المحتوى الرئيسى

الجينات الوراثية سر الحياة والتنوع

02/19 23:03

كانت البدايات الاولي لعلم الوراثه مجرد هوايه لواحد من الطلبه الملتحقين باحد الاديره في منطقه مورافيا بالنمسا انذاك، والذي اصبح في ما بعد من المع علماء الوراثه.

مارس غريغور يوهان منديل تجاربه في بساتين دير القديس توماس -الذي كان مركزا علميا بالاضافه الي كونه مركزا دينيا- علي نباتات البازلاء لمعرفه من اين تاتي الصفات لتلك النبته التي تميل الي التلقيح الذاتي من حبوب اللقاح التي تنتقل من زهره الي اخري.

تلك البدايات التي حاولت فك لغز الحيره الانسانيه القديمه حول التشابه والاختلاف في البشر والكائنات الحية علي الرغم من ان اساس التكون الاولي لها جميعا هي خلايا التكاثر، والتي تكاد تتشابه في الشكل والمحتوي، لكنها تنتج ملايين الانواع من الكائنات الحيه بمختلف الاحجام والاشكال والالوان.

لقد كان شكّ علماء الاحياء يدور حول الحامض النووي (DNA) الموجود في نواه الخليه الحيه، والذي تم اكتشافه عام 1869 علي يد الطبيب السويسري فريدرك ميشر، حيث كانوا يعتقدون انه المسؤول عن نقل الصفات الوراثية من جيل الي جيل في الكائنات الحيه.

وظلت حاله الشك وعدم اليقين حتي حلول عام 1953، حيث تمكن عالما الاحياء فرانسيس كريك وجيمس واطسون باستخدام الاشعه السينيه من كشف تركيب الحامض النووي الحاوي لمواصفات اجسام الكائنات الحيه والمكتوبه بطريقه رقميه علي شريط طويل ودقيق من الحامض النووي مخزن في نواه الخليه، وهو من الصغر بحيث لا يمكن رؤيته الا باجهزه دقيقه ومتطوره.

وقد تم منحهما جائزه نوبل عام 1962 تقديرا لجهودهما في ذلك الاكتشاف الذي غيّر اتجاه العلماء نحو سؤال اخر عن كيفيه انتقال المعلومات الوراثيه داخل الخليه الحيه.

ومنذ تلك الفتره التي اكتشف العلماء فيها الجينات او ما يطلق عليه "المورثات" التي تحتفظ بتشفير المعلومات المهمه للوظائف الحيه، والعلماء مستمرون في رسم الخرائط الجينيه للكائنات الحيه.

والجينات هي الخرائط الاساسيه للخلايا الحيه التي تبني الاحماض النوويه الحيه للـ"دي ان اي"، ويتكون من وحدات بنائيه اصغر تسمي النيوكلوتيدات (الوحده البنائيه للحمض النووي).

وبعباره اخري، فان الجينات هي المخزن الاساسي للمعلومات الوراثيه لكل الكائنات الحيه, وتحمل الجينات المعلومات اللازمه لبناء الخلايا والحفاظ عليها والقيام بكافه الوظائف الحيويه في بناء اجسام الكائنات الحيه، واعطائها الصفات المميزه للكائن الحي. ويعتبر الجين وحده بناء الاحماض النوويه (دي ان اي).

وتنتقل الماده الوراثيه من جيل لاخر خلال عمليه التكاثر، بحيث يكتسب كل فرد جديد نصف مورثاته من احد والديه والنصف الاخر من الوالد الاخر.

علي الرغم مما ﺗﺜﻴره دراسات وابحاث الجينوم البشري من ﻋﻘﺒﺎت ﺑﻴوﻟوجيه واخلاقيه ﺗتطلب اقصي المعايير العلميه والاخلاقيه، فقد استغرقت دراسه اول سلسله جينيوم بشري 15 عاما، وشارك في هذا المشروع اكثر من 18 دوله وبكلفه تجاوزت ثلاثه مليارات دولار.

ومثّل ذلك اول مشروع لفك شفره الجينات (ما يقرب من ثلاثين الف جين بشري مختلف) من حيث تحديد اماكنها وترتيب النيكلوتيدات المكونه لها وتخزين تلك المعلومات في قواعد البيانات. ولنا ان نتصور حجم المعلومات الوراثيه التي تتطلب نحو تسع سنوات ونصف السنه لقراءتها، ولذلك يعتبر هذا المشروع بمثابه خريطه تمكّن العلماء من البحث عن الجينات ومعرفه كافه المعلومات عنها.

ويتميز مشروع الجينوم بثلاثه ارقام اولها الرقم ٢٤، وهذا هو العدد المضبوط للطُّرُز اﻟﻤﺨتلفه من الكروموزومات في الانسان الطبيعي.

والثاني هو الرقم ثلاثه مليارات، ويمثل تقديرا للعدد الكلي من ازواج القواعد في تتابع "دي ان اي" الانسان، ولقد كان في الاصل تخمينا لكنه اتضح من البحوث العلميه انه حقيقه، اما الرقم الثالث فهو عدد الجينات التي نمتلكها (ويتراوح عددها ما بين خمسين الف ومائه الف جين) تُسهم هذه الجينات في وجود ذلك العدد الهائل من الخصائص البشريه.

دفعت الحاجه والفضول العلماء الي الانتقال من مرحله الاجابه عن كيفيه انتقال المعلومات الوراثيه داخل الخليه الي طور اخر من مراحل تطور علم الجينات بما يعرف بالهندسة الوراثية، او ما يعرف بالتعديل الوراثي عن طريق التلاعب الانساني المباشر بالماده الوراثيه للكائن الحي بطريقه لا تحدث في الظروف الطبيعيه, وهي مرحله الاستفاده من علم الوراثه في الجوانب الزراعيه والطبيه والصناعيه.

وقد تمكن علماء بريطانيون لاول مره من فكّ الخريطه الجينيه لنبات القمح  بالغه التعقيد، ونجحوا في وضع مسوده لهذا الطاقم الوراثي الفريد لصنف يعرف باسم "القمح الربيعي الصيني".

وقد نشر العلماء في 27 اغسطس/اب 2010 نتائج هذه التركيبه الجينيه بالغه التعقيد، وكشف كايث ادواردز -من جامعه بريستول- ان "الجينوم الخاص بالقمح يساوي خمسه امثال حجم الجينوم الخاص بالانسان"، اذ يتالف من 17 مليار زوج من القواعد المكونه للحمض النووي الريبوزي منقوص الاكسجين (دي ان اي) الامر الذي شكل تحديا كبيرا بالنسبه للعلماء.

ويامل العلماء ان يساعد هذا التمكن من رصد الخريطه الجينيه لمحصول القمح -الذي يعتبر الغذاء الرئيسي لثلث سكان العالم- من معالجه مشكله نقص الغذاء في العالم عبر استنباط طرق لزراعه محاصيل اكثر انتاجيه، واكثر مقاومه لمواجهه خطر ازمه الغذاء العالميه في وقت اصبحت الافات والكوارث والتغيرات المناخيه والزيادات السكانيه تهدد مستقبل المليارات من البشر بالمجاعه والموت جوعا.

ان اكثر ما اثار دهشه علماء الاحياء في شريط الحامض النووي هو ان الطريقه التي تمت بها كتابه تعليمات تصنيع الكائنات هي الطريقه نفسها التي يستخدمها الحاسوب الرقمي لتخزين مختلف انواع المعلومات في ذاكرته وفي تنفيذ برامجه.

وقد ترتب علي هذا الاكتشاف العظيم تحول كبير في المفاهيم المتعلقه بالطريقه التي تمت بها عمليه خلق الكائنات الحيه من التراب، وخاصه تلك المتعلقه بنظريه التطور، والتي اصيبت بصدمه كبيره بعد هذا الاكتشاف.

وضمن اكتشافات العلماء ان التخزين المعلوماتي لهذه الخرائط الجينيه لا يتيح تعديل اي جزء من اجزاء الكائن الحي مهما بلغت بساطه تركيبته الا من خلال تعديل المعلومات الرقميه المكتوبه علي هذا الشريط, فمثل هذه الفكره بالغه الذكاء لم تخطر علي عقول البشر الا في عصر الحاسوب والتخزين الرقمي الذي يتطلب تقنيات الكترونيه بالغه الصغر ومعقده.

وتعتمد طريق العرض الخرائطي للجينات علي شكل لفافه بالغه الذكاء، بحيث يمكن قراءه جميع التعليمات المكتوبه بشكل مباشر, فقد تم لفها علي سطوح اسطوانات بروتينيه يصل قطر الواحده منها الي ثلاثين نانومترا ولا يتجاوز طولها الميكرومتر الواحد، ويصل عدد لفات الشريط علي الاسطوانه الواحده مائه الف لفه، ويطلق العلماء اسم الكروموسومات علي هذه الاشرطه الملفوفه حول هذه الاسطوانات، والتي يتراوح عددها ما بين كروموسوم واحد في الفيروسات والبكتيريا وعده عشرات من الكروموسومات في الكائنات الكبيره.

رغم التخوفات من علم الجينات خلال القرن الحالي، فان مستقبل هذا العلم لا زال في طور اكتشاف الخرائط الجينيه لمعظم الكائنات الحيه.

وتنبع اهميه علم الجينات من انه احد اهم الاكتشافات المهمه في تاريخ الحضاره الانسانيه, فلاول مره استطاع الانسان معرفه الجينات المورثه لكل الصفات التي يحملها الانسان، فلدينا حوالي ثلاثه الاف مرض وراثي يستطيع العلماء التحكم في انتقالها والبحث عن علاجات فعاله لها.

فبين كل مائه طفل يولد طفلان او ثلاثه مصابون باحد التشوهات الجنينيه الرئيسيه، وحوالي 3% من الناس يولدون بتخلف عقلي، تعزي نسبه عاليه منها الي اسباب وراثيه او جنينيه.

أهم أخبار صحة وطب

Comments

عاجل