المحتوى الرئيسى

السلطة والسوق بالمغرب

03/02 21:36

ثمه شركه خاصه كبري بالمغرب لا يُرد لها امر ولا يُرفض لها طلب، ولا تقبل المنافس او الرديف، ولا ترضي ان يكون معها -في قطاعات محدده- منافس او مزايد، انها شركه اومنيوم شمال افريقيا (اونا) الموجوده حصرا بالمغرب الأقصى، حيث موطن ولادتها، ومحطه نشاطها الاساس، وفضاء اشتغالها، ومقرها الاداري، ومصدر ارقام معاملاتها وارباحها.

تاسست الشركه في عشرينيات القرن الماضي علي يد المعمر جون ايبينات (بواسطه بنك ناشيونال دو باري، باريبا) باتكاء علي سلطه التهامي الكلاوي، الرجل المتمرد القوي الذي كانت له في حينه سلطه مطلقه في نصف المغرب الجنوبي، لا تضاهيها سلطه اخري في البلاد، ثم سرعان ما تحولت ملكيتها تدريجيا -في اعقاب الاستقلال- للاسره الملكيه الحاكمه، من جهه رأس المال كما من جهه تعيين مديريها ومسيريها بصوره مباشره، او عبر مجلس في الاداره صوري، ليجعل ذلك من الاسره اياها احدي اغني الاسر الحاكمه بالعالم علي الاطلاق.

لم تات قوه الشركه ولا اتساع مجال فعلها -بتوالي السنين والايام- من خاصيه ما ميزت نشاطها الاقتصادي والتجاري، بقدر ما تاتي لها ذلك من طبيعه ملكيتها، وطبيعه الارتباطات التي فتحت لها -ولا تزال تفتح لها- في السبل والامكانات، كل السبل والامكانات، في المكان كما في الزمان سواء بسواء.

ليس من الهين حقا حصر حصه العائله الملكيه في مجموعه "اونا" بدقه، ولا معرفه عدد القطاعات والمجالات التي تعمل فيها مباشره، او بطريق غير مباشر. وليس من الهين الوقوف بدقه عند عدد وحجم فروعها داخل البلد وخارجه ايضا، في افريقيا كما في دول المغرب العربي، كما في العديد من دول الشرق الاوسط. ليس من الهين ذلك حقا، ولكاني بالشركه مجال سيادي صرف يحذر الاقتراب منه، او معرفه ما يعتمل بداخله، او الاطلاع علي ما ينسج فيما بين اعضاء مجلسه المسير.

لكن الرائج -وفق ما تتداوله وسائل الاعلام الاجنبيه، وبعض تحقيقات الصحافه الوطنيه النافذه (الفرنكفونيه تحديدا)- ان الشركه تسيطر -او لها اليد الطولي كما يقال- في جل القطاعات الحيويه او ذات الطبيعه الاستراتيجيه، ابتداء بمجالات الفلاحه والصيد البحري والصناعات التحويليه والمعادن (مهنتها الاصليه بمنطوق سجلها التجاري في عشرينيات القرن الماضي)، مرورا بقطاعات التوزيع والصناعات الغذائيه والانشطه الماليه والمصرفيه، وانتهاء بقطاع المعلومات والاتصالات وما سواها، لدرجه قد لا يعثر المرء معها علي قطاع او مجال نشاط اقتصادي او تجاري او مالي الا وللمجموعه حصه ما في رأس ماله، اذا لم يكن بمجمله، فعلي الاقل بمستوي حصه معتبر يمنح الشركه -وقد اضحت مع الزمن مجموعه متكامله- سبل دمجه او مراقبته، او التحكم فيه وان عن بعد، عبر وكلاء او "شركاء" او مساهمين من الباطن.

والقصد مما سبق انما هو القول بان شركه "اونا" -لا سيما عبر فرعها الضارب "الشركة الوطنية للإستثمار"- قد اضحت تتدخل بقوه في قطاعات اقتصاديه حيويه كبري، مثل مراكز التسوق "مرجان" ذات المساحات الشاسعه والاروقه المتنوعه، و"التجاري وفا بنك" لصاحبها عثمان بنجلون المقرب كثيرا من القصر، و"سوبريام" لتسويق السيارات، وشركه "وانا" للاتصالات، ومصانع الاسمنت "لافارج"، ومصانع الحديد "سوناسيد"، و"رينو المغرب" للسيارات، ناهيك عن المناجم وشركات التامين، والصناعات التحويليه والخدميه والسياحيه، وقس علي ذلك افقيا وعموديا.

وعلي هذا الاساس -اساس تفرع وتوسع نشاط المجموعه وتعدده لدرجه التشابك- فان اي  شركه او مجموعه (حتي وان كانت متنوعه النشاط، ومتعدده الجنسيه) لا تستطيع مجاراتها او منافستها، او بلوغ السوق المغربي دون اذن مسبق من لدنها، او "تقرب" منها، او ولوج قطاع من القطاعات/الحكر عليها، دونما ان تؤشر لها بذلك جهرا او بالمضمر، او بغض الطرف عنها الي حين...، اعني الي حين ثبوت ما يستوجب سلوكا مغايرا بازائها.

هي اخطبوط بكل المقاييس، تمكن -بفضل موقعه المتميز وما راكمه من املاك واسهم وصكوك- من رهن الاقتصاد الوطني وارتهانه، لا بل والتحكم في مفاصله الكبري استثمارا وانتاجا وتوزيعا واستهلاكا وما سوي ذلك. وللتذكير فقط، فان اسهم المجموعه قد قدرت في عام 2011 بنحو 18% من قيمه سوق الاسهم المغربيه البالغه 580 مليار درهم مغربي، اي ما يناهز 70 مليار دولار اميركي.

قد لا يبدو للمرء ان ثمه عيبا في ان تكون في المغرب او له مجموعات اقتصاديه كبري بفروع ومساهمات مختلفه، اذا لم تعمل علي منافسه ما سواها من مجموعات كبري اخري اقليميه او دوليه، فعلي الاقل تسهم في نمو الاقتصاد الوطني، واشاعه بريقه هنا وهناك. وقد لا يبدو انه من العيب في شيء ان توسع المجموعه اياها نشاطها لاكثر من قطاع وفضاء اشتغال، فهي مقاوله في البدايه، وبمحصله المطاف، تستهدف الربح والتوسع، والقوانين -بكل الاحوال- لا تمنعها من ذلك، لا بالجمله ولا بالتفصيل.

لكن العيب كل العيب في حاله مجموعه اومنيوم شمال افريقيا، انما ياتي من طبيعه علاقتها بالقصر، وتدثرها خلفه لاعتماد سلوك غير ذي طبيعه اقتصاديه، او نهج مسالك لا علاقه لها بمنطق المنافسه والتباري الحر في السوق، اي التباري وفق ادوات هذا الاخير والياته، دونما احتماء بهذه الجهه او تلك، او ركوب ناصيه وضعيه احتكاريه لاكل الاخضر واليابس من امامها ومن خلفها علي حد سواء.

بهذه النقطه ايضا، يبدو ان العيب غير كامن في مدي احقيه المؤسسه الملكيه في امتلاك شركات او اسهم في شركات او عقارات، او اراض فلاحيه او مناجم، او بنوك او مؤسسات تامين، او ما سوها، بل العيب كامن في مدي ومستوي تاثير ذلك علي اليات السوق، من جهه الاحتكار والمضايقه، المفضييْن -حتما ودون شك- الي تنفير الاستثمار والتضييق علي المبادره، وحصر عدد الفاعلين الراغبين في الولوج، لا بل و"سن" تشريعات مبطنه قد يتحول جزء كبير منها الي لوائح ومراسيم و"عقود"، ولكاني بها صادره حقا وحقيقه عن المؤسسه التشريعيه، او خاضعه لرقابتها او رقابه الجهاز التنفيذي المتفرع عنها، او المتاتي من المستوي القضائي المؤتمن علي السير المستقيم لعالم المال والاعمال.

ان مجموعه اونا -من هذه الزاويه- انما اضحت فعلا دوله داخل الدوله، لا رقيب يذكر علي انشطتها، ولا حسيب يحتكم اليه للجم سلوكها، بل ولا من متجرئ علي مساءلتها من لجنه تحقيق، او من جهه امكانيه التدقيق في حساباتها، او مجالات اشتغالها، او تحذيرها من السلوك الاحتكاري المضر ليس فقط بقيم السوق الحر والتنافسي المعمول به نصا، بل والمبذر لاشكال انتاج الثروه وافراز مناصب الشغل والدخل. هي في السوق خصم وحكم، لا كابح لجماحها وجشعها، ولا راد لقراراتها حتي وان كانت -بمنطوق اللوائح والقوانين- مضره بـ"الميزه الليبيراليه" للنظام الاقتصادي الذي اعتمده المغرب، منذ الاستقلال والي اليوم، او هكذا يشاع.

والدليل علي ذلك هو ان كل المؤشرات الاقتصاديه والاجتماعيه والتجاريه توجد اليوم في ادني مستوياتها، بتقارير دوليه شبه محايده، كما بالتقارير الرسميه المعتمده، في حين ان مؤشرات المجموعه في احسن صوره، لا بل في تحسن مستمر سنه عن اخري (نمو ارباح عام 2007 مثلا ارتفع لدي المجموعه بنسبه 80% قياسا بعام 2006، في حين ان نسبه النمو لم تتعد بتاريخه 2 الي 3%، دع عنك جانبا نسب البطاله والعجز التجاري مع الخارج، ومستويات غلاء السلع والخدمات الاساسيه).

وبالتالي، فعلي الرغم من الوفورات التي حققتها المجموعه في الكثير من القطاعات (الغذائيه والمعدنيه والخدماتيه) فان حجم تاثيرها لا ينعكس الا علي مالكي اسهمها، ولا يعود بالنفع علي المواطنين الا بشكل محدود جدا، لا بل ويتم -في العديد من الحالات- علي حساب قوتهم اليومي وحليب اطفالهم، ناهيك عن تواضع مساهمتها في الرفع من وتيره النمو الاقتصادي العام، او من بين مفاصل التراب الوطني، اعدادا عقلانيا للمناطق، او توزيعا عادلا للثروه فيما بين جهات البلاد.

ان حاله اومنيوم شمال افريقيا لا تحيل فقط علي التضخم الاحتكاري الذي باتت تثوي المجموعه اياها خلفه، بل ويحيل ايضا -وبالمباشر الحي- علي تشابك العلاقه بين السياسه والسوق في المغرب "المستقل"، كما في مغرب "العهد الجديد".

هي علاقه متوتره بكل المقاييس هنا بالمغرب، ليس فقط جراء هيمنه المؤسسه الملكيه -عبر المجموعه المذكوره- علي قطاعات واملاك ضخمه وشاسعه، ولكن ايضا لان قواعد اللعبه غير محدده بالمره (حتي وان تم تحديدها في دساتير المغرب المختلفه وفي القوانين المستتبعه لها)، لا بل ويتم تحديدها من لدن مستويات دخيله علي ميكانيزمات السوق واليات المنافسه، وبعيده -فضلا عن كل ذلك- عن رقابه ومساءله المستوي التشريعي، ناهيك عن المستوي القضائي الذي يفترض فيه ان يتصدي لكل وضعيه احتكار من شانها تقويض مبدايْ الحريه والتنافسيه بالسوق.

لا ينحصر الامر عند هذا الحد بل يتجاوزه بكثير، لا سيما عندما تعمد مجموعه اونا الي التصرف في اسعار المواد الاساسيه دونما موجب حق اقتصادي، فيكتوي المواطن البسيط بنار ذلك، لا بل ويتم التضييق عليه جراء ذلك وبدرجات لا تطاق، ودون ان يتم الاستماع الي استنكاره او معالجه تظلمه. وكيف له -بكل الاحوال- ان يتظلم او يستنكر وهو يعلم ان المؤسسه كانت ولا تزال محميه حقا وحقيقه، ولا يستطيع كائن -مهما يكون- الاشاره اليها ولو بالاصبع، ناهيك عن ابداء التذمر من سلوكها في السوق، او مناهضه ما تقوم به في الشكل او في الجوهر؟ 

هل يعقل ان يتجاوز رقم معاملات الشركه اكثر من 30 مليار درهم في نهايه عام 2007 مثلا، واسعار منتجاتها تجاوزت بكثير طاقه ما يستطيعه المستهلك المتوسط؟ هل يعقل ان تبلغ الارباح اياها مئات ملايين الدراهم بالفروع الغذائيه، واسعار الحليب والسكر والزيت -التي تثوي الشركه اياها خلف تحديدها اعتباطا- باتت موشكه علي اثاره نار الفوضي والفتنه؟

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل