المحتوى الرئيسى

أورهان باموق: كل ما قمعه المشروع الأتاتوركى يعود متخفيا فى رواياتى‬

02/20 11:43

‬‬اورهان باموق رجل وسيم، وهو يدرك ذلك ويستخدم وسامته كراسمال مضاف لشهرته الادبيه وتربيته البرجوازيه الناعمه. التقيته في ندوه ادبيه في كوبنهاجن قبل ما يقرب من عشرين عاما، واقمنا بضعه ايام في الفندق نفسه. لم يكن قد حصل علي جائزه نوبل وقتها، الا انني لاحظت كما لاحظ غيري تحفظه في التعاطي مع الاخرين، تحفظا تشوبه مسحه من التعالي وان ظل تعاليا مهذبا. ‬

الاسبوع الماضي وبينما ننتظر باموق في بهو فندق "الفورسيزونز" هنا في القاهره، تساءلتُ والصديق يوسف رخا عن صوره الكاتب الناجح الي هذا الحد. وردا علي قولي ان زهوه بنفسه لابد وان يكون قد ازداد مع صعود نجمه قال يوسف: "هذا رجل حاز جائزه نوبل قبل ان يبلغ منتصف الخمسينيات، علي عكس نجيب محفوظ واخرين لم تصل اليهم الجائزه حتي مراحل متقدمه من العمر... والبادي انه اعتنق الدور الذي هياه له مثل هذا النجاح ايضا.. لم لا؟"‬.

ادهشنا باموق فور وصوله باصراره علي ذكر ما لا يود ان يتطرق له من موضوعات، وايضاح ما يود ان يقوله اذا ما تطرق لها، الا اننا فهمنا قلقه حين ادركنا ان تحفظاته تتعلق بامور سياسيه راهنه. يقول: انا احب الادب عشره اضعاف السياسه، وبما اننا جميعا نحب الادب اكثر من اي شيء اخر، فدعونا نتحدث من خلال ما نحب. ‬

فيمزح يوسف مشيرا الي: "لست متاكدا اذا ما كانت هي تحب الادب اكثر من السياسه." ونضحك جميعنا قبل ان اوضح لباموق ان جيلي تربي وسط الاحداث السياسيه الساخنه فلم يكن ممكنا تجنب السياسه. الا ان باموق نفسه ــ وهو من ذات الجيل ــ استطاع ان ينحي السياسه جانبا في القسم الاكبر من اعماله. اساله كيف.‬

يقول باموق: لنبدا من هنا. فعلي الرغم من انني لا اعد نفسي من رجال السياسه الا ان تركيا مرت باحداث سياسيه كثيره ساخنه، ولذا احيانا ما اجد نفسي مضطرا للتعليق في وسائل الاعلام علي الاحداث السياسيه في بلادي، نظرا لانهم لا يجدون غيري للتعليق ولاني احب ان اكون صريحا.‬

"اذن لنبدا من التجربه التركيه كما تنعكس في اعمالك" ــ هكذا اجيبه ــ خاصه روايه "الثلج" (2002)، والتي قلت انها عملك السياسي الوحيد. انت تتناول فيها التيارات السياسيه المختلفه وقضايا العلمانيه والاسلام السياسي.."‬.

يقول باموق: مصر بلد محوري في فهم العلاقه بين الاسلام والسياسه والعلمانيه، وكذلك تركيا. وقد كتبت روايه "الثلج" كمحاوله لتناول هذه القضايا ادبيا. لقد قلت لنفسي وانا اشرع في كتابه هذه الروايه: لقد اخترت الاطلال علي روح الامه في رواياتك السابقه، مره من نافذه الفن كما في روايه "اسمي احمر"، ومره من خلال مدينه اسطنبول كما في روايه "الكتاب الاسود". والان جاء وقت الاطلال علي الامه من خلال نافذه السياسه. يعرف الناس في مصر وفي العالم الاسلامي بل وفي انحاء اخري من العالم غير الغربي حاله التوتر بين الدين وبين الحريات الفرديه والحداثه بشكل عام. ‬

وفي روايه "الثلج" قمت بعمل معالجه دراميه لهذا التوتر. ان جزءا كبيرا من شعبيه هذه الروايه في عالمنا له علاقه بتناولها لموضوع التقاليد في مواجهه النزعه الفرديه، وله علاقه ايضا بتناولي لموضوع مكانه الجيش في المجتمع. اما في الولايات المتحده واوروبا فان شعبيه هذه الروايه لم تتات بسبب طرحها لتلك القضايا بل في الاساس بسبب تناولها لموضوع الاسلام السياسي وهو ما كان الغرب يخشاه ولا يعرفه. وهكذا بدا وكان كتابي يفتح لهم عالما مجهولا، بينما في عالمنا نحن استطاع القراء تفهم ما اتحدث عنه من صراع بين الفرديه وبين الانتماء للامه وتحدي القوي المهيمنه سياسيا، تناولي لمكانه الجيوش الابديه في مجتماعاتنا ادانتي لتعامل البوليس الهمجي مع الشعب.. وكلها ظواهر معروفه لشعوب منطقتنا.‬

يقول يوسف: "يبدو لي من اعمالك ومما قرات من سيرتك انك نشات بمعزل عن تيارات الاسلام السياسي"‬.

يرد باموق: نعم، انا انتمي طبقيا للشرائح العليا من الطبقه الوسطي، وهي الشرائح البرجوازيه المؤمنه بالمبادئ الجمهوريه والعلمانيه. وفي الزمن الذي نشات فيه استطيع ان اقول ان ثمانين في المئه من تكوين الطبقه العليا في تركيا كان علمانيا. اما الان فان تركيب الطبقات العليا قد اختلف كثيرا.‬

فيعود يوسف يؤكد: "اعتدنا في مجتماعاتنا ان نري الدين كعنصر اساسي في تنميه الحس بالانتماء للجماعه، هل تعتقد ان العلمانيه تستطيع ان تخلق بين معتنقيها هذا الحس الجمعي نفسه؟"‬.

يجيب باموق: بكل تاكيد. فهناك في تركيا جماعه علمانيه قويه وانا انتمي لهذه الجماعه. انا اؤمن بشده بالعلمانيه التي تربيت عليها في عائلتي وتعلمتها من خلال قراءاتي ومعتقداتي الانسانيه. ولكني عشت هذه القيم ومارستها من خلال العائله قبل ان اتوصل للاقتناع باهميتها من خلال القراءه. ولم اتعلم العلمانيه وحدها من عائلتي بل تعلمت ايضا احترام الكثير من القيم المرتبطه لدي بالغرب: قيم الاحترام لقدره الفرد علي العمل الخلاق، وتقدير الغرابه والتفرد والاختلاف. لقد تعلمت هذه الاشياء من عائلتي اولا.‬

نسال: "هل نفهم من كلامك اذن ان العلمانيه لم تمثل اي عقبه تاريخيه في تركيا امام الانتماء للمجموع؟ وهل العلمانيه والكماليه صنوان؟"‬.

فيؤكد: لا اري اي مشكله تاريخيه مع العلمانيه. المشكله تنشا من اساءه استخدام شعارات العلمانيه في اضفاء الشرعيه علي الانقلابات العسكريه وعدم احترام اصوات الناخبين. وللاسف فان الجيش التركي اعتاد في الماضي ولعقود طويله اساءه توظيف العلمانيه ولكن هذا الامر اصبح من الماضي الان فالجيش لم يعد يتدخل في السياسه. اما بالنسبه للكماليه فانا احب كمال اتاتورك. لقد ظهر بعد الحرب العالميه الاولي في عصر مختلف عن عصرنا ولا يجوز الحكم علي ما قام به بمقاييس عصرنا الحالي.‬

"لكن طالما ان العلمانيه والقيم الغربيه هي نقطه انطلاقك وطالما انك لا تجد مشكله في الانتماء لها قلبا وقالبا" ــ هكذا يقول يوسف، مصمما علي الخوض في القضيه ــ "من اين ياتي الاحساس بالاختلاف عن الغرب وحس الاغتراب الذي نستشعره في اعمالك؟"‬.

يتمهل باموق لوهله قبل ان يجيب: نعم، انا مختلف. انا مختلف لان ثقافتي مختلفه نظرا لان تركيا ــ بلدي ــ تختلف عن البلدان الاخري. ولكن هذا لا يعني عدم اعتناق العلمانيه. انا اؤكد في اعمالي علي اختلاف ثقافتي ولكني اؤكد ايضا علي القيم الغربيه التي احبها كاحترام حقوق المراه وحريه التعبير والصحافه واحترام حقوق الاقليات واحترام اصوات الناخبين. انا اؤمن بالديمقراطيه البرلمانيه. لست بالشخص الحالم الذي يريد تغيير العالم من خلال المشاريع السياسيه الكبيره.. ولكن ها قد عدنا الي السياسه. (وهنا يرتفع صوت باموق بما يشبه الضجر)، الم نقل اننا سنبتعد عنها؟‬

اقول: "فلنبتعد عن السياسه اذن ونتحدث عن علاقتك بالتاريخ العثماني الذي تناولته في عملين من اعمالك هما، القلعه البيضاء واسمي احمر".‬

يستطرد: اعمالي هي في جزء منها رد فعل علي كتابات الاجيال التي سبقتني من الكتاب الاتراك، والذين تبنوا الواقعيه المباشره مثلهم مثل اغلب الكتاب في هذا الجزء من العالم. لقد امنوا بالخطاب الغربي عن النمو والتقدم بشكل ساذج فاعتقدوا ان التدين الشعبي سيختفي حينما تتحسن امورنا الماديه. ولم ينتبهوا لاهميه الدين في فهم حياه البشر. وكان من اثر هذا كله تبني الواقعيه المباشره في الكتابه الادبيه، سواء اكانت واقعيه اشتراكيه او واقعيه نقديه. اذكر انني عندما بدات الكتابه الادبيه كانت النماذج المطروحه للادب تتمثل في كتابات شتاينبك ومكسيم جوركي وربما هيمنجواي الي حد ما. لم تكن هذه الذائقه تتسع حتي لاعمال ويليام فوكنر الذي كانت تعتبر اعقد مما ينبغي. ‬

لقد تم تجاهل الجوانب المعقده والسوداء في النفس البشريه والحنايا غير العقلانيه وغير المفهومه في العقل البشري. انا اردت حين شرعت في الكتابه ان اتناول هذه القضايا التي تم تجاهلها طويلا. واذا اردت ان اصيغ هذه القضيه بشكل ابسط لعلني اقول: مثلما احب الواقعيين الاتراك جوركي وشتاينبك، احببت انا نابوكوف وبروست وبورخيس. ولم يعجبني في الموروث التركي اليساري تجاهل الجوانب التي تتناولها اعمال من احببت من الكتاب.‬

اسال: "هل تعني بميراث الكتابه اليساريه في تركيا ادباء كعزيز نسين مثلا؟" لكن قبل ان اورد الاسماء الكبيره الاخري في الأدب التركي التي اريد ان اساله عنها ــ ناظم حكمت، علي سبيل المثال ــ يبدو الضيق الشديد علي وجه باموق، وبصوت حاد يقاطعني: لا تدفعي بالاسماء في وجهي.‬

يواصل: هذا الجيل ايضا لم يكن مهتما بالموروث الثقافي العثماني. وقد اردت لهذا الموروث ان يظهر بوضوح في روايه "اسمي احمر". لقد ساد في الادب التركي الحديث اتجاه عام لتجاهل المواضيع المتعلقه بالاسلام. فاذا ما تحدثنا مثلا عن جلال الدين الرومي او فريد الدين العطار فان هذا يغضبهم، بينما اعتقد انه من الممكن الجمع بين العلمانيه وبين الاهتمام بالتراث. اننا اذا ما تمعنا في هذا التراث الثقافي الثري والجميل يمككنا ان نخرج بكتابه معاصره وعلمانيه جديده. فواجبنا ككتاب هو اكتشاف اشكال جديده من الكتابه الحديثه عوضا عن تقليد بورخيس وادجار الان بو.‬

تتناول روايه "اسمي احمر" حرفه الرسم التي احبها بالرغم من فشلي فيها، ولكنها تتناول ايضا النصوص الكلاسيكيه، ذلك ان نشاه حرفه الرسم الاسلامي ارتبطت بالرسوم الايضاحيه لهذه النصوص الادبيه. ولهذا اردت احياء ذلك التراث الادبي لاقول للقارئ التركي: هاكم اعمال تقابل اعمال شكسبير في بريطانيا مثلا. فالساده الاتراك في القرن السابع عشر كانوا يتعاملون مع هذه النصوص مثلما يتعامل الانجليز مع شكسبير الان. وبينما كنت اقرا هذه الاعمال من موقعي الطبقي كاحد ابناء الطبقات العليا الذين يقطنون الاحياء الراقيه، كنت اكتشف اشياء جديده بالنسبه لي. فقد تم تهميش الثقافه التقليديه والنظر اليها باعتبارها ثقافه الطبقات الدنيا حيث ان التغريب في تركيا كان في جانب من جوانبه ظاهره طبقيه.‬

وهنا يسال يوسف: "عندما بدات في تناول الموروث العثماني هل احسست بانه اجنبي او غريب عنك، واذا كان الامر كذلك فكيف تمكنت من استعاده القرب اليه؟"‬.

لم يكن هذا التراث اجنبيا. لم اكن اعرف الكثير عنه لكن هذا لا ينفي انه كان مالوفا جدا، لان كل هذه الحواديت التي تنتمي للقرون الوسطي تسللت بشكل خفي الي الثقافه الشعبيه التركيه المتمثله في الافلام وطرق السلوك اليومي والطقوس الحياتيه. واحيانا ما اقول مازحا ان كل ما تم قمعه (بالمفهوم الفرويدي) بسبب المشروع الحداثي الاتاتوركي يعود متخفيا في رواياتي. فرواياتي تمثل عوده التراث العثماني التقليدي المقموع متخفيا في ثوب ما بعد حداثي. وهذ احد اسباب شعبيه اعمالي. ‬

يضيف يوسف: "فهل يجوز اذن وصفك فيما بعد ــ بالاسلامي؟" فيضحك باموق نافيا بشده، رافضا التصنيفات وقائلا انه ليس حتي مابعد ــ حداثيا، الامر الذي يستدعي سؤاله عن التجارب الشكليه في اعماله ومحاولاته التوصل الي اسلوب خاص في الكتابه او ومتي تم ذلك وضعا في الحسبان انه جرب اشكالا مختلفه للتناول الروائي بدءا من اسلوب الواقعيه النقديه في عمله الاول "جودت بك وابناؤه" (1982) ومرورا بالكتابه البوليسيه التي تتناول جماعات سريه منغلقه علي نفسها في "الكتاب الاسود" (1990) بل وعالم القوي السحريه السفلي في "الحياه الجديده" (1994).‬

اقول: "الان وقد تجاوزت الستين هل يمكن القول انك توصلت لاسلوب محدد تعرف عندما تجلس للكتابه انك ستكتب من خلاله؟"‬.

يجيب: اعتقد انني توصلت لما تصفين باسلوبي الخاص بعد ان فرغت من كتابه "القلعه البيضاء" واثناء كتابه "الكتاب الاسود". وقتها احسست بانني قد عثرت علي الصوت المناسب لي. وعندما يشعر الكاتب بانه عثر علي صوته فانه يبدا في تقليد نفسه. فمثلا "اسمي احمر" تحمل الكثير من سمات "القلعه البيضاء" و"الكتاب الاسود". انا الان اكثر من اي وقت مضي امتلك حسا قويا باسلوبي الخاص. دعيني احاول ان ابسط سمات اسلوبي الخاص هذا كما اراها او كما يتلقاها القارئ. في حالتي الخاصه اجدني موزعا بين نوعين من القراء: القراء الذين يهمهم الادب في المقام الاول يقولون ان "الكتاب الاسود" اهم اعمالي وانني لن اكتب عملا اخر يفوقه، بل احيانا ما يقول لي احد هؤلاء عندما اصدر كتابا جديدا: لقد خنت "الكتاب الاسود" مره اخري. اما النوع الاخر من القراء فهو النوع الذي اعجب بالقصه الواقعيه لاربعين سنه من التاريخ الاجتماعي التركي في روايه "جودت بك"، وهؤلاء عاده ما يقولون: لقد بدات بدايه قويه ثم اتيت بافعال غريبه بعد ذلك جريا وراء ما بعد الحداثه. وكلما بدا لي انني ارضيت احد الطرفين، فانني اجد الطرف الاخر قد غضب. ويبدو انني ساقضي بقيه عمري موزعا بينهما. ‬

يسال يوسف: "وهل ينطبق نفس هذا الامر علي القراء خارج تركيا؟".‬

فيقول باموق: الوضع يختلف خارج الدائره التركيه فعاده ما يصبح الاديب معروفا في الغرب، نظرا لاعجاب القراء بعمل معين. طبعا هناك من يقرا اكثر من عمل للكاتب نفسه، ولكنني مثلا معروف في الولايات المتحده بسبب روايه "الثلج"، بينما لا يهتم القارئ الصيني بهذه الروايه ويحب روايه "اسمي احمر"، لانها تتناول طرق رؤيه الاشياء والصينيون كما نعلم يمتلكون تراثا عظيما في التصوير، كما ان هذا العمل بالذات يتناول موضوع فن التصوير التقليدي في مواجهه الحداثه والقلق الوجودي بخصوص هشاشه الهويه في العالم الحديث، وكل هذه القضايا تعني القارئ الصيني او الكوري مثلا.‬

القارئ الغربي لا يهتم باشكاليه تحقق الفرديه في مجتمعاتنا. وهنا ينبغي التمييز بين نوعين من القراء: القارئ الامريكي والقارئ الاوروبي. القارئ الامريكي يقرا ليتعرف علي شيء جديد مثل الاسلام السياسي في "الثلج" او فن المنمنمات في "اسمي احمر"، اما القارئ الاسباني مثلا فيفضل كتاب سيرتي الذاتيه وسيره مدينه اسطنبول. وانا سعيد بانني لا ارتبط في ذهن جميع القراء بكتاب واحد كما يحدث لاغلب الكتاب. انا احب فكره تنوع القراء وارتباط كل نوع منهم بعمل مختلف.‬

اسال أورهان باموق عن روايته الاخيره "متحف البراءه" وعن مغزي كتابه روايه عن الذكريات التي اقام لها باموق متحفا في الكتاب وفي الواقع، واطلب منه ان يتحدث عن مشروعه هذا بتحويل الزمن الضائع الي متحف وهل يعكس ذلك رغبه في الترويح عن نفسه وعن قرائه، خاصه وانه يعيد الاعتبار لما هو ساذج وسينتمنتالي من الاعمال كما يتبين من عنوان محاضراته التي القاها في جامعه هارفارد عام 2011.‬

وباموق يتفق معي في اهميه الترويح والتسليه، قائلا عن روايته الاخيره "متحف البراءه": هي قصه حب تتناول الكثير من التفاصيل السينتمنتاليه وهي الان في تركيا اكثر رواياتي مبيعا، ليس فقط بسبب اهتمام اهل الادب بها ولكن لان الكثير من العشاق يقراون هذا العمل لفهم هذا العشق الحارق الذي يستولي علي كيان المرء ويحجب اي شيء ما عداه. وربما يرجع جزء من شعبيه هذه الروايه الي ارتباطها بالمتحف الذي تم افتتاحه في اسطنبول منذ ثلاث سنوات. انا فخور جدا بانني لم اضطر الي طلب المال من اي جهه لتمويل المتحف، فعائد التذاكر يكفي للانفاق علي هذا المشروع الذي يتسم بالاكتفاء الذاتي. وقد بدات في التفكير في مشروع المتحف اثناء كتاباتي للروايه. ومن ثم فالمشروعان مرتبطان. وكما تعلمين من الروايه فان المتحف يحتوي علي اشياء كثيره صغيره ماخوذه من مفردات الحياه اليوميه في مدينه اسطنبول ما بين الخمسينيات والتسعينيات من القرن الماضي. افلام، كروت بوستال، وصور لاشخاص ينتمون للطبقه نفسها التي تحكي الروايه عنها. ومن ثم فان القصص التي تتناولها الروايه تصبغ علي المتحف الكثير من السحر. كما ان طريقه ترتيب الاشياء المعروضه في الفاترينات والصناديق فنيه. كل شيء في المتحف بدءا من المبني نفسه حتي اصغر الاشياء يرتبط برغبتي الشديده في الحفاظ علي الذكريات. وكنت اواجه بعدم التصديق كلما تكلمت عن هذا الموضوع، تماما كما لم يصدقني الكثيرون عندما قلت في بدايه شبابي انني اود ان اكتب روايات. ‬

والحمدلله انني تمكنت من تحقيق الامنيتين. فطالما احسست بان داخلي فنان تشكيلي محبط ينتظر البعث وكم اسعدني نجاح هذا المتحف والاحترام الذي حظي به من جانب المتخصصين في فن المتاحف. لقد اشتركت في تنسيق المتحف مع المتخصصين وحظيت بصداقات عديده في الوسط الفني. اعطاني المتحف حياه جديده. فقبل هذا المشروع كان جل اصدقائي من الكتاب، اما الان فقد اصبحت صديقا للعديد من الفنانين واتلقي الدعوات للكثير من المعارض الفنيه بل والقي محاضرات عن الفن. ان هذا يسعدني كثيرا.‬

يشغلني سؤال عما يسمي "اسلوب اخر العمر"، وكيف يلجا العديد من كبار الكتاب للكتابه عن الجنس مع الصغيرات الحسناوات. ومحاوله ان اصيغ السؤال بطريقه مهذبه اسال عن مغزي تناوله هذه المرحله من النضج الفني والعمري لقصه حب ملتهبه مع فتاه صغيره. انني اتذكر انه ابدي اعجابا بكاتب "لوليتا"، فاقرر ان ابتعد عن "لوليتا" واتحدث عن كتاب الكاتب الياباني ياسوناري كواباتا الحائز جائزه نوبل للاداب عام 1968، والذي كان في الستينيات من العمر عندما كتب روايته الصغيره الشهيره "منزل الجميلات النائمات" (1961). وهي الروايه التي الهمت كاتبا عظيما اخر هو جبريل جارثيا ماركيز كتابه اخر اعماله الروائيه "ذكريات عاهراتي الحزينات" وهو في نهايه السبعينيات من العمر. اذاك يبدو علي باموق شيء من الحرج احسه انا الاخري. ‬

ويقول له يوسف رخا ممازحا: "هي تقول لك بلا لف ودوران انك تقدمت في العمر." ويضحك ثلاثتنا واقرر ان اتنازل عن السؤال. لكن قبل ان ننتهي يسارع يوسف بسؤال باموق عما اذا كان يود ان يقول شيئا عن زيارته لمصر.‬

يقول باموق: انا سعيد جدا بزياره مصر في هذه الاوقات العصيبه والتي تشهد انتهاكات لحقوق الانسان، حيث يتعرض الكثير من الناس لمتاعب متعدده ويسود احساس بان هناك الكثير من المظالم. وقد جئت لمشاهده ذلك وللحديث مع اناس ذوي اراء متنوعه. فمصر هي البلد الاهم في العالم الاسلامي، ومن ثم فان صدي ما يحدث في مصر يتردد في جميع انحاء العالم وليس فقط العالم الاسلامي. وبجانب هذا فانا سعيد بالطبع للالتقاء بقرائي من المصريين.‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل