المحتوى الرئيسى

أُمَّةُ حرْق الكِتاب | المصري اليوم

02/19 21:59

من يحرق كتابًا من اليسيرِ عليه ان يحرقَ انسانًا.

ومن يحرق بشرًا لن يتهاونَ لحظهً في حرقِ الكُتب.

والحرقُ يعني الالغاء، ويعني الحذف، وشطب ما يخالفُ الامر بالحرقِ، والممارس له.

ونحن كالمغُول تمامًا في حرقِ الكُتب، فلماذا ملانا كُتب التاريخ بفظائعهم وجرائمهم وحرائقهم، واغفلنا جرائمنا نحن العرب والمُسلمين – علي مدار التاريخ – في حرقِ نحو عشره ملايين كتاب؟

اعرفُ انَّ القراءهَ عن محارقِ الكُتب في التاريخ امرٌ يحرقُ الدم والرُّوح معًا، لكن ان تُعاصرَ محرقهً للكتب، وتكونَ شاهدًا عليها، ولو من باب التليفزيون او الصوره او الفيديو او قراءه خبر الاحراق لهُو امرٌ اشدُّ وطاهً ووجعًا علي النفس، اذْ يجعلُ المرء يستعيدُ محارق الكُتب التي شهدتها المُدنُ الاسلاميه والعربيه واشهرُها محرقه مكتبه الاسكندريه التي لاتزال اصابعُ الاتهام تشيرُ الي عمرو بن العاص «51 قبل الهجره.. 573 مـ - سنه43هـ - 665م» الذي غزا «فتح» مصر، وكان الحرقُ كما هو شائعٌ ومُتواترٌ في كُتب التاريخ بامرٍ من الخليفه الثاني عمر بن الخطاب (13-23هـ/ 634- 644م)، وطبعًا هناك مصادرُ كثيرهٌ تنفي عن عُمر وعمرُو تُهمه المحرقه.

ومحرقه مكتبات الموصل وديالي في العراق تاتي في السياق التاريخي لهمجيه الانسان، ايًّا كان دينه، داعش «الاسلام» او هُولاكو «البوذيه»، ذلك الانسان الذي يكرهُ المعارفَ والعُلوم.

فرُبَّما لم تسلم مدينهٌ عربيهٌ او اسلاميهٌ من محارق الكُتب علي ايدي خلفاء وامراء وفقهاء او تابعين لهُم خُصُوصًا بغداد، والبصره، ودمشق، وحلب، وقرطبه، واصفهان، والقاهره، وسمرقند، وبُخاري، وبلخ، وهرات، وخوارزم،... ومثلما قُتل بشرٌ كثيرون، قُتلت ايضًا كُتبٌ كثيره، وكلاهما من لحم ودم.

انَّ المتشددين يتصورون غلطًا انَّ الكُتب العقليه تُفسِدُ المُسلمين، وتزرعُ الفتنه بينهم، وتبذُرُ الخلافَ بين الفُقهاء، مُتخذين قاعده «لا كتابَ بعد القران» منهجًا وطريقًا للتخلُّص من ايِّ كتابٍ لا يتوافقُ معهم، ولذا ما ان يُسيطروا علي مكانٍ ما حتي يُحرِّمُوا فيه دراسهَ الكيمياء والفيزياء والاحياء والفلك والرياضيات والجُغرافيا وتاريخ الامم والموسيقي، ويكتفُون بتدريسِ العُلوم الدينيه التي توافقُ مُيولَهُم واتجاهاتهم، كما انهم يمنعُون البنات من الدراسه، لانه لا يجوزُ في عُرفهم ان تتعلم المراهُ، اذْ هي خلقت فقط للامتاعِ والمُؤانسهِ.

ولقد عرف المسلمون طُرقًا عديدهً للتخلُّص من الكُتبِ، اشهرُها الحرق، ثم الاغراق في الماء «الانهار والبحار والترع والقنوات الواسعه والابار»، والدفن في باطن الارض، والفسخ، والتمزيق والتخزيق والتقطيع والغسل بالماء، ثم استخدام الصفحات المغسوله مرهً ثانيهً للكتابه فيها من جديدٍ حسبما يوافقُ افكار ومُعتقدات ورؤي من قام بالغسل.

وكان اوَّلُ واشهرُ كتابٍ قد تم حرقه في التاريخ الاسلامي هو كتاب «فضائل الانصار واهل المدينه»، ربما لانَّ الكاتبَ شهيرٌ «سليمان بن عثمان بن عفان» الخليفه الثالث بعد ابي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، كما انَّ الحارقَ - ايضًا – شهيرٌ هو الخليفه عبدالملك بن مروان (26 هـ - 86 هـ / 646 - 705م)، اذْ رفض الكتاب وامر بحرقِه، حيثُ لا يري فضلا للانصار في «الفُتُوحات الاسلاميه».

ولا احد ينسي الناهبين في مصر زمن الخليفه المستنصر بالله (427هـ - 487 هـ - 1036م- 1094م)، لمَّا وقع البلاءُ بين سنتي 1065 – 1072 ميلاديه اخذوا يسرقون الكتب، ويشقُّون جلودَها الفاخرهَ ويصنعُون منها احذيه او نعالا خفيفه، بينما استخدمت الكتب وقودًا للافران، وتشير المصادر التاريخيه الي ان رماد الكتب المحروقه قد شكَّل رُكامًا عظيمًا سُرعان ما غطَّتْهُ كُثبانُ الرمال، وقد سميت تلك المنطقه بهضبه الكُتب، وظلت التسميهُ زمنًا طويلا، وفي هذا الزمن كانت نساء الخليفه يخرُجن الي الشارع ليشحذن، بينما هو جالسٌ في قصره علي حصيرهٍ باليهٍ، لا يمتلكُ حتي قوت يومه.

ولما استولي صلاح الدين الايوبي «532 هـجريه - 1138م - 589 هجريه – 4 من مارس ١١٩٣م» علي السلطه في مصر، باع المكتبات الفاطميه، وسدَّد بما حصل عليه من اموال البيع رواتب جنوده، مُتحجِّجًا ان مصر كانت شيعيهً، ولا ينبغي ان يبقي في المكتبات اثرٌ او رائحهٌ للفاطميين، رغم انَّ المكتبات كانت تحوي الكثيرَ من العلُوم. وفي زمن الايوبي كان الفقهاء يستولون علي الكُتب ويتلفونها بايديهم.

انَّ من يحرق كتابًا، يعني انه ضعيفٌ وقاصرٌ واحمق، ولا يحملُ عقلا، ولا يُدرك ما العلم وما الدين، يكره الحرْف، ويرفع النار شعارًا لراسه الجوفاء، وقلبه الخالي من رحمهٍ نحو الكتاب الذي هو ايضًا من لحمٍ ودم، والكتاب كالانسان يئنُّ ويبكي وياسي لبشرٍ يُكررون محارق ابائهم واعدائهم من الصليبيين والمغول وايضًا من المسلمين، الذين غلَّبوا المذهبَ علي ذهب العقل، ورجَّحوا التشدُّد علي التعدُّد، وسيَّدُوا سطوه الجاه علي سُلطه الكتاب.

كلُّ كتابٍ محرُوق او مدفُون او متلُوف او مُلقي هو جسرٌ نحو التهلكه والغوغاء والعوده من جديد الي سيره القتله والجهله والسفَّاكين والمُرتزقه في التاريخ القريب والبعيد.

والمسلمون اسيادٌ في حرق الكُتب واتلافها علي مدار التاريخ، وهناك رؤُوسٌ كبيرهٌ في التاريخ الاسلامي هي من امرت بالحرق، لمجرد انها لا تعرفُ، او لا تحبُّ فرعًا من العلوم، كالفلسفه، او التصوف او الكيمياء.

فمنذ القرن الثاني للهجره، والمحارق لم تتوقف، والنار لاتزال مُتقدهً، لانَّ الفتاوي الجاهله شاحذهٌ نصلها، وشاخصهٌ بعيونها العمياء، تُمارس سلطتها علي ضعاف النفوس، وقصار النظر، وعديمي العقول وقليلي التربيه والادب، وعبَّاد المذهب.

ملايين المخطوطات والكتب ضاعت، بسبب الجهل المُقدَّس المُتوارث، والمبثُوث في كُتبٍ لبشر يُقال عنهم انهم من السلف الصالح، وهم عندي ليسوا من الصالحين، وليسوا من الفقهاء، لان من يُفتي بحرق كتابٍ لمُجرد انني اختلفُ مع كاتبه او مُحتواه، يعني ان الحارق اصم وصنم، وجبان، وتابع امعه، قليل الحيله.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل