المحتوى الرئيسى

أين العملة الخليجية الموحدة؟

02/17 13:15

انجزت دول مجلس التعاون اهم الخطوات لبلوغ الاتحاد النقدي. لكن العمله الموحده لم تصدر بعد لاسباب اغلبها غير جوهري. وتقود العمله الموحده الي ادخار عموله الصرف التي يدفعها الاشخاص حالياً لقاء تحويل عمله محليه الي عمله محليه اخري بسبب انتقالهم من بلد الي اخر في منطقة الخليج. وهذا المكسب مهم لان 48% من الخليجيين المسافرين الي خارج بلدانهم يذهبون الي دول خليجيه. وسوف ترتفع هذه النسبه في المستقبل لعده اسباب من بينها القطار الخليجي الذي سيدشن في عام 2018.

كما سيساعد اختفاء العموله علي تنميه التجاره البينيه سواء تعلق الامر بالسلع او بالخدمات.

ففي عام 2013 بلغت الصادرات الخليجيه البينيه 121.2 مليار دولار وهي ترتفع سنويا. لاشك ان هذا الحجم لا يشكل سوي 11.4% من التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون مقابل تجاره بينيه في منطقه اليورو قدرها 62.8%.

بيد ان هذه النسبه المتدنيه للتجاره البينيه الخليجيه لا تمثل عنصراً سلبياً بل تعني ضعف المكاسب التي يمكن لبلدان الخليج تحقيقها من العمله الموحده قياساً بالمكاسب التي تجنيها الدول الأوروبية من اليورو.

ومن زاويه اخري ستحقق العمله الخليجيه الموحده شفافيه عاليه في الاسعار وبالتالي ترتفع المنافسه لصالح المستهلكين. في الوقت الحاضر تتطلب مقارنه اسعار سلعه معينه تباع في بلدان خليجيه اجراء عده عمليات حسابيه لتعادل العملات. اما بعد ظهور العمله الموحده فلن يحتاج الشخص الي مثل هذه الحسابات. اي سوف تسهم العمله الموحده في زياده المبادلات الخليجيه البينيه خاصه بعد انتشار الانترنت وتسهيلات الدفع بالبطاقه المصرفيه وتقدم الخدمات البريديه ومنح الاعفاء الجمركي. 

بالنظر لهذه المكاسب انجزت دول مجلس التعاون عده خطوات ضروريه للعمله الموحده.

فمن حيث اسعار الصرف تلتزم جميع دول المجلس باحكام الماده الثامنه من اتفاقيه صندوق النقد الدولي المتعلقه بتحرير العمله. كما تتبني العملات الخليجيه الحاليه نظام التثبيت مقابل الدولار الذي سيسهل تحديد قيمه العمله الموحده. لاشك ان الكويت خرجت عن هذه القاعده باعتمادها علي سله عملات بدلا من الدولار. ولكن من الناحيه العمليه تستحوذ العمله الاميركيه علي حصه الاسد في مكونات هذه السله.

وعلي الصعيد القانوني شرعت دول المجلس انظمه مشتركه تتعلق بالمياه والزراعه والصناعه والسياحه وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والاغراق.

ومن الزاويه التجاريه تم انشاء منطقة التجارة الحرة التي افضت في عام 2003 الي اتحاد جمركي خليجي. اصبحت المبادلات البينيه معفيه من الرسوم الجمركيه والمبادلات الخارجيه خاضعه لسعر موحد قدره 5%. كما قررت دول المجلس انشاء السوق الخليجيه المشتركه.

ومن حيث المؤسسات استحدثت لجنه محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزيه عام 1983 لتنسيق السياسات النقديه. كما اسست اللجنه الفنيه للاتحاد النقدي والاقتصادي في عام 2002 والتي تهتم بقضايا هذا الاتحاد بما فيها معايير التقارب.

وفي عام 2008 صادقت دول خليجيه علي اتفاقيه الاتحاد النقدي التي تتضمن عده احكام اهمها استحداث المجلس النقدي الذي سيتحول الي بنك مركزي خليجي وسيشرف علي العمله الموحده. ويتكون المجلس النقدي من البنوك المركزيه للدول الاعضاء في الاتحاد النقدي ويتمتع بالاستقلال عن وزارات الدول الاعضاء. ويجتمع علي الاقل ست مرات في السنه ويتخذ قراراته بالاجماع.

كما حقق الخليجيون خطوه علي درجه كبيره جدا من الاهميه وهي الموافقه علي خمسه معايير للتقارب الاقتصادي.

التقارب هو تقليص التباين الاقتصادي بين الدول وفق مؤشرات محدده تحديداً دقيقاً. فكلما ازداد التقارب تحسنت الاسس التي يقوم عليها الاتحاد النقدي.

سعر الفائده: يجب ان لا يزيد علي معدل ادني ثلاثه اسعار في دول المجلس مع اضافه نقطتين مئويتين. وهذا المعيار متحقق حالياً في جميع هذه الدول لان اسعار الفائده قصيره الاجل لا تتجاوز 1% اي اقل من النقطتين المضافتين.

التضخم: يتعين ان لا يزيد علي معدل التضخم في دول المجلس مع اضافه نقطتين مئويتين. ومعدلات التضخم في هذه الدول متقاربه وتقل عن 4%.

الديون العامه: ينبغي ان لا تزيد علي 60% من الناتج المحلي الاجمالي. وعلي الصعيد العملي لا تعاني دول المجلس من الديون بل انها بالدرجه الاولي دائنه.

الاحتياطي الرسمي: لابد من ان يغطي مبلغ السلع المستورده لمده لا تقل عن اربعه اشهر. وهذا المعيار متحقق في الدول الموقعه علي اتفاقيه الاتحاد النقدي الخليجي.

الميزانيه العامه: يجب ان لا يزيد العجز المالي عن 3% من الناتج المحلي الاجمالي. وهذا هو المعيار الاهم لكنه غير متحقق في عام 2015.

باستثناء الاحتياطي الرسمي نلاحظ ان معايير التقارب الخليجيه منقوله نقلاً حرفياً عن معايير التقارب الاوروبيه.

ان تحديد نسبه كل معيار خليجي بما يساوي تماماً نسبه كل معيار اوروبي امر مرفوض. اذ تختلف ماليه واقتصاديات المنطقتين الخليجيه والاوروبيه اختلافاً كبيراً ولا تتشابه مشاكلهما واولوياتهما. لذلك فان معايير التقارب الاوروبيه لا تصلح لدول الخليج. كما نلاحظ التحديد المشوه لبعض المعايير.

فعلي سبيل المثال يراد من معيار اسعار الفائده في منطقه اليورو تقليص كلفه الحصول علي القروض طويله الاجل في سبيل رفع المقدره الاستثماريه للشركات فيزداد الاستهلاك ويتحسن النمو وتتراجع البطاله. في حين ينصرف المعيار الخليجي الي اسعار الفائده قصيره الاجل (اقل من ثلاثه اشهر) التي لا علاقه لها بالمقدره الاستثماريه بل بتحقيق ارباح سريعه فقط. وهذه الاسعار لا تحتاج اساساً الي معيار في دول المجلس لانها مرتبطه باسعار الفائده علي الدولار حالها في ذلك حال اسعار الصرف الثابته.

والمعيار المالي الذي لم يكن منسجماً مع الوضع المالي الخليجي لم يعد منسجماً معه حاليا. فقد ادي هبوط اسعار النفط في الاونه الاخيره الي عجز مالي خليجي بلغ معدله 6.3% في عام 2015 اي اكثر من ضعف نسبه العجز المسموح بها في المعيار. يخلق هذا الوضع اضطراباً من شانه تاجيل تداول العمله الموحده.

لكن واضعي السياسه النقديه الخليجيه المستقبليه الذين نقلوا حرفياً معايير التقارب الاوروبيه لم يقلدوا منطقه اليورو عندما يتعين عليهم تقليدها. لعبت القرارات السياسيه الاوروبيه دوراً بارزاً في تجاوز الصعاب من اجل ظهور اليورو.

فرغم اهميه معايير التقارب نصت معاهده ماستريخت علي امكانيه قبول الدوله في الاتحاد النقدي اذا بذلت جهوداً لتحسين التقارب. وهكذا افضت هذه المرونه الناجمه عن اعتبارات سياسيه واضحه الي قبول غالبيه الدول الاوروبيه التي لم ينطبق عليها المعيار المالي.

بل انتمت اليونان الي منطقه اليورو رغم ان جميع المعايير لم تنطبق عليها. يتعين اذاً علي دول المجلس عدم اعتبار الوضع المالي الحالي عقبه كبيره امام العمله الموحده خاصه وان مشكله هبوط اسعار النفط مرحليه.

كما وضعت الدول الاوروبيه جدولاً زمنياً محدداً لجميع مراحل الانتقال الي اليورو. احترم هذا الجدول وطبق بحذافيره. في حين اتخذت دول المجلس قراراً بتداول العمله الموحده بحلول عام 2010 لكنها لم تنفذ ذلك.

لا توجد حتي اليوم تسميه رسميه للعمله الخليجيه الموحده الامر الذي يشير الي خلافات حول هذه النقطه غير الجوهريه.

وقد اقترحت عده اسماء منها خليجي وكرم والدينار الخليجي. ويبدو ان التسميه الاخيره هي الافضل لاربعه اسباب علي الاقل: اولها ان كلمه الدينار وردت في القران الكريم (سوره ال عمران). وثانيها ان الدينار هو الاسم الذي اطلقه الخليفه الاموي عبد الملك بن مروان علي اول عمله عربيه اسلاميه. وثالثها ان عملات سبع دول عربية تحمل هذا الاسم. ورابعها ان الوحده الحسابيه المستخدمه في صندوق النقد العربي هي الدينار العربي كما ان الوحده الحسابيه للبنك الاسلامي للتنميه هي الدينار الاسلامي.

اما الخلاف السطحي الثاني فيتعلق بمقر البنك المركزي الخليجي.

الامارات اول دوله ابدت رغبتها في استضافه هذا البنك باعتبارها من المراكز التجاريه المرموقه علي الصعيدين الخليجي والعالمي. لكن الماده الرابعه من اتفاقيه الاتحاد النقدي المذكوره انفاً اتخذت من الرياض مقراً لهذا البنك.

اسهم هذا الوضع في انسحاب الامارات من هذه الاتفاقيه اي من العمله الموحده. واصبح كل طرف متمسكاً بقوه بموقفه في حين يتعين النظر الي هذه المساله بمنظار المصلحه المشتركه. فمن غير المنطقي التضحيه بعضويه الامارات في الاتحاد النقدي من اجل ان تكون الرياض مقراً للبنك. ومن غير المقبول خروج الامارات من هذا الاتحاد لمجرد ان يتخذ البنك من الرياض مقراً له.

ان تحديد دوله المقر لا ينبني علي المكانه المصرفيه للدوله بل علي اتفاق الاطراف.

لاشك ان مقر البنك المركزي الاوروبي يقع في مدينه فرانكفورت اي في اكبر بلد من الناحيه الاقتصاديه في منطقه اليورو. وهذا يعطي دعماً للرياض. لكن السعوديه تحتضن ايضاً اجهزه مجلس التعاون الاخري خاصه الامانه العامه في حين لا تقع مقرات اغلب الاجهزه الاوروبيه بما فيها المفوضيه في الدول الاوروبيه الكبري بل في بلجيكا ولكسمبورغ.

ومن المشاكل الثانويه التمسك بالعمله المحليه بحجه انها تمثل التقاليد والحضاره والتاريخ بل والسياده ايضاً.

والواقع ان العملات المتداوله حالياً في دول المجلس حديثه جداً حيث ظهرت في الستينيات من القرن المنصرم. علماً بان المشكله الاساسيه لا ترتبط بقدم العمله بل بتداعيات استبدالها بعمله موحده.

وافقت فرنسا مثلاً علي استبدال الفرنك باليورو رغم ان اصول الفرنك تعود الي منتصف القرن الرابع عشر. وتبنت اليونان اليورو رغم ان الدراخما يعود الي القرن الرابع قبل الميلاد.

واذا كانت العمله المحليه رمزاً للسياده الوطنيه فان الجمرك ايضاً رمز لهذه السياده. عندئذ يصبح من غير المنطقي الموافقه علي تطبيق تعريفه جمركيه موحده منذ عام 2003 وعدم الموافقه علي تداول عملة خليجية موحدة لحد الان.

لكن هنالك عقبتين اساسيتين امام العمله الخليجيه الموحده. الاولي عدم تفعيل السوق المشتركه والثانيه خروج الامارات وعمان من الاتحاد النقدي الخليجي.

الاتحاد النقدي مرحله متقدمه جداً من مراحل التكامل الاقتصادي ويتطلب سوقاً مشتركه بين اعضائه.

هناك عقبتان اساسيتان امام العمله الخليجيه الموحده،  الاولي عدم تفعيل السوق المشتركه والثانيه خروج الامارات وعمان من الاتحاد النقدي الخليجي

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل