المحتوى الرئيسى

نحو منظومة عربية للتعاون وللأمن عمرو حمزاوي

02/21 12:42

منذ غزو صدام حسين للكويت في 1990، وبلاد العرب تفتقد بقسوه، وبتداعيات كارثيه، نظاما اقليميا فعالا يحمي امن شعوبها، ويضمن بقاء الدول الوطنيه، ويؤسس لعلاقات تعاون متكافئه مع القوي الدوليه والاطراف الاقليميه غير العربيه – اي الجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا – ويحول دون انتهاكها للسياده العربيه ودون تغول مصالحها علي المصالح العربيه، ويضع نهايه للصراع العربي ـ الاسرائيلي باقامه الدوله الفلسطينيه المستقله وبتفعيل حق عوده اللاجئين وبانسحاب اسرائيل من الاراضي العربيه المحتله وفقا لقرارات الشرعيه الدوليه.

عندما غزت القوات العراقية الكويت في 1990، كان للعرب بعض الترتيبات الاقليميه التي استقرت تدريجيا في سياق القرن العشرين وعبر مسارات تاريخيه وجيوسياسيه مركبه، وفي كثير من الاحيان متناقضه الوجهه: سقوط السلطنه العثمانيه وتكالب القوي الاستعماريه الاوروبيه علي بلاد العرب، نشوء الدول الوطنيه الحديثه في المشرق والمغرب العربيين في ظل هيمنه المستعمرين وتنامي حركات التحرر الوطني، رحيل الاستعمار الاوروبي التقليدي في اعقاب الحرب العالميه الثانيه (1939ــ 1945) وقدوم الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي واستلابه لارض فلسطين، تاسيس جامعه الدول العربيه كاطار اقليمي للتعاون وبزوغ عصر الجمهوريات العربيه في المشرق (باستثناء المملكه الاردنيه الهاشميه) وفي وادي النيل والمغرب العربي (باستثناء المملكه المغربيه)، اخفاقات متتاليه لتجارب الوحدة العربية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين (جسدت دوله الوحده المصريه ــ السوريه، الجمهوريه العربيه المتحده 1958ــ1961، نموذجها الابرز) علي نحو اسفر عن رسوخ الدول الوطنيه ككيانات الحكم الوحيده في بلاد العرب، مواجهات عسكريه متكرره مع اسرائيل وتكالب الولايات المتحده الامريكيه والاتحاد السوفيتي السابق (1917ــ1991) علي مناطق النفوذ ومصادر الطاقه وحرب بارده عربيهــ عربيه بين مصر والسعوديه في الستينيات وحرب بينهما بالوكاله في اليمن وصراعات حدود عربيهــ عربيه بين دول اخري (الجزائر والمغرب علي سبيل المثال) ثم كارثه 1967، اعاده ترتيب العلاقات العربيه ــ العربيه في السبعينيات واعاده تعيين مناطق نفوذ القوي العظمي بعد حرب اكتوبر 1973 وفي سياق التراكم غير المسبوق لريع النفط والتسويه السلميه بين مصر واسرائيل وتراجع دور جامعه الدول العربيه ودور حكومات الدول الوطنيه – النظام الرسمي العربي ــ علي وقع عجزها عن فرض حل عادل للقضيه الفلسطينيه او وضع حد للعدوانيه الاسرائيليه وسياسات الاستيطان او انقاذ لبنان من دمار الحرب الاهليه ومن كارثه الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم تصاعد دور حركات المقاومه (الشعبيه / غير الحكوميه) الفلسطينيه واللبنانيه، اسقاط الثوره الايرانيه لحكم الشاه رضا بهلوي في 1979 وتاسيس الجمهوريه الاسلاميه ونشوب الحرب العراقيه ــ الايرانيه 1980ــ 1988 التي استنزفت الدولتين بشريا واقتصاديا وعسكريا، ابتعاد القضيه الفلسطينيه عن واجهه العمل العربي المشترك وقبول منظمه التحرير الفلسطينيه لحل الدولتين في 1988.

ومع ذلك، لم يكن العرب طوال القرن العشرين وحتي غزو صدام حسين للكويت 1990 يعانون اقليميا مما الت اليه احوالهم في اعقابه. بجانب تورط جيوش الدول العربيه في حروب بينيه علنيه وواسعه النطاق (شارك الجيش المصري والجيش السوري مع جيوش دول مجلس التعاون الخليجي في التحالف الدولي لتحرير الكويت الذي قادته الولايات المتحده الامريكيه وواجهت به الجيش العراقي)، اعاد غزو الكويت الجيوش الغربيه وقواعدها العسكريه الي بلاد العرب بعد ان كانت قد رحلت مع رحيل الاستعمار الاوروبي في منتصف القرن العشرين وبعد ان اجبرت المقاومه اللبنانيه والفلسطينيه القوات الأمريكية والفرنسيه علي الانسحاب سريعا من لبنان في 1983 (ولم يطل كذلك امد وجود القوات الامريكيه في لبنان في 1958). وبقواتها وقواعدها العسكريه المنتشره في الخليج، تحولت الولايات المتحده الامريكيه من قوة عظمى مؤثره في التطورات الاقليميه (بل والداخليه في بعض الدول العربيه) عبر نفوذها وتحالفاتها الي قوه عظمي ذات وجود عسكري دائم علي الارض العربيه قابل للتوظيف المباشر لتحقيق اهدافها وحمايه مصالحها. وفيما بعد مكن الوجود العسكري الامريكي، وكذلك التسهيلات العسكريه الكثيره التي عمدت دول الخليج وبعض الدول العربيه الاخري الي منحها للولايات المتحده ولبريطانيا وحلفائهما الغربيين، من غزو واحتلال العراق ومن القيام بعمليات عسكريه اخري. اما الدول العربيه، التي قبلت وجود القواعد العسكريه علي اراضيها او التي منحت التسهيلات العسكريه او التي لم تفعل لا هذا ولا ذاك، فتابعت منذ 1990 او بالاحري تابعت شعوبها استباحه الجيوش الغربيه للاراضي العربيه، ؟؟؟؟واعتياش العدوانيه الاسرائيليه في استباحتها للاراضي العربيه في فلسطين ولبنان وسوريا علي استحاله الاستباحه الي وضعيه عربيه دائمه تجد بين الدول العربيه من يؤيدها جهرا او سرا، وانهيار تقاليد القرن العشرين الاقليميه التي حمت السياده الوطنيه وحالت بين الاطراف الدوليه والاقليميه غير العربيه وبين التدخل في شئون العرب.

ولم يكن لحروب الجيوش العربية البينيه وللوجود العسكري الدائم للولايات المتحده الامريكيه وللاستباحه المتكرره للاراضي العربيه غير ان ترتب مجتمعه الانفراط الكامل للترتيبات الاقليميه، وسقوط جامعه الدول العربيه واطر التعاون والعمل المشترك التي استندت اليها في خانات اللافعل واقتصار الدور علي الحضور الرمزي، وتعالي وتائر الصراعات المسلحه والحروب الاهليه والنزعات الانفصاليه وديناميه تفتت الدوله الوطنيه في مناطق مختلفه، وتغول القوي الكبري والاطراف الاقليميه غير العربيه علي بلاد العرب، واختزال القضيه الفلسطينيه في عبث تفاوضي لا نهايه له وتشويهها بصراعات فلسطينيهــفلسطينيه بينما الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي يواصل ابتلاع الارض. وعمق غياب الديمقراطيه وعجز السلطويه الحاكمه في بلاد العرب، اذا ما استثنينا دول الخليج، عن تحقيق التنميه المستدامه وتحسين الظروف المعيشيه لشعوبها وصون السلم الاهلي والتاسيس لمواطنه حديثه تستند الي المساواه والحقوق والحريات من التداعيات الكارثيه لانهيار الترتيبات الاقليميه.

بين 1990 و2015، انهار الصومال واختفت دولته الوطنيه ولم تخرج من ارضه الي اليوم القوات الاجنبيه. بين 1990 و2015، غزت الولايات المتحده وحلفاؤها العراق ورتب الاحتلال الامريكي تفتيت مؤسسات واجهزه الدوله الوطنيه وعجز، كما هو متوقع، عن بناء اطار جديد للحكم ولاداره شئون الناس، والحصيله اليوم هي دولة فاشلة تتكالب عليها طائفيه شيعيه تسيطر علي مناطق الجنوب والوسط مدعومه بالنفوذ الايراني كما يتكالب عليها النزوع الكردي للانفصال في الشمال وحال السكان السنه الذين تتنازعهم عصابات الارهاب والعنف من قاعده الزرقاوي الي داعش البغدادي والمخاوف المشروعه للاقليات المسيحيه التي تواجه اجرام ودمويه داعش. بين 1990 و2015، انفصل جنوب السودان عن شماله واستعرت الصراعات المسلحه والحروب الاهليه في اقاليم اخري من دارفور الي كردفان. بين 1990 و2015، توحد اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي في بدايه التسعينيات وتجاوز حربا اهليه في منتصفها ثم ها هو يعاني خلال السنوات القليله الماضيه من ديناميه التفتت الصومالي التي تفرض عليه مصير الدوله الفاشله بصراعات مسلحه متتاليه تتداخل بها العناصر الطائفيه والقبليه مع اتساع مساحات فعل عصابات الارهاب والعنف ومع صراعات وحروب بالوكاله بين القوتين الاقليميتين ايران والسعوديه، والحصيله يمنيا هي انهيار مؤسسات الدوله الوطنيه وعربيا هي وصول ايران الي مضيق باب المندب. بين 1990 و2015، لم يعد السيناريو الصومالي / اليمني ببعيد عن سوريا التي حولت بها الجرائم الوحشيه لعصابات الاسد وجرائم عصابات الارهاب والعنف، والطرفان يحصلان علي دعم دولي واقليمي تسليحا وتمويلا، ثوره شعبيه من اجل الديمقراطيه الي صراع مسلح وحرب اهليه ودمويه ، ولا عن ليبيا التي تمزق اوصالها حروب الكل ضد الكل ويتوطن بها الارهاب وتغيب عنها سلطه الدوله الوطنيه، ولا عن لبنان بدولته المعطله المرتهنه للطوائف وللسلاح الايراني وللمال الخليجي ولتداعيات الصراع في سوريا ولشبكه حلفاء اسرائيل. بين 1990 و2015، وكما تمكنت ايران من التغول علي المصالح العربيه في العراق ولبنان واليمن وواصلت اسرائيل الامعان في استيطانها وعدوانيتها، تحولت تركيا من طرف هامشي في معادله القوه والنفوذ في بلاد العرب الي طرف اساسي له حلفاؤه بين الدول العربيه وخصومه بين الدول العربيه ايضا ويتورط في الصراعات المسلحه والحروب الاهليه في سوريا والعراق وربما في ليبيا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل