المحتوى الرئيسى

سيد الرفاعي .. مسحراتي نفسي يطرق شباك الحب

03/01 13:00

الفن يعيد ضبط إيقاع الحياة عند المرضى النفسيين

جاهين يأسرك بعمقه .. و”اللي ميتكلمش يا كتر همه”

قوة الإنسان في مشاعره وليس أفكاره

مارست ورش العلاج مع الرخاوي وزوجته

”الله رحيم وعادل .. احمل صفاته راح توجده “

”الأيادي السمرا” في السجن الآن .. وتفكك الشعوب خطر!

ألتقي مع جمهوري بـ”دماء العاشقين” و”يطير الحمام”

علاقة قديمة ربطت مشاهير الطب بالفن، ربما لأن كلا المجالين يبحر في الإنسان ، ويعايش لحظات ألمه وفرحه .. ولكن بطل الحكاية هذه المرة قرر أن يكون الإبداع مدخله لمحاربة التشوه النفسي بأشكاله ، ورغم زياراته النادرة للقاهرة، لكنه يحرص على تقديم أروع نصوص الشعر في ثوب موسيقي من تأليفه .. يختزل الزمان من كلمات الصوفيين القديمة لقصائد الشعراء العرب المعاصرة، ينتقي منها بحس نادر ما يلمس هموم الناس فيتعجب مع رباعيات جاهين ويجول كمسحراتي فيلسوف مع حداد ، يطل من شباك النبي مع بخيت، ويطير مع نجمة السلاموني ، يرتوي قلبه من الهوى .. فبالحب تصل حياتنا للمنتهى!

التقينا د. سيد الرفاعي ، الطبيب النفسي بدرجة فنان، وسط انشغاله بتجهيزات مكثفة لحفلته أمس على مسرح الجمهورية بصحبة فرقته “مشربيات” ، والتي أطل منها بأغنيات جديدة بصحبة المطربة الفلسطينية عبير صنصور..وكان اللقاء التالي

سألناه : هل يمكن للفن أن يرمم تشوهات النفس البشرية فعلا ؟

-          أنا بورسعيدي ، نشأت على حب الأغاني الشعبية على السمسمية والمعروفة بأغاني البمبوطية ، ولا أنسى انهماكي وشغفي بالعزف والتلحين منذ المرحلة الإعدادية، حتى إن أمي غضبت كثيرا من استخدامي للطبلة داخل المنزل ، فأنا مغرم بالتلحين .

كنت أستمع لبليغ حمدي وأقلد ألحانه وظللت أمارس موهبتي حتى أنني في صغري كنت أعتقد أنني ملحن كبير ! وهي إرادة الله لأنني بعد عملي بالطب النفسي وجدت أن بداية المرض تأتي للشخص حين يختل إيقاع الحياة حوله، فيفشل في التحكم في انفعالاته وردة أفعاله ونظرته للأمور بشكل متوازن، ولهذا استهوتني أفكار علاج المرض النفسي بالفن والتي انطلقت أساسا بأمريكا وأوروبا منذ أربعينات القرن الماضي .

وأنا أبحث من خلال عملي عن استعادة مرضاي لإيقاع حياتهم المختل، ومعظمهم تعرض لصراعات حقيقية ومعاناة، وهذا دور الفن بكل أشكاله شعر وموسيقى وغناء وكل أشكال الإبداع ، وكطبيب أسعى لتقديمه في شكل جرعات متناسبة ومتوازنة ، وبالطبع كي يتمكن الطبيب من القيام بالدور نفسه لابد أن يتمتع بموهبة وخبرة كبيرتين.

بدأت مع أشعار جاهين، فأنا مغرم به وبفلسفته العميقة للحياة ، وقمت بتلحين معظم رباعياته وتأديتها، وانطلقت بعدها مع عدد كبير من الشعراء القدامى والمعاصرين.

لكنك خرجت بفنك من المراكز الطبية المغلقة، للمجتمع المفتوح، وقدمت ألحانك على خشبة المسرح!

-          الإنسان واحد في كل مكان، والفن يحتاج إليه كل مجتمع، وما احوجنا إليه في ظل الصراعات والحروب التي يموج بها عالمنا ،  فهو وسيلة صادقة للتعبير  ، دائما كنت أتذكر كلمات صلاح جاهين البديعة بإحدى رباعياته يقول ” عينى رأت مولود على كتف أمه .. يصرخ تهنن فيه يصرخ تضمه .. يصرخ تقول يابنى متنطق كلام ..

ده اللى ميتكلمش يا كتر همه” وحين كنت أردد تلك الكلمات على مرضاي بالعيادة ، كنت أجد تأثرا عجيبا، فكأن هذا المريض يبدأ بإدراك أن عدم تعبيره عن ألمه سبب أساسي بمرضه النفسي واكتئابه .

كيف كانت تجربتك مع الدكتور الرخاوي، عالم النفس المصري، في علاج المرض بالإبداع ؟

هو أستاذ جليل تعلمت منه كثيرا ، كنت أعمل معه بمركزه الطبي بالمقطم، وقد شكلنا ورش للعلاج الجمعي للمرض النفسي، ومن بين تلك الأساليب استخدام مواد إبداعية كالشعر والموسيقى ، وكانت النتائج مبهرة . وميزة هذا الشكل من العلاج أنه يعتمد بالأساس على الاحتكاك المباشر مع المريض ومبادلته الحديث بشكل شخصي، وليس كما يشاع من علاجات خاطئة تقوم على توفير التسلية والترفيه فحسب لهؤلاء المرضي، فلا يجدون علاجا حقيقيا وإنسانيا أيضا .

وأود أن ألفت إلى أن الأمر ليس بسيطا كما يتصور البعض، فمريض الاكتئاب أو الوسواس القهري مثلا أو أي اضطرابات نفسية لن تكفيه قصيدة أو أغنية لاستعادة مزاجه أو قدراته النفسية المضطربة، والأمر يحتاج بالبداية لتدخل طبي بالفعل، ومن ثم تهيئة المريض حتى يكون بحالة واعية، ويدرك أن لديه خلل نفسي ويسعى مع الطبيب لعلاجه، وبالتأكيد فالفن وسيلة لتعزيز الثقة بالنفس، فقد كان المرضي يشعرون وهم يغنون معي كلمات جاهين مثلا او غيره من الشعراء، أنهم يقولون شيئا جميلا يمتع الآخرين ويسعدهم ، فيتأكد لديهم الإحساس بفائدتهم في المجتمع وهو مدخل هام لعلاج الاضطرابات النفسية واستعادة النظرة الإيجابية للحياة .

ويتم اختيار أغنيات وكلمات وأشعار بحسب ثقافة وحالة المريض، ففي الكويت استخدمنا كلمات خليجية ومنها أغنية “يا طيب القلب” الشهيرة، ولا زال بعض المرضي يذكرونني بها، بل والجميل أن العلاج بالفن تمت تجربته على مدمني مخدرات من درجات متقدمة، وحصلنا على نتائج مبشرة للغاية ، فهؤلاء أيضا كانوا يعانون من الإحساس بالضياع والسقوط الكامل ولكنهم استعادوا ثقتهم بأنفسهم عبر إدماجهم بحلقات للنقاش وأخرى للإبداع بصوره .

تعمل منذ سنوات بدولة الكويت، هل وجدت عوائق في العلاج بهذا الأسلوب هناك ؟

بالفعل، أحيانا أجد عثرات منبعها البيئة ذاتها، فبعض المرضي طبيعتهم تميل للبداوة وهم أبناء قبائل معروفة، ولهذا لا يفضلون استخدام الأغاني او الأشعار والحديث إليهم بها، ولكن هذا لم يمنعنا من تجربة تلك الطريقة في أحيان كثيرة مع من نشعر باستجابتهم .

ذكرت مرة أن الإنسان قوته الحقيقية بمشاعره وليس أفكاره !

نعم فالمشاعر هي التي تترجم الأفكار ، والذكاء الوجداني الانفعالي أصبح علما كبيرا يبحر في هذا المجال، كيف تنمي لديك حاسة التحكم بالانفعالات ، ولابد أن نعلم أن المشاعر لها حضور أكثر طغيانا من العقل، فأنا أحيانا أغضب لكن لابد أن أدير مشاعري بشكل لا يجعلني أتهور ولا أفقد ثقة من أحب ولا أفسد الأجواء الطيبة للعمل والعائلة .

بصراحة .. هل فقدنا حقيقة الإيمان في حياتنا اليومية ؟

بالطبع وبدرجة كبيرة ، كل الديانات تحدثت عن المحبة والتسامح والخير والعدل ، أين هذا من حياتنا ؟ ولماذا يسود الخطاب الديني نبرة التهديد والوعيد والعذاب، رغم أن الله يدعونا للموعظة الحسنة والحكمة في مخاطبة الآخرين، وديننا جعل حسن الخلق أهم من التعبد ، وأن الدين المعاملة، وهو معنى مفتقد بحياتنا ودائما نرى من يلتزم بنصوص الدين ويتشدد ويغالي في التطبيق بالرغم من سوء معاملته ونفاقه وتدليسه ، وهاتان الصفتان لا تستويان في شخص طبيعي، بالطبع هو شيء ليس للتعميم ولكنها مسألة محزنة جدا .. ربما لهذا كانت الناس تحب كثيرا الاستماع للدعاة المتشبعين بالتسامح والعلم معا، كالشيخ الشعراوي رحمه الله .

وأتذكر ما قاله جاهين يوما : ‘ياللي بتبحث عن إله تعـبده .. بحث الغريق عن أي شيء ينجده .. الله جميل وعليم ورحمن رحــيم ..احمل صفاته .. وانت راح توجده .. وعجبي.

كيف تنتقي كلمات القصائد التي تلحنها بهذه المهارة ؟

أتعامل مع الطاقة الكامنة بالكلمات ، وأستشعر المعاني التي تصل للقلوب، فقد اخترت أغنيات وطنية وأخرى رومانسية وثالثة صوفية .. فمثلا كانت كلمات هشام السلاموني ملهمة جدا، وأشعار أحمد تيمور و”شباك النبي” لجمال بخيت وهي من روائعه وقدمت من قبل ” ضحكة المساجين” للأبنودي، هناك قصيدة جميلة للشاعر محمود درويش سأغنيها يقول لحبيبته طيرُ الحمامُ يَحُطّ الحمامُ .. أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ .. فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ...” هنا قمة التوحد بالحبيبة أو الأرض. وقد قدم مارسيل خليفة هذه الأغنية من قبل.

وما أجمل المقاطع التي تتأثر بها لبخيت وحداد  ؟

أحببت فؤاد حداد كثيرا ، وخاصة رائعته المسحراتي، وهو من قال في قصيدته القاهرة : يا فجر متكحل بليل مسحور .. انتِ اللى حنّت لك جبال وبحور الوعد وبياتك .. فى مشربياتك ..  ريحة ماورد وجنّه يا قاهره غاوى القمر واللى غوى يشفيه .. صوتِك يلاغى والغوايش فيه .. طَمّنّى قلبك انى عايش فيه وشكرت آياتك .. فى مشربياتك ريحة ماورد وجنّه يا قاهره

وأذكر لجمال بخيت برائعته “شباك النبي” على باب الجنَّة يا طَعْم التوت .. أنا ممكن أحب لَحّدْ مَ أموت  .. وأزرعلِك جُوُّا البحر بيُوت .. وأخلِّي سنين الصَعب تفُوُت

أنا اشيل الشَقَا وإنتي تطبطبي .. وأتعبلِك وإنتي بلاش تتعبي .. شباك النبي على باب الله

كيف شاهدت الربيع العربي، و تأثيراته المؤسفة من عنف واستقطاب ومؤامرات؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل