المحتوى الرئيسى

الساعات الأكثر دقة التي تتحكم في عالمنا

02/25 21:11

تتاخر حاليا افضل الساعات واكثرها دقه ثانيه واحده كل 300 مليون سنه. والاختلافات الضئيله جداً في توقيتها تغير العالم الذي نعيش فيه. الصحفي في بي بي سي ديفيد روبسن يبحث في هذا الامر.

الوقت من ذهب، وكان ذلك المثل اكثر وضوحا في 3 يونيو/ حزيران عام 2013، في الساعه العاشره الا 15 جزءا من الالف من الثانيه تماما، بحسب التوقيت الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية.

فبسبب خلل ما في دقه الساعه، نشرت وكالة رويترز للانباء من دون قصد بيانات تداول تجاريه قبل اوانها بذلك الجزء الضئيل من الثانيه.

وكانت النتيجه هي حصول عمليات تجاريه بقيمه 28 مليون دولار أمريكى، حيث بدات الاجهزه الاليه الخاصه بالمعاملات التجاريه في عمليه التداول قبل ان تتاح الفرصه للاخرين لكي يتحققوا من الامر.

لقد وصل التقدم التقني الان الي مستوي يمكن فيه حتي للاختلافات الضئيله جداً ان تتسبب في وقوع خسائر باهضه الثمن، مما يدفعنا صوب عهد جديد من ضروره ضبط الوقت بدقه كبيره.

ويمكن لادقّ الساعات ان تضبط الوقت لـ300 مليون سنه دون ان تخطئ ولو لثانيه واحده – وليست هذه باي حال من الاحوال الحدود النهائيه.

فيمكن لمثل هذه الساعات ان تؤثر علي كل شيء؛ بدايه من الاسواق الماليه والي خاصيه النظام العالمي لتحديد المواقع (جي بي اس) الموجود في سيارتك. كما انها ربما تتيح لنا اختبار الماده التي يتكون منها الكون نفسه.

كانت التحسينات التي تجري علي ضبط الوقت في صلب التقدم الاجتماعي دوماً، وذلك منذ ان توقفنا عن قياس مرور الزمن اعتماداً علي حركه الشمس.

علي سبيل المثال، احدث اختراع الساعه الميكانيكيه ثوره في مجال ارتياد البحار. فقد اتاحت هذه الساعات للبحاره ان يستدلوا علي خطوط الطول، وبالتالي وفرت المحرّك اللازم لعصر الاكتشافات والاستعمار. كما انها دعمت تقدم علم الفلك، حيث اصبح باستطاعه مراقبي النجوم ان يقيسوا مسار الاجرام السماويه بدقه متناهيه.

لكن رغم ذلك، حتي افضل الساعات الميكانيكيه لم يكن لها ان تناسب معايير ايامنا هذه. فعلي سبيل المثال، تتآخر ساعة جدك بنحو 15 ثانيه تقريباً كل يوم– اي ما يعادل دهراً اذا ما قورن ذلك بالدقه التي حققناها بما لدينا من معايير ذهبيه حاليا، وهي الساعات النوويه.

فقد اختُرعت هذه الساعات قبل 60 عاماً، وهي تعمل عن طريق جعل كره من ذرات السيزيوم تسبح في موجات تعرف بالموجات الصُغريّه (او اشعه المايكروويف). يتم ضبط هذه الموجات الصُغريّه بشكل يسمح بامتصاصها تماماً من قبل ذرات السيزيوم، ثما يعاد بثّ تلك الموجات من قبل هذه الذرات.

وبحسب هذه النظريه، يحصل ذلك عندما يصل تردد الموجات بالضبط الي عدد محدد بدقه من الذبذبات في الثانيه الواحده. ولذلك، وبقياس تلك الذبذبات، فاننا نحصل علي حركه واحده لمؤشر الثواني مضبوطه بدقه متناهيه، وتستعمل لقياس مرور الزمن؛ وذلك بنفس الطريقه التي يعمل بها رقّاص الساعه الميكانيكيه المتارجح بشكل منتظم.

اليوم، توجد احدي اكثر الساعات النوويه دقه في "المختبر الفيزيائي الوطني" في تيدّينغتن بانجلترا. انها تتاخر لثانيه واحده كل 138 مليون سنه. لكن تفوقت عليها ساعه اخري في العام الماضي، لتجعلها في المرتبه الثانيه، وهي الساعه التي توجد الان في "المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا" في بولدر، بولايه كولورادو الامريكيه؛ اذ تتاخر هذه الساعه لثانيه واحده فقط كل 300 مليون سنه.

كان السرّ يكمن في تبريد تلك الساعه الي درجه النيتروجين السائل، اذ يقلل ذلك من الاخطاء الصغيره التي يمكن ان تحدث، كما يقول ستيفن جيفيرتس، من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا. الا ان هذه الساعه ليست من النوع الذي يمكنك تعليقه علي احد جدران منزلك؛ فهي بحجم غرفه تقريباً.

وفي الحقيقه، تعمل هذه الاله نفسها بدون واجهه مثل بقيه الساعات: فهي تُستعمل عوضاً عن ذلك لقياس اخطاء الساعات الذريه الاخري، ولكي يتمكن العلماء من وضع معايير اكثر دقه لتلك الساعات.

تشكّل مجموعه من هذه الساعات النوويه شبكه يمكنها، مجتمعه، تحديد الوقت الرسمي في جميع انحاء العالم. من المؤكد اننا نستفيد من تلك الشبكه حتي بدون ان ندرك ذلك. وتساعد الساعات النوويه في قياس ترددات موجات الراديو التي تستعملها شبكات التلفزيون، علي سبيل المثال.

وفي هذا الوقت، يعمل ما يعرف بنظام "التموضع العالمي" (جي بي اس) عن طريق قياس التاخر الطفيف للاشارات المرسله من اقمار صناعيه متعدده؛ وعن طريق قياس تلك التاخيرات المتتاليه، يحسب النظام المسافه والموقع علي الخارطه. لم يكن كل ذلك ممكناً لولا الساعه النوويه التي تقيس اقل الفروقات الزمنيه الممكنه.

ولا تكمن المشكله غالبا في ضبط الوقت فقط، بل في تقاسم المعلومات ايضا– كما بيّنت شاشه رويترز للانباء في المثال السابق.

ويشير ليون لوبو، من المختبر الفيزيائي الوطني في بريطانيا، الي ان معظم اقتصاديات زمننا الحالي تقودها "مداولات عاليه التردد" – وذلك باستخدام انظمه تلقائيه تُجري عمليات التداول في اجزاء من الثانيه. المشكله هي ان توقيت ساعات كل مؤسسه يختلف قليلاً عن غيره.

ويقول لوبو: "عندما تصل الي مستوي يحتسب فيه الوقت باجزاء من الثانيه، فلن تجد مؤسستين بنفس دقه التوقيت. اذا كانت ساعه المتلقي مقتدمه علي غيرها، ستبدو البيانات وكانها وصلت قبل ان تغادر المصدر الذي خرجت منه." ويستطيع المتداولون عندها ان يستغلوا تلك الفروقات الزمنيه لصالحهم ليجنوا الارباح.

مع انه يمكن لاشارات الاقمار الصناعيه، المستعمله في نظام الجي بي اس، ان تساوي بين تلك الفروقات الزمنيه، الا انها عرضه للقرصنه ايضا.

ويقول لوبو: "بامكانك ان تشتري اجهزه التشويش علي اشارات نظام الجي بي اس. ويمكن لهذه الاجهزه– بسعر 20 جنيه استرليني للجهاز- ان تخترق الحظر الذي تفرضه المدن (علي بعض الشوارع)."

احياناً، لا يكون التهديد مقصوداً؛ ربما يستعملها سائقو تسليم البضائع لاخفاء طرقهم الخاصه الملتويه عن مديريهم، علي سبيل المثال.

لوضع حلٍّ لهذه المشكله، يوفر "المختبر الفيزيائي الوطني" شبكه اسلاك تمتد تحت الارض تربط كل مؤسسه وفروعها بساعتها النوويه – اي ان كل مكتب من مكاتبها سيستخدم نفس مصدر قياس الزمن لضبط الوقت. ويتم تزويد هذه الخدمه، حسب قول لوبو، في "شبكه مظلمه" – اي انه لا يمكن نقل اشارات اخري عبر تلك الاسلاك حتي لا تخترق.

وبهذه الطريقه، يصبح تزويد خدمه "الوقت" كايه خدمه عامه اخري– مثل الكهرباء، والانترنت- والتي ستحتاج الي طلب للتزود بها. ويشرح لوبو هذه الخدمه بالقول: "فجاه، اصبح لدي المستهلك شبكته الخاصه به، فتصله خدمه الكهرباء، وخدمه الوقت عبر جدران مسكنه– وكل ما عليه هو استعمال هذه الخدمات."

خلال عقد من الزمن، ربما ستبدو افضل ساعاتنا النوويه اليوم وكان الزمن قد عفي عليها، كما حدث لساعات اجدادنا القديمه. فبدلاً من ماده السيزيوم، يتجه العلماء الان الي مواد اخري مثل ماده السترونتيوم التي يمكن اثارتها بالضوء المرئي. حتي انهم وجدوا ذلك اكثر دقه.

ويشير لوبو الي الحساسيه العاليه لهذه الساعات لدرجه انها ستُمتحن بمعادلات الفيزياء المذهله التي وضعها ووصفها العالم البرت اينشتاين في "نظريه النسبيه". تكهّن اينشتاين بان قوه الجاذبيه سيمكنها الابطاء من سرعه مرور الزمن. فعلي سبيل المثال، يمر الزمن اسرع قليلا كلما كنت في مكان اعلي.

ونعلم بالفعل ان الساعات النوويه تتاثر قليلا بهذا عند وضعها في ارتفاعات شاهقه مقارنه بمستوي سطح البحر – الا ان دقه تلك "الساعات الضوئيه" محسوسه في الحال، حتي عبر اي ارتفاعات طفيفه.

يقول لوبو: "يكفي ببساطه رفع ساعه ضوئيه لسنتيمتر واحد لتغيّر من ذبذبتها."

بهذه الطريقه، تصبح مقياساً للجاذبيه، ويمكن استخدامها كمسبار لكشف اعماق الارض – لاكتشاف تجمعات النفط او الغاز التي قد تغير من قوه الجاذبيه الارضيه في موقع محدد.

ويقول لوبو: "هذه هي التطبيقات ذات التاثير الهائل التي ستظهر للعلن."

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل