المحتوى الرئيسى

«العقوبات الاقتصادية»: وجه آخر للحرب

02/25 18:06

منذ عقود عده، تتخذ بعضٌ من الدول فرض عقوبات اقتصاديه علي اخري مناهضه لسياساتها مبدا لها، محاوله في الوقت نفسه ارغامها علي تعديل سلوكها السياسي دون استخدام القوه العسكريه، لكن الاضرار الناجمه عن ذلك الاسلوب تكون وخيمه، وتلقي بظلالها علي منشات الدوله الرئيسيه.

لذلك، فان العقوبات الاقتصاديه هي وسيله تمارسها الدول بهدف معاقبه دول اخري تري انها مخله بالقوانين والاعراف الدوليه، حتي باتت الوسيله في الوقت الحاضر اكثر قبولا لدي المجتمع الدولي من مهاجمه ما يسمي بالدول المارقه عسكريا او غزوها.

وتشمل هذه العقوبات فرض تقييد او مجموعه من القيود علي التجارة الدولية مع البلد المستهدف من اجل اقناعه علي تغيير سياسته في مجال من المجالات، فضلا عن الحد من التصدير الي او الاستيراد من البلد المستهدف، وتقييد التحويلات النقديه من والي ذلك البلد وغيرها.

في التقرير التالي، نسلط الضوء علي بعض من الدول التي عانت من تبعات قرار فرض العقوبات الاقتصاديه عليها، ونتائجها، سواء كانت من قبل دوله، او حتي مجموعه دول، مثل كوبا، ايران، روسيا، كوريا، السودان، وحتي اليمن وسوريا وغيرها.

مندوبو الدول العظمي الست خلال توقيع اتفاق مرحلي بشان برنامج ايران النووي

فرضت الولايات المتحده قيودًا علي ايران منذ ان احتجزت الرهائن الامريكيين عام 1979، مما ادي الي حظر تجاري كامل عليها عام 1995، اضافه الي جمله القرارات التي اتخذتها الامم المتحده ايضًا في عامي 2006-2007، حول زياده الضغط بشان برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي.

لثلاثه عقود والحصار المالي والاقتصادي لا يزال يراوح مكانه في ايران، عقب جمله القرارات الامريكيه والاوروبيه ايضا بشان برنامجها النووي، وعدم استجابتها لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النوويه.

عام 2012 اقر الاتحاد الاوروبي جمله من العقوبات النفطيه ضد ايران، والتي ادت الي انخفاض سعر النفط في السوق العالميه، وارتفاع اسعار المواد الاساسيّه في السوق الداخليه الايرانيه بشكل كبير.

الي جانب تكبد الاقتصاد الايراني خسائر فادحه، لا يزال يعاني من اثارها حتي اللحظه، حيث ان العقوبات الامريكيه والاوروبيه معا علي القطاعين النفطي والبنكي الايراني، ادي الي تشرذم الساحه السياسيه الداخليه في ايران، وسط خطط استراتيجيه بديله لمواجهه الاثار.

ولا بد من الاشاره الي ان تدخل ايران في الصراع الدائر بسوريا ودعمها المباشر لنظام الاسد هناك، اسهم بشكل كبير في فرض المزيد من العقوبات الدوليه، وتعمق العجز الاقتصادي الداخلي، وتوسيع الهوه بين النظام وعموم الفئات الشعبيه التي تري في هذا الدّعم اهدارًا للثروات الوطنيه، وتكريسا لاوضاعهم الاقتصاديه المتازمه.

خلال فض اعتصام المعارضين الاوكرانيين

عقب الازمه الاوكرانيه عام 2014، اتخذت دول غربية منها الولايات المتحده الامريكيه قرارا بفرض عقوبات علي روسيا، بعد اتهامها بدعم الانفصاليين في شرق اوكرانيا ونشر جنود لها في داخل البلاد، الامر الذي انعكس سلبًا علي اقتصادها من حيث الاستثمار وهبوط العمله.

في المقابل، اعلنت روسيا فرض حظر كامل علي واردات المواد الغذائيه التي ينتجها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحده وكندا واستراليا والنرويج.

وشملت عقوبات الاتحاد الاوروبي توسيع قائمه تجميد الاصول وحظر السفر علي المسؤولين ورجال الاعمال والهيئات الروسيه، ومن ينظر اليهم علي انهم يدعمون ماديا او ماليا الاعمال التي تقوض او تهدد سياده اوكرانيا وسلامه اراضيها واستقلالها.

فضلا عن استهداف المزيد من اعضاء الدائره المقربه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبعض الشركات الروسيه الكبري، والموارد الاقتصاديه مثل العقارات، حيث ان الاشخاص الذين تم ادراجهم في قائمه العقوبات لن يسمح لهم بشراء او بيع اصولهم في الاتحاد الاوروبي بمجرد دخول تجميد الاصول حيز التنفيذ.

ويشار الي ان ابرز مسؤول روسي تستهدفه عقوبات الاتحاد الاوروبي حتي الان هو “فياتشيسلاف فولودين” النائب الاول لرئيس اداره الرئاسه الروسيه “الكرملين”، وهو مدرج ايضا علي قائمه العقوبات الامريكيه.

ويرتبط الاتحاد الاوروبي بعلاقات اقتصاديه مع روسيا اقوي من الولايات المتحده، ولذا فان تضييق نطاق عقوبات الاتحاد الاوروبي سيحد من التاثير الشامل لها علي موسكو.

لذلك، ستشعر بعض دول الاتحاد الأوروبي بالتاثير اكثر من دول اخري، واصبحت روسيا سوقا مزدهرا للسلع الاستهلاكيه الغربيه في العقد الماضي.

الحوثيون واحكام سيطرتهم علي العاصمه صنعاء مؤخرًا

مؤخرا، لوحت بعض من دول الخليج خلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي الي امكانيه فرض عقوبات اقتصاديه علي اليمن عقب سيطره الحوثيين علي مقومات الدوله، وسقوطها في ايديهم.

ومنذ صدور الاعلان الدستوري من قبل الحوثيين بتشكيل مجلس رئاسي وخلافه، توالت التصريحات والتلميحات باستخدام عصا العقوبات الاقتصاديه علي الاداره الجديده التي فرضت نفسها بقوه السلاح علي الساحه اليمنيه.

لكن شبح فرض العقوبات الاقتصاديه علي اليمن بدا في الظهور مع نهايه عام 2014، حيث فرض مجلس الامن عقوبات اقتصاديه علي الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وبعض قيادات الحوثيين، بمنعهم من السفر وتجميد اصولهم الماليه.

ونتج عن ذلك، تضييقٌ في موارد الدوله اليمنيه خلال الشهور الماضيه، بسبب ما تعرضت له البنيه الاساسيه لنقل وانتاج النفط من قبل الفصائل المتنازعه هناك، اضافه الي تراجع اسعار النفط في السوق العالمي بنسبه وصلت لنحو 55%، مما اثر علي عوائد الموازنه العامه بشكل كبير.

وفي حال فرض عقوبات اقتصاديه شامله او جزئيه من قبل دول الخليج علي اليمن، ستكون سواء في ما يخص المساعدات، او التبادل التجاري، او العماله؛ مما سيسبب العديد من المشكلات للاقتصاد اليمني. ومن هذه المشاكل علي سبيل المثال ما يلي:

فضلا عن انخفاض قيمه العمله المحليه، وارتفاع معدلات التضخم، وزياده معدلات البطاله، وتراجع ثقه المؤسسات الدوليه، وبالتالي يترتب علي وقف الصادرات النفطيه لليمن وقفُ رواتب العاملين بالدوله، وشل الكثير من المرافق والخدمات العامه، والتسبب في شيوع ظاهرتي الفقر والبطاله بمعدلات اكبر مما هي عليه الان.

السودان خلال جلسه في الامم المتحده لبحث العقوبات المفروضه

عام 1997 اصدر الرئيس الامريكي الاسبق “بيل كلينتون” قرارا بتجميد الاصول الماليه السودانيه، وحظر الانشطه الاقتصاديه بكافه اشكالها مع دولة السودان، اضافه الي توسيع دائره العقوبات هذه في العامين 2006، 2007 من قبل الرئيس السابق ايضا “جورج بوش” في اطار حملات عرفت بتجفيف منابع الارهاب انذاك.

ومن ابرز الاثار السلبيه للعقوبات هي حرمان السودان من التحويلات الماليه، ما جعله يعاني عجزا في ميزان المدفوعات، وافتقار قطاعات حيويه مثل القطاع الزراعي والصحي وقطاع النقل للتقنيات الحديثه التي تسيطر عليها الشركات الامريكيه، او الحصول علي تمويل من صندوق النقد والبنك الدوليين.

فضلا عن عرقله مشروع اعفاء الديون الخارجيه للسودان، والتي تتجاوز 40 مليار دولار، رغم تنفيذه للاصلاحات الاقتصاديه التي تشترطها مبادره “الهيبك” لاعفاء الدول الفقيره المثقله بالديون، والتي تتضمن اتفاقا بين جميع جهات الاقراض الدوليه الرئيسيه علي منح فرصه جديده للبلدان التي تكافح لتجد مخرجًا تتمكن من خلاله من التخلص من اعباء ديونها التي تثقل كاهلها.

والمعروف عن السودان انها دوله مصدره للصمغ، والذي تستفيد منه امريكا، وبالتالي وقف تصديره سيجعل الشركات الامريكيه تضغط في اتجاه رفع العقوبات وتطبيع العلاقات، الي ان استثنت واشنطن خلال الاعوام الماضيه عددًا من الانشطه التجاريه من قانون الحظر، ابرزها الصمغ العربي وبعض تقنيات القطاع الصحي والزراعي.

وبالتالي، تكون السودان قد فقدت الغطاء الدولي للاستثمار بفقدان اي فرص للتمويل الدولي من المؤسسات المالية الدولية او الاقليميه بعد التزام اغلب الدول بالقرار الامريكي، خاصهً دول الاتحاد الاوروبي؛ مما شكل ازمه بالغه الصعوبه داخل الاقتصاد السوداني مع انفصال الجنوب مؤخرا.

جلسه داخل مقر الامم المتحده خلال بحثها فرض عقوبات علي سوريا

تم اقرار العقوبات العربيه علي سوريه في السابع والعشرين من شهر اب 2011 والعقوبات ليست جديده علي السوريين بل هي مستمره منذ الثمانينات من القرن الماضي، وتعود اسبابها الي تجذر الموقف السوري المتمسك بسيادته وبقراره الوطني المستقل ودفاعه عن الحقوق العربيه.

وفي العام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات التي كانت قد بداتها في الثمانينات بعد رفض سوريه للاحتلال الامريكي للعراق ورفض الاملاءات الامريكيه والاوروبيه ودعمها لحركات المقاومه في لبنان وفلسطين.

اصدرت الولايات المتحده ما سمي بقانون محاسبه سوريه الذي حظر الصادرات اليها وجمّد اصول مؤسسات سوريه، وحظر الرحلات الجويه بين الولايات المتحده وسوريه.

بينما في عام 2011 ومع اندلاع ما سمي بـ”الثوره السوريه”، فرضت دولٌ عربيه، وبناءً علي قرار الجامعه العربيه التي تديرها قطر؛ عقوباتٍ علي خمسه قطاعات رئيسيه في سوريا هي: السفر والتمويل والتحويلات المصرفيه وتجميد الاموال، الي جانب القطاع الاستثماري والتعاملات التجاريه.

فيما فرض الاتحاد الاوروبي حزمه من العقوبات منها حظر استيراد النفط السوري وتوريد السلاح، وقف التعاملات التجاريه والمصرفيه، حيث هدفت بالمجمل الي التاثير علي المجتمع والمواطن السوري كونها تمس كل جوانب الحياه من خلال انها تمس موارد الدوله وقدراتها.

وبالتالي، بدات معالم واثار وانعكاسات الازمه في سوريه وما رافقها من عقوبات تظهر بوضوح وجلاء علي الاقتصاد السوري، لجهه معدلات نموه المنخفضه وارتفاع نسبه البطاله والانكماش الاقتصادي والتضخم والتراجع في سعر صرف العمله.. وغيرها.

ويعد قطاع النفط من اكثر القطاعات تاثرا بهذه العقوبات؛ حيث انخفض الانتاج بعد عامين من الازمه الي نحو 70 الف برميل يوميًا من نحو 380 الف برميل يوميا، وكان يتم تكرير ما بين 220 – 240 الف برميل في مصفاتي حمص وبانياس لانتاج البنزين والكيروسين وغيرهما.

الي جانب تاثيراتها السلبيه علي قطاع التجاره الخارجيه، حيث اظهرت دراسه لهيئه ترويج وتنميه الصادرات مطلع العام 2013 ان قيمه المستوردات السوريه عام 2011 بلغت نحو 16,57 مليار دولار انخفضت في العام 2012 نتيجه العقوبات الي نحو 3,58 مليار دولار.

فرضت الولايات المتحده عقوبات تجاريه عليها سنه 1962 وقيدت التعاملات التجاريه معها علي مدي اكثر من 50 عامًا، حيث تدهورت العلاقات الدبلوماسيه بينهما وقطعت، في ظل حصار تجاري يعطل الحياه العامه في كوبا.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل