المحتوى الرئيسى

محاولات الحفاظ على ثقافة وتراث اليهود الشرقيين في إسرائيل

03/01 16:24

تعود اللغه العربيه الي الظهور مجددًا كلغه التعبير الفنّي، وذلك نتيجه الثورات الاجتماعيه والسياسيه التي شهدها العالم العربى. ولكن موجه الانتشار هذه لا تنحسر في العالم العربي فحسب، بل تتعداه الي اسرائيل، حيث كانت وما زالت اللغه العربيه في نظر الكثيرين لغه "العدو".

يري العديد من المغنين والموسيقين في اسرائيل اللغه العربيه كمصدرٍ للالهام واداه ربط بينهم وبين جذورهم العربيه. تري نيتا الكيام Neta Elkayam، المغنيه الاسرائيليه من اصول مغربيه، انّ الغناء باللغة العربية يسمح لها بالاشاده باليهود العرب الذين تركوا كل شيء خلفهم واتوا الي اسرائيل منذ سنوات طويله. وتقول: "انّ اللغة العبرية حظيت باهتمامٍ واسع ونجحت في ابعاد لغات اخري جلبها اليهود معهم الي اسرائيل منذ ستين سنه". وتضيف: "بعض الفنانين المغربيين اليهود الذين اتوا الي اسرائيل غنّوا باللغه العربيه وذهبوا ضحيه الاغفال، لانّهم ادّوا اغانيهم باللغه العربيه وباسلوبهم الخاص". في ردها علي هذا المازق، تجيب نيتا: "اقل ما يمكننا فعله لاظهار تقديرنا لهم، هو ان نستكمل ما بداوا به، تماماً كما ارادوا". وليست نيتا حاله استثنائيه، بل جزء من مجموعه فنانين اسرائيليين، بينهم موسيقيون ومغنيون موهوبون يجدون في الارث الموسيقي العربي جواباً علي اسئلتهم حول هويتهم، وهم، بصفتهم وافدين من بلدان عده كالمغرب واليمن والجزائر وليبيا والعراق ومصر، يجمعون علي نحو ابداعي ما تبقي من ثقافه اجدادهم ليبتكروا انواعاً جديده من الموسيقي.

وكان "الاباء المؤسسون" لاسرائيل، اي هؤلاء الذين اتوا في مجموعات كبيره في نهايه القرن التاسع عشر بهدف تحقيق حلمهم بانشاء دوله، قد قرروا ان الثقافة اليهودية-الاوروبيه (الاشكيناز تحديداً) هي الوحيده الجديره بان تشكل القاعده الصلبه لدولتهم الجديده. اما اليهود الذين وفدوا من شمال افريقيا والشرق الاوسط (اليهود الشرقيون) الي "ارض الميعاد"، لانهم شعروا انهم غرباء في بلدهم الام او لانهم شعروا بان واجبهم الديني يحتم عليهم تاديه دور في انشاء دولة إسرائيل، فقد قوبلوا بالرفض من النخب الاشكنازيه المسيطره. وهذا ما اشار اليه كل من ادوين سيروسي Edwin Serroussi وموتي ريجيف Motti Regev في كتابهما Popular Music and National Culture in Israel (الموسيقي الشعبيه والثقافه القوميه في اسرائيل)، عندما قالا ان المجتمع الاشكنازي في تلك الحقبه "تطور علي اساس مبداين هما: رفض ثقافه يهود الشتات واختراع فرد يهودي "جديد"، اي العبراني، او الاسرائيلي". لكن هذا اليهودي "الجديد" لم يكن ليكون شخصاً من اصول عربيه او شرق اوسطيه.

من هذا المنطلق، رفض الاشكناز "المؤسسون"، الذين كانوا يضعون نصب اعينهم هدفاً يتمثل بتعريف هويه قوميه جديده وبنائها، كل اشكال المشاركه الثقافيه من قبل الشرقيين. ففي الواقع، وصلوا حد اعتبارهم تهديداً لطموحاتهم، ولذلك بذلوا كل ما في وسعهم لـ"تهذيب" هؤلاء الشرقيين و"دمجهم" في المجتمع الجديد، مركزين بشكل خاص علي محو خصائصهم بغيه الحفاظ علي هيمنتهم الثقافيه.

 وبما ان الثقافه "الشرقيه" كانت تمثل كل ما هو دوني وبدائي في نظر النخبه، بلغ التمييز ضد الشرقيين اوجه. علي سبيل المثال، راي الصحافي الاسرائيلي البارز اري جلبلوم Arye Gelblum في موجات الهجره الشمال افريقيه خطراً علي وجود اسرائيل، وعبر عن ذلك بشكل صريح في العدد الصادر في 22 ابريل 1949 لصحيفه "هاارتس" الاسرائيليه: “هناك مساله خطيره تتمثل في الهجره الوافده من شمال افريقيا، والتي هي هجره عرق لم نعهده في بلدنا من قبل. نحن هنا نتعامل مع شعب في ذروه البدائيه، اذ لا يعدو مستوي معرفته كونه جهلاً مطلقاً الي حد ما، بل اسوا من ذلك، فهذه الشعوب لا تتمتع باي قدره علي فهم الامور الفكريه”.

وما ان جُمع اليهود الوافدون من شمال افريقيا وبلدان المتوسط في "المعبروت"، اي مخيمات اللاجئين التي انشِئَت لاستيعاب الاعداد الكبيره للمهاجرين المتدفقين الي اسرائيل، حتي اخذت الموسيقي تؤدي دورًا مهمًا في تكوين الثقافه اليهوديه الشرقيه. لكن حفلات الزفاف والمناسبات كانت المنافذ الوحيده المتاحه امام الشرقيين، فقد كانت محطات الراديو وشركات الانتاج الموسيقي الكبري ترفض اصوات المغنيين الشرقيين. ولكن لحسن الحظ، لم تتردد النوادي وحفلات الزفاف في ابراز الشرقيين، مانحه اياهم الفرصه لاعتلاء منصات لم تكن متاحه لهم في اي مكان اخر. اضافه الي ذلك، احدث اختراعُ كاسيتات "فيليبس" في اوائل السبعينيات من القرن الماضي، ثورهً في مجال القنوات الرسميه لتوزيع الموسيقي، فساهم في ابراز مواهب اليهود الشرقيين، وهذا ما ادي الي انتاج وتوزيع شرائط الموسيقي التابعه للمغنيين المحليين الذين وجدوا في ذلك السبيل الوحيد لتحقيق الشهره. مع ذلك، ما زالت عبارات كـ"موسيقي محطات الحافلات" (في اشاره الي محطه باصات تل ابيب التي تحولت الي سوق لكاسيتات الشرقيين) و"موسيقي الكاسيت" تستعمل لتحقير الموسيقى الشرقية.

ولقد شكل موسيقيون كزوهار ارجوف Zohar Argov وافيهو ميدينا Avihu Medina وجو عمار Jo Amar وحاييم موشيه Haim Moshe واهوفا ازري Ahuva Ozeri باكوره عهد جديد لنجوم شرقيين وجدوا في اختراع الكاسيت وسيله فعاله لاسماع اصواتهم ونشر ثقافتهم، اذ ساهم الكاسيت في التفاوض علي ما سمته ايمي هورويتز Amy Horowitz في كتابها  Mediterranean Israeli Music and the Politics of the Aesthetic (الموسيقي الاسرائيليه في المتوسط وسياسات الجماليه) "الحدود الثقافيه المتنازع عليها"، كما في السعي الي انتزاع شرعيه ثقافيه وتحقيق الشهره في اسرائيل. واليوم، رغم ان اوضاع الشرقيين الاجتماعيه الاقتصاديه لم تتحسن كثيراً في ظل استمرار التفاوت بينهم وبين الاشكناز، فقد يعتبر البعض حالياً ان سماع الانغام الشرقيه علي الاذاعات الاسرائيليه المعروفه بات مالوفاً اكثر، حتي ان سماع الاغاني العربيه باصوات اليهود الاسرائيليين لم يعد امراً مفاجئاً كما في الماضي.

يقول اميت حي كوهين Amit Haï Cohen، وهو فنان اسرائيلي من اصول مغربيه وتونسيه (يعزف الموسيقي مع نيتا الكيام): "علي موسيقي الشرقيين ان تشق طريقها من الاسفل الي الاعلي كي تصبح معروفه، فهذه الموسيقي مصدرها الشعب". اما بالنسبه لانواع الموسيقي الاخري، فقد حققت شعبيتها بفضل وسائل الاعلام الرسميه. يري زوهار، وهو من اصول مغربيه وعراقيه، ان تنامي شعبيه موسيقي الشرقيين جاء نتيجه حتميه للتغير الديموغرافي، بعدما بات الشرقيون يشكلون نسبه اعلي من السكان اليوم مقارنه بالماضي، ويقول زوهار: "يمكن اعتبار موسيقي الشرقيين شعبيه في اسرائيل 'الثانيه'، اي اسرائيل الشرقيين، ولكنهم باتوا يشكلون شريحه واسعه من سكان البلد، لذا يمكن اعتبار هذه الموسيقي شعبيه بالاجمال". اما اوفير توبول Ophir Toubul احد مؤسسي "كافيه جبل طارق" وهو بيت خبره يدرس شؤون موسيقي الشرقيين وثقافتهم، فيؤكد انه ما من "ولاده جديده" تحدث، "فالناس هنا اعتادوا الغناء بالعربيه"، غير ان اوفير يؤيد الراي القائل بان الجيل الشرقي الجديد يري في الشعبيه المتناميه لهذه الموسيقي تعبيراً سياسياً و"بحثاً مستمراً عن الهويه الاصليه".

بحسب توبول، دفع هذا "البحث" بكثير من الاسرائيليين الي تسميه انفسهم بـ"اليهود العرب" مع ان العبريه هي لغتهم الام. يشرح روفين سنير Reuven Snir، استاذ الأدب العربي في جامعه حيفا كيف ان مساله الهويه هذه نشات بسبب الوضع السياسي الراهن المبني علي التهميش، قائلاً "ان اي شخص يدرس هويه هؤلاء المثقفين الذين بداوا يتبنون هويه يهوديه عربيه، ويمكن تسميتهم 'اليهود العرب الجدد'، يلاحظ فكره الخلق هذه، التي تكون احياناً من لا شيء، او اقله علي اساس اهم عنصر لهذه الهويه، الا وهو اللغه العربيه". يذكر سنير ايضاً ان "معظم المدافعين عن الهويه اليهوديه العربيه لا يجيدون الفصحه بطلاقه". ولقد اضحي التعبير عن الهويه هذه بالنسبه "لليهود العرب الجدد"، من خلال الغناء، خاصه بالعربيه، "جزءاً من سياسه التعبير عن الاستياء" علي حد قول سنير.

وقد انتقل مجمل "صراع" الهويه هذا اليوم الي الانترنت، اذ غدا الاعلام الاجتماعي بالنسبه لليهود العرب الجدد بمثابه كاسيتات الفيليبس لليهود الشرقيين الاوائل، اي اداه لنشر الوعي حول تراثهم الثقافي، وبهدف نشر الموسيقي الشرقيه واقامه التواصل بين الناس لا في اسرائيل فحسب بل في العالم العربي والعالم كله. وعليه، تم انشاء صفحات علي فيسبوك وقنوات علي يوتيوب، فضلاً عن مواقع ومدونات ومنتديات لخدمه الغايه المنشوده. وتولي اخيراً ديفيد ريجيف زعرور David Regev Zaarour، الفنان العراقي الاسرائيلي (حفيد يوسف زعرور الشهير) انشاء قناه علي يوتيوب حمّل عليها تسجيلات لجدّه بهدف التعبير عن تقديره لعائلته. ويقول زعرور في فيلم وثائقي قصير من اعداده: "شعرت بانه من واجبي تحميل هذه التسجيلات علي يوتيوب لكي لا تذهب ضحيه النسيان. وقد تلقيت ردودًا وصورًا من اشخاصٍ كثر خاصه من العراق". يحافظ ديفيد علي ارث عائلته الثقافي وجذوره من خلال تاديه اغان عربية عراقية ومصريه مع فرقته لا فلفولا La Falfoula".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل