المحتوى الرئيسى

السلفية الجهادية .. المفهوم ومنطق التكوين

02/17 17:19

لم تكن السلفيه الجهاديه قبل سنوات قليله تحظي بكل هذا الاهتمام الذي تحظي به اليوم؛ بل كان افولها اطروحه قويه تبناها بعض المحللين الذين راوا انها تيار بلا مستقبل، خاصه بعد ما فتحه الربيع العربي من افاق التغيير السلمي. لكن السلفيه الجهاديه لم تلبث ان توهجت في موجه اخري من الصعود الفكري والحركي، خاصه بعد الانقلاب علي الربيع العربي في تقدير اكثر ابنائه. وعلي الرغم من ذلك الحضور القوي للسلفيه الجهاديه كايديولوجيه متوهجه ولاعب جيوسياسي فاعل بقوه، الي حد اعتباره العدو الوجودي الاول من قبل الانظمه العربيه بل ومن بعض الانظمه العالميه، كما من قبل الايديولوجيات العلمانيه بل والدينيه التي لم يكن بعضها اقل رفضا وعداوه لهذا التيار من نظيراتها العلمانيه - علي الرغم من ذلك، اتسم فهم ذلك التيار بالانفعاليه التي انطبع بها الموقف الرسمي ومناخ المواجهه. بل تعامل كثير من المحللين والنقاد معه باستعلاء ايديولوجي يصل الي تجريد التجربه من انسانيتها. فكان الاشتباك دوما مع ذلك التيار اما بالسلاح الذي يقتله حقيقه او بمشرط التحليل لنفسي الذي يقتل نفسه؛ دون الالتقاء به تعارفا وجدلا؛ وهو ما لا يمكن ما لم نحترم انسانيه التجربه ونستنطقها لتتكلم عن نفسها.

تحديد المفهوم معضله بحثيه نعانيها باستمرار؛ اذ يمثل المفهوم تكثيفا للتصور المرسوم، وهو بالوقت ذاته مسلمه تاسيسيه للبحث، مما ينتج معضله دائريه. يتضاعف هذا الجدل عندما يكون الموضوع هو السلفيه الجهاديه. فالجهاد ذروه سنام الاسلام، ولم يزل المسلمون يجاهدون اعداءهم عبر التاريخ؛ فما الجديد الذي يحد هذا المفهوم اذن: "السلفيه الجهاديه؟

نستعين في مطلع الورقه بتعريف تقريبي يجلي الصوره مبكرا بالحد الفارق بين التيار الجهادي المعاصر الذي نريد ان نتعرف عليه، وبين غيره من التيارات الاسلاميه وغير الاسلاميه – مستانسين بان من صاغ ذلك المفهوم هو منظر جهادي بارز تلقاه اكثر ذلك التيار بالقبول والاعتبار. انه السوري مصطفي عبد القادر المعروف ب "ابو مصعب السوري" صاحب العمل الموسوعي عن التيار الجهادي: "دعوه المقاومه الاسلاميه العالميه". حيث عرف التيار الجهادي بانه:

"يشمل التنظيمات والجماعات والتجمعات والعلماء والمفكرين والرموز والافراد الذين تبنوا فكره الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمه في بلاد العالم العربي والاسلامي، باعتبارها انظمه حكم مرتده: لحكمها بغير ما انزل الله، وتشريعها من دون الله، وولائها لاعداء الامه من قوي الكفر المختلفه. كما تبنوا منهاج الجهاد المسلح ضد القوي الاستعماريه الهاجمه علي بلاد المسلمين معتبرين تلك الانظمه التي اسقطوا شرعيتها وخرجوا علي عليها حلفاء محاربين للاسلام والمسلمين"

ان هذا الحد يخرج من التيار الجهادي او الجهاديين، الاسلاميين او غير الاسلاميين الذين حاربوا الانظمه الحاكمه في بلدانهم، ليس باعتبار ان تلك الانظمه مرتده وان جهادها بالسلاح هو السبيل الشرعي الوحيد للتعامل معها او ازاحتها. فقد يحمل الاسلاميون او غيرهم من الطوائف السياسيه او الفكريه السلاح بسبب انسداد افاق التغيير السلمي، او لتحقيق اهداف دون ازاحه الانظمه الحاكمه، او لازاحه الانظمه لفسادها او لمبررات دون الرده. فقد شارك الاخوان المسلمون في العمل المسلح في سوريا بين عامي 1976 و 1982 ضد نظام حافظ الاسد؛ لكنهم لا يمكن ان يعتبروا بذلك ضمن التيار الجهادي المعاصر. لذا يعيد ابو مصعب لاحقا اختصار تعريفه مع اضفاء اللمحه الايديولوجيه المميزه للتيار ليكون بالصوره التاليه:

"الجهاديون او التيار الجهادي هم الجماعات او الافراد الذين حملوا فكره الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمه في بلاد العالم الاسلامي، او ضد الاعداء الخارجيين، وحملوا فكرا محددا يقوم علي مبادئ الحاكميه وقواعد الولاء والبراء واساسيات الفكر الجهادي السياسي الشرعي المعاصر كما هو مفصل ومعروف في ادبياتهم"

ان التيار الجهادي لا يتبني الجهاد المسلح فحسب، بل يراه واجبا لا يجوز تركه الي غيره من مناهج الحركه، وعلي راسها مساران:

السياسه السلميه: وهو المنهج الحركي الذي تبنته جماعه الاخوان المسلمين غالبا علي مدي تاريخها.

التصفيه والتربيه: وهو شعار المنهج الذي تبناه الطيف الواسع من التيار السلفي.

هذا ما تؤكده الادبيات الجهاديه كلها منذ كتب محمد عبد السلام فرج امير جماعة الجهاد المصريه، التي نفذت اغتيال السادات، كتابه "الفريضه الغائبه" سنه 1980 الي اليوم. اذ "لا يجوز الاجتهاد في كيفيه مواجهه الطواغيت مع وجود النص والاجماع" كما يصرح الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز (د. سيد امام)، المنظر الجهادي البارز في كتابه الهام "العمده".

يرجع تاريخ تحقق هذا المفهوم المبدئي عند اكثر مؤرخي الحركه الجهاديه المعاصره الي ستينيات القرن الماضي، والي المجموعات الجهاديه المصريه بالتحديد؛ تلك التي تكونت بين عامي 1966 و 1968 وكان من ابرز اعضائها: ايمن الظواهري واسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي. ويمكن تحديد رافدين رئيسيين للافكار التي تبلورت في تلك المجموعه وما انبثق عنها:

السلفيه: جمعت هؤلاء الشباب دروس مسجد قوله بعابدين في القاهره، حيث المركز العام لجماعه انصار السنه المحمديه، التي كان يلقيها رموز كبري للسلفيه كالعالم الازهري السلفي محمد خليل هراس. في مكتبه المسجد، تعرف هؤلاء الشباب علي اعمال ابن تيميه التي كان لها اثر كبير في تكوين ثقافتهم الشرعيه؛ خاصه فتاواه عن التتار الذين اظهروا الاسلام لكنهم عطلوا كثيرا من شرائعه وتسلطوا علي المسلمين، حيث وجدوا فيها دعما كبيرا لافكارهم عن قتال الانظمه الحاكمه. نجد هذا الاثر بقوه في كتاب "الفريضه الغائبه" لمحمد عبد السلام فرج.

سيد قطب: في عام 1966 تم اعدام المفكر الاسلامي سيد قطب بعد محاكمه عسكريه. كان سيد رمزا ملهما للشباب الاسلامي، ليس فقط في مصر، بل في العالم الاسلامي كله. فقد كانت اعماله هي البوتقه الفكريه التي انصهرت فيها عقائدهم وخططهم وغاياتهم. تاثرت تلك المجموعه جدا باعمال سيد قطب، فكان كتاباه الظلال والمعالم ضمن البرنامج التثقيفي لتلك المجموعه.

لعب المناخ السياسي دورا لا يقل اهميه عن تلك الروافد.. فقد كان واضحا ان التغيير السلمي مع الانظمه الشموليه الحاكمه غير ممكن، وان العمل المسلح هو الانجع؛ وهي فكره (اي التغيير المسلح) ترسخت في تلك الحقبه الزاخره بالانقلابات والثورات. كما تعرض الاسلاميون بل وبعض المعارضين العلمانيين في تلك الفتره الي اضطهاد شديد. وكانت الانظمه القوميه التي بشرت بالتحرير والعداله تعاني الفساد السياسي والفشل الذي تكلل بهزيمه يونيو 1967. ثم كان تطبيع النظام المصري مع الكيان الصهيوني صدمه كبري لشباب هذا الجيل الذي نشا علي العداء الابدي للكيان الصهيوني، دعمت افكار هذا التيار عن فساد تلك الانظمه والياس من اصلاحها. لذا كان الجهاد المسلح والموقف الساخط علي تلك الانظمه بل وعلي المجتمعات المتكيفه معها، خيارا طبيعيا لهؤلاء الشباب في ذلك الوقت.

لم يكن التاويل الجهادي هو وحده الممكن او المنطقي لتلك الروافد، اذ هي نفسها ملهمه لكثير من التيارات، المتناقضه احيانا؛ لكن الظرف السياسي كان يوفر مناخا مناسبا لبزوغ ذلك التاويل الذي تحول لاحقا الي ايديولوجيه متماسكه يتبني معتنقوها استراتيجيات عالميه عابره للدول والقارات.

1- دعوه المقاومه الاسلاميه العالميه، ابو مصعب السوري.

2- اختلاف الاسلاميين، احمد سالم.

3- الجماعات الاسلاميه والعنف، سعود المولي.

لم تكن السلفيه الجهاديه قبل سنوات قليله تحظي بكل هذا الاهتمام الذي تحظي به اليوم، بل كان افولها اطروحه قويه تبناها بعض المحللين الذين راوا انها تيار بلا مستقبل، خاصه بعد ما فتحه الربيع العربي من افاق التغيير السلمي. لكن السلفيه الجهاديه لم تلبث ان توهجت في موجه اخري من الصعود الفكري والحركي، خاصه بعد الانقلاب علي الربيع العربي في تقدير اكثر ابنائه. وعلي الرغم من ذلك الحضور القوي للسلفيه الجهاديه كايديولوجيه متوهجه ولاعب جيوسياسي فاعل بقوه الي حد اعتباره العدو الوجودي الاول من قبل الانظمه العربيه بل ومن بعض الانظمه العالميه، كما من قبل الايديولوجيات العلمانيه بل والدينيه ذاتها التي لم يكن بعضها اقل رفضا وعداوه لهذا التيار من نظيراتها العلمانيه - علي الرغم من ذلك، اتسم فهم ذلك التيار بالانفعاليه التي انطبع بها الموقف الرسمي ومناخ المواجهه، بل تعامل كثير من المحللين والنقاد معه باستعلاء ايديولوجي يصل الي تجريد التجربه من انسانيتها. فكان الاشتباك دوما مع ذلك التيار اما بالسلاح الذي يقوض جسده او بمشرط التحليل لنفسي الذي يقتل نفسه؛ دون الالتقاء به تعارفا وجدلا؛ وهو ما لا يمكن ما لم نحترم انسانيه التجربه واستنطاقها لتتكلم عن نفسها.

(1) مفهوم السلفيه الجهاديه :

تحديد المفهوم معضله بحثيه مستمره، اذ يمثل المفهوم تكثيفا للتصور المرسوم، وهو بالوقت ذاته مسلمه تاسيسيه للبحث، فتحديد المفهوم معضله دائريه. ويتضاعف الجدل مع السلفيه الجهاديه، اذ الجهاد ذروه سنام الاسلام، ولم يزل المسلمون يجاهدون اعداءهم عبر التاريخ.

لكننا نستعين في مطلع الورقه بتعريف يجلي الصوره مبكرا بالحد الفارق بين التيار الجهادي المعاصر الذي نريد ان نتعرف عليه، وبين غيره من التيارات الاسلاميه وغير الاسلاميه - صاغه منظر جهادي بارز هو ابو مصعب السوري في كتابه الموسوعي "دعوه المقاومه الاسلاميه العالميه"، حيث عرف التيار الجهادي بانه:

"يشمل التنظيمات والجماعات والتجمعات والعلماء والمفكرين والرموز والافراد الذين تبنوا فكره الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمه في بلاد العالم العربي والاسلامي، باعتبارها انظمه حكم مرتده: لحكمها بغير ما انزل الله، وتشريعها من دون الله، وولائها لاعداء الامه من قوي الكفر المختلفه. كما تبنوا منهاج الجهاد المسلح ضد القوي الاستعماريه الهاجمه علي بلاد المسلمين معتبرين تلك الانظمه التي اسقطوا شرعيتها وخرجوا علي عليها حلفاء محاربين للاسلام والمسلمين"

ان هذا الحد يخرج من التيار الجهادي او الجهاديين، الاسلاميين او غير الاسلاميين الذين حاربوا الانظمه الحاكمه في بلدانهم، ليس باعتبار ان تلك الانظمه مرتده وان جهادها بالسلاح هو السبيل الشرعي الوحيد للتعامل معها او ازاحتها. فقد يحمل الاسلاميون او غيرهم من الطوائف السياسيه او الفكريه السلاح بسبب انسداد افاق التغيير السلمي، او لتحقيق اهداف دون ازاحه الانظمه الحاكمه، او لازاحه الانظمه لفسادها او لمبررات دون الرده. فقد شارك الاخوان المسلمون في العمل المسلح في سوريا بين عامي 1976 و 1982 ضد نظام حافظ الاسد؛ لكنهم لا يمكن ان يعتبروا بذلك ضمن التيار الجهادي المعاصر. لذا يعيد ابو مصعب لاحقا اختصار تعريفه مع اضفاء اللمحه الايديولوجيه المميزه للتيار ليكون بالصوره التاليه:

"الجهاديون او التيار الجهادي هم الجماعات او الافراد الذين حملوا فكره الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمه في بلاد العالم الاسلامي، او ضد الاعداء الخارجيين، وحملوا فكرا محددا يقوم علي مبادئ الحاكميه وقواعد الولاء والبراء واساسيات الفكر الجهادي السياسي الشرعي المعاصر كما هو مفصل ومعروف في ادبياتهم"

ان التيار الجهادي لا يتبني الجهاد المسلح فحسب، بل يراه واجبا لا يجوز تركه الي غيره من مناهج الحركه المغايره، وعلي راسها مساران:

السياسه: وهو المنهج الحركي الذي تبنته جماعه الاخوان المسلمين غالبا علي مدي تاريخها.

التصفيه والتربيه: وهو شعار المنهج الذي تبناه الطيف الواسع من التيار السلفي.

وهو ما تؤكده الادبيات الجهاديه كلها من لدن "الفريضه الغائبه" الي اليوم، اذ "لا يجوز الاجتهاد في كيفيه مواجهه الطواغيت مع وجود النص والاجماع" كما يصرح الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز (د. سيد امام)، المنظر الجهادي البارز في كتابه الهام "العمده".

ان هذا المفهوم المبدئي يرجع تحققه التاريخي عند اكثر مؤرخي الحركه الجهاديه المعاصره الي ستينيات القرن الماضي، والي المجموعات الجهاديه المصريه التي تكونت بين عامي 1966 و 1968 وجمعت: ايمن الظواهري واسماعيل طنطاوي ونبيل البرعي. ويمكن تحديد رافدين رئيسيين لتلك المجموعه وما انبثق عنها:

السلفيه: فقد جمعت هؤلاء الشباب دروس مسجد قوله بعابدين في القاهره، حيث المركز العام لجماعه انصار السنه المحمديه، التي كان يلقيها رموز كبري للسلفيه كالعالم الازهري السلفي محمد خليل هراس. وفي مكتبه المسجد تعرف هؤلاء الشباب علي اعمال ابن تيميه التي كان لها اثر كبير في تكوين ثقافتهم الشرعيه؛ خاصه فتاواه عن التتار الذين اظهروا الاسلام لكنهم عطلوا كثيرا من شرائعه وتسلطوا علي المسلمين، حيث وجدوا فيها دعما كبيرا لافكارهم عن قتال الانظمه الحاكمه. وقد ظهر هذا الاثر بقوه في كتاب "الفريضه الغائبه" لمحمد عبد السلام فرج قائد تنظيم الجهاد الذي نفذ عمليه اغتيال السادات 1981، وهو من الادبيات الجهاديه.

سيد قطب: في عام 1966 تم اعدام الشهيد سيد قطب رحمه الله، الذي كان رمزا ملهما لكل الشباب الاسلامي، ليس فقط في مصر، بل في العالم الاسلامي كله. وكانت اعماله هي البوتقه الفكريه التي انصهرت فيها عقائدهم وخططهم وغاياتهم. لقد تاثرت تلك المجموعه جدا باعمال سيد قطب، فكان كتاباه الظلال والمعالم ضمن البرنامج التثقيفي لتلك المجموعه.

لكن هذه النشاه لم تكن فكريه خالصه، فقد كانت مدفوعه بالظرف السياسي. فقد كان واضحا ان التغيير السلمي مع الانظمه الشموليه الحاكمه غير ممكن، وان العمل المسلح هو الاكثر نجاعه، خاصه في تلك الحقبه الزاخره بالانقلابات والثورات. لقد تعرض الاسلاميون بل وبعض المعارضين العلمانيين في تلك الفتره الي اضطهاد شديد، ولم تكن الانظمه القوميه في ذلك الوقت تزداد الا فسادا وفشلا تكلل بهزيمه يونيو 1967، ثم كان تصالحه مع الكيان الصهيوني صدمه كبري دعمت افكار هذا التيار عن فساد تلك الانظمه. لذا كان الجهاد المسلح والموقف الساخط علي تلك الانظمه بل وعلي المجتمعات المتكيفه معها، خيارا طبيعيا لهؤلاء الشباب في ذلك الوقت.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل