المحتوى الرئيسى

هل يجب حقا حل تنظيم الاخوان المسلمين؟

02/24 20:48

علي مدار الاسابيع الماضيه قام الصديق العزيز ايمن عبدالرحيم ثلاثيه مقاليه بعنوان " معا لحل تنظيم الاخوان المسلمين "، وقد كانت سلسله ماتعه مثيره للفكر واعمال الذهن، وربما نستطيع ان نعتبر هذه السطور هي خواطر علي هامش السلسله.

تدور الفكره الاساسيه للسلسله حول مسائله جدوي التنظيمات الهرميه، ومدي امكانيه نجاحها في تنفيذ اهداف من يتخذونها سبيلا وخاصه من التيارات الاسلاميه، وبالرغم من الوجاهه وجوده الحجه وقوه المنطق الخاص بهذه الاطروحه الا انها تطرح في المقابل عديدا من التساؤلات والاشكالات، سنحاول ان نستعرضها فيما يلي.

ولكن يجب ان نشير الي اننا بالرغم مما سنذكره لاحقا في هذه المقاله فاننا نتشارك مع الصديق ايمن عبدالرحيم في عددا من القناعات التي اوردها في سلسله مقالاته ، وهي اهميه استعاده " النطاق المركزي " من مركزيه الدوله لمركزيه الوحي، بالاضافه لاهميه دور الجماعات الوسيطه في مقابل تفكيك سيطره الدوله القوميه الحديثه علي المجتمع، وغيرها من المقولات الهامه والتاسيسيه.

يبرز الاشكال الاول في مساله الفكره والتطبيق، وهو ما نعني به ببساطه ان فساد التطبيق لا يعني فساد المبدا الذي قام عليه التطبيق، وما نريد ان نقوله و انه قبل ان نتسائل عن مدي ملائمه التنظيمات الهرميه لاهداف التيارات الاسلاميه، يجب ان نسال انفسنا السؤال الابتدائي، وهو هل كانت لدينا تنظيمات فاعله حقا؟ ان المتابع لشان التنظيمات الاسلاميه بمختلف انواعها ( ونحن نعرف التيارات الاسلاميه بانها كل من يعمل في المجال العام من منطلق اسلامي، بما يشمل ذلك من مؤسسات مثل الازهر او جماعات مثل الطرق الصوفيه او تنظيمات مثل الاخوان او حركات مثل الجماعه الاسلاميه او احزاب سياسيه مثل الوسط او حتي دعاه منفردين او مجتمعين مثل الدعاه الجدد او الدعوه السلفيه ) ان المتابع لهذه التنظيمات يجد انها كلها بلا استثناء تعاني من اشكالات تنظيميه، ولا يعد احدها نموذجا يحتذي به للحديث عن التنظيمات، فامراض مثل تكلس القياده وعدم تغيرها، احتكار مستوي المعلومات، تهميش دور القواعد في صنع القرار، الجمود وعدم التطوير، غياب اليات المحاسبه والمساءله، ضبابيه القواعد الحاكمه للتنظيم وغيرها من الامراض التنظيميه التي تعج بها التنظيمات الاسلاميه بوجه عام، فضلا عما يختص به – من امراض - احد التنظيمات اكثر من غيره.

ومن ثم فان الحديث عن انحراف هذه التنظيمات عن مبادئها وعدم قدرتها علي الوصول الي ما وضعته لنفسها من اهداف يجب الا يتم تناوله دون التدقيق في اسبابه، ومعرفه هل كان هذا الفشل او هذا الانحراف ( اذا سلمنا به) هو نتاج عدم قدره التنظيمات علي اتباع سياسات قياده رشيده واهمال قواعد الحوكمه والماسسه، ام انه نتاج خلل بنيوي ناتج عن اشكالات التنظيمات الهرميه بالاساس.

ونحن نؤمن ان الامر مزيج من هذا وذاك، بل انه في بعض الاحيان ادت امراض التنظيم الي عدم ادراك المسارات الاستراتيجيه التي يتم السير بالتنظيم تجاهها، وربما تعتبر حاله جماعة الإخوان المسلمين نموذجا جيدا في هذا الشان، ومن ثم فتحميل جميع اخطاء – وخطايا – التنظيمات الاسلاميه الي الاشكال البنيوي في التطبيق ربما يعد تجاوزا في افراد الاشكال البنيوي بمسؤوليه ما الت اليه اوضاع التنظيمات الاسلاميه.

هل يمكننا التخلي عن التنظيمات الان؟

اذا سلمنا جدلا بان الخلل ينبع من بنيه التنظيم وليس في كيفيه تطبيقه، فاننا نجد انفسنا اما تساؤل اخر وهو هل يمكننا ان نتخلي عن هذه التنظيمات الان، ولكي تتضح هذه المساله يمكننا ان ناخذ المثل الذي كان محور سلسله المقالات وهو تنظيم الاخوان المسلمين. ان الصراع الحالي – منذ انقلاب المجتمع المدني في 30 يونيو/ 3 يوليو - قد استمر بهذا الشكل ولم يتم حسمه لما يزيد عن عام ونصف العام لاسباب كثيره، ولكن حجر الزاويه في هذا الاستمرار – وبتعبير اخر الصمود – كان هو وجود كتله صلبه هي الإخوان المسلمون ( ونحن هنا لا نغفل ان حجر الزاويه ايضا في طريق وصولنا لهذا الصراع هو نفس التنظيم ونفس الكتله الصلبه)، ومن ثم فان السعي حاليا لحل الجماعه دون الوصول لنتيجه – ولو جزئيه – للصراع يعني ببساطه هو الهزيمه الكامله لهذه الجوله من الصراع، مما يعني اشكالات عميقه في مستقبل الصراع بالنسبه للطرف المهزوم تجعل امكانيه لجوءه لخيارات اخري امر شديد الصعوبه، فعلي سبيل المثال اذا نظرنا الي مسار الشبكات الذي يطرحه الصديق ايمن عبدالرحيم، نجد ان كل ما تم بناءه من شبكات في فتره الحريه القصيره التي اعقبت الثوره تم القضاء عليها بشكل شبه كامل منذ الانقلاب، كم من مبادرات وجمعيات ومساحات عمل تم تدميرها ووقفها منذ الانقلاب، وما مثل درس الدكتوره هبه رءوف عزت في السلطان حسن او ما حدث ليقظه فكر، عنا ببعيد.

بل يمكننا ان نزيد من البيت شعرا فنقول انه بعيدا عن الصراع السياسي الحالي ، فان السعي لاهداف كبري مثل التحرر من الهيمنه والاستقلال الوطني بل ومحاوله تحرير المجتمع من قبضه الدوله ، كل هذه الاهداف وغيرها سوف تصطدم بتنظيمات عملاقه شديده الهرميه وشديده التعقيد، فمثلا كيف يمكن ان نواجه تنظيمات الشركات العبر- قوميه والتي تسحق كل ما يقف في وجهها من المؤسسات والشركات الصغري، ونحن نعلم ان معركه التحرر الوطني لن تتم بعيدا عن مثل هذا النوع من الشركات، كيف سيمكن ان تواجه تنظيمات جيوش العصر الحديث التي يمكن ان تمحي شعوبا باكملها من التاريخ والجغرافيا باسلحتها التي تتطور يوما بعد يوم، وهو سؤال يجب الاجابه عليه في قضيه التحرر الوطني، ويجب هنا ملاحظه ان امثله صمود المجتمعات في مواجهه التنظيمات الهرميه العسكريه لا تنجح بالضروره في كل زمان ومكان، ففي وقت متقارب للحمله الفرنسيه علي مصر كانت جحافل المستعمرين في امريكا الشماليه ( وفي وقت متزامن نوعا ، امريكا الجنوبيه ) قد استطاعت ان تبيد حضارات باكملها لا فقط مجرد شعوب او مجتمعات، كما ان التنظيمات العسكريه في العصر الحديث بما تحمله من تقنيات قد تجاوزت كثيرا المدفع المجرور بالحصان الذي دخل به نابليون علي القاهره .

لا نقصد هنا استحاله وجود اجابات علي هذه الاشكالات والاسئله، فهناك حدود لاستخدام القوه وما المقاومه الفلسطينيه عنا بعيد، كما ان مواجهه الشركات الكبري لها سبل يمكن ان تنجح، ولكن ماذا كان شكل التنظيم الذي استخدم في مقاومه الكيان الصهيوني، او ماذا كان شكل الدوله التي حاولت التحرر من هيمنه الشركات الكبري؟ ان ما نريد ان نقوله ان الوضع الحالي في مصر والاهم النظام العالمي القائم هو من التعقيد والتركيب بمكان ان اجابه بسيطه مهما كانت روعتها ومثاليتها لا تصلح بالضروره للاجابه عن الاشكالات الحاليه.

هل كان لدينا زمن بلا تنظيمات؟

ربما يجب علينا قبل ان نجيب علي هذا السؤال ان نراجع قليلا تعريف التنظيم، والحقيقه ان هناك اشكالات تتعلق بالتعريف الخاص بالتنظيم في العلوم الاجتماعيه الغربيه، فعلي سبيل المثال يتعامل علم السياسه مع المؤسسات اكثر من تعامله مع التنظيمات ، وهو ما يعني اهتماما اكبر بالمساله الرسميه، وكذلك الارتباط بالسلطه ومؤسساتها السياسيه، بينما لا يفرق علم الاجتماع كثيرا بين المؤسسه institution و التنظيم organization ، فهما شبه مترادفين في ادبيات علم الاجتماع المعنيه بالموضوع، كما ان نظريه التنظيمات organizational theory تعد مصبا للعديد من المقاربات ، ونفس الامر ينطبق علي نظريه المؤسسات institutional theory والتي تعد مجالا يتقاطع مع علوم الاجتماع والسياسه والاداره وغيرها.

سنحاول هنا ان نركز قليلا علي مقاربات علمي الاجتماع والسياسه، نظرا لارتباط الموضوع بهما بشكل اساسي، ويمكننا القول بانه من الصفات الاساسيه للمقاربات المختلفه لفهم وتحليل التنظيمات/المؤسسات هي القدره علي التاثير في افرادها، الهيكليه ، وجود منظومه قيميه ثابته، الروتين والاستمراريه.

سنحاول بناءا علي هذه الصفات الاربع ان نجاوب علي السؤال السابق وهو هل كان لدينا في الخبره التاريخيه الاسلاميه زمنا بلا تنظيمات هرميه؟ وبالرغم من انه قد ذكر بالمقال الاول – من السلسله -  ان الطرق الصوفيه – وهي الموجوده قديما – كانت تنظيمات هرميه بلا شك، الا اننا سنحاول التاكيد علي هذه النقطه من خلال فحص نموذج اخر هو المذاهب الفقهيه، فالمذاهب الفقهيه هي تنظيمات / مؤسسات لها قيم حاكمه هي الموجوده في اصول المذهب وقواعده الفقهيه، كما ان لها تاثيرا علي الافراد، فمتبعي المذهب لا يخرجون عليه فروعا بله الخروج علي الاصول، كما ان هناك هيكلا واضحا في المذهب، فلدينا مؤسس المذهب ( المجتهد المطلق ) والذي ياتي علي قمه المذهب ومجتهدي المذهب الذين يلونه في المرتبه ثم مجتهدي المساله ثم المقلدين ثم طلبه العلم، في شكل هرمي يعرفه كل من درس علم الفقه في اي من المذاهب ، فلكل مذهب امامه المؤسس ومجتهدي المذهب الذي عاده لا يخرج الراي المعتمد في المذهب عن رايهم ، ثم تاتي مسائل يذكر فيها ائمه اجتهدوا فيها الخ.

كما ان هناك روتينا واستمراريه في المذاهب ، وخاصه المذاهب الاربعه، بل ان اهم حجه لدعاه المذهبيه هو كون المذهب قد تمت خدمته، فهم لا ينكرون علم علماء اخرين لم يؤسسوا مذاهب مستقله، ولكنهم يحتجون بان احدا من تلامذه هؤلاء العلماء لم يهتم بخدمه مذهب شيخه ودراسته وتدريسه والعنايه به وتقعيد اصوله وتخريج فروعه والاجتهاد علي اصوله في جديد النوازل الخ. والان دعونا نري هل شهدت المذاهب الفقهيه تمسكا بالمذهب/المؤسسه/التنظيم علي حساب ما يمكن اعتباره حقا؟ نظن ان درس التعصب المذهبي ماثلا للعيان ولا يحتاج الي تذكير.

هل خرج المذهب/المؤسسه/التنظيم احيانا عن افكار مؤسسه نتاج تفاعل المذهب/المؤسسه/التنظيم  فانه يمكننا الحديث عن كيف ان المذاهب قد تستقر في نهايه الامر –اعتمادا - علي اراء بعينها في الفروع والاصول ( وهو الاصعب لان اصول الفقه هو عماد المذهب ) مخالفه لما قاله مؤسس المذهب.

ومن ثم فانه يمكننا ان نعيد التساؤل مره اخري، هل كان لدينا زمنا في التجربه التاريخيه الاسلاميه بلا تنظيمات، فيما نري ان لا، كما ان هذه التنظيمات في تجربتنا كان لها من الاهميه اكبر بكثير مما كان لها من مساوئ، هذا لا ينفي عنها مساوءها التي حدثت.

هل يجب ان يكون لدينا زمن بلا تنظيمات؟

يبدو هذا السؤال هو الاصعب، فالاجابه عنه هواجابه عن سؤال ما العمل والذي يستتبع ان يحمل المجيب تصورا متكاملا او شبه متكامل ، ونحن هنا لا ندعي ان لدينا مثل هذا التصور، ولكننا نستطيع ان نجيب حاليا بان نموذجا جديدا نرغب في اقامته سوف يحمل بالضروره مزيجا من التنظيمات الهرميه والشبكيه، فتعقد العصر الحالي قد استدعي حتميه مثل هذه التنظيمات، كل في مجاله، فتغول الدوله الحاليه قد استدعي ان تنتشر التنظيمات الشبكيه كمحاوله لتعزيز قوه المجتمع في مقابل تغول الدوله، كما ان ظهور نمط المشاريع الكبري التي تتطلب الالاف من العاملين والملايين من الجنيهات واحتياجات تنسيقيه مهوله ( مثل مشاريع الفضاء وغيرها ) سيحتاج حتما الي تنظيمات هرميه بشكل كبير، بالاضافه الي ان تطور المجال العسكري ، خاصه في مجال التسليح كلّي التدمير مثل الاسلحه النوويه وغيرها، والذي جعل امكانيه فناء شعب بل وشعوب بل والبشريه جمعاء هي امكانيه وارده بشده، خاصه في حال الصراعات بين قوي تملك مثل هذه الاسلحه.  

كما ان نموذجا جديدا لعصر جديد يعني – ضمن ما يعني- عدم الوقوف علي ما قد لحق بالتنظيمات الهرميه من مشاكل واشكالات ( بنيويه وعرضيه) ومن ثم فهذا يستدعي اجتهادا جديدا لايجاد حلول جديده لهذه الاشكالات.

ماذا عن الشبكات : هل كانت "عصا موسي" الخبره التاريخيه الاسلاميه ؟

ربما يجب قبل ان نفرغ من مقالنا هذا  ان نشير باختصار الي حال الشبكات وتاثيرها علي الخبره التاريخيه الاسلاميه. بالرغم من تسليمنا بكل ما لهذا النمط من الكيانات من فضل هائل علي الامه وحضارتها، الا انه يجب الاشاره الي ان وضعها لم يكن مثاليا ، كما انها لم تكن خاليه من الاشكالات، وسوف نشير الي مثالين ربما ينيرا الطريق في هذا الاتجاه " النقدي ".

بعيدا عن المثال الواضح في التعصب المذهبي الذي لحق بجماعه العلماء ، الا ان ما نود ان نشير اليه هو نقطتين اخريين هامتين، الاولي تتعلق بكيفيه تعامل جماعه العلماء مع انحراف مؤسسه الخلافه، فبالرغم من الامثله الكبري في هذا الشان الا ان جماعه العلماء ، والتي كانت تقوم بشكل رئيسي بوظيفه التشريع في الامه – كما يشير البشري - وكذلك وظيفه الرقابه السياسيه علي الحكام، قد فشلت في احيان كثير في منع انحراف مؤسسه الخلافه ، بل والاهم انها قد قامت بشرعنه هذا الانحراف كما نشهد في كتب السياسه الشرعيه والتي اقرت – علي سبيل المثال لا الحصر – جواز عهد الخليفه للخليفه الذي يلحق به، كما اقرت وشرعنت امكانيه عقد الامامه بعقد الواحد من اهل الحل والعقد ( ومن الممكن الرجوع لكتاب الاحكام السلطانيه للماوردي علي سبيل المثال في هذا الشان )، وهو ما يمثل خرقا هائلا في مبدا الشوري وحق الامه في اختيار حكامها.

النقطه الثانيه هي عدم مقاومه جماعه العلماء لما قامت به الدوله القوميه الحديثه من انتزاع اختصاصاتها بل ومحاصرتها سواء في التجربه العثمانيه – كما يشير نوح فيلدمان – او في التجربه المصريه – والازهر في قلب هذه الجماعه في مصر -. ان هذا التنازل الطوعي عن وظائف جماعه العلماء لصالح الدوله هو – في نظرنا – نتاج هذه " المقايضه " التاريخيه التي قام بها العلماء والتي اشرنا لها في النقطه السابقه. ونحن لسنا بحاجه الي بيان فداحه هذه النقاط علي التطور التاريخي لهذه الامه وما لحق بها من هوان وضعف ادي في النهايه لتفككها واستعمارها في نهايه الامر.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل