

وفي كل مره كان يزحف فيها جنود نبوخذ نصر علي اراضٍ جديده، كانوا يستعبدون سكانها وينهبون ثرواتها. وبفضل القوي العامله التي كان يضيفها الي جيشه من عبيد الاراضي المحتله، وكذلك الثروات الناجمه عن عمليات السلب والنهب، اعاد نبوخذ نصر تشييد العاصمه البابليه، اذ اتم بناء قصر والده، واقام حدائق بابل المعلقه من اجل زوجته.

كما شيد جدران المدينه، وكان ذلك يعود جزئيا الي خشيته من نبوءه قديمه اطلقها النبي اشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، تفيد بان المدينه مالها الي السقوط.

وهكذا، فتماما كما سقطت بابل القديمه في نهايه المطاف، لاقي عراق صدام حسين المصير نفسه، ما اثار المخاوف بشان امكانيه الحفاظ علي الاثار القديمه الموجوده علي اراضيه.

وفي عامي 2003 و2004، حوّلت القوات الامريكيه والبولنديه منطقه الحفريات الاثريه في البلده القديمه ببابل، بما في ذلك بوابه عشتار وطريق الموكب ومعبد ننماخ، الي قاعده عسكريه، تضم كذلك مهبطا للمروحيات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل