المحتوى الرئيسى

أنور براهم.. فضاء عزف جديد

03/06 10:43

لم تعد تحصي المرّات التي امتحن فيها الموسيقار التونسي أنور براهم اسس شعريته الموسيقيه بفتحها علي غنائيه موسيقى الجاز الغربيه، والنجاحات المذهله التي سجّلها في هذه المناورات الفريده. والمرّه الاخيره كانت "مسرح المدينه" في باريس حيث ادي المعزوفات الثماني من البومه الاخير "عيون ريتا المذهله".

ورافقته في الحفل فرقته التي سجّلت معه هذا العمل عام ٢٠٠٩، وتتالف من عازف الكلارينيت الالماني كلاوس جيسينغ وعازف الغيتار الغليظ (Basse) السويدي بيورن ماير وعازف الدربوكا والطبله اللبناني خالد ياسين.

بعد استيعابه وخلطه بمهاره نادره الحساسيات الموسيقيه الشرق أوسطيه والمغاربيه، اقدم براهم منذ اكثر من عشرين عاما علي مقابله هذه الحساسيات مع اشكال وثقافات وممارسات موسيقيه اخري 

في النص التقديمي للحفله الذي وزع علي باب المسرح، ارتاي الناقد الموسيقي الفرنسي ستيفان اوليفيي التطرق اولا الي اله العود التي يعزف براهم عليها، فكتب:"العود ليس آله موسيقيه مثل غيرها، بل فضاء مصالحه ورابط رمزي وسحري يوحّد داخل حقل ثقافي واحد شعوبا وتقاليد مختلفه ويتضمّن، في عراقه فنه، الارث الموسيقي العربي والاسلامي بكامله".

وقد يبدو هذا التعريف عاما عند الوهله الاولي، لكنه ضروري حين يتعلق الامر بمحاصره عبقريه انور براهم الذي درس واستكشف بعمق جميع الاساليب التي ارتبطت بهذه الاله الموسيقيه علي مرّ التاريخ قبل ان يفتح لها (وبواسطتها) فضاء عزف وتحاور جديد.

وفعلا بعد استيعابه وخلطه بمهاره نادره الحساسيات الموسيقيه الشرق اوسطيه والمغاربيه، اقدم براهم منذ اكثر من عشرين عاما علي مقابله هذه الحساسيات مع اشكال وثقافات وممارسات موسيقيه اخري وتجرا علي تهجينها بمهاره فريده مع مختلف انماط الارتجال الموروثه عن موسيقي الجاز، او علي التحاور من خلالها مع التقليد الموسيقي الغربي بخصوبه نادره.

وبذلك، صقل الفنان لنفسه -علي مر الزمن والاختبارات- طريقه عزف كامله الخصوصيه، تُغامر بشكل رهيب في المسافه التي تاخذها من قواعد العزف التقليدي، وفي الوقت ذاته تحترم الروح التوليفيه للموسيقي العربيه الي اقصي حدود.

ومثل جميع البوماته السابقه التي صدرت عن "دار الموسيقي المعاصره" -الالمانيه العريقه- وشكلت كما من الحوارات الغنيه مع ابرز الوجوه الموسيقيه الغربيه، مثل يان غارباريك، ودايف هولاند، وجون سورمان، وفرنسوا كوتوريي واو ريشار غاليانو، سعي براهم في البومه الاخير الي احداث تصادم بين ثقافات مختلفه، لكنه تصادم مثمر، والي ابتكار اراض جديده بحبكه روابط مستحدَثه بين فضاءات الشرق النيّره وضباب الرومنطيقيه الالمانيه الميتافيزيقيه ومساحات الشمال الاسكندنافي الثلجيه.

درس انور براهم جميع الاساليب التي ارتبطت باله العود علي مرّ التاريخ قبل ان يفتح لها (وبواسطتها) فضاء عزف وتحاور جديد

فعلي ارضيه متحرّكه ورقيقه من الايقاعات التي يستخرجها خالد ياسين من الطبله او الداربوكا وبيورن ماير من اوتاره الغليظه، يخط براهم بعوده، في هذا الالبوم، نماذج هندسيه مستمدّه من التقليد العربي او زخرفات رهيفه مستوحاه من فن المنمنمه الفارسيه ويعانق بخطوطها الملتويه والعذبه النواح الخافت المتصاعد من كلارينت كلاوس جيسينغ.

باختصار، موسيقي شديده الدقه تتراوح بلا هواده بين خشوع وحنين، بين عفه وشهوانيه، وتشكل بالتالي سفرا حميميا وروحانيا رائعا، خصوصا لعُشاق الفضاءات الواسعه.

وعلي "مسرح المدينه" في باريس، توالت المعزوفات بالترتيب المتَّبع داخل الالبوم مخلّفه مناخات تعزيميه ومتمهّله ساحره او اشكالا اكثر تقشّفا وزُهدا يتحرّر براهم وفرقته فيها من اي ثقل او جاذبيه لابتكار عالم حُلُمي واثيري يستمدّ شعريته المرهفه وشواطئه المفتوحه من موسيقي الجاز بقدر ما يستقيها من التقاليد الشرقيه التامليه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل