المحتوى الرئيسى

سياسة بلا استراتيجية.. الدول العربية وأزمة المياه

02/20 19:22

"الامر الوحيد الذي قد يجرُّ مصر الي الحرب مره اخري هو المياه The only matter that could take Egypt to war again is water"

الرئيس المصري محمد انور السادات 1979

وسط الازمات المتتاليه التي يعيشها الوطن العربى المنكوب بحكامه واهله، يغفل الناس عن حقائق الجغرافيا والتاريخ التي لا يمكن ان يهربوا منها او ان يحيوا بمعزل عنها.. من بين تلك الحقائق وضع المياه في وطننا العربي الذي نتناوله هنا. وسنبدا المقال باستعراض مجموعه من الحقائق المبدئيه عنه:

الحقيقه الاولي: تعيش المنطقة العربية فيما يسمي بحزام العطش داخل المنطقه الجافه وشبه الجافه التي تمتد من موريتانيا غربا الي ساحل عمان والخليج شرقا، ومن حدود تركيا شمالا الي وسط السودان جنوبا. يتعرض الناس في تلك المنطقه الي فترات طويله من الجفاف وقله المياه المتساقطه.

الحقيقه الثانيه: تقع مصادر المياه في ايادي غير عربيه بعضها عدائي بالجمله، والاخر نواجه معه تحديات كبيره نظرا لضعف الديبلوماسيه وفقدان الاراده الفاعله. فعلي سبيل المثال: يخرج النيل من هضبه الحبشه في اثيوبيا وهضبه البحيرات في اوغندا. اما نهر الاردن فتقع اجزاء كبيره منه تحت سيطره اسرائيل التي تعتمد في توفير 70% من مياهها علي موارد الانهار، ومنها نهر الاردن والليطاني واليرموك، وكذلك المياه الجوفية في مرتفعات الجولان المحتله والضفه الغربيه.. اما نهرا دجله والفرات فينبعان من الاراضي التركيه؛ هذا يعني صعوبه التحكم في المياه وضمان حصه الفرد منها، كما يعني زياده الاطماع في الثروات المائيه المتناقصه.

الحقيقه الثالثه: علي الرغم من الاهميه المتزايده للمياه لا توجد اتفاقيه واحده حازت علي رضا دول المنبع والمصب، وهذا يشمل انهار (النيل ودجله والفرات والاردن وروافده).

الحقيقه الرابعه: تاخذ اسرائيل مساله المياه علي محمل الجد.. يقول حاييم وايزمان - الرئيس الاول للكيان الصهيوني: "ان مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يَعتمد علي موارد مياهها للري والكهرباء. وتستمدّ موارد المياه بصفه رئيسيه من مُنحدرات جبل الشيخ، ومن نَهْرَيِ الاردن والليطاني، ونري من الضروري ان يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطان".

كانت اسرائيل قد مهَّدت لحرب يونيو 1967م بغارات استهدفت نهر الحاصباني؛ لمنع تحويل قسم من مياهه الي مَجرَي نهر اللّيطاني. كذلك ليس سرًّا ان احد الاهداف الرئيسيه لحرب 1967م كان تدمير المنشات العربيه علي المجري الاعلي لنهر الاردن، وسدِّ خالد بن الوليد علي نهر اليرموك. وفي هذا السياق، يُجمِع المحللون علي ان احتلالَ اسرائيل لهضبه الجولان السوريه انما كان لاسباب عسكريه تنبع من موقعها الاستراتيجي المطلِّ علي اسرائيل، وايضًا لاسباب مائيه ظهرت فيما بعد كما سبق وذكرنا. كما انَّ استيلاء اسرائيل علي الجنوب اللُّبْناني في 1978م ثم 1982م، قد ضَمِنَ لها التحكُّمَ في مِياه نهري اللّيطاني والوزاني.

كما تمتلك اسرائيل الكثير من الخطط لتحويل مجري مياه نهري الاردن والليطاني، منها ما نفذ بالفعل، لتستحوذ اسرائيل علي اكبر نسبه ممكنه من المياه العربيه. وفيما يلي بيان بما تستهلكه اسرائيل من المياه العربيه في السنه (المصدر: د. بسَّام النصر: الصراع علي مياه واراضي مناطق الحكم الذاتي، ص 537):

المصدر كميه المياه (بالمليون م3) نهر الاردن 800 هضبه الجولان 35 نهر الليطاني 400 نهر اليرموك 85 الضفه الغربيه 600 قطاع غزه 35 المجموع 1.955

ورغم هذا؛ ما يزال نصيب الفرد الاسرائيلي يقع تحت خط الفقر المائي؛ لذا نترقب مزيدا من الطمع الاسرائيلي في المياه..

الامن القومي هو نظريه تهدف للحفاظ علي بقاء الدوله من خلال استخدام القوه الاقتصاديه والعسكريه والسياسيه وممارسه الدبلوماسيه، ويشمل الامن القومي مفاهيم مثل الامن الغذائي وامن المياه والطاقه..

والسؤال الان.. هل تمتلك الدول العربية استراتيجيه موحده للتعامل مع المياه بما يحفظ حياه الدول واستقلالها؟ والحقيقه المخجله ان الدول العربيه تتخبط بدون استراتيجيه موحده وانما تتعامل وفقا لسياسه الازمات للخروج باقل قدر من الخسائر الممكنه.

وفي الاونه الاخيره، تحديدا عام 2011، اعلنت اثيوبيا عن نيتها بناء سد لتوليد الطاقه الكهربائيه وزياده حصتها من مياه النيل..

وقبل ان نخوض في الحديث عن السد واثره علي المياه، يجب ان نستذكر اولا تاريخ الاتفاقيات التي حكمت توزيع مياه النهر.. فبين عامي 1902 – 1925 وُقعت اتفاقيه اديس ابابا وبعض مذكرات التفاهم بين بريطانيا وايطاليا (نيابه عن اثيوبيا)، اعترفت فيها ايطاليا بالحقوق "المكتسبه" لمصر والسودان في مياه النيل وتعهدت بعدم اقامه مشروعات تضر بالمياه المتدفقه الي المصب. وفي عام 1929 وقعت مصر مع بريطانيا (نيابه عن السودان وكينيا واوغندا وتنجانيقا) اتفاقيه اعطت لمصر حق الرقابه علي طول مجري النهر الي مصبه.

وفي عام 1959 وقعت مصر اتفاقيه مع السودان لتقاسم مياه النيل. والي الان لم توقع، اي مصر، اتفاقيه بشكل مباشر مع دول المنبع بعد حصول هذه الدول علي استقلالها..

ما هي وجهه النظر الاثيوبيه؟

تري اثيوبيا ان الاتفاقيات التي وقعت لتقسيم مياه النيل بين مصر وانجلترا وايطاليا غير ملزمه لها؛ وذلك لانها وقعت في فتره كانت اثيوبيا فيها تحت الاستعمار الاجنبي. كما ان اثيوبيا تستهلك من مياه النيل سنويا ما يقارب ال1% فقط، وهذه نسبه قليله اذا ما قورنت بالاهدار المصري في انظمه الري المتهالكه، وكميه المياه التي تهدر في البحر الابيض المتوسط.

سواء اتفقنا علي حق اثيوبيا في بناء السد او لا؛ فان الحقيقه تقر ان حمايه وتامين منابع مياه النيل هي الدور الاهم لاي حاكم مصري منذ الفراعنه. فجغرافيه مصر تفرض عليها ارتباطا لا ينفك بمنابع النيل في اثيوبيا تحديدا؛ مع هذا فقدت شهدت العلاقات المصريه الاثيوبيه تراجعا في عهد مبارك مما سمح لاسرائيل بالالتفاف حول مصر عن طريق اقامه علاقات ثنائيه قويه مع اثيوبيا.

هل ستؤدي مشكله المياه الي صراع مسلح؟

ينبغي قبل الاجابه علي هذا السؤال ان نقرر اولا ان المياه في حد ذاتها عنصر محايد؛ بمعني انها قد تصبح مجالا لعلاقات نزاع وخلاف، بيد انها بمفردها لا يمكن ان تؤدي الي حروب واسعه النطاق، ولكنها يمكن ان تكون احد الاسباب الدافعه لنشوبها. فقد حسمت اسرائيل مبكرا هذا النزاع لصالحها بالقوه العسكريه. وبالنسبه لمصر لم يتم بعد استنفاد بقيه الوسائل الديبلوماسيه والتحكيم الدولي مع دول المنبع.

في الختام.. ليست المشكله في ان يملك الاخرون خطه؛ لكن المشكله انه الي اللحظه التي تم فيها الاعلان عن بناء السد، لم يكن النظام المصري يملك ادني فكره عنه.

يكمن الخطر وراء سد النهضه الذي سيكتمل بناؤه في عام 2017 في انه، وخلال اول عامين وريثما يكتمل امتلاء خزان السد بالمياه، سيؤثر تاثيرا حادا علي حصه دول المصب. كما وانه علي المدي البعيد سوف يقلل نصيب دول المصب من المياه ويفقدها سيادتها علي امنها الغذائي والمائي.

ان حقيقه ان مصر والسودان تواجهان خطرا وجوديا لا يعني بشكل او باخر عدم احقيه اثيوبيا في استغلال مياه النيل. لكن الحقيقه هي ان الخطا يكم في عدم امتلاك تلك الشعوب استراتيجيه واضحه لامنها القومي، فتعادي الصديق وتصادق العدو، وتعيش علي امجاد الماضي، وتلقي بنفسها في التهلكه.

لن يكون الحل العسكري مجديا؛ فالامر علي درجه عاليه من الاهميه بالنسبه لاثيوبيا حيث ان لديها الحق هي ايضا في تنميه مستدامه. ولم يتبق امام العرب من مصر الي الاردن ولبنان الا تبني استراتيجيه واضحه للدفاع عن الامن القومي، تبدا بحمايه الثروات المائيه عن طريق تعظيم المنفعه المشتركه والتواجد الثقافي والدبلوماسي، ووضع اطر حقيقيه تنظم مساله المياه. فليس هناك من حديث عن امن قومي قطري او عربي لا يتناول مساله المياه بشكل واضح.

1- سياسة مصر العسكريه ازاء حروب الشرق الاوسط - لواء دكتور صلاح سالم.

2- الاطماع الاسرائيليه في المياه العربيه - بحث لامل سليم الوزير.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل