المحتوى الرئيسى

دايلي بيست: كافكا على ضفاف النيل.. محاكمة لا تنتهي

02/26 10:36

  دايلي بيست عن “قضيه رمسيس:  494 متهما و 18 شهراً من السجن و جلسه واحده و النهايه مفتوحه

الدايلي بيست – روث مايكلسون

 ترجمه و اعداد: محمد الصباغ

ينتظر شاب ايرلندي في السجون المصريه محاكمته السيرياليه التي قد لا تتكرر، هو متهم بين 494 متهماً.

يظهر القفص الحديدي داخل المحكمه خالياً من المتهمين لان صفوف المقاعد بداخله لن تتسع ل 494 شخصاً. و خارج القفص، اصطف المحامون امام قاعه المحكمه يشربون السجائر او يقلبون في اوراقهم ويشربون الشاي او يتفحصون هواتفهم، لكن ما لم يفعلوه هو رؤيه موكليهم من المتهمين. و يظهر حارس أمن مكلف بحراسه دخول القضاه مداعباً جهازه اللاسلكي و يتثائب.

و في القاعه، خلت المقاعد من المتهمين و القضاه قرابه الساعتين قبل اقتراب مدعي النيابه من الميكروفون و اعلانه ان المحاكمه تاجلت مره اخري، وتلك المره الي 29 مارس.

لا تتوقف اقدام المحامي احمد حسن عن الحركه و في بعض الاحيان يهبط الي اسفل قاعه المحكمه ليتحدث مع واحد من حوالي 30 محامياً طال بهم الانتظار. ارتدي احمد بدله لامعه و العرق ايضاً يلمع علي جبينه. و سال ضاحكاً عن سبب كل هذه التاجيلات للمحاكمه و قال ”لا احد يعرف السبب بالطبع،  هذه هي مصر، اشياء كتلك تاخذ وقتاً.“

لم يتم الاتيان بالمتهمين ال 494 الي قاعه المحكمه نهائياً في جلسه 8 فبراير. و كانت جلسه سابقه في يناير قد الغيت لدواعي امنيه و لوجيستيه تتعلق بنقلهم الي مقر المحاكمه في مجمع سجن طره. وهو  مقر محاكمات “ذات سمعه” مثل قضيه ثلاثي قناه الجزيره ومحكامه  حسني مبارك، المكان عباره عن قاعه من عده مستويات بها صفوف من المقاعد التي تغطيها الاتربه بالقرب من قفص المتهمين.

و تم اضافه طبقه زجاجيه علي الاسلاك عام 2014 ثم باخري تم اضافتها حتي يستطيع من خارج القفص فقط رؤيه من بالداخل و يسمح بالكاد بان يكون صوتهم مسموعاً، و ذلك للحمايه من الضربات المزعجه بالايادي علي القفص او الهتافات الغاضبه. و يوجد بداخل القفص سماعات حتي يستطيع المتهمين ان يسمعوا ما يقال بالخارج، لكنهم غير قادرين علي الاجابه الا اذا سمح لهم القاضي بمغادره القفص و الاقتراب من منصه القضاه. يبدو ان القفص تم تهيئته بصوره قاسيه، لكن المتهمين و عددهم 494 انتظروا كثيراً حتي يدخلوه.

ينتظر المتهمون حرفياً يوم دخولهم الي قفص الاتهام منذ اغسطس 2013. و في 8 فبراير كانت المره الرابعه التي تتاجل فيها قضيه احداث ميدان رمسيس بسبب التحدي اللوجيستي وهو ايجاد مقر يستوعب الكثير من المتهمين مره واحده. و صرح المدعي العام بان قاعه محكمه جديده سوف يتم اعدادها لتستوعب كل المتهمين بالرغم من انه لا يوجد ما يضمن حدوث ذلك قبل جلسه شهر مارس.

حتي الان، كانت اقرب جلسه استماع في 13 اغسطس 2014، حين سمح بدخول المتهمين مقسمين الي مجموعات كل واحده بها 100 شخص. ومن لم يسمح لهم بالدخول صنعوا بعض الصخب في الخلف. فقام القاضي محمود كامل الرشيدي بالانسحاب مستنداً الي ”عدم ارتياحه“ لمشاهده تلك المهزله.

ينتظر المتهمين المحاكمه و يبدو انتظاراً بلا نهايه في سجون مصر سيئه السمعه. هذه هي المحاكمه الاكبر عدداً الي الان التي تشهد حضوراً للمتهمين، لكن من المفارقات ان ذلك يعني انه هناك حافزاً محدوداً لعقد جسه المحاكمه لانه بالفعل كل ال 494 متهماً محبوسين. ربما ايضاً يكون سبب عدم انعقاد الجلسات هو ان المحاكمه ستجمع العديد من العناصر التي ستجعل من مصر محل سخريه مثل، المحاكمات الجماعيه، و محاكمه الاطفال و ابرز العناصر هو الذهاب بالمواطنين الاجانب الي دهاليز القضاء المصري.

خارج المحكمه في الثامن من فبراير كانت السفيره الايرلنديه في مصر ،ايزولد مويلان تقف في هدوء مع شقيقه ”حلاوه“.

ابراهيم حلاوه هو شاب ايرلندي قبض عليه في تلك القضيه و احد المتهمين ال 494. و استعدت مويلان للعمل القادم داخل قاعه المحكمه.

يقضي حلاوه ايامه في الزنزانه مع رفاقه و يعرفون مرور الايام من خلال تغير هيئه الضوء . قبل اسبوع، ذكر اخته في اثناء زياره له انه ليس”سجينا” بل هو طالب  في عامه الجامعي الثاني. و مازال جدول امتحانات الشهاده التي يؤدونها في ايرلندا عقب المرحله الثانويه معلقاً علي حائط حجرته في دبلن بايرلندا.

 و بطريقه اخري نقلت شقيقته قوله ”لقد تركت هاتفي الايفون 4اس عند دخولي هنا، والان صدر ايفون 6 بلس  ه. العالم يتغير و انا مازلت في نفس المكان.“

القضيه رقم 3163 لعام 2013 المعروفه بقضيه ميدان رمسيس، جاءت عقب الاحداث التي وقعت في ميدان رمسيس بالقاهره في يومي 16 و 17 اغسطس في ذلك العام. بدات عجله اراقه الدماء في الدوران عقب الاطاحه بالرئيس السابق و القيادي بجماعه الاخوان المسلمين محمد مرسي في 30 يونيو 2013.

و في 14 اغسطس 2013 فضت قوات الامن المصريه تجمع الاخوان المسلمين في ميدان رابعه العدويه و قتلت 817 شخصاً عمداً حسب تقرير منظمه هيومان رايتس ووتش.

و جاءت مظاهرات ميدان رمسيس ضمن ما اطلق عليه الاخوان المسلمون ”جمعه الغضب“ كرد فعل للعنف الذي شهدوه في ميدان رابعه و التضيييق ضدهم من السلطات المصريه. و قال مصدر رسمي ان 173 متظاهراً قد قتلوا في كل انحاء مصر في هذا اليوم و جرح 1000، و مات 94 من هذا العدد في ميدان رمسيس فقط.

و في منتصف الاشتباكات كان هناك كلاً من سميه و اميمه و ابراهيم حلاوه. كان الاخوه متواجدين في مصر ضمن اجازتهم السنويه، كانوا قد تربوا في ايرلندا و والدهم هو الشيخ حسين محمد حلاوه امام مسجد كلونسكي بدبلن. كان الاخوه قد شهدو احداث العنف في رابعه قبل احداث رمسيس بيومين، حيث اصيبت شقيقتهم فاطمه بطلقه في ساقها. و تقول سميه ان ذلك اجبرهم علي النزول في مظاهرات رمسيس بالرغم من التهديدات بزياده العنف. و بينما كانت الشقيقات يتحدثون في السياسه صراحه، يبدو ان ابراهيم فقط صاحبهم من اجل حمايتهم. كان اهتمامه منصباُ علي كره القدم و دراسته و كان نادراً ما يشرك نفسه في السياسه العامه.

و تقول ”نسيبه“ شقيقه ابراهيم ”كان يتابع الاخبار مره يومياً لو كانت العائله تتابعها.“

و خوفاً من الحمله الامنيه في ميدان رمسيس اتصلت سميه بوالدها في ايرلندا لتساله عما يجب فعله. يتذكر الشيخ محمد حلاوه شوارع القاهره جيداً كاي شخص ترعرع فيها. قالت سميه له هي في حاله من الفزع ”المترو مغلق و لا توجد سيارات اجره، لا نعرف كيف نخرج من هنا.“ فقال لها ناصحاً ”اذهبوا الي المسجد ستكونوا بامان.“

و ذهب ابراهيم و شقيقاته داخل مسجد الفتح و كانوا جزء من حوالي 400 متظاهر وجدوا في المسجد ملجا لهم و حولوه لمستشفي ميداني و مشرحه.

تروي سميه ”عندما دخلنا الي المسجد كان هناك صوت اطلاق نار و لذلك كانت ابواب المسجد مغلقه. و فتح من بالداخل الباب قليلاً ليسمحوا لنا بالدخول. لم نعرف المده التي سنبقاها هناك ولا ما سوف يحدث.“ و مع حلول موعد حظر التجوال في السابعه مساءً تحصن المتظاهرون داخل المسجد.

عكس مظاهرات رابعه العدويه اشار شهود العيان و مقاطع الفيديو الي ان بعض المتظاهرين في ميدان رمسيس كانوا مسلحين، و بالرغم من ذلك كانوا اقليه بالنسبه للعدد الكبير من المتظاهرين. زعمت قوات الامن التي اقتحمت المسجد انهم تعرضوا لاطلاق نار و ذلك امر محل جدال.

و قال شهود عيان لجريده دايلي نيوز ايجيبت ان اطلاق النار بدا في الواحده و النصف من مساء السبت و ”كان متبادلاً بين الامن و المتظاهرين .. عقب طلب الامن من المتظاهرين اخلاء المسجد.“ و ذكرت الدايلي تيليجراف ان ”التليفزيون المحلي نقل لقطات لاطلاق نار من ماذنه المسجد.“ و قال باحث في منظمه العفو الدوليه كان حاضراً في الاحداث ”لم يكن هناك طريقه للمتظاهرين ليطلقوا بها النار علي قوات الامن لانهم كانوا محتجزين داخل المسجد.“

و في داخل المسجد وقف ابراهيم مع سميه و اميمه معاً و المسجد يتم اغراقه بقنابل الغاز من خلال النوافذ. تقول سميه ”بدا الناس في التعرض للاغماء“، و اضافت انها رات سيده تموت بسبب الاختناق. استخدمت قوات الامن القنابل الصوتيه اثناء اقتحامهم للمسجد. و تقول سميه ايضاً ”انا متاكده من انه كانت هناك نوايا لقتلنا بالداخل. لقد قبضت علي القوات علي كل من كان بالمسجد. و ربط ابراهيم يده بقماش ملابس بعد اصابته برصاصه مطاطيهن ولم يتلقي اي علاج.

و ذكرت سميه كيف مزقت عباءه اميمه و حجابها من اشخاص اعتدوا عليها خارج المسجد. و نقلوا في سياره ضمن 30 شخص و كانت مصممه لتستوعب عشره اشخاص فقط.

و ما حدث عقب ذلك لعائله حلاوه هو احتجازهم لمده 3 شهور قيد التحقيق في البدايه داخل معسكر جيش ثم نقلوا الي سجن طره. و وصفت سميه كيف وضع الثلاثين سيده الباقيات من المقبوض عليهن في زنزانه واحده و قالت ”وضعنا في حجره كالقفص، تحت الارض. لقد شعرت و كاننا في كهف.“

كانوا يستطيعون سماع صرخات الالم مئات السجناء الذكور الموضوعين في زنزانه شديده الازدحام. و تضيف ”كان الرجال يصرخون، و كانوا يقولون اقتلونا او اخرجونا من هنا.“

بعد ذلك تم نقل السجينات الثلاثين الي سجن النساء بالقناطر، وقالت سميه انه لم يسمح لها بالخروج من حجرتها لمده شهرين.  و تقول ”لقد اعتقدت انهم سحرقونني حيه هناك.“ و قالت نسيبه و محامي ابراهيم للصحفيين عقب زيارته في الحبس، انه اجبر علي خلع ملابسه و الوقوف و وجهه لحائط و ضرب بعمود معدني.

فجاه، خرجت فاطمه و سميه و اميمه في نوفمبر 2013 دون اي مقدمات او شرح. و اصدرت السفاره الايرلنديه وثيقه سفر عاجله لابراهيم، معتقدين انه سيخرج ايضاً. تلقت العائله مساعده من منظمه حقوق الانسان ”ريبريف“ و مقرها لندن. و تحدثت المنظمه عن عدم قبول السلطات المصريه ابراهيم كمواطن ايرلندي بالرغم من انه لم يستخرج اي شكل من البطاقات الشخصيه المصريه. و في وثائق المحكمه تم تسجيله بعمر 18 سنه لحظه القبض عليه بالرغم من ان اوراق سفره التي تم تجديدها تثبت انه لم يكن قد اتم ال 18 حتي 13 ديسمبر 2014، مما يجعله قاصراً وقت حبسه.

و ليست حاله حلاوه البائس هي الفريده في تلك اقضيه، فاوراق القضيه تقول ان المتهمين من 1 الي 9 ” بلغوا عمر ال15 عاماً ولم يتموا 18 سنه.“ و تم اتهامهم بتنظيم ”تجمهر غير شرعي لاكثر من خمسه اشخاص.“، و بتهديد العامه عمداً و التامر و الاعتداء علي الممتلكات العامه، و ايضاً اعتراض ”عمل موظفي الدوله بالعنف و القوه.“

لم يسجل ابراهيم حلاوه كقاصر في القضيه بالرغم من عدم اتمامه 18 عاماً لحظه القبض عليه، و يعني ذلك انه من المحتمل وجود قصر اخرين في القضيه و يتم محاكمتهم كبالغين. و كانت منظمه العفو الدوليه قد حصرت 12 قاصراً من مجموع 494 متهماً.

الاتهامات الموجهه مربكه ، فبطبيعه المحاكمات الجماعيه يعني ان المحكمه يجب ان تثبت ان جميع الاشخاص المتهمين كانوا متورطين في احداث يومي 16 و 17 اغسطس 2013. و شملت قائمه لاتهامات جرائم مفصله، جاء فيه، تدمير قسم الازبكيه و انتهاك حرمه مسجد الفتح لاغراض ارهابيه. و شملت الاتهامات ايضاً ان المتظاهرين قتلوا شخص يدعي محمود حسين احمد، واصابوا علي الاقل اثنين اخرين. و ايضاً، من ضمن الاتهامات حيازه اسلحه ناريه بطريقه غير مشروعه و استخدامها بغرض القتل او الايذاء.

و حللت مجموعات حقوقيه الاتهامات و قالوا انه من غير الواضح عدد القتلي او الجرحي او حتي اذا كانوا من المتظاهرين او رجال الشرطه او شهود علي الاحداث. و اضافت منظمه العفو الدوليه ان اغلبيه الشهود المائه ضد المتظاهرين هم من رجال الشرطه.

محاكم الجنايات المصريه التي تتعامل مع تلك القضايا تعقد جلساتها لمده اسبوع شهرياً. و بعدد القضايا المتزايد عقب الاطاحه بمرسي، قال خبيرقانوني انه من كل 13 الف قاض في مصر، هناك تقريباً ثلثيهم قضاه جنائيين و بالتالي فنمتلك من 8 الي 9 الاف قاضي يبحثون في حوالي 100 الف قضيه.

اصبحت عائله ابراهيم حلاوه يائسه من الافراج عنه حالياً و يخشون من الحكم عليه بالاعدام. و وضعهم ذلك في جدال مع السفاره الايرلنديه عده مرات، التي تسعي لمحاكمه عادله بدلاً من السعي للافراج عنه.

و تقول نسيبه ”هذه ليست دوله بنظام عادل، لا يوجد عدل في الدوله. لا اريد الانتظار حتي يصدر حكم بالاعدام او المؤبد، ثم نتوسل بعد ذلم من اجل تخفيفه الي 10 او 15 عاماً. هذا ليس عدلاً.“

نوقشت قضيه حلاوه في البرلمان الاوروبي في اكتوبر 2014، و قابل مسؤول اوروبي بشكل شخصي السلطات المصريه حوالي 5 مرات من اجل تلك القضيه وقال انهم يفضلون ابقاء الضغوطات الي المقابلات الخاصه.

و تتعلق امال حلاوه بعده طرق بقضيه صحفيي الجزيره، فحلاوه مثل جريست و فهمي ينطبق عليه القانون الجديد الذي يسمح للمواطنين الاجانب المحتجزين في مصر بالوقوف امام محاكم في بلادهم.  و كان جريست قد تم ترحيله الي استراليا في الاول من فبراير. و اثلج هذا الامر قلوب عائله ابراهيم حلاوه.

و علي عكس قضيه صحفيي الجزيره لم تجذب تلك القضيه الاهتمام العالمي. و تخشي عائلته من ان تصبح قضيته كالطرق المتشابكه. فمع عدم الافراج عنه قبل موعد المحاكمه المقبل، قد يتم نقله الي سجن وادي النطرون ذو الظروف الاسوا من سجن طره.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل