المحتوى الرئيسى

معاني «السبب» في القرآن الكريم

03/02 10:41

يعرف العرب «السبب»: بكل ما تسبب به الي الوصول الي المطلوب: من حبل، او وسيله، او رحم، او قرابه، او طريق، او محجه، وغير ذلك. تقول: فلان سببي اليك، اي: وصلني. وما بيني وبينك سبب، اي: وصله ورحم.

وقطع الله به السبب، اي: الحياه. ويقال للطريق: سبب؛ للتسبب بركوبه الي ما لا يُدرك الا بقطعه. ويقال للمصاهره: سبب؛ لانها سبب للحرمه. ويقال للوسيله: سبب؛ للوصول بها الي الحاجه، وكذلك كل ما كان به ادراك الطِّلْبه، فهو سبب لادراكها. وجمع «السبب» اسباب. واسباب السماء: مراقيها، ونواحيها، او ابوابها.

ولفظ «السبب» ورد في القران الكريم في تسعه مواضع، جاء في جميعها بصيغه الاسم؛ فجاء مفرداً في خمسه مواضع، منها قوله سبحانه: {فاتبع سببا} (الكهف:58). وجاء بصيغه الجمع في اربعه مواضع، منها قوله عز وجل: {اِذْ تَبَرَّاَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَاَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاَسْبَابُ} (البقره:166).

ولفظ السبب ورد في القران علي اربعه معان:

فجاء لفظ (السبب) بمعني (الباب)، وبه فُسر قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي اَبْلُغُ الْاَسْبَابَ } (غافر:36)، اي: ابواب السموات. وهذا مروي عن قتاده. ونحو هذا قوله عز وجل: {اَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَهِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. اَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الاَسْبَابِ} (سوره ص:10) اي: ان كان لهم ملك السموات والارض وما بينهما، فليصعدوا في ابواب السماء وطرقها. عن مجاهد، قوله: {فليرتقوا في الاسباب} قال: طرق السماء وابوابها. قال العسكري: "ويجوز ان يكون قوله: {فليرتقوا في الاسباب} الحبال وغيرها مما يُتوصل به الي الموضع العالي. ويجوز ان يكون اراد الهواء، الذي هو سبب لصعود الملائكه الي السماء، يمدون فيه اجنحتهم فيصعدون، وهذا علي جهه التعجيز للكفار المخاطبين بهذه الايه، والاخبار بانهم يُغلبون، ولا يتم امرهم، والشاهد علي صحه هذا قوله: {جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب} (سوره ص:11).

وجاء لفظ (السبب) بمعني (المنزل) و(الطريق)، وبه فُسر قوله عز وجل: {فاتبع سببا} (الكهف:85) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {فاتبع سببا} يعني بـ (السبب) المنزل. وعن مجاهد، قال: منزلاً وطريقاً ما بين المشرق والمغرب. وقال قتاده: اتبع منازل الارض ومعالمها. ومثل هذا ايضاً قوله سبحانه: {ثم اتبع سببا} (الكهف:89) يعني: ثم سار طرقاً ومنازل، وسلك سبلاً حتي بلغ مقصده الذي اراد.

اما قوله تعالي: {اسباب السموات} (غافر:37) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان المراد بـ(الاسباب) هنا: منازل السماء. وروي عن قتاده ان المراد: الابواب، اي: ابواب السموات. وروي عن السدي ان المراد: طرق السماء. قال الطبري: "واولي الاقوال بالصواب ان يقال: معناه لعلي ابلغ من اسباب السموات اسباباً اتسيب بها الي رؤيه اله موسي، طرقاً كانت تلك الاسباب منها، او ابواباً، او منازل، او غير ذلك".

وجاء لفظ (السبب) بمعني (العلم)، وبه فُسر قوله تعالي: {واتيناه من كل شيء سببا} (الكهف:84) اي: اتيناه من كل شيء، يعني ما يتسبب اليه، وهو العلم به. وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وجمهور التابعين. ولم يات لفظ (السبب) وفق هذا المعني في القران الكريم سوي في هذه الايه.

وجاء (السبب) بمعني (الحبل) وبه فُسر قوله تعالي: {من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والاخره فليمدد بسبب الي السماء} (الحج:15) قال ابن عباس رضي الله عنهما في المراد من الايه: (من كان يظن ان لن ينصر الله محمداً، فليربط حبلاً في سقف، ثم ليختنق به حتي يموت). ومعني الايه كما ذكر المفسرون: من كان يحسب ان لن يرزق الله محمداً صلي الله عليه وسلم وامته في الدنيا، فيوسع عليهم من فضله فيها، ويرزقهم في الاخره من سَني عطاياه وكرامته، استبطاء منه فعل الله ذلك به وبهم، فليمدد بحبل الي سماء فوقه: اما سقف بيت، او غيره مما يعلق به الحبل من فوقه، ثم يختنق اذا اغتاظ من بعض ما قضي الله، فاستعجل انكشاف ذلك عنه، فلينظر هل يذهبن كيده اختناقه كذلك ما يغيظ، فان لم يُذهب ذلك غيظه؛ حتي ياتي الله بالفرج من عنده فيذهبه، فكذلك استعجاله نصر الله محمداً ودينه، لن يؤخر ما قضي الله له من ذلك عن ميقاته، ولا يعجل قبل حينه. وهذا هو الموضع الوحيد في القران الكريم الذي جاء فيه لفظ (السبب) بمعني (الحبل).

اما قوله عز من قائل: {اذ تبرا الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب} (البقره:166)، فقد قيل في المراد بـ {الاسباب} هنا اقوال؛ فعن مجاهد: {وتقطعت بهم الاسباب} قال: الوصال الذي كان بينهم في الدنيا. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان المراد بـ {الاسباب} في الايه: الموده. وعن قتاده ان المراد بـ {الاسباب} هنا: اسباب الندامه يوم القيامه، واسباب المواصله التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها. وقال اخرون: بل معني {الاسباب} المنازل التي كانت لهم من اهل الدنيا، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ايضاً. وروي عنه ايضاً ان المراد بـ {الاسباب} هنا: الارحام. وعن السدي وابن زيد ان المراد بـ {الاسباب} الاعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل